بازگشت

قطع الاميال مشيا علي الاقدام


أما هذه الحالة من التحرك الذاتي، فهي ذات وزن كبير وقيمة رفيعة. فبناء علي حاجة الجندي الملحة للبعير أو الفرس، و الضرورة الماسة جدا للرواحل و وسيلة حمل المقاتل، بحيث لا لوم و لا عتاب علي المتخلف عن الجهاد ان افتقر لفرس يحمله، و لا حرج عليه عرفا، لكننا رأينا العدد الكبير من الأنصار لا يغتنمون تلك المعاذير و لا يقعدون عن مرافقة المسيرة، أو اللحاق بها، و انما


أهملوا تلك الاعتبارات و قرروا المضي مشيا علي الأقدام، حيثما أراد الامام أن يمشي، و حيثما قصد وطال الطريق أو بعد، حتي ولو بلغ «سعفات هجر»... ولقد أعذر الله تبارك و تعالي نبيه الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم ممن لا يملكون رواحل، أو لا يملك النبي (ص) لهم ذلك. فلا مذمة و لا حرج عليهم: «الذين اذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما احملكم عليه تولوا واعينهم تفيض من الدمع حزنا الا يجدوا ما ينفقون.» 92:9.

فحتي الشرع يبيح لمن لا راحلة لا التأخر عن الخروج في الجهاد... بيد أن أولئك الأنصار المخلصين لم يرضوا بالقليل من العمل الرسالي، أو انتظار فرصة الحصول علي الناقة أو الجواد، فهبوا يمشون حتي غلب مشاتهم علي عدد ركبانهم - أو فرسانهم أصحاب الرواحل - كما تلاحظ فيما يلي:

كانوا (100) راجل و (45) فارسا!. حسب تاريخ الطبري الذي قال: «... و كان أصحابه خمسة و أربعين فارسا و مائة راجل.» و حسب قول ابن نما في مثير الأحزان «... و عبي الحسين أصحابه، و كانوا خمسة و أربعين فارسا و مائة راجل.» أو أنهم كانوا (40) راجلا و (32) فارسا: «.. معه اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا.» كما ذكر الطبري في قول، و كما ذكر الخوارزمي، و أبو حنيفة الدينوري، و كذلك الشيخ المفيد [1] ... و سواء كان هذا الاحصاء لمن كانوا في كربلاء بالذات أو لمن وصلوا الي كربلاء مع الامام فقط - أي الذين كانوا في الطريق - فان الفرق البياني لنسبة المشاة و نسبة الفرسان، يفيد بأن الفئة الأولي أكثر عددا من الثانية، و يكشف بالتالي عن مدي الصلابة في سعيهم لما ينشدون، و مبلغ قوة عزمم نحو ما به يومنون..

قطعوا المسافات الطوال و هم يروضون أنفسهم، و يهذبونها يبلغون بها الأسمي، فالأسمي من مدارج الأريحية و مراتب الكمال،


و منازل العز الالهي الرفيع، تمجد بهم آيات الجهاد القرآنية، و تمتدحهم الأحاديث النبوية الشريفة. اذ يقول النبي صلي الله عليه و سلم، بشأن المشاة بلا رواحل: «من اغبرت قدماه في سبيل الله، حرمه الله علي النار [2] .» و هنا نتذكر الصحابي المجاهد: (أبا ذر الغفاري) حينما رفض الاقرار بتوقف الجهاد علي الناقة، فلا تراجع و لا خذلان لافتقاد الراحلة أبدا [3] لأن الواجب الشرعي و المسؤولية الرسالية، بعيدان جدا عن اللوازم الروتينية التي يتخذها البعض ذريعة للتخلف و الجبن و التهرب.. فالأنصار الأفذاذ قد قطعوا الأميال و الفراسخ يطوون الصحراء بسيرهم في السهل أو نزولم في المنحدر أو صعودهم الهضبة.. و الشمس من فوقهم و هجير الرياح اللاهبة من حولهم، و الرمضاء من تحتهم!!! فهذا هو الامتحان العسير اذن... ولو طبيعة سير الركب الذي لم يكن سريعا جدا - كالحملات العسكرية أو كالغزوات - لما تمكن المشاة من المواصلة و لسقطوا أثناة الطريق واحدا تلو الآخر، مرضي مرهقين، أو قد يصل بعضهم علي نصب و جهد جهيد... فلولا طبيعة خطي المسيرة، لتخلف منهم من تخلف، و لكانوا مثلا لمن «تولوا و اعينهم تفيض من الدمع حزنا» 92:9..



پاورقي

[1] أنظر کتاب الشيخ محمدمهدي شمس الدين (أنصارالحسين) ص 36 - 32 و ما بعد ذلک الي ص 49 حيث عدد الأنصار (حسب روايات تحت أضواء يلقيها المؤلف).

[2] جاء عن الصحابي الجليل (جابربن عبدالله الأنصاري) أنه کان يقود بمظنه و يسير مشيا علي قدميه بين صفوف الجيش الاسلامي بأرض الروم. فلما رآه (مالک بن عبدالله الخشعمي) عجب منه و قال: «ارکب فقد حملک الله.» أي رزقک الله راحلة تحملک. فقال له: «سمعت رسول الله (ص) يقول: من اغبرت قدماه في سبيل الله، حرمه الله علي النار.» فأحب مالک أن يسمع الجند جميعا بذلک الحديث الشريف، فابتعد عن جابر مسافة، ثم ناداه متسائلا عن عدم رکوبه فأجابه جابر مرة ثانية بنفس الحديث. و سمع أکثر أفراد الجيش فتواثبوا عن دوابهم الي الأرض ليسيروا مشيا بعض الوقت، فقال الرواوي: «فما رأيت ماشيا أکثر من ذلک اليوم..».

[3] جاء عن أبي ذر الغفاري مسندا لعبدالله بن مسعود، قال لما سار رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الي تبوک أخذ البعض يتخلفون. فيتخلف الرجل مثلا فيقولون: يا رسول الله تخلف فلان فيقول دعوه، ان يک فيه خير فسيلحقه الله بکم، و ان يک غير ذلک فقد أراحکم الله منه. حتي قيل: يا رسول الله تخلف أبوذر و أبطأ به بعيره فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: دعوه ان يک فيه خير فسيلحقه الله بکم و ان يک غير ذلک فقد أراحکم اله منه فتلاوم أبوذر علي بعيرة فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله علي ظهره و مضي يتبع رسول الله (ص). و لما نزل الرسول (ص) في بعض منازله، و نظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله هذا رجل يمشي علي الطريق. فقال رسول الله (ص): کن أباذر فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله و هو والله أبوذر، فقال صلي الله عليه و آله و سلم: رحم الله أباذر يمشي وحده، و يموت وحده، و يبعث وحده..

و في رواية: عن تفسير علي بن ابراهيم - انه تخلف في الطريق ثلاثة أيام و بعدها أدرک الرسول و الجيش، و ان الرسول قال له بعد أن وصل: «يا أباذر رحمک الله، عيش وحدک، و تموت وحدک، و تبعث وحدک، و تدخل الجنة وحدک. يسعد بک قوم يتولون غسلک و تجهيزک و دفنک.. نقلا عن السيد محسن الأمين طاب ثراه.. مأخوذا عن موسوعته الشهيرة (أعيان الشيعة).