بازگشت

حالة و ثلاثة مواقف


في هذه الحالة ظهرت ثلاثة مواقف، ففيها كان لحوق محمد و عون، ولدي عبدالله بن جعفر و انضمامهما، ثم لحوق ابن جعفر نفسه بهدف ثني الامام عن


الذهاب للعراق، لا بهدف منع الجهاد بالذات، فهو من المشفقين. و سنري كذلك موقفا من مواقف المعارضة اللامسؤولة من قبل الوالي عمرو بن سعيد...

اجل، لحق محمد و عون بخالهما الامام الحسين، فاغتنماها فرصة حين بعثهما والدهما برسالة الاشفاق التي جاء في نهايتها «... ان هلكت اليوم طفي ء نور الأرض، فانك علم المهتدين و رجاء المؤمنين، فلا تعجل بالسير فاني في أثر الكتاب والسلام». [1] .

بيد أنه بقي سائرا لم يتوقف، بحكم حقيقة أنه «علم المهتدين» ينشد السعي لبيان الهدي بسير أمين، فهو هدي الناس «و رجاء المؤمنين» فلا يطفؤ «نور الأرض» طالما أنه يطلق نورا فوق نور من أرض تقديم الضحايا و القرابين لرب العالمين. و بعد أن بعث عبدالله بن جعفر بولديه و رسالته، أسرع مبادرا الي والي مكة، و طلب منه عهدالله و ميثاقه في عدم مضايقة الحسين اذا رجع الي مكة، و طلب منه كتابا فيه عهده للامام، فكتب، ثم تحرك ابن جعفر ليلحق بالركب - رغم فقدانه لبصره - و رافقه يحيي بن سعيد الذي كان علي رأس المفرزة التي صادمت الركب.

أما رسالة الوالي فظاهرة الدلالة علي أنها معارضة للجهاد، و لا تخلو من سوء تربية و أدب و هذا نصها:

«أما بعد فاني أسال الله أن يصدفك عما يوبقك و أن يهديك لما يرشدك. بلغني أنك قد توجهت الي العراق، و اني أعيذك بالله من الشقاق. فاني أخاف عليك فيه الهلاك و قد بعثت اليك عبدالله بمن جعفر و يحيي بن سعيد، فأقبل الي معهما فان لك عندي الأمان و الصلة والود و حسن الجوار، لك الله علي بذلك شهيد و كفيل و مراع و وكيل و السلام عليك». [2] .


غير أن الامام لم يكن خائفا بمكة حتي خرج لجهاده المصيري، ولكن تجنبه لعملية الاغتيال الشيطانية الشريرة، كان مهيئا و مسوغا لتعجيل الرحيل فقط. و هو لا يطلب أمانا من أحد، فهو الأمين و السلام هو الله...

و وصل عبدالله بن جعفر و يحيي الأشدق و الكتاب برفقتهما و الح ابن جعفر علي الامام بالرجوع و اتخاذ اتجاه غير العراق، أو رأي آخر، الا أن التراجع مستحي لأنه تأخير و تهاون عن أوامر الله و جده رسول الله كما كان يصرح...

و أراد الامام أن يعرف الوالي زلاته و أخطاء لسانه الآثم و مواطن سوء أدبه، لأن الحسين لا يعرف الشقاق، و لا يخاف الا الله تعالي الذي منحهم مناصبهم و رتبهم في مراتبهم و ائتمنهم علي كتابه و سنة نبيه، فسار - بهذا المنطق الأساسي الذي كان يتحرك به أهل البيت - فكتب لذلك الوالي، رسالة جوابية هذا نصها:

«أما بعد فانه لم يشاقق الله و رسوله من دعا الي الله عزوجل و عمل صالحا، و قال انني من المسلمين، و قد دعوت الي الأمان و البر و الصلة، فخير الأمان أمان الله، و لن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في لدنيا، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمان يوم القيامة، فان كنت نويت بالكتاب صلتي و بري فجزيت خيرا في الدنيا و الآخرة و السلام) [3] .

و من مضمون الرسالة يتبين مدي جهل الناس و اغترارهم و تكبرهم علي الله و أبناء النبيين بتلاعبهم بالمفاهيم [4] «فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمانا يوم القيامة...» أجاب الحسين، عبدالله بن جعفر بكلمته الأخيرة حينما قال:


«اني رأيت رويا فيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أمرت فيها بأمر أناماض له علي كان أولي. فقالا: (ابن جعفر و يحيي): فما تلك الرؤيا قال (ع): ما حدثت أحدا بها و ما أنا محدث أحدا حتي ألقي ربي.» [5] .

فلا داعي للأخذ والرد و كثرة الكلام بعد، فالمؤمن حقا يعرف حاجة الواقع للعمل علي ضوء واجبات الرسالة، و موجبات الشارع...، و بعد ذلك أمر عبدالله بن جعفر ولديه محمدا وعونا بملازمة خالهما الامام بدلا منه، ليموض بذلك قصوره المتأتي عن فقدان بصره، و رجع و معه ابن الأشدق و الرسالة الحسينية برفقتهما...

لقد أفاد جوابه لكل سامع من السائرين، أن الامام في طريقه لمواجهة أمر ليس بالهين البسيط. و كذلك أفادت من مواقف كل من المشفقين و المعارضين. أما أمر النبي (ص) للامام فلم يذكره لأحد و ابقاؤه طي الكتمان يبدو مسألة محيرة جدا. ولكنها تحير الضعيف و المتردد فحسب، أما غيرهما فعلي العكس اذ يستمد منها قوة، و يتعبؤ كلما سمع من الامام كلاما أو حديثا. و عليه فهناك أمران لهما طريقان يسلكهما الانسان: «انا هديناه النجدين» يواصل النصير بقوة قلب «فانما هي احدي الحسنين». «فمن قبلني بقبول الحق فالله أولي بالحق، و من رد علي أصبر حتي ألقي الله» كما جاء في خطابه البليغ بمكة...

و نختم هذا الفصل بحالة تكررت من الامام القائد، و هي ذكره أثناء المسير لجهاد الأنبياء و الرسل، و لا سيما يحيي بن زكريا (ع) و مصيره خلال مرير جهاده، كأنه شبه نهايته المقدسة بنهاية النبي يحيي (ع) و قاتليه الامويين ببني اسرئيل و لكن بأسوأ مثال و أنكي حال، بحكم دعائهم بالدين و تسميهم بالاسلام «و من هوان الدنيا علي الله أن رأس يحيي بن زكريا أهدي الي بغي من بغايا بني اسرائيل...» كان ذلك يتكرر علي لسانه الشريف في الطريق، كما ذكر


التاريخ، ولكن الذين يسمعون كانوا يتفاوتون في مداركهم لمعرفة المغزي المكنون: «لامناص من يوم خط بالقلم.. رضي الله رضانا اهل البيت»


پاورقي

[1] تاريخ الطبري ج 4 ص 291، و ابن الأثير ج 3 ص 277. والبداية و النهاية ج 8 ص 167 و بحارالأنوار ج 44 ص 366.

[2] الطبري ج 4 ص 292 - وابن الأثير ج 3 هامش ص 277.

[3] نفس المصدرين السابقين.

[4] طالما استعمل البعض مفاهيم أساؤا فهمها و أساؤا لمن نسبوها اليهم ظلما و عدونا، بل کانوا هم أليق بما وصفوا «من يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدي و يتبع غير سبيل المومنين نوله ما تولي! و نصله جهنم و ساءت مصيرا.».

[5] الطبري ج 4 - و ابن الاثير ج 3 - و البداية و النهاية - و بحارالأنوار.