بازگشت

اهل مكة و التحرك الذاتي


سبق ذكر كيف أن أهل الحجاز قد التفوا حول الامام الحسين عليه السلام ولكن ذلك لم يكن يعني بأن الجميع سينهضون معه. ثم ان الامام لم يدع أهل الأمصار و الأقاليم الأخري، كاليمن و حضرموت و عمان و البحرين، ولا فارس و لامصر، لبعدها و عدم جدوي ذلك ولكن دعا بعض البصريين فقط كما اشرنا...

والرحيل المرتقب من مكة، ليس كالرحيل من المدينة فثمة ميزة واضحة و خصوصية ملحوظة، و عليه فيستلزم بحكم الضرورة، اتخاذ اجراءاتها لكسب أكبر قوي بقصد دعم النهضة... والذي نلمسه هو القيام بايعازات، ثم خطبة بليغة ألقاها الامام قبيل المغادرة بيوم فقط و ذلك كاف جدا لكل ذي بصيرة و حسن نيه:

أما سبب عدم الزام الامام بالبيعة و التعاهد و ما شاكله، لمن كانوا يلتقون حوله من الحجازيين في حين كان ذلك معقولا مستساغا - كما يبدو - فنجمله بما يلي: -

- ليس الامام علي استعداد لالزام من لم يختبرهم. فقد لمس عند كثير من الناس قلة قابليتهم وضحالة قوتهم، بل حبهم للسلامة و العافية و الركون للدعة.

- ثم ان الالزام ببيعة أو شبهها، بمثابة تحشيد غير حكيم، وحشد اعتباطي تظهر نتائجه السيئة السلبية بعد مدة و جيزة أو طويلة. والملزم من قبل شخص أخر يمكنه التملص و التهرب عندما تكثر الخطوب، بينما الملزم ذاتيا لايعبر اهتماما لأي خطب و خطر، فايمانه صادر من صميمه.

- كذلك نجد أن الجهاد المعني بذاته غير متوقف علي حشد القوي البشرية و مل ء السجلات و القوائم بالأسماء، فالحركة غير مقيدة بين التنفيذ و التأجيل في ضوء المطلب الكمي، و معني الالزام هو توقف الحركة عليه.

- أما لو سار الامام بالركب و معه من ألزمهم ببيعة مثلا ممن يحملون بذور


التقهقر السريع لأدني مداهمة، فيتراجع الكثير و يسحبون، و يتعين: اما عودة الركب و تأجيل الحركة، و هذا مستحيل [1] ، و اما تعريض الامام نفسه للوم الجاهلين بذريعة مواصلته السير رغم تخلي من معه عنه بينما لايكون ذهاب النفعيين - فيما بعد - ورجوعهم، ليأخذ نفس الوزن أو يعتبر ذريعة. لأن من ذهبوا ثم انسحبوا لم يكونوا علي الركب قد حسبوا.

- هذا و لا يخفي علي الامام الحكيم ما سيترتب من فتنة بفعل اثارة حفيظة الوالي و عملاء الأموية، مما لا يأمن شره علي حرمة البيت العظيم...

وهكذا فليست الأمور بخافية علي أفراد الجمهور، سواء في مكة أو المدينة من قبل، و لا جدوي من الالزام. أما الاغراء فبادرة مرهونة الحرام.

و اذن.. فالسعيد من ملك من الايمان و قوة الجنان ما يبعثه لاجابة داعي الفلاح، و الشقي من بقي قيد البلادة و المذلة و الضعف فلا اكراه اذ «قد تبين الرشد من الغي»...

«انلزمكموها و أنتم لها كارهون؟.»

فالمفضل عند الامام الحسين من اذا فكر وعي، و اذا أيقن صمم و سعي، فأنصاره من المدينة و من مكة، هم خلاصة الرجال، و أنبلهم، و هم رفاقه حتي توسطوا ساحة المجد الخالد، و حتي اصطبغت أجسادهم بفيض دماء نحورهم، فلم يلزم الحسين أو يحرض أو يكلف الا من هو علي بينة من أمر ربه... «لاتكلف الا نفسك، و حرض المؤمنين...» 84:4.


پاورقي

[1] لاستحالة اهمال الدين و الأمة الاسلامية من قبل المسؤول عنها و هو الامام سبط سيد المرسلين، و استحالة تفريط الحسين (ع) بواجباته العملاقة و أهدافة الخلاقة...