بازگشت

المعارضون و صلابة ثلة الانصار


و اذا كان بعض من لهم نية سابقة تلاشي أثرها بفعل سذاجة اقتناع الناوي برجحان القعود و بيعة يزيد، فان هذا التراجع مما يريح الامام القائد من مشقة تصفية ضعاف النفوس، و اذا كان غرض المعارض هو ذلك من جملة أغراض أخري، فلم يصب هدفه الرئيسي، و هو ايقاع الردة «مثلا» بكبار عمالقة العقيدة لأنهم ليسوا جديدين في الجهاد و لا هم قريبو عهد بالدين الاسلامي الحنيف، بل هم علي سابق اتخاذ للرأي و اقرار للنهج علي طريق المجد، و سوف لا ولن يتراجعوا عنه بأي تأثير، مهما بهظت الأثمان..

و لقد كان تنازل نصير ما، و احتمال تراجعه بمستوي المستحيل، نظرا لقوة التعبئة و تمام التوطين، و منتهي الاستعداد للافتداء و التفاني، و بحكم تحكم المفعول العقائدي و تملك الزم الخطير من الطاقات المدعون باليقين المقاوم، بناء علي الأصالة المتسم بها ذلك اليقين.


أما المعارض فليس نصيبه من الدعوة للنصرة سوي السخرية و الاستخفاف بايمانه.

فكيف لا يقاتل النصير يزيد، و هو جاهز منذ سنوات لمقاتلة معاوية، بل قاتله في صفين؟.

و كيف يسكت صمتا عن مفاسد تكاد تحيق بأخص خصائص القرآن و الاسلام؟؟ أم كيف «بعد كل ذلك» يبايع يدا، ليصانع حكما قوامه الفسق المعلن و الفجور المبين؟!. انها لجرائم قوية يدعوه المعارض اليها.. و انها لاحدي الكبر!!!.

يقول الأستاذ عباس العقاد: «و أعجب شي ء ان يطلب الي الحسين بن علي (ع) أن يبايع مثل هذا الرجل و يزكيه أمام المسلمين، و يشهد له عندهم أنه نعم الخليفة المأمول صاحب الحق في الخلافة و صاحب القدرة عليها..» [1] .

لا غرو لافعجائب سلسلة لاتنتهي حلقاتها، فالعقاد تراه يعجب، و يذهب فيتكلم بلهجة المتعجب فمن هو معاوية؟ و أني له أخذ ولاية العهد ليزيد: «و كان اختياره لولاية العهد مساومة مكشوفة قبض كل مساهم فيها ثمن رضاه و معونته جهرة و علانية من المال و الولاية او المصانعة.» ثم أضاف حقيقة أكيدة بقوله: «ولو قبضوا مثل هذا الثمن ليبايعوا وليا للعهد شرا من يزيد لما همهم أن يبايعوه و ان تعطلت حدود الدين و تقوضت معالم الأخلاق.» [2] .

و عليه، فالمعارض، و هو المبايع كذلك، ينتظر رحمة يزيد.. و تزداد المكافات حسب مواقفه و آرائه!. و كان لكل منهم أجره عند سيده.. و لاخوف عليهم و لا هم يحزنون خلال حياتهم!!! و لعمرك ان متاع الحياة الدنيا لقليل.. و اذا وقعت زيارة عزرائيل وافدا بأمر ربه.. بالموت.. «هنالك يخسر المبطلون!.»


و نستزيد القراء علما ببالغ الرقي العقائدي الذي تسلق اليه رجالات الحسين حينما ننقل المفارقد في النظرة لشخص الامام، نظرة الضعفاء التي عرضها العقاد و وصفها بالنفعية و نظرة الأنصار التي هي علي العكس من ذلك تماما فالعقاد يؤسفه من ينظرون بعين النفع و المصالح الدنيا حينما يقول:

«كذلك لا يقال ان «الوراثة المشروعة» [3] في الممالك كان لها شأن يرجح بيزيد علي الحسين في ميزان العروبة و الاسلام، فقد كان توريث معاوية ابنه علي غير وصية معروفة من السلف، بدعة هرقلية كما سماها المسلمون في ذلك الزمان. و لم يكن معقولا ان العزب في صدر الاسلام يوجبون طاعة يزيد لانه ابن معاوية و هم لم يوجبوا طاعة آل النبي في أمر الخلافة لأنهم قرابة محمد عليه السلام [4] ثم يردف العقاد بلهجة العجب المؤلة فيقول أيضا:

«فقد شاءت عجائب التاريخ اذن ان نقيم بين ذينك الخصمين قضية تتضح فيها النزعة النفعية علي نحو لم تتضحه قط في أمثالا من القضايا.» [5] .

و كتتمة لكلام العقاد هذا، نقول: و بالمقابل فان من عجائب التاريخ اتضاح النزعة العقائدية للأنصار بلا أدني نفعية، و اتضاح البواعث الذاتية المتسامية علي نحو لم يتضح قط في أمثالهم من الجند. و ليس هذا تتمة فحسب بل كان هذا ما أراد العقاد أن يتوصل اليه، بمعرض مقارنته «بين ذينك الخصمين»

و بعد فآراء المعارضين و اقتراح الصلح و البيعة «بالأخص» ليس الا «مساومة مكشوفة» بنظر الجند، اذ القضية محض رسالية، بعيدة البعد كله عن الأمزجة و الانفعالات الشخصية، حتي يتم «صلح» و يهون الأمر..

ان القضية بنظر الأنصار، تحتاج الي حلول و علاج، لايتوفر الا عند المبادي ء الاسلامية و مواقف الشرع العظيمة، و لا أمين علي تلك المبادي ء غير


وحيد عصره، حجة الله في الأرض علي خلقه، و و قائدهم و القضية قضية بون شاسع و فارق كبير بين الطرفين، فالحسين هو الحسين، أما يزيد فبين قوسين، و علامة استفهام بمثابة الحكم عليه.. و عند الأنصار أن اجراء و رأي ضد الارادة الحسينية في ذلك الظرف بخصوص تلك القضية، معناه طوفان شعلة المبادي و نور الحقائق علي سطح مياه المستنقع الأموي الي حين، ثم غرقها فلا تجد لها أثرا. «يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، و يأبي الله الا ان يتم نوره و لو كره الكافرون.» 32:9.


پاورقي

[1] أبو الشهداء، ط 2 ص 114.

[2] أبو الشهداء - ط 2 ص 114.

[3] يرمي بالعبارة هذه الي السخرية. فلا شرعية في توريث معاوية ليزيد أبدا.

[4] أبو الشهداة ط 2 ص 70 - 69.

[5] أبو الشهداء ط 2 ص 70 -69.