بازگشت

الشيخ الخضري


وقف الشيخ محمد الخضري في كتابيه «محاضرات في تاريخ الأمة الاسلامية» و «اتمام الوفاء في سيرة الخلفاء» من آل البيت الطاهرين، موقفا أقل ما يقال فيه أنه لم ينصف الامام علي و ولده الامام الحسين، و انحاز كثير الي معاوية بن أبي سفيان و ولده يزيد، و قد ناقشنا بعض آرائه في كتابنا عن «الامام علي» و سوف نناقش هنا آراءه عن الامام الحسين، و منها قوله في محاضراته «بذلك الشكل المحزن انتهت هذه الحادثة (مذبحة كربلاء) التي أثارها عدم الأناة و التبصر في العواقب، فان الحسين بن علي رمي بقول مشيريه جميعا عرض الحائظ و ظن بأهل العراق خيرا، و هم أصحاب أبيه، و كان أبوه خيرا منه و كان له عند الناس و جاهة و كانت له بيعة في الأعناق، و مع ذلك لم ينفعوه، و أما الحسين فلم تكن له بيعة و كان في العراق عماله و أمراؤه فاغتر ببعض كتب كتبها دعاة الفتن و محبوا الشر، فحمل أهله و أولاده و سار بهم الي قوم ليس لهم عهد، و علي الجملة فان الحسين أخطأ خطأ عظميا في خروجه هذ الذي جر علي الأمة و بال الفرقة و الاختلاف و زعزع عماد ألفتها الي يومنا هذا، و قد أكثر الناس من الكتابة في هذه الحادثة لا يريدون بذلك الا أن تشتعل النيران في القلوب فيشتد تباعدها، غاية ما في الأمر ان الرجل طلب أمرا لم يتهيأ له، و لم يعد له عدته، فحيل بينه و بين ما يشتهي، و قتل دونه، و قبل ذلك قتل أبوه فلم يجد من يبشع أمر قتله بذلك الشكل المحزن.

و في الواقع فلقد تجاوز الشيخ الخضري كل الحدود في حديثه هذا، و تطاول علي مقام سبط النبي و سيد شباب أهل الجنة، مولانا الامام الحسين، و خرج عن حدود الأدب و مناهج البحث العلمي، فضلا عن سرده للأحداث طبقا لهواه مرة، و اخفاء للحقائق التاريخية مرة أخري، الي جانب تعصب ممقوت


ضد حفيد النبي صلي الله عليه و سلم الامام الحسين، كل ذلك في صالح رجل ما يزال المؤرخون مختلفين في كفره و لعنه، و قد ناقش العلامة الشيخ محمد العربي التباني المدرس بمدرسة الفلاح و الحرم المكي مكة المكرمة، ما كتبه الشيخ الخضري، و ذلك في الجزء الثاني من كتابه «تحذير العقبري من محاضرات الخضري أو افاده الاخيار ببراءة الأبرار»، و قدم الكثير من الحجج التي تناقض الخضري، و منها (أولا) اتهامه الامام الحسين بعدم الاناءة و التبصر في العواقب، و من ثم فقد جعل نفسه معلما للامام الحسين، و الذي قال فيه رسول الله صلي الله عليه و سلم «حسين مني و أنا من حسين» و ما هكذا يتحدث المسلمون عن آل بيت النبي صلي الله عليه و سلم، فضلا عن أن يكون المتحدث شيخا ينتسب الي رجال الدين، و هم أعرف الناس بمكانة الحسين من رسول الاسلام و المسلمين.

و منها (ثانيا) اتهامه الامام الحسين بأنه رمي بقول مشيريه جميعا عرض الحائظ، و ظن بأهل العراق خيرا، و ردنا علي ذلك أن الاسلام أوجب الشوري، و لكنه لم يجعلها ملزمة، و أن الامام الحسين استشار من رأي استشارتهم، كما أنه استخار الله تعالي في أمره، فمن حقه بعد ذلك، و هو الفقيه في دين الله، أن يختار الرأي الذي يراه أقرب الي التقوي، هذا فضلا عن المشيرين اليه لم يشئوه لتركه نصيحتهم، بل كانوا معه قبل الاشارة و بعدها في غاية التوقير، و لم تكن اشارتهم عليه تخطئه له في الخروج علي يزيد، و انما كانت شفقة عليه من خذلان محتمل من أهل الكوفة، و ظن الامام، فوق اجتهاده في يزيد و ما هو متصف به، وفاءهم له لذلك، و لا يلام المرء بعد الاجتهاد الخالص لله.

و منها (ثالثا) قول الخضري «و ظن بأهل العراق خيرا... الي قوله: الي قوم ليس لهم عهد، كما أشرنا آنفا، و الرد علي ذلك أن حسن الظن بكل مسلم ظاهر الاستقامة واجب، و اساءة الظن به لا تسوغ دنيا و لا مروءة، و هي من سمات المنافقين، و المؤمن غر، و المنافق خب، و أما اللطعن في أهل العراق جميعا، فهذا خطأ، ففي العراق كثير من الصحابة، و عدم اخلاص البعض لا يبيح الطعن في الجميع، و تاريخ العراقيين مع الامام علي، علي غير ما يقول


الخضري، و قد أدوا ما عليهم في صفين، فقتلوا 45 ألف من أهل الشام، و أشرفوا بهم علي الهزيمة الكبري، لو لا خدعة رفع المصاحف علي الرماح، ثم قتلهم الخوارج مع الامام علي في النهروان.

و منها (رابعا) قول الخضري أن الامام الحسين لم تكن له بيعة، فهذا غير صحيح، فلقد بايع ابن عمه و رسوله اليهم مسلم بن عقيل ثمانية عشر ألفا، و اجتمع عليه أربعون أرلفا لما نادي بشعاره حين بلغه قتل ابن زياد لهاني ء بن عروة المرادي و أحاطوا بابن زياد في قصر الامارة، ثم باع رؤساؤهم بيعة الامام الحسين لابن زياد، فان قيل كيف يحل لهم مبايعة الامام الحسين و بيعة يزيد سابقة عليها في أعناقهم، قلنا لا بيعة ليزيد علي رأي الخضري الذي اشترط في البعيد أو اشترط في صحة الامامة رضا جميع الناس ببيعة الامام، فهم قد بايعوا يزيد غير راضين ببيعة، و قد أفتي الخضري من قبل في بيعة الامام علي، كرم الله وجهه في الجنة، علي معاوية و أهل الشام بأنهم امتنعوا عن بيعته لأن أهل الأمصار كلها غير راضين بخلافته، و من المجال أن يكون جميع أهل الأمصار راضين عن بيعة يزيد، بل حتي أهل الشام لم يكونوا جميعا راضين ببيعته، فضلا عن عدم رضا أهل الكوفة ببيعة يزيد. بدليل رفضهم له و بيعتهم للامام الحسين مختارين، و من ثم فبيعة الامام الحسين الزم و أثبت من بيعتهم ليزيد.

و منها (خامسا) قول الخضري أن الامام الحسين اغتر ببعض كتب كتبها دعاة الفتن و محبو الشر، فهذا غير صحيح، فالكتب التي وصلت للامام الحسين كثيرة، وصلت الي مائة و خمسين، و ليس الذي كتبوا للامام الحسين من دعاة الفتن و محبو الشر، بل هم أعيان الناس و أشرافهم، و تلك أسماؤهم قد سجلها التاريخ، و منهم علي سبيل المثال الصحابي الجليل سليمان بن صرد و المسيب بن نجبة و رفاعة بن شداد و حبيب بن مظاهر، و قد أرسلوا كتابهم مع عبدالله بن سبع الهمداني و عبدالله بن وال، ثم ان الامام الحسين لم يخرج حتي أتاه كتاب ابن عمه مسلم بن عقيل، و قد جاء فيه طبقا لما رواه ابن كثير «أما بعد، فان الرائد لا يكذب أهله، و ان جميع أهل الكوفة معك، فأقبل حين تقرأ كتابي


و السلام»، ثم انه لم يخرج الي الكوفة الا مضطرا، حتي لا تستباح مكة و بيتها الحرام بسببه.

و منها (سادسا) قول الخضري؛ ان الامام الحسين قد أخطأ خطأ عظيما في خروجه هذا الذي جر علي الأمة و بال الفرقة و الاختلاف و زعزع عماد ألفتها الي يومنا هذا»، و لست أدري كيف سمحت للشيخ نفسه، أو هو كيف سمح لنفسه، أن يقول هذا الكلام، و هو، كما يقول التباني، طعن بليغ في الامام الحسين، و وقاحة لم يفه بها منتسب الي الاسلام قبله، و هي عادته التي عرفناها منه مع أبيه الامام علي، ثم هو اعتمد في هذا علي ابن خلدون الذي قال ان الامام الحسين قد غلط في العصبية (و سنناقش رأي ابن خلدون فيما بعد) و لكن الخضري لم يكتف بالوقوف عند رأي ابن خلدون هذا و يقل مثله انه أخطأ من جهة الشوكة، بل طمس صريح قوله الذي قلده فيه، كما طمس كلامه النفيس في الامام الحسين، فابن خلدون عارف بقدر الامام الحسين، حسن الأدب معه في عقيدته، و كلامه مفسق ليزيد، مخطر عليه و علي أنصاره قتال الحسين بقوله: «ان الامام الحسين غلط في أمر دنيوي لا يضره الغلط فيه، و أما الحكم الشرعي فلم يغلط فيه لأنه منوط باجتهاده، و قوله ان يزيد فاسق، و لا يجوز قتال الحسين معه، و لا له هو، بل هي من فعلاته المؤكدة لفسقه، و الحسين فيها شهيد مثاب، و هو علي حق و اجتهاد، بل ان ما ذهب اليه الخضري انما هو رأي المستشرق الانكليزي «وليم موير» الذي ذهب الي أن الامام الحسين بانسياقه الي تدبير الخيانة، سعيا وراء العرش، قد ارتكب جريمة هددت كيان المجتمع و تطلبت من أولي الأمر في الدولة الأموية التعجيل بقمعها، هذا الي أن اتهام الخضري الامام الحسين بأنه جر علي الأمة و بال الفرقة و الاختلاف، و زعزع ألفتها الي يومنا هذا، انما هو منتهي التجني علي سبط النبي صلي الله عليه و سلم و ريحانته، و ليت الشيخ الخضري اتقي الله في رسول الله، و فكر في أن من يقول عنه النبي صلي الله عليه و سلم «حسين مني و أنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط»، ان من يقول فيه رسول الله صلي الله عليه و سلم هذا القول العظيم، ثم يصفه بعد ذلك بأنه سيد


شباب أهل الجنة، لا يمكن أن يجر و بال الفرقة علي المسلمين، و يزعزع عماد ألفتهم، هذا فضلا عن أن قول الخضري هذا انما يدل علي أنه يجهل التاريخ تماما أو أن حبه ليزيد و آل يزيد قد أعماه عن حقائق التاريخ، فهل حقا كانت قلوب الأمة كلها متآلفة، فلما خرج الامام الحسين، مضطرا، جر عليها و بال الفرقة، و زعزع ألفتها.

ثم أليس باب الفتنة، كما يقول الشيخ التباني، قد انفتح بين المسلمين بقتل الفاروق رضي الله عنه و لا يغلق الي يوم القيامة كما في حديث حذيفة في الصحيح، ثم اليست الآلاف المؤلفة من ثوار الأمصار علي عثمان رضي الله عنه، قد وسعت هذا الاختلاف، حتي قتل شهيدا مظلوما، ثم أليس امتناع معاوية عن مبايعة الخليفة العادل الامام علي، تسبب عنه توسعة الصدع بين الأمة، فنشأ عنه شيعة لبني أمية يلعنون الامام علي (و العياذ بالله) علي المنابر دينا يدينون به، و رافضة يكفرون معاوية و جل الصحابة و الأمة الاسلامية، و خوارج يكفرونه و عليا و عثمان و جمهور الصحابة و الأمة، ثم أليس تآمر من لا صحبة له و لا قدم سابقة في الاسلام علي أمة فيها بقايا من سادتها، مما زاد توسعة الاختلاف بين الأمة، و الناس في الحسين و يزيد ثلاث فرق: «أهل الحق و رافضة و خوارج، فأهل الحق يوالون الحسين و يحبونه المحبة الشرعية، و رافضة غلاة في محبته، و الخوارج يبغضونه، و اتفقت هذه الفرق الثلاث علي ذم يزيد، فأهل الحق، معتدلون في ذمه، يقولون انه ملك ظالم، و الرافضة و الخوارج يكفرونه، و لم يقدسه الا الطائفة الموجودة الآن حول الموصل (اليزيدية) فانهم يعبدون الشيطان و يقدسون يزيد.

و منها (سابعا) قول الخضري: و قد أكثر الناس من الكتابة في هذه الحادثة «مقتل الامام الحسين و آل البيت» لا يريدون الا أن تشتعل النيران في القلوب فيشتد تباعدها، و يرد التباني بأن هذا كلام حانق علي علماء الاسلام الذين بينوا للناس أخلاق يزيد و فظائعه، و ليس لحملة العلم محاباة يزيد بخيانة العلم أو كتمه، ثم كيف حكم الشيخ الخضري علي ضمائر الباحثين في مقتل الامام


الحسين و آل البيت و أنصارهم و أنهم أرادوا ذلك، و حتي لو كان ذلك كذلك، فيما يزعم الخضري، ألا يستحق هؤلاء الشهداء الكتابة عنهم، حتي من باب أن تحسر القلوب علي قتل الصالحين، انما هو من الدين و المروءة و مكارم الأخلاق و الوفاء بحق الاخاء الاسلامي، ثم اليست أقوال الخضري هذه اعترافا منه بأن يزيد و رجاله قد ارتكبوا عار الدهر الذي لا يحمي بقتلهم الامام الحسين و آل البيت الطاهين و أنصارهم.

و منها (ثامنا) قول الخضري: و غاية الأمر أن الرجل (أي الامام الحسين) طلب أمرا لم يتهيأ له و لم يعدله عدته فحيل بينه و بين ما يشتهي، و أنه لا ينبغي لمن يريد عظائم الأمور أن يسير اليها بغير عدتها، فلا يرفع سيفه الا اذا كان معه من القوة ما يكفل له النجاح، فهذا، كما يقول التباني، تخرص فاسد، و نظرية باطلة، و قد أشرنا من قبل كثيرا الي أن الامام الحسين ما خرج يريد خلافة، و من ثم فلم يفكر أبدا في رفع السيف حرصا علي وحدة الأمة و أنه كان مضطرا للخروج من مكة لأنه كان يعلم أن يزيد سيأخذه بالبيعة أخذا عنيفا، فان بايع غش نفسه و خان ضميره و خالف عن دينه، لأنه كان يري بيعة يزيد اثما، لأنه صاحب لهو، و لا يجوز بيعة لاه في اجتهاده، و قد أشرنا من قبل بالتفصيل الي أسباب امتناع الامام الحسين عن بيعة يزيد، و من ثم فلا يلزم بالضرورة امتناع الامام الحسين عن بيعة يزيد طلبه الخلافة، الأمر الذي فصلناه من قبل كذلك.

و منها (تاسعا) قول الخضري: و قبل ذلك قتل أبوه (أي الامام علي) فلم يجد من يبشع قتله و يزيد به نار العداوة تأجيجا» فهذا، كما يقول التباني، عداوة حمقاء لأبي الحسن و أولاده، و بهتان مفضوح علي التاريخ، أما تبشيع قتل الامام علي عند أمثاله النواصب، فهو كما ذكر، و أما العلماء و الشعراء فقد كتبوا الكثير في ذلك، و قبل هذا فلقد أثني النبي صلي الله عليه و سلم علي الامام علي و ولديه الحسن و الحسين، و أما يزيد فلقد مقته جميع المسلمين و أبغضوه، بل جوز لعنة الامام أحمد في رواية ابنه صالح عنه و القاضي يعلي بن الفراء و ابن الجوزي و الكياقرين الغزالي و سعدالدين التفتازاني و غيرهم، و بعضهم بالغ فكفره، كما


ذكر ابن حجر في الصواعق، و الألوسي في تفسيره، و قال ابن الجوزي في كتابه «الرد علي المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد»، سألني سائل عن يزيد بن معاوية، فقلت له يكفيه ما به، فقال: «أيجوز لعنه، فقلت: قد أجازه العلماء الورعون، منهم الامام أحمد، فانه ذكر في حق يزيد ما يدل علي جواز لعنه»، ثم قال ابن الجوزي: و قد صنف القاضي أبو يعلي كتابا ذكر فيه من يستحق اللعن، ثم ذكر منهم يزيد»، فلقد روي عنه «أي القاضي أبو يعلي» أنه روي في كتابه المعتمد في الأصول باسناده الي صالح بن الامام أحمد أنه قال: قلت لأبي ان قوما ينسبوبنا الي تولي يزيد بن معاوية، فقال يا بني: و هل يتولي يزيد أحد يؤمن بالله و اليوم الآخر، فقلت و هل يلعن، فقال يا بني و لم لا يلعن و قد لعنه الله في كتابه، فقلت و أين لعنه الله في كتابه فقال في قوله تعالي: (فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم، أولئك الذين لعنهم الله)، و أي فساد، و أي قطيعة أعظم مما فعل يزيد.

ثم ان استشهاد الامام علي، كرم الله وجهه، في الجنة، يختلف تماما عن استشهاد الامام الحسين، و الأولي جريمة فرد، أو علي الأكثر جماعة من الخوارج، و الثانية جريمة دولة، ثم ان الامام علي قتله رجل واحد غيلة، و أما الامام الحسين و آل البيت و انصارهم، فقد قتلهم جيش الدولة، و عدده أربعة آلاف فارس و رام، علانية و علي مشهد من الدنيا كلها، ثم اقترفوا معهم قبل قتلهم و بعده، ما يخجل الشيطان من اقترافه، حتي و ان كان الشيخ الخضري لا يري ذلك، ثم أليس كل ما فعله جيش يزيد في كربلاء من الحطة و الخسة، و الخبث و الدناءة، يستحق أن يشهر به، و هل يقبل مسلم، مهما كان فسقه، أن يحدث لآل بيت النبي صلي الله عليه و سلم كل هذا الهول.

و منها «عاشرا» قول الخضري: أما الحسين فقد خالف علي يزيد و قد بايعه الناس، فذلك ليس صحيحا لأسباب منها أن مجرد امتناع الامام الحسين عن بيعة يزيد لا يعد مخالفة عليه، و لا يبيح له أذاه علي ذلك بأي نوع من أنواع الأذي لأنه صحابي مجتهد، ثم ان الناس لم يجمعوا علي بيعة يزيد، و ان كثيرا من المبايعين انما هم عوام طغام، و منها أن بيعة يزيد في عهد أبيه معاوية لا اعتبار


لها، لأن البيعة كالأرث حق للأمة يثبت لها بعد موت الأول، و يصح له في مرض موته أن يستخلف عليها بالنيابة عنها من يراه أصلح لها، كما فعل الصديق في مرض موته، و الفاروق بعد طعنه، و معلوم أن معاوية عهد الي ابنه في حال صحته، ثم ان معاوية انما أمر ولاته بسوق الناس من الأمصار علي غير رغبة، فضلا عن اكراه سادة الناس و أشرافهم علي هذه البيعة، و منها أن مبايعة رجل ثان مع وجود الخليفة، في بلد واحد انما هي بيعة باطلة، في رأي جمهور مجتهدي الأمة، حتي و ان رأي البعض أن بيعة يزيد في حياة أبيه معاوية انما هي علي أن يكون خليفة بعده، فلقد ذهب التباني أن هذا مردود لأسباب، منها أن الامامة حق الأمة يثبت لها بعد موت معاوية، و لا حق له مع وجوده، و لا ليزيد، فبيعته علي هذا عدم لأنها اثبات الشي ء قبل وجوده و وجوبه، و منها أن بيعة معاوية لولده يزيد في حالة صحته لا اعتبار لها في رأي الجمهور، و بيعة من بايعه من مجتهدي الأمة اذ ذاك، انما هي ارتكاب أخف الضررين، و منها أنه صح عن النبي صلي الله عليه و سلم أنه قال: «اذا بويع خليفة ثم بويع آخر فاقتلوا الآخر»، و لهذا قال بعدالله بن الزبير لمعاوية: «ان كنت قد مللت الامارة فاعتزلها، و هلم ابنك فلنبايعه، أرأيت اذا بايعت ابنك معك لأيكما نسمع و نطيع، لا تجتمع البيعة لكما أبدا».