بازگشت

جرأته و شجاته الأدبية


كانت شجاعة الامام الحسين صغة لا تستغرب منه لأنها «الشي ء من معدنه» و هي فضيلة ورثها عن الآباء و أورثها الأبناء بعده، و قد شهد الحروب في افريقيا الشمالية و طبرستان و القسطنطينية، و حضر مع أبيه وقائعه جميعا من الجمل الي صفين، و ليس في بني الانسان ممن هو أشجع قلبا ممن أقدم علي ما أقدم عليه الامام الحسين يوم كربلاء، و حسبه في هذا أنه ابن فارس، الاسلام، و أشجع العرب قاطبة، علي بن أبي طالب، فكان ابن أبيه في كل شي ء، حتي قال الامام علي نفسه «أشبه أهلي بن الحسين»، و حسبه أن يقف يوم كربلاء أمام جيش قوامه أربعة آلاف فارس و رام، و يصف محمد بن أبي طلحة في «مطالب السئول في مناقب آل الرسول» هذا الموقف فيقول «فنصب الحسين، عليه السلام نفسه و أخوته و أهله لمحاربتهم، و اختاروا بأجمعهم القتل، علي متابعتهم ليزيد و مبايعتهم، فأعلقتهم الفجرة الطغام و أرهقتهم المردة و رشقتهم النبال و السهام، هذا و الحسين عليه السلام ثابت لا تخف حصاة شجاعته، و لا تجف عزيمة شهامته، و قدمه في المعترك أرسي من الجبال، و قلبه لا يضطرب لهول القتال، و لا لقتل الرجال»، و روي ابن أبي الحديد في شرح النهج أنه فيما فخزت به بنوهاشم علي بني أمية قولهم: من مثل الحسين بن علي، عليهماالسلام يوم الطف «كربلاء» ما رأيناه مكثورا قد أفرق من اخوته و أهله و أنصاره، أشجع منه كالليث المجرب يحطم الفرسان حطما، و ما ظنك برجل أبت نفسه الدنية، و أن يعطي بيد و هو صاغر، فقاتل حتي قتل هو و بنوه و اخوته و بنو عمه، بعد بذل


الأمان لهم بالايمان المغلظة، و هو الذي سن للعرب الاباء و اقتدي به ابن الزبير و بنو الملهب و غيرهم»، و قال: هو سيد أهل الاباء الذي علم الناس الحمية و الموت تحت ظلال السيوف اختيارا له علي الدنية أبو عبدالله الحسين بن علي، عليهماالسلام، عرض عليه الأمان و أصحابه فأنف من الذل، و خاف ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان، مع أنه لا يقتله، فاختار الموت علي تلك»، و قال علي بن أبي الفتح الأريلي في كشف الغمة: شجاعة الحسين عليه السلام يضرب بها المثل، صبره في الحرب أعجز الأواخر و الأوائل.

هذا و قد تعلم الامام الحسين فتون الفروسية و منازلة الأعداء، حتي نشأ علي الجرأة و اقتحام الأهوال و خوض المعارك، روي أن الامام الحسن قال: قلت لأخي الحسين: و ددت أن لي بعض شدة قلبك، فقال لي: «و أنا وددت أن لي بعض ما بسط من لسانك»، هذا و قد تربي الامام الحسين للشجاعة، كما تلقاها في الدم بالوراثة، فتلعم فنون الفروسية كركوب الخيل و المصارعة و العدو من صباه، و لم تفته ألعاب الرياضة التي تتم بها مرانة الجسم علي الحركة و النشاط، و منها لعبة تشبه «الجولف» عند الأروبيين، كانوا يسمونها المداحي، جمع مدحاة، و هي أحجار أمثال القرصة يحفرون في الأرض حفيرة و يرسلون تلك الأحجار، فمن وقع حجرة في الحفيرة فهو الغالب.

هذا و قد اتفق بعض الثقات علي «أن الغالب علي الحسن الحلم و الأناة كالنبي، و علي الحسين الشدة كعلي»، غير أن هذه الشدة انما هي شدة في الحق، و من أجل الحق، و من ثم فرغم ما عرف عن الامام الحسين من تواضع و تسامح مع من دونه في حق نفسه، و حرص علي العفو، مع القدرة علي المؤاخذة و العقاب، فقد كانت سيرته مع الأمراء و الولاة علي غير ذلك، فهو يقف دائما منهم موقف الشمم و الاباء، و لا يعرف التسامح معهم اليه سبيلا، و خاصة اذا كان الأمر يتصل بالكرامة أو يمس العقيدة، فعنئذ تري الحسين الوديع و قد تحول الي أسد هصور، لا يقف غضبه عند حد، و لا يبالي بأي قوة أو سلطان، كتب اليه معاوية بما بلغه من أن أهل الكوفة يدعونه الي الشقاق، ثم ختم


كتابه مهددا «فاتق الله، و اذكر الميثاق، فانك متي تكدني أكدك و السلام»، فكتب اليه الامام الحسين يؤكد له خلاف ما بلغه، ثم يرد علي تهديد قائلا «و ما أظن لي عذرا عندالله في ترك جهادك، و ما أعلم فتنة أعظم من ولايتك هذه الأمة»، و لم يمللك معاوية حين تلقي كتاب الامام الحسين الا أن قال «ان أثرنا بأبي عبدالله الا أسدا».

و قصة الامام الحسين مع الوليد بن عتبة والي المدينة عند ما طلب منه البيعة ليزيد، معروفة، و معروف منها كذلك، نصيحة مروان بن الحكم اللئيمة عند ما أشار بضرب رأس الامام الحسين، ان لم يبايع ليزيد، قبل أن يذيع في الناس نبأ موت معاوية، و ما أن سمع الامام كلمة السوء هذه من مستشار السوء مروان هذا، حتي وقف موقف الأسد الذي اشتهر به و قال لمروان: يا ابن الزرقاء، أنت تقتلني، كذبت و الله و لؤمت، ثم التفت الي الوليد و شتمه، و أخذ بعمامته فنزعها من رأسه و انصرف، و لم يملك أمير المدينة، الا أن عبر عن احساسه بالخطأ، و أسفه لما تورط فيه بنفس العبارة التي قالها معاوية من قبل: «ان هجنا بهذا الا أسدا»، ثم قال لمروان: «أتشير علي بقتل الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم و الله ان الذي يحاسب بدم الحسين يوم القيامة لخفيف الميزان عند الله»، و روي ابن هشام في السيرة، و القرطبي في تفسيره، أن الوليد عند ما حاول أن يتحامل علي الامام الحسين في ماله له، مستغلا سلطانه كأمير للمدينة، و ما عرف عن الامام الحسين من زهد في الدنيا، و بذل للمال بسخاء، و لكنه رأي في موقف الوليد استخفافا بحقه، فلم يلبث أن قال متحديا «أحلف بالله لتنصفني من حقي أو لآخذن سيفي هذا، ثم لأقومن في مسجد رسول الله صلي الله عليه و سلم، ثم لأدعون بحلف الفضول»، و سمع بذلك ابن الزبير و المسور بن مخرمة و عبدالرحمن بن عثمان التميمي، و قالوا ان دعانا لنأخذن سيوفنا ثم نقوم معه حتي ينتصف من حقه أو نموت جميعا، فما أن علم الوليد بذلك حتي سارع الي انصاف الامام الحسين رضي الله عنه تفاديا من غضبه»، و هكذا يجد أهل الشمم و الاباء أكرم المثل في مواقف الامام الحسين، عليه السلام، و في حرصه


دائما و أبدا علي رفض الدنية في دينه و دنياه، و ايثار ربه و مولاه، و عزوفه عن الدنيا و ما فيها، كما يجد أهل البطولة و الفداء في ثبات الامام الحسين في الشدائد، و شجاعته عن اللقاء، و صموده أمام كثرة الأعداء، أروع صورة لعزة الاسلام التي تنكر الضعف و الاستسلام، و صدق رسول الله صلي الله عليه و سلم حيث يقول: «و أما حسين فله جرأتي و جودي»، و في رواية «و أما الحسين فله شجاعتي و سؤددي».