بازگشت

كرمه و جوده


كان الامام الحسين يقتدي بجده النبي الأعظم سيدنا و مولانا رسول الله صلي الله عليه و سلم الذي كان في جوده و كرمه كالريح المرسلة، و هكذا كان الامام الحسين ما أن يصله مال الا فرقه، حسبنا في هذا المقام شهادة معاوية بن أبي سفيان، غريم آل البيت، فذات يوم أعد معاوية أحمال الهدايا التي كان يرسلها بين الحين و الحين لكبار الصحابة في مكة و المدينة، و بينما القافلة تتهيأ للسفر، نظر معاوية فيمن حوله و قال لهم: «ان شيئتم أخبرتكم بما يصنع القوم بهذه الهدايا» ثم راح يسمي بعض الأسماء و يسوق الحديث عنها، حتي جاء ذكر الامامين الحسن و الحسين، فقال «و أما الحسن فلعله يدع لزوجاته بعض الطيب، ثم يترك لمن حوله كل شي ء، و أما الحسين فيبدأ بأيتام الذين قتلوا مع أبيه في صفين، فان بقي بعد ذلك شي ء، نحر به الجزور، و سقي اللبن»، و روي ابن عساكر في تاريخه عن أبي هشام القناد أنه كان يحمل الي الحسين بالمتاع من البصرة، و لعله لا يقوم حتي يهب عامته»، و روي ابن عساكر كذلك أن سائلا خرج يتخطي أزقة المدينة، حتي أتي باب الحسين، فقرعه و أنشده شعرا، و كان الامام الحسين و قتئذ واقفا يصلي، فخفف من صلاته، و خرج الي الرجل، فرأي عليه أثر الضرب و الفاقة، فنادي علي غلامه قنبر، فقال لبيك يا ابن بنت رسول قال: ما تبقي معك من نفقتنا، قال: مائتا درهم، أمرتني بتفرقتها في أهل بيتك، فقال الامام: هاتها، فقد أتي من هو أحق بها منهم، فأخذها، و خرج الي السائل فدفعها معتذرا له عن قلة المبلغ، فأنشأ الاعرابي (السائل) يقول:



مطهرون نقيات جيوبهم

تجري الصلاة عليهم أينما ذكرو



و أنتم، أنتم الاعلون عندكم

علم الكتاب و ما جاءت به السور



من لم يكن علويا حين تنسبه

فماله من جميع الناس مفتخر



و روي أن الامام دخل علي أسامة بن زيد، و هو مريض، فسمعه يقول


و اغماه، فقال له الحسين، عليه السلام، و ما غمك يا أخي، قال ديني، و هو ستون ألف درهم، فقال الحسين، هو علي، قال اني أخشي أن أموت، أي قبل سداده، قال الامام الحسين: «لن تموت بل أن أقضيها عنك، فقضاها قبل موته»، و روي الامام الفخر الرازي في ذيل تفسير قوله تعالي من سورة البقرة «و علم آدم الأسماء كلها»، قال: قصد أعرابي الحسين بن علي عليهماالسلام، فسلم عليه و سأل حاجته، و قال سمعت جدك صلي الله عليه و سلم يقول: اذا سألتم حاجة فاسألوه من أربعة: اما عربي شريف أو مولي كريم أو حامل قرآن أو صاحب وجه صبيح، فأما العرب فشرفت بجدك، و أما الكرم فدأبكم و سيرتكم، و أما القرآن أن تنظروا الي فانظروا الي الحسن و الحسين، فقال الحسين، ما حاجتك؟ فكتبها علي الأرض، فقال الحسين: سمعت أبي عليا يقول: قيمة كل امري ء ما يحسنه»، و سمعت جدي يقول: المعروف بقدر المعرفة، فأسألك عن ثلاث مسائل، ان أحسنت في جواب واحدة فلك ثلث ما عندي، و ان أجبت عن اثنيتن فلك ثلثا ما عندي، و أن أجبت عن الثلاث فلك كل ما عندي، و قد حمل الي صرة من العراق، فقال: سل و لا حول و لا قولة الا بالله، فقال: أي الأعمال أفضل، قال الأعرابي، الايمان بالله، قال: فما نجاة العبد من الهلكة، قال: الثقة بالله، قال: فما يزين المرء؟ قال: علم معه حلم، قال: فان أخطأه ذلك، قال: فمال معه كرم، قال: فان أخطأه ذلك، قال: فقر معه صبر، قال: فان أخطأه ذلك، قال: فصاعقة تنزل من السماء فتحرقه، فضحك الحسين و رمي بالصرة اليه.

و روي أنس بن مالك أنه كان عند الحسين، فدخلت عليه جارية بيدها طاقة من ريحان فحيته بها، فقال لها: أنت حرة لوجه الله تعالي»، فسأله أنس متعجبا: جارية تجيئك بطاقة ريحان فتعقتها، قال الامام: كذلك أدينا الله تبارك و تعالي فقال «و اذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها»، و كان أحسن منها عتقها»، و روي أن بعض مواليه جني جناية توجب التأديب، فأمر بتأديبه، فقال يا مولاي: قال تعالي «و الكاظمين الغيظ» قال عليه السلام: خلوا


عنه فقد كظمت غيظي، قلا «و العافين عن الناس»، قال عليه السلام: قد عفوت عنك، فقال «و الله يحب المحسنين»، قال: «أنت حر لوجه الله تعالي، و أجازه بجائزة سنتية» و هكذا يجد أهل الكرم و السخاء في سيرة الامان ابن الزهراء أحسن الأسوة، و أطيب القدوة، فهو كجده صلي الله عليه و سلم كالريح المرسلة، لا يسأل شيئا الا أعطاه، و لا يبلغه دين الا قضاه، و لا يصله مال الا فرقه، يحمل الكل و يكسب المعدوم، و يكرم الفقير و المسكين.