بازگشت

دوافعهم لاتخاذهم موقعهم


علاوة علي توفر المبررات لأغلب المشفقين بالقعود و التخلف عن الواجب كأم سلمة التي هي امرأة غير مأمورة بالجهاد، و كمحمد بن الحنفية، و عبدالله بن جعفر، و جابربن عبدالله الأنصاري و الذين سنذكر أعذارهم في الفصل الرابع، فان ثمة بواعث دفعتهم لما ذهبوا اليه من ثني الامام عن العراق الي بلد آخر يقيم فيه، أو بأخذ البيعة من أهليه هو ذلك الواقع المشهود للأمويين الذين ليكترثون بسفك دماء أزكي لأزكياء، و ذلك الجو المرعب الذي ازال مفهوم الأمن في أعظم أماكن الأمن التي خصها الله بالأمان و الحرمة والسلام و القدسية..

و ان الدافع الملح بشدة، كان يتمثل بما أثر عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم من تنبؤات حقيقية بشتي جوانب مستقبل الأمة و البشرية، و منها التنبؤات الخاصة بالنهاية المجيدة لولده و ريحانته الحسين (ع) مع رهطه و عصبة أصحابه في بقعة وسط العراق... لذا كانوا يثنونه عن العراق و يذكرون له ما قاله الحق بلسان جده الرسول حيث قال: «يقتل ولدي الحسين بأرض العراق» و حيث قال «مالي و ليزيد، لابارك الله في يزيد!!!

حتي قالت أم سلمة مثلا «يا بني لاتحزني بخروجك الي العراق، فاني سمعت جدك رسول الله (ص) يقول: يقتل ولدي الحسين بأرض العراق، في أرض يقال لها كربلا، و عندي تربتك في قارورة دفعها الي النبي».

و أكثر هولاء كانوا ممن عاصر النبي و سمع منه. و هي حقائق لابد أن تقع،


و هم مؤمنون يقينا بالمال اليها بحكم تصديقهم كل ما يأتي عن الرسول الأعظم، فهم لم يعارضوا أو يؤاخذوا الامام بمستوي تكذيب أنباء جده فضلا عن تخطئة شخص الامام لكنهم أرادوا احتمال ترك الامام للعراق بالذات أو تأجيل السفر اليه.. فهم لا يطيقون معاصرة مجري الحديث بمرأي و مسمع و مشاهدة منهم عيانية لمقدماته، و الحقيقة انهم لايطيقون أنباء النبي من فمه الزكي، او من بعضهم البعض. فكيف بهم و هم يرون مصاديق الحديث فيلمسونه لمس اليد؟ فبالضبط هم علي جانب كبير من الايمان بأنه ليس غيرالحسين للجهاد الجبار الرسالي الذي يحتاجه الظرف الراهن يومذاك، لكنهم يعجزون عن مجاراة الأحداث و تحمل وقع الأخبار المترتبة، و شنائع جرائم أهل البغي و الانحراف، فيعتقدون مجرد اعتقاد باحتمال العدول عن العراق و لو في تلك الفترة الزمنية فقط.

فم يقينيون مؤمنون بأن التنبؤات عن الوحي للرسول (ص) صادقة لا ريب فيها، و عارفون بالله، و أن قدره لابد أن يأخذ مجراه.. و هذا هو سر مادعاهم الي مواقفهم التي اشتهروا بها.

و اذا كان هذا هو السر المكشوف بعد تأمل بسيط، و كان الأمر بهذه المثابة، فما معني الضلال و التضليل الذي قام به بعض الكتاب قديما و حديثا؟ و هم يستغلون عبارات و بادرات المشفقين و المعارضين من أجل اثبات خطأ الامام بخروجه. أمن أجل اثبات استمرار العصبية و الجهل و النصب؟. و يخطئون الحركة، فيمنحون أنفسهم صفة الوصاية علي الأمة الاسلامية منذ ذلك العصر لحد الآن، ويمنحون أنفسهم صفة الاجتهاد و ملكة التمييز بين الخطأ من التشريعات و الصواب من مواقف محض شرعية.. لكنهم لايفقهون.. انهم كأنهم يتسامون علي أحاديث و أعمال أبناء الأنبياء، لاسيما سليل سيد المرسلين.

و الأجدر بأولئك الجهلة أن يؤاخذوا الامام - ان استطاعوا - بأحاديث


جدة (ص) بقضية حركته و مقتله، لا بما قاله المشفق، أو المعارض المغرض، و أني لهم بذلك فأحاديث النبي (ص) بصدد مقتل ولده صريحة الدلالة علي وجوب الجهاد يومذاك وجوبا لامحيص عنه و لامناص منه و أني لهم بتلك المؤاخذة الرعناء المرفوضة و اللااسلامية؟. فو سجلوا الأحاديث المثبتة - و هو الأجدر بهم - لانكشف أيضا مدي تعصبهم و ارادة تضليلهم للناس، و ينقضي الأمر و يحسم النزاع.