بازگشت

مكانة الامام الحسين عند المسلمين


لا ريب في أن نسب الامام الحسين الشريف، و مكانه من محبة النبي صلي الله عليه و سلم فضلا عما يتمتع به الامام الحسين من مكارم الأخلاق و المثل العليا، انما كان له أكبر الأثر فيما تمتع به الامام الحسين من مكانة فريدة عند المسلمين، و بدهي أن المؤرخ الذي يكتب تاريخ الامام الحسين، أيا كانت جنسيته و أيا كانت ديانته، يخطي ء كثيرا في دلالة الحوادث التاريخية، اذا ما تجاهل مزية النسب الشريف، و مكانة الامام الحسين من سيدنا و مولانا و جدنا محمد رسول الله صلي الله عليه و سلم كما حاول البعض أن يفعل من مؤرخي المسلمين، ذلك لأن الامام الحسين انما كان بمزية النسب الشريف أحب انسان الي قلوب المسلمين، و أجدر الناس أن تنعطف اليه القلوب، فالنبي صلي الله عليه و سلم هو الذي سماه


الحسين، و النبي صلي الله عليه و سلم هو الذي افاض علي الحسين و أخوته كل ما في فؤاده من محبة البنين، و هو مشوق الفؤاد الي الذرية من نسله، و من ثم فقد كان لا يطيق أذاه، و لا يحب أن يستمع الي بكائه، علي كثرة ما يبكي الأطفال الصغار، حتي أنه سمعه مرة يبكي فقال للزهراء «ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني» و أنه صلي الله عليه و سلم كان يدلع له لسانه فيري الحسين حمرة اللسان فيهش اليه، و النبي صلي الله عليه و سلم هو الذي جعل علامة حبه و بغضه انما هي حب الحسن و الحسين و بغضهما.

و انطلاقا من كل هذا، فليس هناك مسلم، قديما أو حديثا و حتي تقوم الساعة، يحب رسول الله صلي الله عليه و سلم، كما يجب أن يحب المؤمنون أنبياءهم، ثم يصغر عنده حساب هذا الحب النبوي الذي غمر به قلب النبي صلي الله عليه و سلم سبطه العظيم، سيد شباب أهل الجنة مولانا و سيدنا الامام الحسين، و كما يقول الأستاذ العقاد، فلقد أصبح الامام الحسين بهذا الحنان النبوي الشريف في عداد تلك الشخوص الرمزية التي تتخذ منها الأمم و الملل عنوانا للحب أو عنوانا للفخر، فاذا بها مبحبو كل فرد و مفخرته، و موضع عطفه و اشفاقة، كأنما تمت اليه وحده بصلة القرابة أو بصلة المودة، و قد بلغ الحسين بهذا الحنان مع الزمن مبلغة من تلك المكانة الرمزية، فأوشك بعض واصفيه أن يلحقه في حمله و ولادته و رضاعه بمواليد المعجزات، فقال بعضهم «و لم يولد مولود لستة أشهر و عاش، الا الحسين و عيسي بن مريم»، و قال آخرون لم ترضعه أمه و لم ترضعه أنثي، فلقد «اعتلت فاطمة لما ولدت الحسين وجف لبنها فطلب رسول الله صلي الله عليه و سلم مرضعة فلم بجد، فكان يأتيه فيلقمه أبهامه فيمصه و يجعل الله في ابهام رسول الله صلي الله عليه و سلم رزقا تغذية ففعل ذلك أعين ليلة و يوما، فأنبت الله سبحانه و تعالي لحمه من لحم سول الله صلي الله عليه و سلم»، و روي عنه غير ذلك كثير من الأساطير التي تحيط بها الأمم تلك لشخوص الرمزية التي تعزها و تغليها، فتلتمس لها مولدا غير المولد المألوف، النشأة المعهودة و تلحقها أو توشك أن تلحقها بالخوارق و المعجزات، و قد كانت حقيقة الحسين الشخصية كفؤا لتلك الصورد الرمزية التي نسجتها حوله الأجيال لتعاقبة قبل أبناء جيله تلك الحقيقة، فكان مل ء العين و القلب في خلق، و في أدب


و سيرة و كانت فيه مشابهة من جده و أبيه، أو ليس جده صلي الله عليه و سلم الذي قال عنه «حسين مني و أنا من حسين»، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط» أو ليس أبوه هو الذي قال عنه «أشبه أهلي بن الحسين».

و هكذا كان للامام الحسين أسمي مكانة عند المسلمين جميعا، و عند صحابة رسول الله صلي الله عليه و سلم علي وجه الخصوص، فلقد روي الذهبي في سير أعلام النبلاء أن الامام الحسين كان في جنازة فأغبرت قدماه، و أقبل أبوهريرة رضي الله عنه ينفض عنهما التراب، فقال له الامام الحسين: أتفعل هذا، فقال أبوهريرة: دعني فو الله لو علم الناس منك ما أعلم، لحملوك علي رقابهم»، بل ان ابن عباس، حبر الأمة و ترجمان القرآن، علي جلاله و هيبته و صحبته، يأخذ له الكراب اذا ركب، و يرمي في ذلك فرصة يتبرك بها هو و أرفع الصحابة كعبا، و أدناهم من جده صلي الله عليه و سلم، روي الحافظ ابن كثير أن ابن عباس (و هو الشريف الهاشمي و ابن عم النبي) كان يأخذ الركاب للحسن و الحسين اذا ركبا، و يروي هذا من النعم عليه»، و حين سئل في ذلك قال أو تدري من هذان، هذان ابنا رسول الله صلي الله عليه و سلم أو ليس مما أنعم الله بن علي أن أمسك لهما الركاب و أسوي عليهما الثياب»، و روي الذهبي في سير أعلام النبلاء أن الصحابي الجليل بلال بن رباح، مؤذن رسول الله صلي الله عليه و سلم كان قد غادر المدينة بعد انتقال الرسول صلي الله عليه و سلم الي الرفيق الأعلي و لم يطق الاقامة بها و توجه الي بيت المقدس، و لما عاد الي المدينة بعد سنوات طويلة وقع بصره علي الحسن و الحسين فاندفع اليهما في شوق يقبلهما، و يبكي أحر البكاء، فقد ذكراه بحبيبه و سيده رسول الله صلي الله عليه و سلم، و حين طلبا اليه أن يؤذن لصلاة العصر استجاب لهما، رغم رفضه أن يؤذن للخليفة، فما أن سمع أهل المدينة صوته حتي خرجوا جميعا، و قد هزهم الحنين الي ذكري أيامهم مع النبي صلي الله عليه و سلم، و هكذا كان الامام الحسين موضع الحب و التقدير، و الاجلال و الاعزاز من كل الصحابة، و علي رأسهم الخلفاء الراشدون، كما رأينا من قبل، فالامام لاحسين سليل بيت النبوة، و حفيد سيد المرسلين، و سبط أمير الأنبياء، و أحب الناس و أقربهم اليه صلي الله عليه و سلم ثم هو الذي تجسدت فيه كل معاني


الحق و الخير، و القيم الرفيعة و الأخلاق الكريمة، و الشمائل العطرة التي جعلته يملأ عيون الناس و قلوبهم حبا و اكبارا، و اجلالا و تقديرا.