بازگشت

الفرزدق يحمل خبرا


يعتبر أول ما وصل عن الكوفة، هو خبر الفرزدق، لكنه لا يقاس بخبر استشهاد المبعوث الحسيني مثلا. و منطقة «الصفاح» هي التي جمعت الفرزدق و ركب الامام [1] . حينما كان قادما من الكوفة مع أمه لتأدية فريضة الحج..

قال افرزدق للامام سلام الله عليه: «بأبي أنت و أمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحج؟» فأجابه بأسلوب الحكيم: «لو لم أعجل لأخذت.» فلم يطل معه. ثم سأله الامام عن أوضاع الكوفة، فقال افرزدق: «قلوب الناس معك و سيوفهم مع بني أمية... و أضاف قائلا: «.. و القضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء. و ربنا كل يوم هو في شأن..» فصادق الامام علي ما تنزله و تقتضيه ارادة السماء فقال:


«صدقت. لله الأمر من قبل و من بعد، يفعل الله ما يشاء و كل يوم ربنا في شأن، ان نزل القضاء بما نحب فنحمد الله علي نعمائه، و هو المستعان علي أداء الشكر، و ان حال القضاء دون الرجاء فلم يتعد من كان الحق نيته و التقوي سريرته.» [2] .. و أردف عليه السلام قائلا:



لئن تكن الدنيا تعد نفيسة

فدار ثواب الله أعلي و أنبل



و ان كانت الأبدان للموت أنشئت

فقتل امري ء بالسيف في الله أفضل



و ان كانت الأرزاق شيئا مقدرا

فقلة سعي المرء في الرزق أجمل



و ان كانت الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به المرء يبخل؟!!



ففم الفرزدق صرامة الامام و عزمه المقدام علي المضي حتي الفتح الأكبر، فما كان منه بعد ذلك الا الانصراف. فسأله عن بعض المسائل الشرعية الخاصة بالحج، فاجابه الامام سلام الله عليه، فتحرك الفرزدق «ثم سلم عليه و انصرف.»

و ثمة حالة ثانية تخص شخص الفرزدق. فقد روي فقال سألني الامام بقوله: من أنت؟ فقلت أنا أمرؤ من العرب» و أضاف قوله «فلا والله ما فتشني عن أكثر من ذلك» [3] .

وروي له الطبري بنفس المعني، و الفرق باللفظ «فقلت له أنا امرؤ من العراق، قال فوالله ما فتشني عن أكثر من ذلك و اكتفي بها مني.» [4] .

و نستفيد من ذلك.ن الامام كان يراعي البعض ممن يرغبون بالبقاء


مجهولي الهوية، مكتومي الشخصية، لئلا يقع احراج ما. فأدرك علة صيغة الجواب و سر تجنب الافصاح: «أنا رجل من العرب.» أو «أنا امرؤ من العراق.» كمن يقول أنا من بني آدم و يسكت، فلم يدعه الامام للنصرة، بل ما كرر عليه و لا أحرجه، فسر الفرزدق بذلك بحيث قال ما قاله سابقا: «فلا واله ما فتشني... الخ» و انه لأمر يوكد سلامة المسار و المسيرة، فلا يحرج الامام القائد من لا يريد النصرة أو لا يرغب بالوعد باللحوق أو ما الي ذلك..

هذا و قد أشار القرشي الي أن الامام عرف الفرزدق و كناه بقوله:

«من أين أقبلت يا أبا فراس؟» ولكن مصدره في ذلك مما لا يعتد به [5] اذ ليست الرواية مكررة أو أكثر اعتبارا من غيرها.. و علي كل حال فان الامام لم يدع الفرزدق فيحرجه اذ المفروض أن معرفته له مدعاة لاستنفاره و مطالبته بالاسهام و تذكيره بواجبه. لكنه تركه و ذاته و ذهب الي سبيله ليلتقي بابن عمرو ابن العاص كما سبقت الاشارة.. والقاري ء يلاحظ فعلا فيقول: ان الفرزدق يومذاك. غيره يوم وقف يتحدي جبروت و استهتار عبد الملك بن مروان مفصحا عن شخص الامام السجاد علي بن الحسين زين العابدين (ع) عبر أبيات الشعر الشهيرة المعروفة [6] ..



فاللقاء بالفرزدق دل علي وجد خطر مرتقب لا ريبة و لو أنه لم يرق الآن الي مستوي اليقين غير أنه هد من قوي النفعيين و بدد آمال المصلحيين في حين ازداد النصير الحسيني ايمانا علي ايمان، فاعتد و تعبا بمعنوياته الذاتية، و خطي الي الامام علي طريق المواجهة الحتمية في سبيل الله الذي لايخشون غيره، فهولاء


قد آمنوا و أطمأنت قلوبهم بذكره فتابعوا السير حثيثا بلا و جل فهم الذين قال لهم الناس: ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم ايمانا، و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل!» 173:3.


پاورقي

[1] وقيل بمنطقة (ذات عرق) - عن تذکرة الحفاظ للذهبي، و قيل في (الشقوق) کما في مقتل الخوارزمي، و قيل في (زبالة) اللهوف لابن طاووس، و الأصح أنها (الصفاح) کما في عدة مصادر لا سيما معجم البلدان - أنظر هامش ص 60 ج 3 (حياة الامام الحسين).

[2] الطبري ج 4 ص 290 و الارشاد و ابن الأثير ج 3 ص 276 و أعيان الشيعة ج 4 ص 180 و بحارالأنوار ج 44 ص 365 و البداية و النهاية ج 8 ص 166 أو 167.

[3] انظر الارشاد للمفيد (ره) ص 218 و بحارالأنوار ج 44 ص 365.

[4] تاريخ الطبري ج 4 ص 290.

[5] مصدره وسيلة المآل في عد مناقب الآل، لصفي الدين ص 188 مخطوط و نور الأبصار للشبلنجي ص 128.

[6] القصيدة الميمية العصماء، و هي اشهر من أن تذکر، والتي يقول فيها:



و ليس قولک من هذا بضائره

العرب تعرف من أنکرت، و العجم.. الخ..