بازگشت

الامام علي زين العابدين


ولد الامام علي زين العابدين في شعبان عام 37 ه (يناير 658 م)، و قيل ولد في عام 38 ه، في بيت السيدة فاطمة الزهراء، عليهاالسلام، من أكرم


أبوين في العرب و العجم، فأبوه الامام الحسين، سبط النبي و ريحانته، و أمه الأميرة الفارسية «شهربانو» أو «شهربانوية» بنت يزدجر كسري، آخر ملوك الفرس و قد سماها الامام الحسين السلافة أو سلافة، كما كانت تلقب «جيهان شاة» «ملكة العالم»، و من ثم فالامام علي زين العابدين نسل النبوة و الأكاسرة معا، و كان يقال له «ابن الخيرتين» لقوله صلي الله عليه و سلم: لله تعالي من عباده خيرتان، فخيرته من العرب قريش، و من العجم فارس».

و الامام علي زين العابدين أول مولود للامام الحسين، و قد سجد الامام علي بن أبي طالب، شكر الله عند ولادته و سماه باسمه، لما دخل في روعه أنه هو الذي ستكون سلالة النبي صلي الله عليه و سلم منه، و قد نشأ علي زين العابدين متشعبا بروحانية جده الامام علي، و بتقوي أبيه الامام الحسين، و بسمو نفسية والدته، سليلة الملوك، و ربيبة الأكاسرة، و عند ما بلغ السادسة عشرة من عمره زوجه والده الامام من السيدة فاطمة بنت عمه الامام الحسن، و أمها أم اسحاق بنت طلحة بن عبيدالله، و كان الامام علي بن الحسين، المشهور بزين العابدين في الثالثة و العشرين من عمره يوم مذبحد كربلاء، التي قتل فيها أبوه و اخوته و أعمامه و بنو أعمامه، لأنه كان مريضا لا يستطيع حراكا، لحكمة أراد الله، حتي أنه نهض يوم المعركة يتوكأ علي عصا، فاذا بالامام الحسين يصيح بأم كلثوم «احبسيه لئلا تخلو الأرض من نسل آل محمد»، فأرجعته الي فراشه، و لقد صدقت فراسة الامام الحسين، فبارك الله في نسل سيد شباب أهل الجنة، كما يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء، بحفظه هذا الغلام الوحيد في المصير الذي انتهي اليه جميع اخوته، فقد أنجب عشرة من الذكور، تكاثروا قرنا بعد قرن، حتي انتشروا في كل الآفاق، فالحسينية كلها من ذريته.

و يحدثنا الامام الشيخ عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر، عن الامام علي زين العابدين، حيث يروي أنه بعد كربلاء، فيقول: غيبني رجل منهم و أكرم نزلي و اختصني و جعل يبكي كلما دخل و خرج، حتي كنت أقول: ان يكن عند أحد من الناس خير و وفاء فعند هذا، الي أن نادي منادي ابن زياد، ألا من وجد


عليا بن حسين، فليأت به، فقد جعلنا فيه ثلاثمائة درهم، قال فدخل علي و الله و هو يبكي، و جعل يربط يدي الي عنقي و هو يقول: «أخاف، ثم أخرجني اليهم و الله مربوطا حتي دفعني اليهم، و أخذ ثلاثمائة درهم، و أنا أنظر اليها، فأخذت و أدخلت علي ابن زياد، غير أنه من المعروف أن علي زين العابدين حمل مع سيدات آل بيت النبي صلي الله عليه و سلم و هو علي بعير ظالع، و يداه مغلولتان الي عنقه، و دخل اللئام بهم ألي قصر ابن زياد، و ربما أمكن التوفيق بين الروايتين أن أحد النادمين علي ما وقع لآل البيت، خشي أن يقتل زين العابدين فأخفاه، و لكنه سرعان ما خشي علي نفسه فسلمه و قبض الجائزة، و ما أتفهها من جائزة، ثلاثمائة درهم في مقابل تسليم سليل النبي صلي الله عليه و سلم الي الطغاة الظالمين، ألا معذرة يا سيدي يا رسول الله.

و أيا ما كان الأمر، فمن المتفق عليه، طبقا لروايات المؤرخين، أن ابن زياد نظر فوجد غلاما مريضا هزيلا، مع السيدة زينب، فسأله: من أنت، قال علي بن الحسين، قال: «أو لم يقتل الله علي بن الحسين، قال: كان لي أخ يسمي عليا قتله الناس، فأعاد ابن زياد قوله: «الله قتله، فقال علي: الله يتوفي الأنفس حين موتها، و كان لنفسي أن تموت الا باذن الله»، فأخذت ابن زياد العزة بالأثم و انتهره قائلا: و بك جرأة لجوابي، و صاح الخبيث الأثيم بجنده: اذهبوا به فاضربوا عنقه، فجاشت بالسيدة زينب قوة لا يردها سلطان و يرهبها سلاح، لأنها قوة من هان لديه الموت، و هانت عليه الحياة، فاعتنقت الغلام اعتناق من اعتزم ألا يفارقه، الا و هو جئة هامدة، و أقسمت لئن قتلته لتقتلني معه، دعو الغلام لما به، كأنه حسب أن العلة قاضية عليه، و هكذا كما أحاطت عناية الله من قبل الامام علي بن الحسين، فأمرضته لتحول بينه و بين الاشتراك في المعركة و التعرض للقتل، فقد استمرت عناية الله له فقيضت له عمته العقيلة الطاهرة لتفتديه بروحها، و تنقذه من الموت، فكان لها الفضل في استنقاذ آخر أبناء الامام الحسين و كان لها الفضل في استمرار ذريته الطاهرة الي يوم القيامة، بتوفيق من الله، و ببركة جدها رسول الله صلي الله عليه و سلم.


و حمل آل البيت الطاهرين الي يزيد في دمشق في مزكب حزين، و علي بن الحسين مغلول الي عنقه، لم يكلم أحدا ممن أو كل اليهم ابن زياد قيادة الركب حتي وصلوا دمشق، و لما دخل وفد آل البيت علي يزيد، قال الامام زين العابدين ليزيد: «ما ظنك برسول الله صلي الله عليه و سلم لو يرانا علي هذا الحال»، فأمر يزيد بفك أغلاك زين العابدين، ثم التفت اليه، في وقاحة و شماته، و قال: «ايه يا ابن الحسين، أبوك قطع رحمي و جهل حقي، و نازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت»، و لا شك أن قول يزيد مغالطة صارخة، بل كذب مكشوف، فالامام الحسين لم يقطع الرحم، بل ان يزيد هو من فعل ذلك، حين أراد أن يأخذه بالبيعة أخذا شديدا، و أما جهل الحسين بحق يزيد، فلا موضع له، فما كان ليزيد علي الامام الحسين حقا، بل ان الحسين هو صاحب الحق كله، فهو الأعلي مقاما، و الأوفر علما و فقها و الأكبر سنا، و الأشراف حسبا و نسبا، و لكن يزيد جهل ذلك كله، و عامل الامام الحسين معاملة من أخذته العزة بالاثم، و من ثم فان علي زين العابدين لم يجد، ازاء كل هذه المغالطات، خيرا من أن يجيب بأية من كتاب الله تحسم النزاع «ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم ألا في كتاب من قبل أن نبرأها ان ذلك علي الله يسير، لكيلا تأسوا علي ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم، و الله لا يحب كل مختال فخور»، و التفت يزيد الي ولده خالد ليرد علي الامام زين العابدين، فلم يستطع أن يجيب، الا أن يجول ببصره في بلاهة و جهل، فقال يزيد: قل له «و ما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير».

و روي أن الأمام علي زين العابدين خطب الناس، فقال، بعد أن حمد الله و أثني عليه، «أيها الناس أعطينا ستا، و فضلنا بسبع، أعطينا العلم و الحلم و السماحة و الفصاحة و الشجاعة و المحبة في قلوب المؤمنين، و فضلنا بأن منا النبي و الصديق و الطيار و أسدالله و أسد رسوله و سبطي هذه الأمة، أيها الناس: من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني أنبأته بحسبي و نسبي، أيها الناس أنا ابن مكة و مني، أنا ابن زمزم و الصفا، أنان ابن من حمل الركن بأطراف الردا، أنا ابن


خير من ائتزر و ارتدي، و خير من طاف و سعي و حج و لبي، أنا ابن من حمل علي البراق و بلغ به جبريل سدرة المنتهي فكان من ربه كقاب قوسين أو أدني، أنا ابن من صلي بملائكة السماء، أنا ابن من أوحي اليه الجليل ما أوحي، أنا بن من ضرب بين يدي رسول الله ببدر و حنين، و لم يكفر الله طرفة عين، أنا ابن صالح المؤمنين و وارث النبيين و يعسوب المسلمين و نور المجاهدين، و قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين و مفرق الأحزب، أربطهم جأشا، و أمضاهم عزيمة، ذاك أبو السبطين الحسن و الحسين، علي بن أبي طالب، أنا ابن فاطمة الزهراء و سيدة النساء، و ابن خديجة الكبري، أنا ابن المرمل بالدماء، أنا ابن ذبيح كربلاء، أنا ابن بكي عليه الجن في الظلماء، و ناحت الطير في الهواء، فلما بلغ الي هذا الموضع ضج الناس بالبكاء، و خشي يزيد الفتنة، فأمر المؤذن أن يؤذن للصلاة، فما أن بلغ المؤذن «أشهد أن محمدا رسول الله»، حتي قال زين العابدين للمؤذن: أسألك بحق محمد أن تسكت حتي أكلم هذا و الفتت الي يزيد فقال: «هذا الرسول العزيز الكريم جدك أم جدي، فان قلت جدك علم الحاضرون و الناس كلهم أنك كاذب، و ان قلت جدي، فلم قتلت أبي ظلما و عدوانا، و انتهبت ماله و سبيت نساءه، فويل لك يوم القيامة، اذا جدي خصمك»، فصاح يزيد بالمؤذن، أقم الصلاة».

و روي الطبري أن الامام علي زين العابدين أقام أياما بعد ذلك في دمشق، فدعاه يزيد ذات يوم، و معه ابن عمرو بن الحسن، و هو غلام صغير، فقال لعمرو: أتقاتل هذا، يعني ابنه خالد بن يزيد، فقال اعطني سكينا و أعطه سكينا حتي أقاتله، فضمه يزيد اليه و قال: «شنشنة أعرفها من أخرم، و هل تلد الحية الا حية».

و رحل الامام علي زين العابدين و آل بيت النبي صلي الله عليه و سلم الي المدينة المنورة، و استقر فيها لم يبرحها، و لما حدثت موقعة الحرة (27 ذي الحجة 63 ه) و سلط يزيد مجرم آخر من سفاحية يدعي مسلم بن عقبة المري، لا يقل في لؤمه و ولعه بالشر عن ابن زياد، فاستباح مدينة رسول الله صلي الله عليه و سلم ثلاثة أيام هتكت فيها الأعراض و نهبت الأموال، و اشترط علي الناس أن يبايعوا يزيد علي أنهم عبيد له، يحكم


في دمائهم و أموالهم كما شاء، فرفض أهل المدينة ذلك فاستعرضهم بالسيف جزرا، كما يجزر القصاب الغنم، حتي اسخت الأقدام في الدم و قتل أبناء المهاجرين و الأنصار، و كان الامام زين العابدين قد لاذ بقبر جده المصطفي صلي الله عليه و سلم فلما رأي فشر القتل في المسلمين ذهب الي مسلم فقال له: علام يريد يزيد أن أبايعك»، فأجاب مسلم الجبار، و قد ارتعد من السجاد ثم قال: «علي أنك أخ و ابن عم، قال، و ان أردت أن أبايعك علي أنني عبد فعلت، فقال مسلم: ما أجشمك هذا، فلما رأي أهل المدينة ذلك، قالوا: هذا ابن رسول الله صلي الله عليه و سلم بايعه علي ما يريده، فبايعوه علي ما أراد، و بهذا أنقذ علي زين العابدين الكثير من أهل المدينة من القتل، و كانت هذه أول قدوة قدمها ابن الحسين لانقاذ المسلمين من سيف يزيد القاسي.

هذا و يروي أن الامام علي زين العابدين كان كثير البكاء، فقيل له في ذلك، فقال ان يعقوب عليه السلام بكي حتي أبيضت عيناه علي يوسف، و لم يعلم أنه مات، و اني رأيت بضعة عشر من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة، أفترون حزنهم يذهب من قلبي أبدا، هذا و قد اشتهر الامام علي بن الحسين بعدة ألقاب، منها «زين العابدين»، روي ابن عساكر، عن ابن الزبير قال: «كنا عند جابر بن عبدالله، فدخل عليه علي بن الحسين، فقال: كنت عند رسول الله صلي الله عليه و سلم فدخل عليه الحسين بن علي، فضمه اليه و قبله و أقعده الي جانبه، ثم قال: «يولد لأبني هذا ابن يقال له علي، اذا كان يوم القيامة نادي مناد من بطنان العرش: ليقم زين العابدين، فيقوم هو، و روي عن سعيد بن المسيب أنه حدث عن ابن عباس أن النبي صلي الله عليه و سلم قال: اذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين زين العابدين، فكأني أنظر الي ولدي علي، يخطر بين الصفوف»، و منها «سيد العابدين»، روي أبو عمر الزاهرد في كتاب اليواقيت أن الزهري كان يقول: ينادي مناد يوم القيامة ليقم سيد العابدين في زمانه، فيقوم علي بن الحسين، و منها «السجاد»، روي الصدوق في العلل عن الباقر عليه السلام، أن أباه عليا عليه السلام، ما ذكر الله عزوجل نعمة عليه الا سجد، و لا قرأ آية من كتاب الله فيها


سجود الا سجد و لا دفع الله عنه سواءا يخشاه أو كيد كائد الا سجد، و لا فرغ من صلاة مكتوبة الا سجد، و لا وفق الي اصلاح بين اثنين الا سجد، و كان أثر السجود في جميع مواضع سجوده، فسمي السجاد، و منها «ذو الثفنات»، روي الصدوق في العلل عن الباقر أنه قال: كان لأبي في موضع سجوده آثار ثابتة، و كان يقطعهما في السنة مرتين، في كل مرة خمس ثفنات، فسمي «ذو الثفنات»، و قد سماه ابن تيمية «قرة عين الاسلام».

هذا و قد تتلمذ علي بن الحسين علي سعيد بن المسيب، و الذي كان يقول «ما رأيت قط أفضل من علي بن الحسين عليه السلام، و ما رأيته قط الا مقت نفسي، كما تتلمذ علي «سعيد بن جبير»، و روي عن يحيي بن سعيد أنه كان يقول عنه «هو أفل هاشمي رأيته»، و قال الزهري عنه:كان أكثر مجالسي مع علي بن الحسين، و ما رأيت أفقه منه، و كان قليل الحديث، و من أفضل أهل بيته، و أحسنهم طاعة، و كان يسمي زين العابدين، و حمله عبدالملك بن مروان من المدينة مقيدا مغلولا في أثقل قيود و أغلال، فدخل عليه الزهري لوداعه فبكي، و قال: وددت أني مكانك، فقال زين العابدين: أتظن أن ذلك يكربني، لو شئت لما كان، و انه ليذكرني عذاب الله، ثم أخرج رجليه من القيد، و يديه من الغل و رماهما، ثم أعادهما»، و يذكر ابن تيمية أن له من الخشوع و صدقة السر، و غير ذلك من الفضائل مما هو معروف، و أنه كان متواضعا، يجالس زيد بن أسلم، مولي عمر بن الخطاب، و قال عنه عمر بن عبدالعزيز، فقال، فيما يروي اليعقوبي، «ذهب سراج الدنيا و جمال الاسلام و زين العابدين، فقيل له ان ابنه أبا جعفر محمد بن علي فيه بقية، بل انه حين وعظه زين العابدين قبل وفاته بقليل، قال عمر بن عبدالعزيز، ان أهل هذا البيت لا يخليهم الله من فضل»، و روي أن الزهري قارف ذنبا فاستوحش به وهام علي وجهه و ترك أهله و ماله، فلما اجتمع بالامام علي زين العابدين قال له: يا زهري قنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شي ء، أعظم من ذنبك»، قال الزهري «الله أعلم حيث يجعل رسالته»، و كان ابن سعد يقول


عنه «ثقة كثير الحديث عليا رفيعا و رعا»، و كان يتمتع بمكانة بين المسلمين لا يتطول اليها أحد في زمانه، كائنا من كان، و يكفينا هنا أن نشير الي القصة المشهورة بينه و بين هشام بن عبدالملك، و التي قال فيها الفرزدق الشاعر قصيدته التي شاعت بين الناس.

شاعت لجمالها و صدقها، و شاعت كمثل كريم من أمثلة الشجاعة الأدبية عند الفرزدق، و ذلك أن الفرزدق الشاعر قصيدته التي شاعت بين الناس.

شاعت لجمالها و صدقها، و شاعت كمثل كريم من أمثل الشجاعة الأدبية عند الفرزدق، و ذلك أن الفرزدق قالها في وجه الجبروت و الطغيان انتصارا لرجل صالح شريف من أهل البيت، لا يملك جندا، و لا يسيطر علي جيش.

و قالها محبا صادقا لابن الحسين رضي الله عنهم أجمعين.

و لقد رويت هذه القصيدة من عدة طرق - ذكرها الصولي، و الجريري و غير واحد - ذكروا أن هشام بن عبدالملك حج في خلافة أبيه و أخيه و الوليد، فطاف بالبيت، فلما أراد أن يستلم الحجر لم يتمكن حتي نصب له منبر، فاستلم و جلس عليه، و قام أهل الشام حوله، فبينما هو كذلك اذا أقبل علي بن الحسين، فلما دنا من الحجر ليستلمه تنحي عنه الناس اجلالا له و هيبة و احتراما، و هو في بزة حسنة، و شكل مليح.. فقال أهل الشام لهشام: من هذا؟

فقال: لا أعرفه، استنقاصا به، و احتقارا لئلا يرغب فيه أهل الشام. فقال الفرزدق - و كان حاضرا -: أنا أعرفه.

فقالوا: و من هو؟

فأشار الفرزدق يقول:



هذا ابن خير عباد الله كلهم

هذا التقي النقي الطاهر العلم



هذا الذي تعرف البطحاء و طأته

و البيت يعرفه و الحل و الحرم



اذا رأته قريش قال قائلها

الي مكارم هذا ينتهي الكرم



ينمي الي ذروة العز التي قصرت

عن نيلها عرب الاسلام و العجم



يكاد يمسكه عرفان راحته،

ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم






مشتقة من رسول الله نبعته

طابت عناصرها و الخيم و الشيم



ينجاب نور الهدي من نور غرته

كالشمس ينجاب عن اشراقها الغيم



حمال أثقال أقوام اذا فدحوا

حلو الشمائل تحلو عنده نعم



هذا ابن فاطمة ان كنت جاهله

بجده أنبياء الله قد ختموا



من جده دان فضل الأنبياء له

و فضل أمته دانت لها الأمم



عم البرية بالاحسان فانقشعت

عنها الغواية و الاملاق و الظلم



كلتا يديه غياث عم نفعها

يستو كفان و لا يعروهما العدم



سهل الخليفة لا تخشي بوادره

يزينه اثنتان الحلم و الكرم



لا يخلف الوعد ميمون بغيبته

رحب الفناء أريب حين يعتزم



من معشر حبهم دين و بغضهم

كفر و قربهم منجي و معتصم



يستدفع السوء و البلوي بحبهم

و يستزاد به الاحسان و النعم



مقدم بعد ذكر الله ذكرهم

في كل حكم و مختوم به الكلم



ان عد أهل التقي كانوا أئمتهم

أو قيل من خير أهل الأرض؟ قيل هم



لا يستطيع جواد بعد غايتهم

و لا يدانيهم قوم و ان كرموا



هم الغيوث اذا ما أزمت

و الأسد أسد الشري و البأس محتدم



يأبي لهم أن يحل الذم ساحتهم

خيم كرام و أيد بالندي هضم



لا ينقص العدم بسطا من أكفهم

سيان ذلك أن أثروا و ان عدموا



أي الخلائق ليس في رقايهم

لأولية هذا أوله نعم



فليس قولك من هذا بضائره

العرب تعرف من أنكرت و العجم



من يعرف الله يعرف أولية ذا

فالدين من بيت هذا ناله الأمم



قال: فغضب هشام من ذلك، و أمر بحبس الفرزدق بعسفان - بين مكة و المدينة - فلما بلغ ذلك علي بن الحسين بعث الي الفرزدق باثني عشر ألف درهم، فلم يقبلها و قال:

انما قلت ما قلت لله عزوجل، و نصرة للحق، و قياما بحق رسول الله صلي الله عليه و سلم في ذريته، و لست أعتاض عن ذلك بشي ء.


فأرسل اليه علي بن الحسين يقول:

قد علم الله صدق نيتك في ذلك، و أقسمت عليك بالله لتقبلنها، فتقبلها منه.