بازگشت

معارضة الجهاد المسلح بالذات


بينما كانت القافلة تواصل سيرها نحو مكة المكرمة اذ التقت في الطريق بمن كان يحمل اقتراحا أو نصيحة، او محاولة لاستثناء الجهاد المسلح، كان يحملها الرجل المعروف ب (عبدالله بن مطيع لعدوي).

ودار بينه و بين الامام كلام، تفاوتت بعض كتب التاريخ بروايته، و نحن ننق الأقرب الي الصواب.. قال ابن مطيع العدوي للامام متسائلا:

«أين تريد أبا عبدالله، جعلني الله فداك؟» فأجابه الامام:

«أما في وقتي هذا فأريد مكة، فاذا صدرت اليها استخرت الله في أمري بعد ذلك». فقال العدوي: «خار الله لك يا ابن رسول الله فيما قد عزمت عليه؟» ثم استطرد العدوي مقترحا عدم الخروج من مكة، كيلا يبطش به العدو، وكيلا تستذل الأمة: «فوالله لئن هلكت لنسترقن من بعدك.» [1] و في


رواية «... فداك عمي و خالي، لئن هلكت لنسترقن بعدك.» [2] .

و لقد غاب عن العدوي أن الحاكم المعتدي لتمنعه مكة، ولاالبيت الحرام، اذا أراد أن يقوم بما هو أهله من الاعتداء علي الامام الحسين، و بذلك تنتهك الحرمتين - حرمة البيت و حرمة الحسين -.

أما قوله بأن وجود الحسين عز للعرب و المسلمين، و أن قتله ذل لهم و هوان: و «لنسترقن» حسبما عبرالعدوي، فذلك صحيح، بصدق شريطة سير الحياة، علي هدي شريعة جده المصطفي فكيف و الشرط مفقود بل و السام الأموية تصوب الي كبد شريعة الحبيب محمد؟؟؟ فهل - بعدئذ - للصمت تأييدات شرعية معلومة؟ و هل اذن للعز مسوغ أو ديمومة؟؟؟؟

فالتقية مفهوم شرعي محض بيد أن لهذا المفهوم حدود و أطر مفهومة أيضا و معني سكوت الامام في فترة يمر بها الاسلام، عصيبة حرجة، حاسمة مصيرية، هو تراكم، للذل، أو هوان مركب، كفيل بطمر كل شي ء عبر الزمن...

و العزيز حق العزة، و الراعي لمحض العز، من اذا لبي نداء العزة الكامن بفريضة الجهاد لا من يتهرب، كالعدوي الذي لبس مؤقتا مسوح العز الفضفاضة بكلمته تلك، في حين دخل الذل حياته من اوسع ابوابها من حيث يدري و لايدري. فهل ان العدوي يطلب العز له و للأمة، فيما يكون الامام و الأنصار في عكس الغرض و المطلب؟ أيكون للعز حضور من دون وجود للحرية؟ الحرية الذاتية، او الاجتماعية و السياسية.. تري أليس الامام و حواريوه أهل العزة والتحرر من ربقة المفاهيم الخاطئة.؟ لقد سلب العدوي من شخصيته احترامها، في حين يتجلي لشخصية كل نصير عزته التي هي قوامها.. [3] .


فالعز الحق هو المضي علي بركة الرحمان في سبيل اله علي ملة رسول الله، لأنها انما هي احدي الحسنيين، و بعدها الكرامة العظمي، حسبما عبر احد أفراد الجند يوم عاشوراء... «ولله العزة و لرسوله و للمؤمنين» 8:63

و هكذا يواصل الركب، غير مؤمن بغير الجهاد كافرا بالتهرب و التخلف و القعود، فالأنصار ينتظرون علي أحر من الجمر، حلول الفرصة منذ زمان و سنين، غير أن الحكمة القيدية، لعبت دورها المحنك في تأجيل الواجب الماس الي حلول حينه الذي قد حان..

يواصل الركب سيره، و آثار الخطي تأخذ مكانها علي رمال الصحراء و الارض تنطوي شيئا فشيئا «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا» 69:29 «قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا، هو مولانا و علي الله فليتوكل المؤمنون». 51:9



پاورقي

[1] اعيان الشيعة ج 4 ق 1 ص 157. و حياة الامام الحسين ج 2 ص 307 - 306 و هامش الصفحة، عن المنتظم لابن الحوزي، و وسيلة المال في عد مناقب الال لصفي الدين. و جاء في الهامش رواية عن تاريخ ابن عساکر، يردها کون اهل الکوفة لم يراسلوا الامام و هو بالمدينة، و انما عندما استقر به الرحال بمکة..

[2] تاريخ الطبري ج 4 ص 261.

[3] ثمة فهم سائد بين بعض الناس للعزة، حيث تسمع واحدهم يقول لک: الحمدلله، انني لست ذليلا يقودني الشرطي، لأن صحيفتي بيضاء عند الحاکمين، و أنا محافظ علي عزتي و کرامتي!. بهذا المعني الخاطي‏ء لمفهوم العزة. يموت الحي و يفني الکيان.. و لو قدر لهذا المفوم أن يستحوذ علي الکثيرين بهذا المضمون اللاسلامي لوصل الناس الي هوان ما بعده هوان، حيث لايدرکون بأنهم حريون بتبييض صحائفهم عند رب العالمين لاتبييضها عند الحاکمين.. فما أعجب أمر الناس في هذا اليوم الذي يصدق فيه قول رسول‏الله (ص) حين حذر من معصي الله بطاعة. مخلوقه و من سخط الله بارضاء العباد...