بازگشت

بواعث المعارضة


من المفروغ منه ان الذين عارضوا كانوا يحاولون الحيلولة دون مشروع رسالي جسيم، و يقابلون بصلف لامباشر اماما محمديا عظيما، و عليه فلا بد من دوافع داخلية دعتهم لوقاحة أبطنوها بنصيحة. و فيما يلي عرض لما ظهر واضحا:

أولا: كان يطغي علي أكثرهم نزعة الميل عن خط أهل البيت الرامي الي اتخاذ اجراءات بالغة الحسم، في مواقف الخطر علي رسالة الاسلام بحيث لو قصدوها «الاجراءات» رميا للهدف فلايخيب السهم، و هذا ما لا يرغب به أكثرهم بتفاوت في شدة الرغبة هذه.

ثانيا: و عليه فالخشية قائمة عند أولئك من احتمال حلول دولة الحق و العدالة بأفول قيصرية أمية، و كسروية بني سفيان، فالحسين هذا امتداد جده الأعظم و أبيه الأكرم، و و بالضبط كل الاسلام، في مرحلته العملية و واجهته التطبيقية، فيحز ذلك بنفس من له مصالح معرضة للزوال.

ثالثا: بتقدير أن الامام سوف لايمسك بأزمة الحكم، فان خروجه المشفوع بتقديم القرابين لله، سوف يغير وجه الواقع فيفضح المفاسد الأموية و يهتك الستائر و ما هو مخبوء تحتها..

رابعا: أرادوا بما قالوه و بادروا له أن يظهروا بمظهر المتحسس، الذي يشعر بالمسؤولية بمنظار خطورة الظروف. لكن المسؤولية الحقة تكمن في التفكير بأمور الأمة و بحال كل فرد مسلم و مسلمة، و هذا واجب أناطه الرسول (ص) بالجميع و ليس فقط بلبارزين. فكيف لايكون البارز مسؤولا حقا بمنظار وضع الحلول لا بالاهمال و ترك الامور و الظروف الي نفسا. فان أحب أحدهم أن يظهر بصورة المسلم الواعي للواقع فقد أثبت مستواه غير اللائق بالعيش بين ظهراني أمة ذات شريعة تأبي الانحراف، فيقتضي مراقبة الحكم لتصحيح سلوك الحاكمين أو الاطاحة بعروشهم... و صحيح ان الأزمة مستحكمة، و الحسين (ع) بعظمته يدرك ذلك، و يري وجوب قهر الأزمات و ضربها كيلا تبقي مستحكمة،


و المسؤول من اذا عرف الصعوبة فاقتحمها، طالما يترتب علي تركها حطام الأمة و الفكر، فليس المحبذ للترك و الاهمال بمستوي المسؤلية المطلوبة اسلاميا.

خامسا: ان المعارض بحكم ضعف مؤكد في ايمانه، و خور بنفسيته، و تداع في ارادته، لايتمكن من الجهاد و تأدية الواجب المفروض عليه فرضا لا اختيار له فيه و لا اجتهاد مزعوم يتحكم به.. فلكي ينفي عنه عار الجبن و خوف السيف و خشية الجيوش، كان عليه ان يبدي نفيه للحاجة للجهاد.. بل أراد من الامام ان يبايع يزيد كما اقترح عبدالله بن عمر!!!.

سادسا: ان المعارض، لما كان شخصا بارزا معروفا، فهو مدان غدا من قبل الناس لتخلفه. ولكي لايبقي ملامة و لاعتاب عليه نراه قد أسرع منذ البداية لتبرير قعوده طالما استساغ معارضة الامام نفسه بسابق تصريح علني أمامه فظن انه ترك سابقة ذهنية لايهام اللائم بأنها تسعفه فتنهض بموقفه المتمثل بتخلفه.

سابعا: قد يحسب المعارض يومذاك، أن لكلامه حسابا بحيث يوثر علي بعض من له نية نصرة الحسين، فيفت في عضدهم، كمحفز لترك الأمر، و مستفز مذكر بدعة العيش و هنائه الرغيد. فانه و ان كان لذلك من تأثير علي الضعيف بفعل عوامل الشيطنة، فانه لا «سلطان له علي الذين آمنوا و علي ربهم يتوكلون». 99:16.

ثامنا: مهد بعضهم لاستساغة سماع الناس بيعته ليزيد، و كيف يدهش الناس عجبا من مبايعته ليزيد طالما اقترح علي الامام - هذا العظيم بعين كل الأمة و البشر، سليل سيد الرسل - أن يبايع ذلك المخلوق بالذات!.

و هكذا، فتلك هي البواعث اللارسالية و غيرها مما قد نغفل او يخفي. و تلك هي، متفرقة او مجتمعة - بتفاوت أفراد المعارضين - كانت العلل وداء المواقف التي وقفوها.. و من المؤسف - و ما يجز في النفس - ان منهم من لم


يكتف بالمعارضة بل لقد بايع كالعبد الرقيق الذليل؟! و الي هنا فلا أسف اذ قل حل العار، ولكن الأسف يكمن في أن ذلك الجيل كان أقرب الأجيال لعصر خاتم الأنبياء جد الحسين (ع) «ولكم في رسول الله أسوة حسنة»... فأين هذه الأسوة و مكانها من عمل أو قول؟! و أين الاقتداء و القدوة فبهداهم اقتده..» و يبدو جلية واضحة.. فمن يبلغ بلادة و غباء فينكر أن الرسول صلي الله عليه و سلم قد مهد للتجنيد في ثورة ولده الحبيب علي الباطل و الشر - سلفا - بحركة مجيدة ضحيتها الحسين (ع) و أنذر بعطائها و أبعادها «حسين مني و أنا من حسين» كأنه يدعو لأن ينخرط تحت رايته من ينخرط بباعث ذاتي، و بحكم خلوص الهدف و عظمته بمنطق النبي (ص).