بازگشت

ابن العربي


تعرض القاضي أبوبكر بن العربي في كتابه «العواصم من القواصم» لمأساة كربلاء و استشهاد آل البيت، و علي رأسهم الامام الحسين، و لكنه اعتبر الامام الحسين خارجا علي يزيد، بعد أن بايعه الناس، مما يعطي ليزيد الحق في مقاومته و العذر في قتاله و قتله، فقال: وردت علي الامام الحسين كتب أهل الكوفة، فأرسل اليهم ابن عمه مسلم بن عقيل ليأخذ عليهم البيعة، فنهاه ابن عباس، و أشار عليه ابن الزبير بالخروج فخرج، فلم يبلغ الكوفة الا و مسلم بن عقيل قد قتل، و أسلمه من كان استدعاه، و يكفيك بهذا عظة لمن اتعظ، فتمادي و استمر غضبا للدين و قياما بالحق، و لكنه رضي الله عنه لم يقبل نصيحة أعلم


أهل زمانه ابن عباس، و عدل عن رأي شيخ الصحابة ابن عمر، و طلب الابتداء في الانتهاء، و الاستقامة في الاعوجاج، و نضارة الشبيبة في هشيم المشيخة، ليس حوله مثله، و لا له من الأنصار من يرعي حقه، و لا من يبذل نفسه دونه، فأردنا أن نطهر الأرض من خمر يزيد، فأرقنا دم الحسين، فجاءتنا مصيبة لا يجبرها سرور الدهر.

و قد أخطأ ابن العربي عدة أخطاء، منها (أولا) أن الامام الحسين لم يطلب بيعة من أهل الكوفة، و طبقا لرواية الطبري فقد كتب الامام الحسين لأهل الكوفة «قد بعثت اليكم أخي و ابن عمي و ثقتي من أهل بيتي، و أمرته أن يكتب الي بحالكم» فلما وصل مسلم الي الكوفة بايعه اثنا عشر ألفا علي رواية، و ثمانية عشر ألفا علي رواية أخري، و بدهي أن الفارق كبير بين أن تكون هذه البيعة قد تمت يناء علي سعي الامام الحسين و طلبه، كما خيل لابن العربي، و بين أن تتم البيعة تلقائيا من أهل الكوفة بعد أن ظلوا يبعثون بالرسل و يرسلون الكتب و يلحون علي الامام الحسين بالخروج اليهم، و منها (ثانيا) أن هناك روايات تدل فعلا علي أن ابن الزبير أشار علي الامام الحسين بالخروج، لأنه كان «أثقل خلق الله علي ابن الزبير، لأنه قد عرف أن أهل الحجاز لا يبايعونه و لا يتابعونه أبدا ما دام حسين بالبلد، و أن حسينا أعظم في أعينهم و أنفسهم منه، و أطوع في الناس منه»، غير أن هناك رواية أخري في الطبري تذهب الي أن ابن الزبير قال للامام الحسين،، «ان شئت أن تقيم أقمت، فوليت هذا الأمر، فآزرناك و ساعدناك و نصحنا لك و باعيناك» فقال له الامام «ان أبي حدثني أن لها كبشا يستحل حرمتها، فما أحب أن أكون أنا ذلك الكبس»، و من ثم فمشورة ابن الزبير للامام الحسين بالخروج موضع جدل، و ربما كان الأفضل الأخذ بالرواية الثانية التي لاتحرج ابن الزبير، و ان عرف بكراهيته لآل البيت، كما تشير الي ذلك أحداث موقعة الجمل، و كما تشير كذلك أحداث خلافته، حتي أن ابن عباس و ابن الحنفية رفضا البيعة له بعد ذلك، و مع ذلك فالرأي عندي أن الأمر لن يصل بابن الزبير ألي أن يشير علي الامام بما يبعده عن مكة ليخلو الأمر له فيها، ثم ان الامام الحسين ما كان في حاجة الي مشورة ابن الزبير بالخروج بعد


أن أصبح وجوده بمكة خطرا عليه، و علي البلد الحرام و البيت الحرام، كما أشرنا الي ذلك بالتفصيل من قبل.

و منها (ثالثا) قول ابن العربي ان الامام الحسين لم يبلغ الكوفة الا و مسلم بن عقيل قد قتل.... و يكفيك بهذا عظة لمن اتعظ، فتمادي و استمر غضبا للدين و قياما بالحق، و لكنه رضي الله عنه لم يقبل نصيحة أعلم أهل زمانه ابن عباس، و عدل عن رأي شيخ الصحابة ابن عمر»، فلقد أخطأ ابن العربي في عدة أمور، منها تلميحه، غمزا و لمزا للامام الحسين، بقوله «و يكفيك هذا عظة لمن اتعط»، و ما هكذا يخاطب مسلم، كائنا من كان، سبط النبي صلي الله عليه و سلم و ريحانته، و سيد شباب أهل الجنة الامام الحسين، و منها أن تمادي الامام الحسين و استمرار مسيره غضبا للدين و قياما للحق، لا خير منه، علي فرض صحته، ما دام ذلك غضبا للدين بالحق، و حاشا لابن رسول الله صلي الله عليه و سلم أن يكون تماديه لغير ذلك، أو أن يسير علي غير نور من ربه، و بينة من جده النبي المصطفي صلي الله عليه و سلم، و مع ذلك فلقد ثبت أن الامام الحسين قال لمن سأله عن سبب تعجيله بالخروج قبل اتمام شعائر الحج «لو لم أعجل لأخذت»، و أنه رأي رؤيا أمره فيها رسول الله صلي الله عليه و سلم بأمر، و أنه لن يخالف أمره، و منها أن عدم قبوله مشورة الناصحين بعدم الخروج لم يكن ذلك عنادا منه أو ركوبا لرأسه، و انما لأنه كان يعلم أن يزيد سيأخذه بالبيعة أخذا عنيفا، فان بايع غش نفسه و خالف عن دينه، و خان ضميره، لأنه كان يري بيعة يزيد اثما، و ان لم يبايع صنع به يزيد ما يشاء، و قد علم ما كان من غضب يزيد علي ابن الزبير، حين امتنع عن البيعة، و أقسم أن لا يرضي حتي يحمل اليه ابن الزبير في جامعة، يقاد اليه كما يقاد الأسير.

و منها (رابعا) قول ابن العربي «و طلب الابتداء في الانتهاء، و الاستقامة في الاعوجاج، و نضارة الشبيبة في هشيم المشيخة، ليس حوله مثله، و لا له من الأنصار ما يرعي حقه، و لا من يبذل نفسه دونه»، و قد أخطأ ابن العربي في ذلك كثيرا، فليس ابن رسول الله صلي الله عليه و سلم من يطلب الاستقامة في الاعوجاج، و مرة أخري، ما هكذا يتحدث المسلمون عن سيدهم و ابن سيدهم، ثم ان أصحابه


هم خير الأصحاب، بل خير الشهداء بعد أصحاب رسول الله صلي الله عليه و سلم، كما كانوا نخبة ممتازة من فرسان العرب، و بدهي أن صحبة الحسين في تلك الرحلة لن يكونوا غير ذلك، فهي وحدها آية علي الشجاعة في ملاقاة الموت، و لم يكن واحد منهم الا و يطلب الموت و يتحري مواقعه و أهدافه، و يكفي أصحاب الامام فخرا أنه حين تأكدت له نتائج المعركة، جمعهم في الليل و قال لهم: اني لا أعرف أصحابا خيرا من أصحابي، و لا أهل بيت أبر و أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله خيرا، فقد بررتم و أعنتم، و انكم لتعلمون أن القوم لا يريدون غيري، و ان يومي منهم غدا، و اني قد أذنت لكم جميعا، فانطلقوا في غير حرج، ليس عليكم مني ذمام، هذا هو الليل قد غشيكم فانطلقوا في سواده قبل أن يطلع النهار، و انجوا بأنفسكم»، و لكنهم جميعا، أهل بيته و أصحابه، سواء بسواء، رفضوا أن يتركوه لحظة، حتي قتلوا جميعا بين يديه، ثم ألم يسمع ابن العربي أن أنصار الامام الحسين، و هم اثنان و سبعون بطلا، قتلوا من جيش اللئام 88 فردا، و لا أقول رجلا، ثم ألم يسمع ابن العربي بنبوءة الامام علي، حين أخبر بعلو مقام شهداء كربلاء، فيما رواه ابن سعد و غيره، ان الامام علي حين وصل الي كربلاء في مسيرة الي صفين نزل و صلي عند شجرة هناك و قال: «يقتل هنا شهداء، هم خير الشهداء غير الصحابة، يدخلون الجنة بغير حساب».

و منها (خامسا) قول ابن العربي: ما خرج عليه (أي الامام الحسين) أحد الا بتأويل»، و هذا القول قد يفهم منه بعض الناس ممن لم يدرسوا تاريخ هذه الفترة أن الذين قتلوا الامام الحسين و آل بيته الطاهرين، و قطعوا رؤوسهم و علقوها علي الرماح ثم داسوا أجسادهم الشريفة بسنابك الخيل، انما كانوا من أهل العلم، الذين بلغوا مرتبة الاجتهاد، حتي استطاعوا أن يتأولوا أحاديث رسول الله صلي الله عليه و سلم، و أن يجدوا فيها ما يبيح لهم قتال ابن ابنته و قتله هو و أصحابه، غير أن الثابت أن جيش ابن زياد الذي أرسل لقتال الامام الحسين انما كان أكثره من الرعاع الأجلاف، ليس فيهم صحابي جليل، و لا تابعي فقيه في دينه، بل ان كبير اللئام «عبيدالله بن زياد» أبعد من أن يوصف بأنه من أهل العلم


و الدين، ثم هو قبل ذلك و بعده ابن زياد المجهل النسب، و الذي أحقه معاوية ابن أبي سفيان بأبيه بناء علي شهادة أبي مريم الخمار، بأن أباسفيان زني بسميه البغي، فجاءت به، و أما أم عبدالله فجارية مجوسية تدعي مرجانة، فكانوا يعيرونه بها و ينسبونه الها، و كان أعوان ابن زياد علي شاكلته من الرعاع و الأجلاف، و بدهي أن هؤلاء و أمثالهم ممن كان يتكون منهم جيش الفسوق و الطغيان انما هم أبعد الناس عن رسول الله صلي الله عليه و سلم و أشدهم جهلا بحديثه الشريف، و من ثم فقد أخطأ ابن العربي حين اعتبرهم من أهل التأويل الراسخين في العلم، حتي قال عنهم «و ما خرج اليه أحد الا بتأويل» و كنا يقول التباني، فهل كان يزيد من أهل الرواية و التفقه في الدين، و هل ان ابن زياد من أهل الدين، و هل كان الجيش الذين قتلوا الامام الحسين الا رعاع أجلاف، و هل يمكن أن يقال في هولاء الغوغاء بأنهم أهل حديث رسول الله صلي الله عليه و سلم و أهل فقه و تأويل.

و منها (سادسا) فلقد أخطأ ابن العربي خطأ فاحشا حين حاول تبرير جيش اللئام في محاربته لابن رسول الله صلي الله عليه و سلم و آل بيته الطاهرين، فقال «و لا قاتلوه الا بما سمعوا من حديث جده المهيمن علي الرسل، المخبر بفساد الحال، المحذر من الدخول في الفتن، و أقواله في ذلك كثيره، منها قوله صلي الله عليه و سلم: انها ستكون هنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة و هي جميع، فأضربوه بالسيف كائنا من كان»، «فما خرج الناس الا بهذا و أمثاله»، و لعل خطأ ابن العربي الفاحش انما يكمن أولا في تجاهله الأحاديث الصريحة التي جاءت في فضائل الامام الحسين، و أن معاداته انما هي معاداة الله و رسوله، و محاربته محاربة الله و رسوله، و كفي بذلك خزيا في الدنيا و الآخرة، أخرج ابن عساكر عن ابن عمر بسنده أن النبي صلي الله عليه و سلم قال «لا يحب أهل البيت الا مؤمن، و لا يبغضهم الا منافق»، و في الحديث الشريف حكم صريح بالنفاق علي كل من اشترك في قتال الحسين و أهل البيت، و روي الامام أحمد و الطبراني عن أبي هريرة أنه قال: نظر رسول الله صلي الله عليه و سلم الي علي و الحسن و الحسين و فاطمة، صلوات الله عليهم، فقال «أنا


حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم»، و في رواية لأحمد و الترمذي عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلي الله عليه و سلم قال لعلي و فاطمة و الحسن و الحسين: أنا حرب لمن حاربتم، سلم لمن سالمتم»، و روي أبوالقاسم البغوي و ابن الأثير و ابن كثير عن أنس بن حارث عن أبيه الحارث بن نبيه، قال: «سمعت رسول الله صلي الله عليه و سلم و الحسين في حجره، يقول: ان ابني هذا يقتل في أرض يقال لها العراق فمن أدركه فلينصره»، فقتل أنس بن الحارث مع الحسين، و جاء في الاصابة لابن الحجر «و قال البخاري: أنس بن حارث قتل مع الحسين بن علي، سمع النبي صلي الله عليه و سلم و متنه: سمعت رسول الله صلي الله عليه و سلم يقول: «ان ابني هذا، يعني الحسين، يقتل بأرض يقال لها كربلاء، فمن شهد ذلك منكم فلينصره»، قال فخرج أنس بن حارث الي كربلاء فقتل بها مع الحسين».

و لست أدري ألم يقرأ ابن العربي كل هذه الأحاديث النبوية الشريفة، ثم ألم يقرأ قوله صلي الله عليه و سلم فيما أخرجه الترمذ و الامام أحمد و الحاكم و أبونعيم و الدولابي و الطبراني بطرق مختلفة. «حسين مني و أنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط»، أو لم يقرأ له صلي الله عليه و سلم، فيما أخرجه الامام أحمد و الترمذي عن علي أن رسول الله صلي الله عليه و سلم أخذ بيد الحسن و الحسين فقال: «من أحبني و أحب هذين و أباهما و أمهما كان معي في درجتي يوم القيامة»، و أخرج الامام أحمد و الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال قال: رسول الله صلي الله عليه و سلم: «الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة»، ثم كيف فات ابن العربي أن الامام الحسين ما خرج من المدينة الا مكرها حتي لا يرغم علي بيعة لا يرضاها أو يقتل ان أبي، و أنه ما خرج من مكة الا خوفا من أن يؤخذ بها، و اشفاقا من أن تستحل حرمتها، ثم لا يقف ابن العربي عند هذا الحد، حتي يتهم سيد شباب أهل الجند، عليه السلام، بمحاولة تفريق أمر الأمة، و يلتمس العذر لقاتليه، بل يقدم لهم الحجج لقتله، علي أنهم استجابوا لأمر رسول الله صلي الله عليه و سلم «فاضربوه بالسيف كائنا من كان».

و لعل هذا كله، و غيره كثير، انما كان سببا في أن ينكر كثير من أكابر علماء


المسلمين رأي ابن العربي هذا، حتي أن النور الهيثمي كان يبالغ في الغض من ابن خلدون لما بلغه أنه قال عن الامام الحسين «قتل بسيف جده»، و طبقا لرواية السخاوي في «الاعلان بالتبويخ لمن ذم التاريخ»، أن شيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني قال: «و لما نطق شيخنا، يعني النور الهيثمي، بهذه الكلمة، أردفها بلعن ابن خلدون و هو يبكي، و مع أن ما توهمه الحافظان، النور الهيتمي، و ابن حجر العسقلاني أنه من أقوال ابن خلدون، انما هو في حقيقة الأمر من أقوال ابن العربي في العواصم من القواصم»، فان ذلك يعطينا صورة لمدي الخطأ الذي تردي فيه ابن العربي، و من قال بقوله، حتي اضطر بعض العلماء الي الغض من مكانته، فضلا عن استباحتهم للعنة، هذا و رغم ان ابن خلدون ظل مصرا علي الشبهة المزعومة من أن الامام الحسين انما خرج سعيا وراء الخلافة، فلقد خالف في مقدمته المشهورة رأي ابن العربي، فقال: «و قد غلط ابن العربي حين قال ان الحسين قتل بشرع جده، و هو غلط حملته عليه الغفلة عن اشتراط الامام العادل، و من أعدل من الحسين في زمانه، في أمانته و عدالته في قتال أهل الآراء.