بازگشت

ابن خلدون


ذهب ابن خلدون في مقدمته المشهورة، كما أشرنا آنفا، الي تأكيد الشبهة المزعومة من أن الامام الحسين عليه السلام، كان يقاتل أهل الآراء باعتباره الامام العادل، صاحب الحق في الخلافة، و أن خروجه انما كان سيعا للوصول اليها، و قد أخطأ ابن خلدون في عدة أمور، منها (أولا) أن الامام الحسين انما خرج علي يزيد لما ظهر فسقه، و ذلك لأن الصحابة قد اختلفوا في ذلك، فمنهم من رأي الخروج عليه و نقض بيعته، كما فعل الامام الحسين و ابن الزبير، و من اتبعهما في ذلك، غير أن الثابت أن الامام الحسين لم يبايع ليزيد أصلا، سواء علي أيام أبيه معاوية أو بعد تولي يزيد، و من ثم فالامام لم ينقض دعوة يزيد لأنها لم تعقد أصلا، و بدهي أنه لا نقض لبيعة لم تقع و لا وجود لها.

و منها (ثانيا) ما ذهب ابن خلدون في قوله «و أما الحسين فانه لما ظهر فسق


يزيد عند الكافة من أهل عصره بعث شيعة أهل البيت بالكوفة للحسين أن يأتيهم فيقوموا بأمره، فرأي الحسين أن الخروج علي يزيد متعين من أجل فسقه، لا سيما من له القدرة علي ذلك، و ظنها من نفسه بأهليته و شوكته»، و قد أخطأ ابن خلدون في ذلك و قد أشرنا من قبل مرارا الي أن الامام الحسين لم يبايع يزيد أصلا، و لم يخرج الي الكوفة بسبب دعوة شيعة أهل البيت، و انما خرج الي مكة أولا حتي لا يأخذه يزيد بالبيعة أخذا عنيفا، ثم خرج من مكة الي الكوفة مخافة علي نفسه و علي البلد الحرام أن تنتهك حرمته بسببه، و من ثم فلم تكن الأهلية أو الشوكة سببا لخروجه، و لو أراده الشوكة لا ستكثر من الأعوان، و لما خرج بقلة من الرجال لا يبلغون الثمانين رجلا، و لما رفض عرض الطرماح بن عدي حين عرض عليه عشرين ألفا من طي ء، يضربون بين يديه بسيوفهم، و لا يوصل اليه و منهم عين تطرف، و لما عرض علي أنصاره ليلة مذبحة كربلاء أن ينصرفوا في ظلام الليل، فان القوم لا يطلبون غيره، بل لو أراد الامام الشوكة لدعا الناس الي نصرته في الخروج علي الفاسق يزيد، ابن الطلقاء، و لاستجاب لدعوته الكثيرون، فليس من المقبول القول بأن الخير ضاع من المسلمين جميعا حتي يخذلوا ابن رسول الله صلي الله عليه و سلم و ينصروا ابن معاوية و حفيد أبي سفيان و هند آكلة الأكباد، و لكن الحقائق التاريخية تؤكد أن الامام الحسين لم ينازع يزيد سلطان، و لكن يزيد هو الذي أراد أن يجبر الامام الحسين علي بيعته، و هي بيعة يراها الامام اثما، يغش به نفسه، و يخون ضميره و يخالف عن دينه، و يساعد بها علي تحويل الاسلام الي ملك عضوض و مزرعة أموية، و علي يد يزيد أبعد الناس صلاحية لخلافة المسلمين، فقد كان، كما تجمع المصادر أو تكاد، تنقصه كل مقومات الرجل المناسب ليجلس في مكان الخلفاء الراشدين، فهو مفلس افلاسا تاما لكل ما كان لأبيه، فضلا عن أن يقارن بأجلاء الصحابة من رجالات عصره، فأي رشد، و أي ضمير، يطلب من سبط النبي صلي الله عليه و سلم أن يبايع يزيد هذا، و بأي رشد، و أي ضمير يفرض معاوية واحدا هذا شأنه علي الاسلام و المسلمين، ثم يطلب من حفيد رسول الله صلي الله عليه و سلم قبول ذلك، و لو أن معاوية، كما يقول الأستاذ


خالد محمد خالد، كان أكثر اهتماما بسلطان الاسلام منه بسلطان بني أمية لوفر علي المسلمين كثيرا من المخاطر و المهالك التي أفضي اليها حرصه علي ذلك السلطان، و لجنب الامام الحسين و آل البيت و أنصارهم مهالك كربلاء، و لهذا يقول ابن خلدون في مسألة قتال يزيد للامام الحسين «و قتال البغاة من شرطه أن يكون مع الامام العادل، و هو مفقود في مسألتنا (أي بسبب فسق يزيد) فلا يجوز قتال الحسين مع يزيد، و لا ليزيد بل هي من فعلات يزيد المؤكدة لفسقه، و الحسين فيها شهيد مثاب، و هو علي حق و اجتهاده، و قد غلط القاضي ابن العربي حين قال ما معناه أن الحسين قتل بشرع جده، و هو غلط حملته عليه الغفلة عن اشتراط الامام العادل، و من أعدل من الحسين في زمانه في امامته و عدالته في قتال أهل الآراء.

و منها (ثالثا) ما ذهب اليه ابن خلدون من أن عصبية العرب في الجاهلية و الاسلام «ما عدا عصر الوحي» انما كانت في بني أمية، و ذلك حين يقول «و أما الشوكة فقد غلط فيها «أي الامام الحسين» لأن عصبيبة مضر كانت في قريش، و عصبية عبد مناف كانت في بني أمية، تعرف لهم ذلك قريش و سائر الناس و لا ينكرونه، و انما نسي ذلك أول الاسلام، لما شغل الناس من الذهول بالخوارق و أمر الوحي و تردد الملائكة لنصرة المسلمين فأغفلوا أمور عوائدهم و ذهبت عصبية الجاهلية و منازعاتها و نسيت... حتي اذا انقطع أمر النبوة و الخوارق المهولة تراجع الحكم بعض الشي ء للعوائد، فعادت العصبية كما كانت، و أصبحت مضر أطوع لبني أمية من سواهم بما كان لهم من ذلك قبل، فقد تبين لك غلط الحسين، الا أنه في أمر دنيوي لا يضره الغلط فيه، و أما الحكم الشرعي فلم يغلط فيه لأنه منوط بظنه، و كان ظنه القدرة علي ذلك.

و لست أدري من أين جاء ابن خلدون بكل هذا، و حقائق التاريخ تقول غير ذلك تماما، و منها (أولا) أنه من المعروف أن بني هاشم لم يتركوا لبني أمية شيئا من سيادة الجاهلية، و من ثم فقد اشتغلوا بالتجارة، و قد أشرنا من قبل في هذا الدراسة أن قصيا بن كلاب هو الذي جمع قريشا في مكة ثم جعل لكل بطن حيا


خاصا علي مقربة من الكعبة، و أن قصيا كان قد جمع في يديه رياسة دار الندوة و اللواء «و هو رياسة الجيش في الحرب» فضلا عن الرفادة و سقاية الحاج، و سدانة الكعبة (الحجابة)، و بعد موته قام النزاع بين أبنائه ثم انتهي الأمر الي أن يتولي عبد مناف السقاية و الرفادة، و أن تكون الحجابة و اللواء و رياسية الندوة لبني عبدالدار، ثم تولي هاشم السقاية و الرفادة بعد أبيه عبد مناف، دون بقية اخوته، و منهم عبد شمس جد الأمويين، و يري المؤرخون أن هاشما كان غياث قومه في عام المجاعة، و أنه أول من سن الرحلتين، رحلة الشتاء و الصيف، أو علي الأقل أول من حماهما و نظمها فنسب اليه أنه أول من سنهما، و هو الذي عقد مع الروم و الغساسنة معاهدة حسن جوار و مودة، و حصل من امبراطور الروم علي الاذن لقريش بأن تجوب الشام في أمن و طمأنينة، كما عقد نوفل و المطلب حلفا مع فارس، و معاهدة تجارية مع الحميريين في اليمن، و يروي المؤرخون كذلك أن أمية بن عبد شمس قد حسد هاشما علي رياسته و اطعامه فتكلف أن يصنع مثله، و لكنه قد عجز، و من ثم فقد شمت به ناس من قريش، و تنافر هو و هاشم، و انتهي الأمر بجلاء أمية عن مكة عشر سنين، فكان بذلك أول من نفي عن مكة، كما كان ذلك أول خلاف بين بني هاشم و بني أمية، هذا و تكاد تجمع المصادر علي أن بني هاشم كانوا أصحاب عقيدة و أريحية و وسامة، و كان بنوأمية أصحاب عمل و حيلة و مظهر مشنوء، و ينعقد الاجماع أو يكاد علي أخبار الجاهلية التي تنم علي هذه الخصال في الاسرتين، و بقي الكثير مناه الي قيام الدولة الأموية فلم يفندوه، صحيح أن الهاشميين و الأمويين من أرومة واحدة ترتفع الي عبد مناف، ثم الي قريش في أصلها الأصيل، و لكنه صحيح كذلك أن الأسرتين تختلفان في الأخلاق و الأمزجة، و ان اتحدتا في الأرومة، فبنو هاشم في الأغلب الأعم مثاليون أريحيون، و لا سيما أبناء فاطمة الزهراء، و بنو أمية في الأغلب الأعم نفعيون عمليون، و لا سيما الأصلاء منهم في عبد شمس من الآباء و الأمهات، و من الثابت أن عبدالمطلب و أمية انما كانا يختلفانا حتي في الصورة و القامة و الملامح، و هكذا كان البيتان الهاشمي و الأموي علي طرفي نقيض،


و ربما خفي السبب الذي يراه المؤرخون في النسب المدخول، فلقد رمي الأمويون الأوائل بشبهات كثيرة في عمود النسب، و أشهر هذه الشبهات، قصة ذكوان الذي يقولون أنه من آبائهم، و يقول النسابون أنه عبد مستلحق علي غير سنة العرب في الجاهلية (و سوف يفعلها معاوية في الاسلام مع زياد بن أبيه)، بل ان السهيلي ليروي أن هناك مطعنا في نسب أمية يعم جميع الفصيلة، حيث نسب الي أمه الزرقاء (أرنب) أنها كانت في الجاهلية من صواحب الرايات «و انظر حديث لأبي بكر الصديق في «منال الطالب في شرح طوال الغرائب - لابن الأثير - جامعة أم القري 1983».

و علي أي حال، فلقد ورث عبدالمطلب زعامة أبيه هاشم، فأصبح سيد قريش، و ان لم يكن أغناها، و هكذا تولي السقاية و الرفادة بعد عمه المطلب، فأقامها للناس، و أقام لقومه ما كان آباؤه يقيمون قبله لقومهم من أمرهم، و شرف في قومه شرفا لم يبلغه أحد من آبائه، و عظم خطره فيهم، و لم يعد عظيما عند قريش فحسب، و انما كان عظيما كذلك في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية، و حتي كان يفرش له فراش حول الكعبة فيجلس عليه، و يجتمع حوله رؤساء بطون قريش لا يجرأ أحد علي أن يجلس علي فراشه، و هناك الكثير من الأحداث التي تشير الي أن عبدالمطلب كان سيد قريش و زعيمها دون منازع، حدث ذلك حين تولي رياسة و فدها لتهنئة سيف بن ذي يزن بتولية الملك، كما حدث كذلك في حملة الفيل، هذا و قد ورث أبوطالب زعامة أبيه، فكانت قريش تنظر اليه نظرتها الي زعيم جليل، الكل يهابه و يحبه و يحترمه، فكان فيها في مكان عبدالمطلب من قبل، و قد صان الله رسوله صلي الله عليه و سلم بعمه أبي طالب، لأنه كان شريف قومه، مطاعا فيهم، نبيلا كريما، لا يتجاسرون علي مفاجأته بشي ء في أمر رسول الله صلي الله عليه و سلم لما يعلمون من محبته اياه، و لعل هذا كله يبين لنا الحكمة في اختيار الرسل من أواسط قومهم، و من الجبهة القوية السليمة فيهم، حتي يكونوا لم سندا و عضدا، ضد سفاهة السفهاء و بغي الباغين، و بدهي أن هذا كله انما يشير الي تفوق البيت الهاشمي علي البيت الأموي، بل علي العرب جميعا.


و منها (ثانيا) أن العرب كانت تنفس علي قريش مكانتها، و قريش تنفس علي بني قصي، و بنو قصي ينفسون علي بني عبد مناف، و بنو أمية ينفسون عي بني هاشم، رياستهم للعرب، و كونهم في المكانة العليا من سدانة البيت و القيام عليه، فهاشم ورث السيادة من عبد مناف: و عبدالمطلب أخذها من هاشم، ثم أعطاها لولده أبي طالب و لعل في هذا المعني كان رد الامام علي معاوية عندما كتب اليه يسأله أن يقره علي الشام فيبايعه، و الا حاربه، فهم جميعا بنو عبد مناف، فقال الامام «و أما قولك انا بنو عبد مناف، فكذلك نحن، و لكن ليس أمية كهاشم، و لا حرب كعبد المطلب، و لا أبوسفيان كأبي طالب، و لا المهاجر كالطليق «أي الامام و معاوية»، و في الواقع فلقد كان بنوهاشم في ميزان المجتمع العربي سادته وقادته و أشرافه، و كانوا في ميزان القيم أجود الناس كفا و أوفاهم ذمة، و أنداهم عطاء، و أكثرهم في سبيل الخير بلاء، و أحماهم للذمار، و أحفظهم للجار، و بكلمة واحدة هم في قومهم و زمانهم، ضمير أولئك القوم و ذلك الزمان، و هكذا كان بنوهاشم، كما يقول ابن تيمية، في رسالته «رأس الحسين»، أفضل قريش، و قريش أفضل العرب، و العرب أفضل بني آدم، كما صح ذلك عن النبي صلي الله عليه و سلم قوله في الحديث الصحيح «ان الله اصطفي بني اسماعيل، و اصطفي كنانة من بني اسماعيل، و اصطفي قريشا من كنانة، و اصطفي بني هاشم من قريش».

و منها (ثالثا) أن حلف الفضول الذي اتفق نخبة من سائر رؤسا قريش ليكونن مع المظلوم حتي يؤدوا اليه حقه، و ليأخذن أنفسهم بالتآسي في المعاش و التساهم في المال، و ليمنعن القوي من ظلم الضعيف، و القاطن من عنف لغريب»، و اتفقوا علي هذا الحلف لأن العاص بن وائل اشتري بضاعة من رجل بيدي و لواه بثمنها، فنصروا الرجل الغريب علي القرشي و أعطوه حقه، و قد زعم هذا الحلف بنوهاشم و بنو عبدالمطلب، ابنا عبد مناف، و انضم اليهم بنوأسد بنوزهرة و بنوتيم، و تخلف كثيرون، و علي رأسهم بنوأمية، فلو كانت عصبة قريش في عبد مناف، و عصبة عبد مناف في بني أمية، لما استطاعت أقلية.


من قريش أن تعقد هذا الحلف، علي رغم الأكثرين منهم، و قد حسدوهم عليه فقالوا دخل هولاء في فضل من الأمر.

و منها (رابعا) أن رياسة حرب لقريش في حرب الفجار، لا لعصبية بني أمية، و لكن لعصبية بني عبد مناف، و كان حرب يومئذ أكبرهم سنا، حيث كان القوم يقدمون الأسن منهم، و الأمر كذلك بالنسبة الي عتبة بن ربيعة في غزوة بدر، و كان عمره نحو المائة، لا لكون عصبية بني عبد مناف في بني أمية كما ادعي ابن خلدون، و مع ذلك فقد كان أبو جعل المخزومي، و ليس الأموي، هو الأعلي صوتا، و منها (خامسا) أن أباسفيان بن حرب، عندما أراد أن يثير الفتنة عندما تولي الصديق الخلافة فقال «اني لأري عجاجة لا يطفئها الا دم، يا آل عبد مناف، فيم أبوبكر من أموركم، أين المستضعفان علي و العباس، ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش، ثم قال للامام علي: أبسط يدك أبايعك فو الله لئن شئت لأملانها عليهم خيلا و رجلا، فأبي الامام علي عليه و زجره، و قال: و الله انك ما أردت بهذا الا الفتنة، و أنك و الله طالما بغيت للاسلام شرا، لا حاجة لنا في نصيحتك، فلو كانت عصبية بني عبد مناف في بني أمية للزم أن يقول أبي سفيان يا آل أمية، و لا يقول يا آل عبد مناف، و لأتي عثمان بن عفان لأنه من بني أمية أهل العصبية في قريش و لسابقته في الاسلام فبايعه و لم يأت الامام علي أصلا».

و منها (سادسا) أنه لو كانت عصبية العرب في مضر، و عصبية مضر في قريش، و عصبية قريش في عبد مناف و عصبية بني عبد مناف في بني أمية، لما حوصر الخليفة الراشد عثمان بن عفان، و لما قتل في بيته، و هو رأس الدولة و خليفة المسلمين، و لنفعته العصبية الأموية، بل ان الذين دافعوا عن الخليفة الشهيد انما هم أبناء الامام علي الهاشمي، الحسن و الحسين، فضلا عن ابن الزبير و ابن طلحة، بل ان الثوار لم يحسبوا للأمويين أي حساب، و انما كانوا يخشون بني هاشم، و تجمع المصادر علي أن الثوار لما بدأوا يضربون الحصار حول بيت الخليفة و يرمونه بالسهام فأصيب الامام الحسن بن علي بسهم فخضبه


الدم، و شجع قنبر مولي الامام علي، خاف الثوار أن تغضب بنوهاشم للحسن، و من ثم كفوا عن رمي السهام، و ان اقتحموا الدار من خلف، و فعلوا فعلتهم النكراء، ثم أن الثوار حين منعوا الماء عن الخليفة الشهيد، و هو محصور في بيته، لم يستطع أحد من الناس أن يوصل الماء اليه، سوي الامام علي بن أبي طالب الهاشمي.

و منها (سابعا) أنه لو كانت دعوي ابن خلدون صحيحة، و كانت عصبية مضر تنتهي الي بني أمية، لما احتاج معاوية بن أبي سفيان في استخلاف ابنه يزيد الي طلبه من عمال الأمصار أن يوفدوا اليه الوفود لذلك، و لحصل مطلوبه بمجرد اعلام أهل الأمصار بذلك بدون حاجة الي ايفاد الوفود للبيعة، و لما امتنع من امتنع من أجلاء الصحابة من بني هاشم و من غيرهم، كالامام الحسين و ابن الزبير و ابن أبي بكر و ابن عمر و غيرهم، و منها (ثامنا) أنه عند موت يزيد عرض الحصين بن نمير قائد الجيش الذي أرسله يزيد لضرب الكعبة و القضاء علي ابن الزبير، عرض علي ابن الزبير أن يبايعه بالخلافة علي أن يخرج معه الي الشام، لأن الجند الذين معه هم وجوه أهل الشام، و لن يختلف عليه أحد، ان هم بايعوه، و لأن هناك ناسا من بني أمية في الشام يطلبون الخلافة، فلو كانت عصبية قريش في بني أمية و سائر الناس يعرفون لهم ذلك و لا ينكرونه، ما عرض الحصين بن نمير الخلافة علي ابن الزبير الذي ليس من بني أمية، بل و لا حي من بني عبد مناف.

و منها (تاسعا) أن عصبية العرب لم تكن لبني أمية، لا في عصر الجاهلية و لا في الاسلام، و انما صارت لهم قيادة المشركين من قريش، حين قادوا الحرب ضد الاسلام و نبي الاسلام، و هكذا لم يترك بنوهاشم لبني أمية شيئا من سيادة الجاهلية، و من ثم فقد اشتغل بنوأمية بالتجارة، و هذا كان أبوسفيان حتي موقعة بدر الكبري في العام الثاني من الهجرة يعمل في التجارة، ثم أصبح بعد ذلك علي رأس الكفر في مكة و قائد المشركين في أحد و الأحزاب، و بالتالي فان أباسفيان - رأس الأمويين - لم يصبح قائد قريش، الا في حربها ضد


النبي صلي الله عليه و سلم، و الا بعد أن قتل سادتها يوم بدر، و ظل الأمر كذلك حتي أسلم أبوسفيان كرها - رغم ما كان عنده من دلائل النبوة، و ذلك حين رأي جيوش الاسلام مطبقة علي مكة، فأصبح هو و معظم قومه من الطلقاء، و من المؤلفة قلوبهم.

و منها (عاشرا) أنه بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية، بايع جل أهل الشام لابن الزبير، و فيهم كثير من قبائل مضر لا سيما بني قيس عيلان، لما بايعه أهل مصر و العراق و فارس و اليمن و الحجاز، و قريش و جلها بالحجاز، فلو كانت عصبية قريش في بني أمية، و قريش و سائر الناس يعرفون لهم ذلك و لا ينكرونه، ما بايع أهل الشام لابن الزبير الذي ليس من بني أمية و لا من بني عبد مناف، و ما بايعته قريش بالحرمين.