بازگشت

الدكتور شعوط


وقف الشيخ الدكتور ابراهيم شعوط في كتابه «أباطيل يجب أن تمحي من التاريخ» «جدة 1983» موقفا عجيبا من قضية الامام الحسين نلخصه فيما يأتي:

1- يقول الدكتور شعوط ان من يدرس مأساة قتل الحسين بقلبه و عواطفه و يسترسل فيها متأثرا بوجدانه، يعيش في ظل الاحساس بأن الحسين رضي الله عنه حفيد رسول الله صلي الله عليه و سلم و أمه فاطمة بنت سيد الخلق، و من الحسين كانت صفوة آل البيت الذين يقول الله فيهم (قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي)، و من ثم يجد نفسه منفعلا بالعاطفة لآل البيت، فلا يسمع لخصومهم و لا يقبل دفاعا أو عذار يبرر قتل الحسين، و نحن مع تعاطفنا معهم، غير أن التاريخ لا يدرس بالعاطفة، و انما بميزان العقل و المنطق، و من ثم يجب أن نتناسي أن الحسين حفيد رسول الله صلي الله عليه و سلم و أنه منه بالمنزلة التي يعرفها المسلمون جميعا، ثم نتحدث عن القضية التاريخية، بوصفها حدثا من الأحداث التي تقاس بمقاييس البشر في حل مشاكلهم.

و العجيب فيما يقوله صاحب الأباطيل أنه انما يتخذ مقدمات خاطئة، ليصل عن طريقها الي نتائج أكثر خطأ، ذلك لأنه انما يريد أن يبعد عن القضية أهم مقوماتها، لأن المزية الأولي التي يجب توكيدها للامام الحسين، كما يقول الأستاذ العقاد، هي مزية نسبه الشريف و مكانه من محبة النبي صلي الله عليه و سلم، ذلك لأن المؤرخ الذي يكتب عن هذه القضية قد يكون عربيا مسلما أو يكون من غير العرب و من غير المسلمين، و لكنه يخطي ء دلالة الحوادث التاريخية اذا استخف بهذه المزية التي هي أحق مزايا الامام الحسين بالتوكيد في الصراع بينه و بين يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فليس المهم أن يؤمن المؤرخون بقيمة ذلك


النسب الشريف في نفوسهم أو قيمته في علوم العلماء و أفكار المفكرين، و لكن المهم أن أتباع يزيد كانوا يؤمنون بحق ذلك النسب الشريف في الرعاية و المحبة، و أنهم مع هذا غلبتهم منافعهم علي شعورهم، فكانوا من حزب يزيد، و لم يكونوا من حزب الحسين، فلولا هذه المزية في الامام الحسين لما وضح الصراح بين الأريحية و النفعية عند الفريقين، و لا كان المصطرعون هنا و هناك من مزاجين مختلفين، و لا كان للمعركة كلها تلك الدلالة التي كشفت النفي الانسانية في جانبين منها قويين، يتنازعان حوادث الأمم و الأفراد من زمان بعيد، و سيظلان علي نزاعهما هذا الي زمان بعيد، و لقد كان الامام الحسين، بمزية النسب الشريف، أحب انسان الي قلوب المسلمين، و أجدر انسان تنعطف اليه القلوب، لما ورد فيه من الأحاديث النبوية الشريفة التي تبين فضله، و تحض المسلمين علي مودته، و تنفر من بغضه، بل و تعلن بوضوح أن حب الحسين من حب جده النبي صلي الله عليه و سلم و بغضه من بغضه.

روي الامام أحمد و الطبراني عن أبي هريرة قال: نظر رسول الله صلي الله عليه و سلم الي علي و الحسن و الحسين و فاطمة، صلوات الله عليهم فقال: «أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم»، و روي الامام أحمد و الترمذي عن علي أن رسول الله صلي الله عليه و سلم أخذ بيد الحسن و الحسين فقال: «من أحبني و أحب هذين و أباهما و أمهما كان معي في درجتي يوم القيامة»، و روي الأمام أحمد و الحاكم و أبونعيم و الدولابي و الطبراني بطرق مختلفة عن النبي صلي الله عليه و سلم أنه قال «حسين مني و أنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط»، و أخرج الترمذي عن عبدالرحمن بن أبي نم قال سمعت رسول الله صلي الله عليه و سلم يقول: «ان الحسن و الحسين هما ريحانتاي من الدنيا»، و في الواقع فلقد ذهب الحسين و أخوته بكل ما في قلب النبي صلي الله عليه و سلم من محبة البنين،حتي روي أنه صلي الله عليه و سلم خرج من بيت غائشة يوما، فمر علي بيت فاطمة، فسمع حسينا يبكي فقال «ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني» و أخرج الامام أحمد و ابن ماجة و الهيثمي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلي الله عليه و سلم «من أحبهما فقد أحبني، و من أبغضهما فقد أبغضني، يعني حسنا


و حسينا» و أخرج الامام أحمد و أبوداود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و ابن حبان بسنده عن عبدالله بن بريدة قال سمعت أبي يقول: كان رسول الله صلي الله عليه و سلم يخطبنا فجاء الحسن و الحسين، و عليهما قميصان أحمران يمشيان و يعثران، فنزل رسول الله صلي الله عليه و سلم من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قاله صدق الله و رسوله «انما أموالكم و أولادكم فتنة» نظرت الي هذين الصبيين يمشيان و يعثران، فلم أصبر حتي قطعت حديثي و رفعتهما».

و انطلاقا من كل هذا، فاذا كان الاسلام عند المسلم هداية نفس، فهو عند الامام هداية نفس، و شرف بيت، و من ثم فلقد أخطأ صاحب الأباطيل عند ما أراد أن يبعد مزية النسب الشريف للامام الحسين في هذه القضية، فالحسين هو سبط النبي صلي الله عليه و سلم و ريحانته، ثم هو ابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم ثم هو ابن الامام علي، و بالتالي فمن الخطأ أخذ القضية علي أنها حدث تاريخي عادي بين البشر، تقاس بمقاييس البشر في حل مشاكلهم، ثم و هل يمكن فهم القضية، فهما صحيحا، اذا ما وضعنا الامام الحسين و أهدافه في كفة ميزان، مع يزيد، الذي أتعب الدكتور شعوط نفسه في الدفاع عنه، و أهدافه، و هل يمكن أن يقارن أحد الخصمين بالآخر، و بالتالي تقارن أهدافهما بعضها بالبعض الآخر، مع مزية النسب الشريف، و مكانة الامام الحسين من جده النبي صلي الله عليه و سلم و من هنا رأينا الدكتور شعوط يفعل ذلك و ما كنا نرجو له أن يفعل و هو أستاذ كبير.

2- يري الدكتور شعوط أن كتب أهل الكوفة و ردت للحسين بعد موت معاوية يلتمس منه الحضور لمبايعته بالخلافة، و قد بذلوا في هذه الكتب من العبارات الخلابة و الكلمات المغرية التي أخذت بقلب الحسين فأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل يمهد له الأمور هناك، ثم أخذ يستشير الناس في أمر ذهابه للكوفة، لا لينزل علي مشورتهم، و انما ليستطلع رأيهم و يعلمهم أنه ذاهب الي العراق حتما، و قد أجمعوا بعدم الذهاب الي الكوفة، و منهم ابن الحنفية و ابن عباس و عبدالرحمن بن الحارث بن هشام و ابن جعفر و الفرزدق و ابن مطيع.


و لنا قبل الرد علي صاحب الأباطيل ملاحظتان، أولهما أنه لم يكن دقيقا في نقله، و ثانيهما أنه لم يتعرض للأسباب الحقيقية لخروج الامام الحسين، ثم نري بعد ذلك أن الدكتور شعوط لم يكن علي صواب في أمور منها (أولا) قوله أن أهل العراق بذلوا في كتبهم من العبارات الخلابة و الكلمات المغرية التي أخذت بقلب الحسين فأرسل اليهم ابن عمه مسلم يمهد له الأمور هناك، فهذا الأسلوب لا يليق مع الامام الحسين، فلقد صوره الشيخ و كأنه شغوف بالخلافة و أنه أرسل ابن عمه ليمهد له طريقها، و هذا غير صحيح لأن مهمة مسلم انما كانت للتعرف علي أحوال أهل الكوفة، و ليس ليمهد له أمر الخلافة: اذ يقول الامام الحسين لأهل الكوفة «و قد بعثت اليكم أخي و ابن عمي و ثقتي من أهل بيتي»، و أمرته أن يكتب الي بحالكم» كما جاء في الطبري، هذا فضلا عن أن الامام الحسين، كما قلنا من قبل مرارا، انما خرج لأنه افتقد الأمن و الأمان في المدينة ثم في مكة، فقد هدد في المدينة بالقتل ان لم يبايع ليزيد، الأمر الذي رفضه من قبل علي أيام معاوية، لأنه كان يراه اثما، فان بايع ليزيد غش نفسه و خان ضميره، و خالف عن دينه، و ما كان و لن يكون لسبط النبي صلي الله عليه و سلم أن يفعل ذلك، و من ثم فقد خرج الي مكة اباء للذل، و نجاة من الارغام و القتل.

و منها (ثانيا) أن أهل الكوفة قد سبق أن كتبوا له عقب وفاة أخيه الامام الحسن يدعونه الي الخروج علي معاوية، و لكنه أبي هذا الخروج لأنه عاهد معاوية علي المسالمة، و قال لأنصاره الذين حرضوه علي خلع معاوية أن بينه و بين الرجل عهدا و عقدا، لا يجوز نقضه حتي تمضي المدة، بل انه حذر أخاه ابن الحنفية من الاصغاء اليهم و الاطمئنان لهم و قال له «ان القوم انما يريدون أن يأكلوا بنا، و يستطيلوا بنا، و يستبطوا دماء الناس و دماءنا»، و منها (ثالثا) أن أهل الكوفة كتبوا مرارا الي الامام الحسين بعد موت معاوية، حتي بلغت كتبهم المئات، و أرسلوا اليه رسلهم متتابعين، و لكنه لم يأبه بهم، و ظل أمينا لعهد الي أن رأي يزيد يبعث البعوث لمقاتلة ابن الزبير و أخذه دون مبالاة بحرمة البلد الحرام و البيت الحرام، و أقسم ألا يرضي حتي يحمل اليه ابن الزبير في جامعة


يقاد اليه كما يقاد الأسير، و من ثم فقد شعر الامام بالخطر علي حياته و علي البلد الحرام من قوم لا يرعون للنبي حرمته في أهله، و لا للبلد الحرام و لا للبيت للحرام.

و منها (رابعا) أن الامام الحسين لم يستشر الناس في أمر ذهابه الي الكوفة، كما يقول الشيخ شعوط، و انما الذي حدث أن بعض المخلصين من الصحابة و التابعين حين علموا باعتزامه الخروج الي الكوفة تتابعوا في القدوم عليه، يناشدونه عدم الالتجاء الي قوم لا عهد لهم و لا ميثاق، و قد شرح لهم الامام وجهة نظره من أن الخطر محقق بالنسبة اليه و الي البلد الحرام و البيت الحرام، اذا لم يخرج، و محتمل ان خرج، و قد أشرنا من قبل الي رده علي ناصحيه بعدم الخروج، حتي أنه قال للفرزدق «لو لم أعجل لأخذت»، و قال لابن عباس «لأن أقتل في مكان كذا و كذا، أحب الي من أن أقتل بمكة و تستحل بي» و قد أقره ابن عباس علي رأيه في الخروج و قال «فكان هذا الذي سلي نفسي عنه»، و ان فضل ابن عباس الخروج الي اليمن، لأن «بها حصونا و شعابا، و لأبيك بها شيعة»، و من ثم فلست أدري كيف تجاهل الشيخ شعوط كل تلك الحقائق، و لم ير سوي ان الامام الحسين خرج باغراء كتب أهل العراق، و ما بها من العبارات الخلابة و الكلمات المغرية التي أخذت بقلبه، فأرسل اليهم ابن عمه ليمهد له الأمور، كما اني، علم الله، لا أدري كيف توصل الشيخ الي هذه النتيجة العجيبة، مع أن الشواهد كلها، كما جاءت في المصادر، تشير الي غير ما ذهب اليه، فضلا عن شعور الامام الحسين بتفاهم الخطر حوله، فاضطر الي التعجيل بالخروج من مكة قبل أن يتم شعائر الحج، خوفا من أن يؤخذ، و حرصا علي البلد الحرام و البيت الحرام أن تستحل به حرمتها.

3 - تحدث الدكتور شعوط عن مسئولية قتل الامام الحسين، و بعد أن قدم عدة تساؤلات، قال: «و نحن بعد أن درسنا القضية بعيدا عن انفعالاتها، و أوردنا النصوص التي يعتمد عليها الدارس، كمادة يستنبط منها الحكم، نري أن المعابير العادية و القوانين التي تواضع عليها الناس لا تصلح أن تكون أساسا


لادانة أحد الطرفين و لا طريقا لانصافه، و انما نعالج القضية بأسلوب آخر، غير الأسلوب الذي تعارف عليه القضاة و المؤرخون، و هو أن نبحث موقف الحسين بكل اعتباراته، و موقف يزيد بكل مبرراته، فيتضح لنا أن موقف أحدهما كان طبيعيا، و موقف الآخر غير طبيعي، ثم توصل الشيخ شعوط الي عدة نتائج:

منها (أولا) أن يزيد بن معاوية خليفة بايعه المسلمون في العاصمة الكبري للمسلمين، و هي دمشق التي حلت محل المدينة، و أهلها يقومون الآن مقام أهل الحل و العقد من المهاجرين و الأنصار، ثم بايعه كل الأمصار، و فيهم ابن عباس و ابن عمرو ابن الحنفية، و كل المقربين من آل البيت، و لم يخرج عليه سوي قلة من المسلمين، فأصبحت بيعته قد انعقدت شرعا و التزم بها المسلمون»، غير أن الدكتور شعوط لم يحدثنا كيف تمت هذه البيعة، و مرة أخري انه يتخذ مقدمات خاطئة ليصل منها الي نتائج أكثر خطأ، و قد تحدثنا من قبل عن بيعة يزيد، و كيف أن الامام الحسن عندما تنازل لمعاوية، انما اشترط أن لا يعهد لمعاوية بالأمر لأحد من بعده، و أن معاوية عرض علي الاسلام أن يكون له الأمر من بعده، و ان رأي بعض العلماء أن الامام الحسن قد رفض ذلك، و اشترط أن تكون الخلافة بعد موت معاوية شوري بين المسلمين يختارون لها من أحبوا، غير أن معاوية أراد أن يحول الاسلام الي ملك عضوض، و مزرعة أموية، فتقض عهده و بايع لولده يزيد، و هكذا كشف معاوية بعمله هذا أحد وجوه القضية الجليلة التي قاتل الامام علي دونها، هذا الوجه المتمثل في أن لا تصير خلافة المسلمين الي طلقاء بني أمية أبدا، و أن تظل في الصالحين الأولين من المهاجرين و الأنصار، و هكذا نشأت بيعة يزيد في مهد الدس و التملق، و لم يجسر معاوية عليها حتي شجعه عليها من له مصلحة في ذلك التشجيع، و سرعان ما سخر معاوية كل امكانات الدولة في اتمام البيعة ليزيد، نابدا الشوري و راء ظهره، فهو لم يؤامر الأمة فيما اختار لخلافتها، علي أي نحو من المؤامرة، و انما شاور قوما من خاصته و الطامعين في سلطانه، فكلهم أغراه بذلك و حببه اليه، و لم يستطع أحد من خاصة الناس و لا من عامتهم أن ينكر علي معاوية مما


أراد شيئا، كل ذلك مع اشتهار يزيد بفسقه و فجوره، في وقت كان ابن رسول الله صلي الله عليه و سلم الامام الحسين علما خفاقا علي ظهر الأرض، يتحني الناس امامته، غير أن معاوية لم يستطع أن يقنع أربعة نفر من قريش ببيعة يزيد هم الامام الحسين و عبدالله بن عمر و عبدالرحمن بن أبي بكر، و عبدالله بن الزبير و زاد فريق عبدالله بن عباس، لم يبلغ منهم معاوية شيئا بالوعد و الوعيد، صارحه بعضهم بعدم البيعة ليزيد، و التوي عليه بعضهم الآخر، لكنه استكره هؤلاء النفر علي الصمت، بعد أن لم يستطع أن يستكرههم علي البيعة، الأمرالذي ناقشناه من قبل.

فهل هذه هي البيعة التي يريد الكتور شعوط أن يقنعنا أنها قد انعقدت شرعا، و التزم بها المسلمون، بعد أن بايع المسلمون يزيد في دمشق التي حلت محل المدينة، و أصبح أهلها يقومون مقام أهل الحل و العقد من المهاجرين و الأنصار، لست أدري، هل حقا أن الشيخ يزيد أن يعتقد ذلك، و علي أي حال، فهذا رأيه.

و منها (ثانيا) يقول الشيخ شعوط في نتيجته الثانية: كان رأي الدين قد اتضح في هذه البيعة، علي لسان عبدالله بن عمر، الذي جمع حشمه و ولده، حينما علم أن أهل المدينة خلعوا يزيد، و قال لهم: سمعت رسول الله صلي الله عليه و سلم يقول «ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة»، و انا قد بايعنا هذا الرجل علي بيع الله و رسوله، و اني لا أعلم غدرا من أن نبايع رجلا علي بيع الله و رسوله ثم ننصب له القتال، و اني لا أعلم أحدا منكم خلعه و لا بايع في هذا الأمر، الا كانت الفيصل بني و بينه»، و هكذا انتشر بين جماهير المسلمين، الذين ليس لهم هوي أو مصلحة، أن الخروج علي الامام تفريق لصفوف الأمة و صدع لبنيانها و تردد علي أفواه الناس حديث رسول الله صلي الله عليه و سلم «انه ستكون هنات و هنات، فمن أراد أنه يفرق أمر هذه الأمة، و هي جميع، فاضربوه بالسيف كائنا من كان».

هذا و قد أخطأ الشيخ شعوط في أمرين الواحد: قوله ان رأي الدين الذي يزعم أنه قد اتضح في هذه البيعة علي لسان ابن عمر، عندما علم أن أهل المدينة خلعوا يزيد، و لعل الشيخ نسي أو تناسي أن قول ابن عمر هذا، انما كان


بعد استشهاد الامام الحسين في مذبحة كربلاء في العاشر من المحرم عام 61 ه، و أن ثورة المدينة، التي تحدث عنها ابن عمر انما كانت في أخريات عام 63 ه، أي بعد قرابة ثلاثة أعوام من استشهاد الامام الحسين و آل البيت الطاهرين، و من ثم فرأي ابن عمر انما جاء بعد مذبحة كربلاء، أو أنه لم يقال الا بعد استشهاد الحسين بسنوات ثلاث تقريبا، و الآخر: أن ابن عمر و غيره ممن بايعوا يزيد، انما قد أصبح ليزيد في عنقهم بيعة، و لكن الأمر بالنسبة للامام الحسين جد مختلف، فهو لم يبايع يزيد أبدا، سواء في حياة معاوية أو بعد تولية يزيد، و بالتالي فلم يكن ليزيد بيعة في عنقه، بل ان خروج الامام الحسين الي الكوفة انما كان حتي لا يرغم الامام علي بيعة يزيد.

و أما الجزء الخاص بأن الخروج علي الامام تفريق لصفوف الأمة... ألخ» فلست أدري ماذا يريد صاحب الأباطيل من وراء هذه الفقرة، فهو كالعادة، لا يبدي رأيه بوضوح، فهل يعني أن الامام الحسين انما خرج لتفريق وحدة الأمة، ان كان ذلك كذلك، فلقد قلنا مرارا و تكرارا، أن الامام الحسين انما خرج لافتقاده الأمن و الأمان في المدينة ثم في مكة،و خوفا من أن يستباح البلد الحرام و البيت الحرام، و قدمنا الكثير من الأدلة علي ذلك، و ليس من المقبول تكرارها كلما أشار مؤرخ الي ذلك، ثم هل كانت هناك وحدة حقا، خرج الامام الحسين ليفرقها، أم أن صفوف الأمة، كما أشرنا من قبل، قد فرقها اغتيال الفاروق ثم ذي النورين ثم خروج معاوية علي الامام علي، ثم ماذا يعني الشيخ بجماهير المسلمين الذين ليس لهم هوي و لا مصلحة، ثم ماذا يعني بذكر الحديث الشريف، و هل هو يقول برأي ابن العربي الذي استهجنه علماء المسلمين، و أن الامام الحسين قتل بسيف جده، كما يزعم ناس ممن تعرضوا لهذا الموضوع، و قد ناقشنا ذلك من قبل.

و منها (ثالثا) يقول الشيخ شعوط في نتيجته الثالثة: «لما جاءت كتب أهل الكوفة الي الحسين و هم بالخروج ليعلن الحرب علي يزيد، أدرك كل المحيطين بالحسين خطر هذه المغامرة، و أعلنوا عدم ثقتهم في قوم خذلوا أباه و أخاه، ثم


أكدوا له أنه يلقي بنفسه الي التهلكة، و يدخل في مغامرة ضارة و خاسرة، و مضمون هذا النصح و هذا الاصرار و الالحاح هو الحرص علي عدم وصف الحسين بالخروج علي الامام، أو أن يكون سببا في تفريق أمر الامة بعد ما اجتمع، فوق حرصهم علي حياته و ابقائهم علي أولاه و آل بيته.

و الحق أن الشيخ تجاوز في هذه النقطة كل الحدود، فهو ألف كتابه هذا «أباطيل يجب أن تمحو من التاريخ»، فاذا به يأتي في أباطيله بأباطيل جديدة، لعله لم يسبق اليها من قبل، فلعله أولمن قال ان الامام الحسين خرج «ليعلن الحرب علي يزيد» و لعله أول من أطلق علي قضية الامام الحسين وصف أو اسم «مغامرة»، و لست أدري ما هي العوامل التي دفعته الي أن يتطاول علي مقام سيد المسلمين في عصره، سيدنا و مولانا الامام الحسين، سبط النبي صلي الله عليه و سلم و ريحانته، و سيد شباب أهل الجنة، و من قال فيه جده المصطفي صلي الله عليه و سلم «حسين مني و أنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط»، و من جعل سيدنا و مولانا رسول الله صلي الله عليه و سلم حبه علامة علي حب النبي صلي الله عليه و سلم و بغضه بغض للنبي صلي الله عليه و سلم، و من كان مجرد بكائه و هو طفل، علي كثرة ما يبكي الأطفال الصغار، يوذي رسول الله صلي الله عليه و سلم، كما قال صلي الله عليه و سلم للسيدة فاطمة الزهراء «ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني».

و مع ذلك فسوف نناقش الشيخ شعوط في أباطيله التي زعمها علي الامام الحسين، فقوله ان خروج الامام الحسين انما كان ليعلن الحرب علي يزيد، يكذبه، كما كررنا مرارا، أمور منها أن الامام الحسين خرج من المدينة بعد أن هدد بالقتل من مروان، ان لم يبايع، و ما كان الامام الحسين يقبل تهديدا بالقتل أو يرضي ببعية يري أنها اثما، و من ثم فقد خرج من المدينة لينجو بحياته و ينقذ دينه و يرضي ضميره، و من ثم رأيناه يردد عند خروجه قوله تعالي (فخرج منها خائفا يترقب، قال رب نجني من القوم الظالمين)، و ما أن وصل مكة حتي أخذ يردد قوله تعالي «و لما توجه تلقاء مرين قال عسي ربي أن يهديني سواء السبيل»، و من تلاوة الحسين لهاتين الآيتين الكريمتين، حين خرج من المدينة


و حين وصل مكة ما يبين بوضوح أسباب خروجه من المدينة، و الأمل الذي يرجوه في مكة، و ما أن سأله أمير مكة عن سبب حضوره اليها حتي قال «انا جئنا عواذا بالبيت».

و منها أنه خرج من مكة الي الكوفة حين افتقد الأمن و الأمان في جوار البيت الحرام، و في البلد الحرام، بعد أن تيقن أن طلاب الدنيا لمن يدعوه أبدا، مع أنه لم يقم يأية محاولة من أي نوع، يفهم منها انه يسعي الي الخلافة، أو منازعة يزيد و بقية عصابة الأمويين السلطان، و من ثم فقد اضطر الامام الحسين الي الخروج حتي لا يؤخذ أو تستحل به حرمة البلد الحرام و البيت الحرام، حتي أنه اضطر للخروج يوم التروية، و حتي سأله الفرزدق: بأبي و أمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحج، فقال له الامام «لو لم أعجل لأخدت،»، و عندما نصحه ابن عباس بعدم الخروج، قال الأمام «لأن أقتل في مكان كذا و كذا، أحب الي من أقتل بمكة و يستحل بي»، و الأمر كذلك بالنسبة لنصيحة ابن الزبير، حيث أجابه الامام «ان أبي حدثني أن لها، أي مكة، كبشا به تستحل حرمتها، فما أحب أن أكون ذلك الكبش، و الله لأن أقتل خارجا منها بشبر أحب الي من أن أقتل فيها، و لأن أقتل خارجا منها بشير بن أحب الي من أن أقتل خارجا منها بشير، و أيم الله، لو كنت في حجر هامة من هذه الهوام لا ستخرجوني حتي يقضوا بي حاجتهم، و الله ليعتدين علي، كما اعتدت اليهود في السبت»، و هكذا كان الامام الحسين علي يقين من أنه بتصميمه علي عدم البيعة ليزيد، انما كان يري أن المجابهة أمر محتوم، و لم يرد، عليه السلام، أن تقع في البلد الحرام، فهو علي بينة من سفالة خصومه، و هو علي بينة كذلك من أنهم لن يتورعوا عن هدم المسجد الحرام ذاته، و الكعبة المشرفة ذاتها، اذا اضطرهم القتال لذلك، و قد فعلوها علي أيام يزيد نفسه، و علي أيام عبدالملك بن مروان، و هكذا فان الامام الحسين لم يأب نصيحة الناصحين عنادا، و انما لأنه كان يعلم أن يزيد سيأخذه بالبيعة أخدا عنيفا، فان بايع غش نفسه، و خان ضميره، و خالف عن دينه، لأنه كان يري بيعة يزيد اثما، و ان لم يبايع صنع به يزيد ما يشاء.


و منها أن الناصحين للامام الحسين، و ان أكدوا له أن في خروجه خطرا عليه، و لكنهم لم يقولوا، كما يزعم الشيخ شعوط أنه يدخل في مغامرة ضارة و خاسرة، فهذه الألفاظ لا يقولها الناصحون للامام الحسين، و لم يقلها الا صاحب الأباطيل، بل اننا نري، كما أسلفنا، أن ابن عباس يقره علي الخروج، و لكنه يفضل الخروج الي اليمن، و ليس الي الكوفة.

و منها أن ما يزعمه الدكتور شعوط من أن مضمون النصيحة للحسين هو الحرص علي عدم وصفه بالخروج علي الامام، أو أن يكون سببا في تفريق أمر الأمة بعد ما اجتمع، فيناقضه أن واحدا من الناصحين لم يتهم الامام الحسين بما اتهمه به الشيخ شعوط، و ان كانت نصيحتهم انما كانت خوفا علي الامام من عذر أهل الكوفة فحسب، و رغم أن الشيخ شعوط متأثر الي حد كبير بآراء الشيخ الخضري، الا أنه هنا يتبني رأيه حرفيا، ثم منذ متي، كما أشرنا آنفا، اجتمع شمل الأمة منذ مقتل الخليفة الشهيد عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم خروج معاوية والد يزيد علي الامام العادل سيدنا علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه في الجنة، ثم أليست البيعة ليزيد تفريق لصفوف الأمة، هذا فضلا عن أن القضية التي خرج الامام الحسين حاملا لواءها لمن تكن أبدا، و لن تكون، قضية شخصية تتعلق بحق له في الخلافة أو ترجع الي عداوة شخصية يضمرها ليزيد، كما أنها لم تكن قضية طموع يستحوذ علي صاحبه و يدفعه الي المغامرة التي يستوي فيها احتمال الربح و الخسران، و انما هي قضية أجل أسمي و أعظم، كانت قضية الاسلام و المسلمين و مصيرهما، و اذا صمت المسلمون جميعهم تجاه هذا الباطل الذي أنكره البعض بلسانه، و ينكره الجميع بقلوبهم، فمعني ذلك أن الاسلام قد كف عن انجاب الرجال، و معناه أن المسلمين قد فقدوا أهلية الانتماء لهذا الدين العظيم، و معناه أيضا أن مصير الاسلام و المسلمين معا قد أمسي معلقا بالقوة الباطشة، فمن غلب ركب، و لم يعد للقرآن و لا للحقيقة سلطان، هذه هي القضية في روع الامام الحسين، و بهذا المنطق أصر علي الخروج، كما يقول الأستاذ خالد محمد خالد، ذلك لأن العقيدة الدينية في


نفس الامام الحسين، كما يقول الأستاذ العقاد، لم تكن مسألة مزاج أو مساومة، و أنه كان رجلا يؤمن أقوي الايمان بأحكام الاسلام، و يعتقد أشد الاعتقاد أن تعطيل حدود الدين هو أكبر بلاء يحيق به و بأهله و بالأمة العربية قاطبة في حاضرها و مصيرها، لأنه مسلم، و لأنه سبط النبي صلي الله عليه و سلم، فمن كان اسلامه هداية نفس، فالاسلام عند الامام الحسين هداية نفس، و شرف بيت.

و منها (رابعا) يقول الشيخ شعوط في نتيجته الرابعية: اتضح من جمله النصوص التي أوردنا ها أن الحسين كان مشدودا الي تلك المغامرة بدوافع خفية، أصبحت عنده ضرورة لا بد منها، و صارت في تقديره مسئولة لا بد أن يتحملها و يتحمل في سبيلها كل ما يصيبه، و لو كانت حياته و حياة أهله جميعا، علي الرغم من احساسه بعدم صدق أهل العراق في دعوته»، و نحن لا نريد أن نكرر أن وصف الشيخ شعوط لقضية الامام الحسين بأنها مغامرة، للمرة الثالثة، فيه تطاول علي مقام الامام الحسين و علي الحقيقة التاريخية، فلقد بينا آنفا كل الدوافع التي كانت من وراء خروج الامام الحسين، و اذا كان لنا أن نضيف جديدا فليس أقل من أن نؤكد أن الامام الحسين لم يخرج ليحرز نصرا مضمونا، و انما خرج ليؤكد حق الاسلام في حماية نفسه من الضلال و الافك، و ليكفر في تضحية مجيدة مجيدة عن خطئة الصمت التي اقترفها كثير من الناس طائعين أو مكرهين.

و أما رؤيا الامام الحسين التي قال عنها لابن عمه عبدالله بن جعفر «اني رأيت رؤيا فيها رسول الله صلي الله عليه و سلم و أمرت فيها بأمر أنا ماض له، علي كان أولي»، فلما سئل عنها قال: «ما حدثت أحدبها، و ما أنا محدث بها أحدا حتي ألقي ربي»، و بدهي أن رؤيا الرسول صلي الله عليه و سلم حق لقوله صلي الله عليه و سلم «من رآني في المنام فقد رآني، فان الشيطان لا يتمثل بي» فاذا قال الامام الحسين أن جده النبي صلي الله عليه و سلم قد أمره فهذا يعني أنه يسير علي هدي و نور الله و رسوله، و هو اللائق بمقامه، و ما كان له أن يعرض عما أمر به رسول الله صلي الله عليه و سلم و هو الذي لا ينطق عن الهوي، الي ما يظنه الناس و يرجونه، و شتان بين من يتكلم من دار الحق بلسان الحق، و بين


من يتكلم من دار الباطل و الغرور، بلسان العاطفة و الرجاء، و أما تساؤل الشيخ شعوط بعد ذلك عن هذه الرؤيا التي تلقاها الامام الحسين من جده صلي الله عليه و سلم حتي يسير مسرعا الي نهايته، و الناصحون من حوله في عجب شديد من أمره، فهو تساؤل قد يكون مقبولا من رجل دراسته تاريخية فحسب، و قد لا يكون، و لكنه يقينا غير مقبول من رجل جمع بين الدراسة التاريخية و الدينية أفلا يعرف الشيخ تلك الأحاديث الشريفة التي أخبر فيها سيدنا و رسول الله صلي الله عليه و سلم بمقتل الامام الحسين في كربلاء، فضلا عن نبوءة الامام علي بذلك، و منها ما أخرجه الامام أحمد بسنده الي أم سلمة قالت: كان جبرئيل عليه السلام عند النبي صلي الله عليه و سلم و الحسين معي فبكي فتركه فدنا من النبي صلي الله عليه و سلم فقال جبريل: «أتحبه يا محمد، قال نعم، فقال ان أمتك ستقتله، و ان شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، فأراه اياه، فاذا الأرض يقال لها كربلاء»، و أخرج الامام أحمد و أبويعلي و البزار و الطبراني عن عائشة أو أم سلمة (شك الراوي) أن النبي صلي الله عليه و سلم قال لاحداهما، لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها، فقال لي: «ان ابنك هذا حسين مقتول، و ان شئت أريتك من تربة الارض التي يقتل بها، فأخرج تربة حمراء»، و أخرج الامام أحمد و أبو يعلي و البزار و الطبراني عن عبدالله بن نجي عن أبيه، أنه سار مع علي، و كان صاحب مطهرته، فلما حاذي نينوي، و هو منطلق الي صفين، فنادي علي: اصبر أبا عبدالله، اصبر أبا عبدالله بشط الفرات، قلت و ماذا، قال: دخلت علي النبي صلي الله عليه و سلم ذات يوم و عيناه تقيضان، قلت يا نبي الله أغضبك أحد، ما شأن عينيك تفيضان، قال: بل قام من عندي جبريل قبل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال، فقال: «هل لك الي أن أشمك من تربته، قال قلت نعم، فمديده فقبض قبضة من تراب فأعطيانها، فلم أملك عيني أن فاضتا» و حتي في لحظات الخروج الأخيرة، كان هناك من يذكر الامام الحسين بأنه مقتول، روي ابن كثير أن عمرة بنت عبدالرحمن كتبت اليه تخبره أنها سمعت عائشة تقول انها سمعت رسول الله صلي الله عليه و سلم يقول «يقتل الحسين بأرض بابل»، فلما قرأ كتابها قال «فلا بد اذن من مصرعي»، هذه هي بعض الأسباب


الخفية، بجانب الأسباب الحسية، التي كانت سببا في خروج الامام الحسين، و التي لا يدركها الا الباحثون عن الحقيقة، احتفظ الامام الحسين بها لنفسه، فلم يفصح عنها الا بمقدار، لا يستطيع ادراك مغزاه الا أرباب القلوب الذين أنار الله بصيرتهم، فأدركوا من الأسرار ما لم يدركه الأخرون بعقولهم و علومهم.

و منها (خامسا) يقول الشيخ شعوط في نتيجته للخامسة: «ان يزيد لم يرد قتل الحسين، و ان اضطر اليه اضطرارا، بعد ما أكد له عماله أن دولته في خطر، و لم يتوقع أن يفعل بالحسين ما فعل به، و لكن الرغبة في اظهار البطولة و التقرب الي الحاكم، هي التي جعلت كل التصرفات في المعركة تجاوز كل حدود المعقول، و تخضع لسعار الجنون من الفتك و البطش و التمثيل، الأمر الذي أغضب يزيد و أبكاه، فأعلن سخطه علي ابن زياد حين جاءه برأس الحسين، ثم قال: «لو كان بين ابن زياد و بين الحسين رحم ما فعل هذا» و لعل نصيحة أبيه معاوية حيث أوصاه قبل موته «و أما الحسين فانه رجل خفيف، و لن يتركه أهل العراق حتي يخرجوه، فان خرج و ظفرت به فاصفح عنه، فان له رحما ماسة و حقا عظيما و قرابة من محمد صلي الله عليه و سلم»، و لعل هذه النصيحة هي التي جعلت يزيد يقول لعبيد الله بن سمية «أما و الله لو أني صاحبه لعفوت عنه».

هذا و قد أخطأ الدكتور شعوط في هذا عدة أخطاء، منها (أولا) قوله ان يزيد لم يرد قتل الحسين، و قد ناقشنا من قبل مسئولية يزيد، و خلصنا الي أنه مسول تماما عن قتل الامام الحسين و آل بيته الطاهرين، فمن الثابت الذي لا جدال فيه أن يزيد لم يعاقب أحدا من ولاته كبر أو صغر علي شي ء مما اقترفوه من خطايا و جرائم منكرة في مذبحة كربلاء، يخجل حتي الشيطان من اقترافها، مما يدل علي أن الجريمة النكراء تمت بأمر من يزيد و وفقا لهواه، هذا الي أن البعض ذهب الي أن ابن زياد كان علي اذن مستور بما صنع، و يملي لهم في هذا الظن أن يزيد كان يسعي الي استئصال ذرية الامام الحسين من الذكور حتي يصفو الملك له و لأعقابه من بعده، و قد روي ابن شريح اليشكري أن ابن زياد قد صارحه بعد موت يزيد فقال «أما قتلي الحسين فانه أشار الي يزيد بقتله أو قتلي،


فاخترت قتله»، هذا الي أن سياسة يزيد في دولته تؤكد مسئوليته عن قتل الامام الحسين و آل بيته الطاهرين، فان الذي يستبيح مدينة الرسول صلي الله عليه و سلم ثلاثة أيام، تنتهك فيها الأعراض و تنهب الأموال و تجري فيها دماء الصحابة و التابعين أنهارا، ثم يؤخذ من بقي من أهل المدينة بالبيعة، لا علي كتاب الله و سنة رسوله، و لكن علي أنهم عبيد ليزيد، ان من يأمر بكل هذه الخطايا و المخازي، ثم يرسل جنده بعد ذلك الي مكة لاستباحة البيت الحرام و ضرب الكعبة بالمنجنيق، لا يتورع عن أن يأمر بقتل آل بيت النبي صلي الله عليه و سلم و علي رأسهم الامام الحسين، هذا فضلا عن أن يزيد، و كذا خلفاءه من المروانيين استمروا في البدعة الأموية الخسيسة اليت تقضي بلعن الامام علي، كرم الله وجهه في الجنة، و مولانا الامام الحسين، و آلهما علي المنابر في أرجاء الدولة الاسلامية، و يستفتون من يفتيهم من مرتزقة الدين باهدار دمهم و صواب عقابهم بما أصابهم، و من تجب لعنته علي المنابر بعد موته بسنين، فقتله جائز أو واجب في رأي لا عنيه، ثم ان الدكتور شعوط نفسه يدين يزيد بقتل الامام الحسين، و ان جعله مضطرا الي ذلك، و هذا ما لا نتفق معه فيه أبدا، فأي اضطرار هذا الذي يبيح لمسلم القيام بمجزرة يروح ضحيتها آل بيت النبي صلي الله عليه و سلم و علي رأسهم سيد المسلمين الامام الحسين، سبط النبي و ريحانته.

و أخطأ الشيخ شعوط (ثانيا) في قوله ان الرغبة في اظهار البطولة و التقرب من الحاكم هي التي جعلت التصرفات في المعركة تجاوز كل حدود المعقول، و لست أدري أية بطولة هذه التي يتحدث عنها الشيخ، هل بطولة جيش قوامه أربعة آلاف فارس و رام، ضد اثنين و سبعين رجلا، و هل من البطولة أن يرفض عمر بن سعد بن أبي وقاص كل عروض الامام الحسين عليه لانهاء الموقف الحرج، لا لشي ء، الا لخوف من ابن زياد، و هل من البطولة أن يمنع الماء عن النساء و الأطفال ثم يحاصرهم، و هل من البطولة أن يبدأ عمر هذا الحرب بكل الذلة و الخسة و الحقارة، و ليست البطلة كما يزعم الشيخ، فيأمر جيش اللئام بالزحف علي معسكر الامام الحسين، ثم يتناول سهما فيرمي به عن قوسه الي


المعسكر و هو يصيح: اشهدوا لي عند الأمير أنني أول من رمي الحسين، و هل من البطولة أن يتكاتف أربعة آلاف رجل علي رجل واحد، بعد استشهاد أصحابه جميعا، حتي يقتلوه، ثم ماذا بعد ذلك البطولة، احتزوا رؤوس الشهداء، و أولهما رأس الامام الحسين، ثم داسوا بسنابك الخيل أجسادهم الشريفة الطاهرة، حتي ألصقوها بالأرض، ثم تركوها في مكانها في العراء لا يدفنونها و لا يصلون عليها، ثم أمروا سيدات بيت النبوة بالمرور حواسر من طريق الجثث الملقاة في العراء، ثم رفعوا الرؤوس أمامهم علي الحراب، ثم ماذا كان هم أبطال الشيخ شعوط بعد ذلك، همهم الاسلاب يطلبونها حيث و جدوها، فأهرعوا الي النساء من بيت رسول الله صلي الله عليه و سلم ينازعونهن الحلي و الثياب التي علي اجسادهن، لا يزعهم عن حرمات رسول الله صلي الله عليه و سلم و ازع من دين أو مروءة، و انقلبوا الي جسد الامام الحسين يتخطفون ما عليها من كساء تخللته الطعون حتي أو شكوا أن يتركوها عارية، لو لا سراويل لبسها، عليه السلام، و تعمد تمزيقها، لكي يتركوها علي جسده الشريف و لا يسلبوها.

ثم ماذا بعد ذلك، انهم مسلمون، من المفروض أن يراعوا حرمة النبي صلي الله عليه و سلم و أقل ما تفرضه هذه الحرمة أن يتحرجوا أشد التحرج و يتأثموا أعظم التأثيم، قبل أن يمسوا واحدا من آل بيت النبي صلي الله عليه و سلم فضلا عن أن يقوموا بكل تلك الكبائر و الخطايا، و في عالم شهد النبوة و الخلافة الراشدة، و ما أصدق الامام الحسين حيث يقول: «الناس عبيد الدنيا، و الدين لعق علي ألسنتهم يحوطونه ما درت به معائشهم، فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون».

و أخطأ الشيخ شعوط (ثالثا) في اظهار يزيد و كأنه قد سخط علي ابن زياد لقتله الامام الحسين حين جي ء له برأسه الشريف، و الواقع أن يزيد، رغم ما قيل أنه سخط، الا أن الثابت يقينا أنه لم يعاقب ابن زياد أو غيره، بل حتي لم يعاتبهم، و انما أبقي ابن زياد علي المصرين (الكوفة و البصرة) و بالغ في رفعه حتي أدخله علي نسائه، و أما أن يزيد فعل ذلك «أي سخطه علي ابن زياد» بنصيحة أبيه معاوية، و لست أدري أية


نصيحة هذه التي يصف فيها معاوية ابن أكلة الأكباد الامام الحسين بأن «رجل خفيف»، بينما وصف رسول الله صلي الله عليه و سلم ولده الامام الحسين بقوله الشريف «و أما الحسين فله جرأتي و جودي»، فما اعتبره سيدنا رسول الله صلي الله عليه و سلم جرأة، اعتبره معاوية «خفة»، و لست أدري رأي الشيخ شعوط في الوصفين، و أيهما نصدق؟ و هل هناك مخلوق ظهر علي وجه الأرض أصدق من رسول الله صلي الله عليه و سلم و أما قول يزيد «لو كان بين ابن زياد و الحسين رحم ما فعل هذا»، فهو انما يكذب أباه معاوية في استلحاقه زيادا بأبي سفيان، كما أشرنا من قبل، و أما أثر نصيحة معاوية في يزيد حتي أنه قال «أما و الله لو كنت صاحبه لعفوت عنه» فيناقض ما أشرنا اليه من قبل عن مسئولية يزيد الكاملة عن قتل الامام الحسين و آل بيته، و عدم محاسبة أحد ممن ارتكب هذه الجريمة النكراء، فضلا عن أن يزيد حين استقبل رأس الامام الحسين و آل البيت في قصره بدمشق، انما عاملهم، في بادي ء الأمر علي الأقل، بكل خسة و دناءة، الي جانب وقاحة لا يأتي بها الا مثله، فلقد تطاول علي مقام الامام علي و الامام الحسين و علي العقيلة الطاهرة السيدة زينب، بل و سمح لزنيم من اللئام في مجلسه أن يطلب منه أن يهبه السيدة فاطمة، حفيدة البني صلي الله عليه و سلم، هذا الي جانب ما فعله بالرأس الشريف، حين أخذ ينكث بقضيب كان في يده في ثغر الامام الحسين، الأمر الذي أغضب الصحابي الجليل أبو برزة الأسلمي، كما أشرنا من قبل.

هذا و قد توصل الشيخ شعوط في كتابه الأباطيل الي النتيجة التالية: ان الشواهد كلها تدل علي أن موقف يزيد الخليفة من الحسين الخارج عليه، كان طبيعيا، بمقتضي المعايير الطبيعية، و بالرغبة في الحفاظ علي الملك و السلطان، و ربما الصالح العام، كما أن الشواهد كلها تدل علي أن موقف الحسين من ناصحيه أولا، و من يزيد و خلافته ثانيا، كان غير طبيعي، و علي غير مألوف الناس، و مدلول نواميس البشر.

و ما أظن أن واحدا حاول أن يدرس القضية بجدية و عدالة، قال بما قال به


الشيخ شعوط من قبل، و لكن أقواله هذه انما هي نتيجة طبيعية لمقدمات غير طبيعية، و ربما تأثر في ذلك باتجاهات معينة لآراء معينة، و في ظروف معينة، و ان لم يقل بخطأ الامام، و ان قال أن موقفه غير طبيعي.