بازگشت

البعض بين التردد والاقدام


الموقف الآن يدعو الي حتمية الاستمرار.. ولكن البعض قد توقع رجوع الركب، أو توقعوا التأخر ريثما تضبط الأخبار ليحسن الاختيار، و بعضهم ما زال يتوقع الاستمرار باختلاف و تفاوت في التأكيد و النفي، لأن كل واحد كان يفكر علي نيته و شاكلته... بل لقد بدرت من البعض آراء العودة و هم الضعفاء. فقد ذكر الطبري أن الأسديين (و هما حاملا الخبر) رغبا للامام بالرجوع، فروي قولهما و اعترافهما «فقلنا ننشدك الله في نفسك [1] ... الخ.» فهما يريدان منه أن يعود... و قيل ان شخصا قال للامام برجحان المضي و المواصلة الي الكوفة، آخذا بنظر الاعتبار كون الامام غير (مسلم) فالكوفة أسمع له و أطوع من (مسلم) علي حد تعبيره... و هكذا فلا استبعاد لتلك الفوضي و صدورها قبل التأكد من رأي القائد. فهناك عناصر سلبية و عناصر قلقة، و التصحفية لم تتم بالكلية..

ان للقائد رأيه.. فللحسين كلمته في ذلك الأمر بلا خوض في الآراء كما فعل الآخرون.. و له قوله الفصل، ان لم نقل بأن كل شي ء كان معروفا لديه، و سابقا في علمه قبل وضع خطته المنهجية و هدفه، و أنه علي قديم علم بما سيؤول اليه الحال.. فعندما يقول لبني عقيل - و هم اخوة مسلم و أولاده الشباب - ماذا ترون؟ فذلك لا يعني أنه يستشيرهم. فالثورة الرسالية لاتتوقف عند مصرع واحد من أبطالها، أو فذ من أفذاذها، و لا يتحكم بها اخوانه و لا أولاده.


ولكنهم أجابوه بكلمة المضي، و أنهم لا ولن يتراجعوا عن جهاد قتل فيه مسلم.. فلا يرهبهم القتل. بل ان مقتل مسلم بذاته محفز لهم يحثهم علي السير قدما. فكيف تتوقع جوابهم؟. التخلي و التراجع؟. أم الاقدام؟. «لا والله لا نرجع حتي نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق مسلم!..» و ليس الثأر منطلقهم الأساسي. و انما هو أسلوب تسويغ في حينه، و بوقت فيه القلوب تقطر لوعة و أسي، قالوها من باب التأكيد علي المضي حيث الحياة الحرة..

أجل.. ان الامام له قوله الحاسم، لا سيما لمن يعيشون جوا من التردد و القلق، و لطالما كرر الايعازات المخيبة لآمال الضعفاء، ليقصيهم عن دائرة ركب المسيرة حرصا علي النزاهة و تبيانا للتوقعات، و قطعا لدابر التفكير المنحرف..


پاورقي

[1] الطبري، ص 299. و هذا الکلام لم يصدر عن أصحاب الحسين اذ قيل: «بعض أصحابه.» راجع (حياة الامام الحسين) ج 3 ص 69 فهذا التعبير غير دقيق ذلک لأن من يقول ذلک القول ان هو الا ضعيف. ولعله أريد بالصحبة مصاحبة الطريق لاصحبة الحسين (ع) الأصيلة.