بازگشت

دروس من كربلاء


لا ريب في أن يوم العاشرة من المحرم عام 61 ه (العاشر من أكتوبر 680 م) انما هو يوم من أخطر الأيام، لا في تاريخ العرب الاسلام فحسب،، و انما في تاريخ البشرية جمعاء، ففي هذا اليوم الكئيب كانت مذبحة كربلاء التي لم ير المسلمون لها مثيلا، بل لم ير تاريخ البشرية كله لها مثيلا، فما حدثنا التاريخ أمة من الأمم آمنت بنبها و أحبته، و عملت بكتاب الله و سنة نبيها، كما عمل المسلمون، ثم شاءت ارادة الله أن تجعل منهم سادة العالم المعروف وقت ذاك، ذلك العالم الذي لم يكن قبل الاسلام يعترف بهم أو يقيم لهم و زنا، الا أن يكونوا خذدما له و حرسا علي قومهم، و مع ذلك ففي هذا اليوم المكنود، قام جيش اللئام بمذبحة مروعة، قتل فيها الامام الحسين، و قتل معظم الهاشميين معه، ثم فعلوا باجسادهم الطاهرة، من قطع للرؤوس و وطي ء للأجساد الطاهرة بسنابك الخيل، ما يخجل الشيطان من اقترافه، و قد بكي المسلمون جميعا حتي أعداء آل البيت، الامام الحسين، و ما زالوا يبكونه حتي يوما هذا، و الي أن يغير الله الأرض، و بدهي أن خطئة كبري كمجزرة كربلاء لن


تذهب بغير جريرة، و أن تكون لها من النتائج الخطيرة، القريبة منها و البعيدة، حتي دخل في روع بعض المؤرخين، نتيجة لاصابة الحركة في نتائجها الواسعة، أنها من تبرير الامام الحسين، عليه السلام، و أنه توخاه منذ اللخطة الأولي و علم موعد النصر فيه، فلم يخامره شك في مقتله ذلك العام، و لا في عاقبة هذه الفعلة التي ستحيق لا محالة بقاتليه بعد أعوام، و قد قال «ماريين الألماني» في كتابه «السياسية الاسلامية»: ان حركة الحسين في خروجه علي يزيد انما كانت عزمة قلب كبير، عز عليه الاذعان و عز عليه النصر العاجل، فخرج بأهله و ذويه الخروج الذي يبلغ به النصر الآجل بعد موته، و يحيي به قضية مخذولة، ليس لها بغير ذلك حياة»، فان لم يكن رأي الكاتب حقا كله، كما يقول الأستاذ العقاد، فبعضه علي الأقل حق لا شك فيه، و يصدق ذلك علي حركة الامام الحسين بعد أن حيل بنيه و بين الذهاب لوجهه الذي يرتضيه، فآثر الموت كيفما كان، و لم يجهل ما يحيق ببني أمية من جراء قتله، فهو بالغ منهم بانتصارهم عليه، ما لم يكن ليبلغه بالنجاة من وقعة كربلاء.

و أما نتائج الحركة كلها، اذا نظرنا اليها نظرة واسعة، فهي أنجح للقضية التي كان ينصرها الامام الحسين من مبايعة يزيد، فلقد كان للحركة نتائج بعيدة المدي، منها (أولا) أنه لم تنقض سنتان علي مذبحة كربلاء، حتي كانت المدينة في أخريات عام 63 ه في ثورة حنق جارف، يقتلع السدود و يخترق الحدود، لأنهم حملوا اليها خبر الامام الحسين محمل التشهير و الشماتة، وضحك و اليهم عمر و بن سعيد بن العاص حتي سمع أصوات البكاء و الصراخ من بيوت آل النبي صلي الله عليه و سلم و كانت بنت عقيل بن أبي طالب تخرج في نسائها حاسرة و تنشد.



ماذا تقولون ان قال النبي لكم

ماذا فعلتم و أنتم آخر الأمم



بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي

منهم أساري و منهم درجوا بدم



ما كان هذا جزائي اذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء قي ذوي رحم



فكان الأمويون يجيبون بمثل تلك الشماتة، و يقولون كما قال عمرو بن سعيد «ناعية كناعية عثمان»، و لا موضع للشماتة هنا بالامام الحسين، لأنه قد


أصيب، و كذا أخوه الامام الحسن، علي باب عثمان، و هو يذود عنه و يجتهد في سقيه و سقي آل بيته، و لكنها شماتة هو جاء لا تعقل و ما تصنع و لا ما تقول. هذا و قد رأينا من قبل ما فعله جيش اللئام بأهل المدينة، ثم سرعان ما ينتقل موكب الشر الي البلد الحرام فيحاصرها و يضرب الكعبة المشرقة، ثم لحقت الجريرة الثالثة بأعقاب الثانية في مدي سنوات معدودات، فصمد الحجاز في ثورته أو في تنكره لبني أمية الي أيام عبدالملك بن مروان، حتي اندفع الحجاج الثقفي فنصب المنجنيق علي جبال مكة، و رمي الكعبة بالحجارة و النيران فهدمها و عفي علي ما تركه منها جنود يزيد بن معاوية، حيث كان قائده الحصين بن نمير، الذي خلف مسلم بن عقبة، و ذهب لحصار مكة، أول من نصب لها المنجنيق، و تصدي لها بالهدم و الاحراق.

و منها (ثانيا) أنه لم تمض علي استشهاد الامام الحسين و آل البيت الطاهرين نيف و ثلاث سنوات، حتي هلك يزيد الذي أراد بقتل الامام الحسين، عليه السلام، أن تصفو له الحياة، فبتر الله عمره لسوء فعاله، فلقد كانت مسئولة الفاجر يزيد عن مقتل الامام الحسين و آل بيت النبي صلي الله عليه و سلم و أنصارهم، ثم اباحته مدينة الرسول صلي الله عليه و سلم ثلاثة أيام، فضلا عن حرق الكعبة المشرفة و ضربها بالمنجنيق، أكبر من أن تنكر، و أخظر من أن تنسي، و من ثم فقد اقتضت حكمه المولي جل و علا و عدالته أن يعجل له العقوبة في الدنيا، و أن يهدم كل ما بناه من آمال و أحكمه من سوء التبدير، و يقول ابن حجر الهيتمي في كتابه «تطهير الجنات و اللسان» (و الذي وضعه للدفاع عن معاوية بن أبي سفيان): و قد صح عنه صلي الله عليه و سلم أنه رأي ثلاثين منهم (أي من بني أمية) ينزون علي منبره نز القرود، فغاظه ذلك، و ما ضحك بعده الي أن توفاه الله سبحانه و تعالي، و لعل هؤلاء، و يزيد بن معاوية، فانه من أقبحهم و أفسقهم، بل قال جماعة من الأئمة بكفرهم.

و جاء في هامشه، قال السعد، الحق أن رضاء يزيد بقتل الحسين و اهانة أهل البيت، مما تواتر معناه، و ان كانت تفاصيله آحادا، فنحن لا نتوقف في


شأنه، بل في ايمانه، فلعنة الله عليه و علي أنصاره و أعوانه، و في المسايرة: و اختلف في كفر يزيد، فقيل نعم، و قيل لا، و قيل بالتوقف، و قد أجاز لعنه أحمد بن حنبل، و القاضي أبو يعلي، و حرمه الغزالي و ابن العربي.

و منها (ثالثا) أن موت يزيد انما كان ايذانا بتفكك دولة بني أمية و اندلاع الفتن و الثورات في مختلف أرجائها، لما اقترفه الطاغية من مظالم و غرسه من أحقاد، ففي البصرة خرج القراء و الخوارج، بقياة نافع بن الأزرق، و طردوا ابن زياد، و في الكوفة بدأت الدعوة الي الأخذ بثأر الامام الحسين، ففر ابن زياد الي دمشق و لحق بمروان بن الحكم، و كان عمر بن سعد، قائد جيش اللئام في كربلاء، لا يبيت في بيته خوفا من القتل، و يحتمي بقصر الامارة، و في الحجاز استفحل أمر عبدالله بن الزبير، و بايعه الناس، فاستناب علي المدينة أخاه عبيدالله، و دانت له جميع الأمصار، حتي تابعه أهل مصر و الجزيرة و اليمن و خراسان، و قام الحجاج، كما أشرنا آنفا، بضرب، الكعبة، و للمرة الثانية في عهد بني أمية، لم يعرفها العرب في الجاهلية و الاسلام: «مذبحة كربلاء التي راح ضحيتها آل بيت الاسلام، و استباحة مدينة الرسول صلي الله عليه و سلم ثلاثة أيام، و ضرب الكعبة بالمنجنيق و احراقها مرتين، و لأول مرة في التاريخ، الأولي علي أيام يزيد، و الثانية علي أيام عبدالملك بن مروان، و من ثم فقد سجلوا علي أنفسهم عار الأبد، و لعل الذين يدافعون عنهم يستحون، فليس عند المسلمين في كل زمان و مكان، أقدس و لا أشرف، من آل بيت النبي صلي الله عليه و سلم و مدينة النبي و مكة بلد الله الحرام، و لست أدري، ان كان الأمويون غير مسلمين، فماذا كانوا بقادرين علي أن يفعلوا بمقدسات الاسلام و المسلمين، أكثر مما فعلوا، و من ثم فلم تعمر دولة بني أمية بعد ذلك عمر رجل واحد مديد الأجل، فلم يتم لها بعد مصرع الامام الحسين نيف و ستون سنة، و كان مصرع الامام الحسين هو الداء القاتل الذي سكن في جثمانها حتي قضي عليها، و اصبحت ثارات الحسين نداء كل دولة، تفتح لها طريقا الي الاسماع و القلوب، بل ظل مقتل سبط النبي صلي الله عليه و سلم يلا حق الأمويين، حتي بعد أن دالت دولتهم و زال ملكهم، فما كاد السفاح أول
الخلفاء العباسيين، يستتب له الأمر، حتي أخذ، فيما يقول ابن طباطبا في «الفخري في الآداب السلطانية» بقابا بني أمية و رجالهم و يضع السيف فيهم، و قد بلغ الهوان بالأمويين أن كانت دماء الأشراف و الأمراء منهم، تهدر لمجرد كلمة قالها قائل أو بيت من الشعر نظمه شاعر، استجلالا للعطاء، روي أن السفاح كان جالسا أحد الأيام في مجلس الخلافة، و عنده سليمان بن هاشم بن عبدالملك الأموي، و قد كرمه السفاح و قربه، و اذا بسيديف الشاعر، يدخل عليهما، فلا يكاد يقع بصره علي سليمان، و يري اكرام السفاح له حتي قال:



لا يغرنك ما تري من الرجال

ان تحت الضلوع داء داويا



فضع السيف وضع السود حتي

لا تري فوق ظهرها أمويا



فقال سليمان: «قتلتني يا شيخ»، و فعلا ما أن خرج سليمان من المجلس حتي أمر به فقتل، و دخل علي السفاح شاعر آخر، و عنده نحو سبعين رجلا من أشراف الأمويين، و قد جلس الجميع للطعام، فأنشده أبياتا ذكره فيه بمن قتلوا من الهاشميين علي أيدي بني أمية، حتي أمر السفاح بقتلهم جميعا و بسط النطوع عليهم، و جلس فوقهم يأكل الطعام و يسمع أنين بعضهم حتي ماتوا جميعا، و هكذا كان انتقام بالله شديدا من أعداء الامام الحسين «فقطع دابر القوم الذين ظلموا و الحمدلله رب العالمين».

و منها (رابعا) أنه لم تمض سنوات ست علي استشهاد الامام الحسين، عليه السلام، و بعد عامين من هلاك يزيد، حتي أحسس قتلة الامام الحسين بأن العدالة توشك أن تأخذ بخناقهم، ثم سرعان ما لحق الجزاء بكل رجل أصاب الامام الشهيد في كربلاء، فلم يكد يسلم منهم أحد من التقل و التنكيل، مع سوء السمعة و وسواس الضمير، ومن عدالة القدر أن جميع الذين اشتركوا في قتل الامام و قتاله، لقوا حتفهم علي أبشع الصور و أشدها مذلة و هوانا، كلهم من ابن زياد الي آخر واحد ممن تحمسوا تحمسوا للباطل، و وقفوا من ابن رسول الله صلي الله عليه و سلم موقف التحدي و العدوان، فلم ينج ابن زياد، و لا ابن سعد بن أبي وقاص، و لا شمر بن ذي الجوشن، و لا الحصين بن نمير، و لا خولي بن يزيد، و لا أحد ممن


أخصيت عليهم ضربة أو كلمة أو مدوا أيديهم بالسلب والمهانة الي الموتي أو الأحياء، و من عجب أن التاريخ تتبع مصارعهم فاذا هم جميعا يقتلون فارين هاربين، ليس فيهم من مات ميتة رجل، و كأنما هذه أولي بشائر دعوة الامام الحسين عليهم حين صاح فيهم، و هو صامد وحده وسط سيوفهم و رماحهم قائلا «اني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم» و هكذا استجاب الله لدعوة وليه و ابن نبيه فقتلوا جميعا و ديست جيفهم بالأقدام.

و منها (خامسا) أن ضربة كربلاء، و ضربة المدينة، و ضربة الكعبة المشرفة، انما كانت، في نظر بني أمية و أعوانهم، أقوي الضربات لتمكين سلطانهم و تغليب ملكهم علي المنكرين و المنازعين، فلم ينتصر عليهم المنكرون و المنازعون بشي ء، كما انتصروا عليهم بضربات أيديهم، و لم يذهبوا بها ضاربين حقبة، حتي ذهبوا به مضروبين الي آخر الزمان، و تلك جريرة يوم واحد هو يوم كربلاء، حيث استشهد الامام الحسين و صحبه، فاذا بالدولة العريضة تذهب في عمر رجل واحد مديد الأيام، و اذا بالغالب في يوم كربلاء أخسر من المغلوب اذا وضعت الأعمار المنزوعة في الكفتين.

و منها (سادسا) أن مذبحة كربلاء انما كانت وسيلة المطالبين بثأر الامام الحسين عليه السلام، في اقامة الدول التي أقاموها تحت لواء «الثأر للحسين»، و هكذا قامت دولة العباسيين و الفاطميين و العلويين في أنحاء مختلفة من العالم الاسلامي، بل ان خلافة ابن الزبير التي قامت في مكة المكرمة، و خضعت لها معظم بلاد الاسلام حينا من الدهر، انما كانت نتيجة من نتائج استشهاد الامام الحسين، عليه السلام، و هكذا فان الامام الحسين حين استشهد هو و ذووه في كربلاء، انما ترك بعد الدعوة التي قام بها ملك العباسيين و الفاطميين، و تعلل بها أناس من العلويين و الأمويين و العثمانيين، و استظل بها الملوك و الأمراء بين العرب و الفرس و الهنود، و مثل للناس في حلة من النور تخشع الأبصار، و باء بالفخر الذي لا فخر مثله من تواريخ بني الانسان، غير مستثني منهم عربي و لا أعجمي، و قديم و لا حديث.


و منها (سابعا) أنه رغم الاختلاف حول بداية التشيع للامام علي و آل بيت الطاهرين، فذهب فريق الي أن التشيع انما بدأ في أعقاب انتقال النبي صلي الله عليه و سلم الي الرفيق الأعلي، و توليه الصديق خلافة المسلمين مباشرة، حيث بدأت بذور التشيع كامنة في أولئك النفر الذين يرون الامام علي أفضل الصحابة أحقهم بالخلافة، بعد أن فاتت الخلافة الامام علي ثلاث مرات، و خاصة في المرة الثالثة، علي أن فريقا آخرا انما يري أن التشيع انما ظهر ابان الفتن التي وقعت في أخريات عهد ذي النورين عثمان بن عفان، بينما يري فريق ثالث أن التشيع انما ظهر علي أيام خلافة الامام علي، و خاصة أثناء حروبه، حيث أدركت الأغلبية الساحقة من الأنصار الذين كانوا علي وعي تام بها يعنيه حكم الأمويين بالنسبة لهم، اذ قد تثور أحقاد الموتورين من الأمويين انتقاما لغزة بدر، هذا الي جانب تلك القلة المخلصة للامام علي، و الذي تراه أفضل المسلمين و أحقهم بالخلافة، و ربما كانت هذه الفئة الأخيرة من بين جميع أنصار الامام علي في حروبه انما تعد الرواد الأوائل للشيعة، علي أن هناك وجها رابعا للنظر يري أن التشيع انما ظهر بعد وفاة الامام علي و نسليم الامام الحسن الأمر الي معاوية، فلقد لقي أنصار الامام علي في العراق العنت و الظلم في خلافة معاوية، لم يجدوا ما التمسوه من أمن اشترطه الامام الحسن علي معاوية، اذ وجههم الأخير لحرب الخوارج الذين كانت عداوتهم لمعاوية بأشد من عدواتهم للامام علي.

علي أن الحدث الحاسم بين هذه الأحداث جميعا، انما هو فاجعة كربلاء،: ذلك أن السيف الذي جز رأس الامام الحسين - سبط النبي و سيد شباب أهل الجنة - انما قد جز معه وحدة المسلمين الي اليوم، لم يكن التشيع قد تغلغل في قلوب أهله، حتي جاءت هذه الكارثة النكراء لتجعل من التشيع مذهبا و عقيدة، فقد روي دم الامام الحسين موات الأحداث ليصبح الانشقاق أمرا مقضيا، ذلك أن الشيعة قد أدركت بعد هذه الفاجعة أن اقتلاع سلطان الغاصبين من بني أمية أو غيرهم لا تكفي فيه قوة السلاح، انه ان عز النصر بسلاح الحرب، فلا بد من قوة معنوية تشد أزر القوة المادية، و ليس ذلك الا سلاح الفكر، اذ أن


الكلمة أحيانا أبقي أثرا، و أشد تنكيلا بالعدو من السيف، و من ثم فقد بات لزاما أن يكون للشيعة مذهب خاص و ايديولوجية متميزة في الامامة، و لن يتسني ذلك ما دامت تربطهم بأهل السنة، وحدة الفكر السياسي، و هكذت جعلت فاجعة كربلاء انشقاق الشيعة عن جمهور المسلمين أمرا مقضيا (أنظر: أحمد صبحي: الزيدية ص 17 - 6).

علي أن كل تلك النتائج الخطيرة، فيما يري الأستاذ خالد محمد خالد، لا ترتفع الي مستوي الجوهر النضير لتضحية الامام الحسين و حياته و ثباته، و بالتالي لا نستطيع أن نعتبرها مثوبة لتلك التضحيات و ذلك الثبات، ذلك لأن حصاد تضحية الامام الحسين و تضحية رفاقة، ليجاوز ذلك كله الي غايات أبعد و أمجد و أسمي، و ان الدرس الذي يلقيه يوم كربلاء بالآمة و بطولاته، بمأساته و عظمته، ليتفوق علي نظرائه في قوة النور الباهر الذي أضاء به ضمير الحياة، و من ثم فالأستاذ خالد يري لاستشهاد الامام الحسين نتائج أخري أخطر، و مواطن للعظة و العبر أكبر، و منها (أولا) أن جذوة الحق و الصمود التي أضاءها الامام و أصحابه بدمائهم، لم تنطفي ء و لم يخب نورها باستشهاده، بل ازدادت تألقا و اندلاعا علي نحو يهبر الألباب، تمثل ذلك أول ما تمثل، و أبهي ما تمثل في أخته العقيلة لطاهرة، و في ابنه علي بن العابدين فلقد توقعت الدنيا يومئذ أن تحني الكارثة جباه من بقي من آل الحسين، و لكن الطاهرة البتول، زينب بنت الامام علي، حفيدة الرسول صلي الله عليه و سلم سرعان ما ردت للدنيا صوابها، حين أرتها من عظمة بيت لنبوة كل عجيب، فلقد توقع ابن مرجانة من ابن سمية، قبل أن يلقي آل بيت لنبي صلي الله عليه و سلم أنه سيلقي انكسارا و ضياعا، يستدران عطف قلبه الجبان، لكن أخت الحسين، البطلة، أخت البطل و بنت البطل، علمته، ان كان لمثه من السفهاء أن نعلم، أن الهزيمة التي يتفحع الناس لها و يستكينون، انما هي هزيمة الروح، ما كان لدعاة الحق من آل محمد صلي الله عليه و سلم أن تنهزم أرواحهم أبدا، و لا أن تنحني تباههم أبدا، فلقنته درسا لا ينساه، و ذلك حين دخلت عليه و معهما أهل الحسين الشهيد، فسأل: «من هذه، لم تجبه، و انما أجابت عنها احدي


خادماتها «هذه زينب، ابنة فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم»، فقال اللئيم للعقيلة الطاهرة «الحمدلله الذي فضحكم و قتلكم»، فردت عليه حفيدة النبي، و سليلة هاشم «بل الحمدلله الذي أكرمنا بنبيه، و طهرنا من الرجس تطهر، و انما يفضح الله الفاسق، و يكذب الفاجر، و هو غيرنا ابن زياد»، و عندما تأكد الفاسق أنه لن يقهر العقيلة الطاهرة أبدا، اتجه الي غلام مريض من آل البيت فسأله: من أنت، فقال شبل الحسين و حفيد النبي صلي الله عليه و سلم علي بن الحسين، قال ابن زياد: ألم يقتل الله علي بن الحسين، فأجاب ابن الامام: كان لي أخ أكبر مني يسمي عليها قتله رجالك، قال ابن زياد في جهالة و قحة: بل قتله الله، فأجابه علي: «الله يتوفي الأنفس حين موتها، و ما كان لنفس أن تموت الا باذن الله»، و دارت الارض بالفاجر من اجابة ابن الامام الحسين، فأمر جلاديه بضرب عنقه، فاعترضت العقيلة الطاهرة طريق الجلاد، و ضمت ابن أخيها بين ذراعيها و صاحت يا ابن زياد: فاقتلني معه، هنا لك انخذل الطاغية، و لم ينل الغلام بسوء، و تكرر نفس المنظر في قصر دمشق، و مثل يزيد فيه دور ابن زياد، و كانت العقيلة الطاهرة، كما كان الامام علي زين العابدين، علي نفس مستوي موقف قصر الكوفة، مستوي آل بيت النبوة، و كما انخذل ابن زياد، انخذل ابن معاوية و هذا جزاء الظالمين.

و منها (ثانيا) أن نصرة الامام الحسين ارتفعت بالنفس الانسانية الي الأفق الأعلي من الأريحية و النخوة، و مثال ذلك أنه ما أن نعي الامام الحسين في الكوفة، حتي نادي و اليها ابن زياد الي الصلاة الجامعة ثم خطب الناس فقال: «الحمدلله الذي أظهر الحق و أهله و نصر أميرالمؤمنين يزيد بن معاوية و حزبه، و قتل الكذاب بن الكذاب، الحسين بن علي و شيعته» فما أن انتهي من كلمته حتي وقف عبدالله بن عفيف الأزدي، و كان من شيعة الامام علي و فقد احدي عينيه في يوم الجمل و الأخري يوم صفين، و لم يمنعه ذهاب بصره و شيخوخته أن صاح بالفاجر ابن زياد قائلا: يا ابن مرجانة، أتقتل أبناء النبيين، و تقوم علي المنبر مقام الصديقين، انما الكذاب أنت و أبوك، و الذي ولاك و أبوه»، فما طلع عليه الصباح الا و هو مصلوب، هذا و في نفس الوقت هبطت نصرة يزيد بالنفس


الانسانية الي الأغوار المرذولة من الخسة و الأثرة، و حسبك من خسة أنصار يزيد أنهم كانوا يجزون بالحطام و هتك الأعراض علي غزو مدينة الرسول و استباحة ذمارها، فيسرعون اليه، و ليسوا هم بكافرين بالنبي الدفين في تلك المدينة، فيكون لهم عذر الاقدام علي أمر لا يعتقدون فيه التحريم، بل حسبك من خسة ناصري يزيد أنهم كانوا يرعدون من مواجهة الامام الحسين بالضرب في كربلاء لاعتقادهم بكرامته و حقه، ثم ينتزعون لباسه و لباس نسائه فيما انتزعوه من أسلاب، و لو أنهم كانوا يكفرون بدينه و برسالة جده رسول الله صلي الله عليه و سلم لكانوا في شرعة المروءة أقل خسة من ذاك.

و منها (ثالثا) أن جذوة الحق و الصمود التي أضاءها الامام الحسين و آل بيته و أنصارهم باستشهادهم، سرعان ما تنهض في الكوفة بسببها، كتائب التوابين مقسمة أن تهب حياتها لثأر الحسين، و تشتعل الثورة عامة في المدينة و في مكة، حيث يجرد لها يزيد من من جنده و قواده من ينزلون بالحرمين المقدسين من الدمار و القتل و الافك ما يخجل الشيطان في اقترافه، لو كان الشيطان يخجل، و لكن الجذوة المباركة لا تخبو، حتي يموت يزيد بحسرته، و يخلفه ابنه معاوية الثاني، و هنا يوجه القدر الحكيم أذكي ضرباته، فيقف ابن يزيد، و حفيد معاوية بن أبي سفيان، ليحمل شعلة الحسين، و يزيد الجذوة ضراما، حين يجمع الناس ليوم مشهود، ثم يعلن فيهم، كما أشرنامن قبل أن جده معاوية بن أبي سفيان، و أباه يزيد، قد اغتضبا الحق من أهله، من الامام علي و أبنائه، و أنه يبرأ الي الله مما جنهت أيديهما، و أنه يربأ بنفسه و تقواه عن أن يجلس علي العرش الملوث بالجريمة، ثم يلعن للناس اعتزال منصبه، و يعتكف في بيته حتي يأتيه الموت فيلقي الله تقيا نقيا سعيدا.

و منها (رابعا) أن الامام الحسين، عليه السلام، حين خرج الي الكوفة لم يكن طالب دنيا و لا جاه، كما يشيع الضعفاء الهازلون من مرتزقة التاريخ و السلطان، ليغمزوا بذلك شهادة سبط النبي و سيد شباب أهل الجنة، و شهادة أهله و أنصاره، و انما كان مستجيبا لسلطان الايمان الذي لا يعصي و لا يغلب،


فلقد رأي الاسلام، بكل قيمة الغالية و أمجاده العالية، يتعرض لمحنة قاسية يفرضها عليه بيت أبي سفيان، منذ أن خرج معاوية مطالبا بدم عثمان رضي الله عنه ثم انخدع أو تخادع بهذه الصيحة الكذوب أقوم من أهل المنفعة، رددوا مع معاوية هذه الصيحة، و ساعدهم في ترديدها حقد الثأر المزعوم و سورة العصبية المتهاجة، و زاد الأمر تعمية أن معاوية في بادي ء الأمر لمن يكن مجاهرا بطلب الخلافة، و لا متعرضا لمزاحة أحد علي البيعة، و انما كان يتشبث بمقتل عثمان و المطالبة بدمه، و لا يزيد في دعواه علي ادعاء ولاية الدم و صلة القربي، و لكن الصائحين بهذه الصيحة مع معاوية قد عاشوا حتي رأوا بأعينهم مبلغ الغيرة علي تراث عثمان، و علموا أن الملك هو الغرض المقصود من وراء تلك الفتن و الأزداء، و أن معاوية لا ينقع بأن يملك لنفسه حتي يورث الملك ولده من بعده، و لم يكن هذا من أهل الرأي و الصلاح، و لا هو ممن تتفق عليه آراء هؤلاء، و لكنه في عربيد يقضي ليله و نهاره بين الخمور و الطنابير، و لا يفرغ من مجالس النساء و الندمان، الي ليهرع الي الصيد فيقضي فيه الأسلوع بين الأديرة و البوادي و الآجام، لا يبالي خلال ذلك تمهيدا لملك، و لا تدريبا علي حكم، و لا استطلاعا لأحوال الرعية الذين سيتولاهم بعد أبيه، ثقة بما صار اليه من التمهيد و التوطيد، و ما سوف يصير، و انتهت الأمور الي مصيرها المرسوم، فجلس يزيد في مكان الخلفاء الراشدين، أبوبكر و عمر و عثمان و علي، رضي الله عنهم أجمعين و هنا تجلت أمام الحسين خطئة الصمت و السكوت تجتاح الناس رغبة حينا، و رهبة أحيانا، و كانت بيعة يزيد دعما لسلطان الجاهلية علي حساب الدين، و دعما لسلطان القبيلة و الأسرة علي حساب الأمة، و هذا ما لا يقبله الامام الحسين، لأنه مسلم، و لأنه سبط محمد صلي الله عليه و سلم فمن كان اسلامه هداية نفس، فالاسلام عند الامام الحسين هداية نفس، و شرف بيت، و هكذا صارت مقاومة بيعة يزيد دعما لسلطان الدين و الأمة معا، و لئن فات الحسين دعم هذا السلطان في النظام العام عن طريق الخلافة التي لم يكن له من أمرها شي ء، بعد نقض معاوية عهده الذي أبرمه مع الامام الحسين أمام المسلمين كافة، علي أن يترك الأمر من بعده شوري بين المسلمين


يختارون من يحبون، فان الامام الحسين لم يتخل عن واجب دعمه في الضمير عن طريق التضحية و الصمود و الفداء، و هكذا ضحي الامام في سبيل ايمانه براحته ثم بحياته، و ضحي معه أهله الأقربون، و صحبه الأكرمون.

هذا و قد يبدو لبضع المتعجلين اصدار الأحكام أن الامام الحسين، و من قبله والده الامام علي، انما ان بايمانهما و بما ينشدان للحياة و الحكم من ورع و تقوي يمثلان جموادا لم تعد تطيقه الحياة بعد التطور البعيد الذي حققه الاسلام و انفعل به، فالحق أنهما علي العكس تماما، كانا يمثلان روح التقدم و ضميره، بينما يمثل الأمويون بتحويلهم الدين الي مزرعة أموية، و بتحويلهم الخلافة الي ملك يحتكرونه و يتوارثونه، و بتحويلهم السلطة الي سوط، و باشاعتهم النزعة القبلية بعد أن أذابها الاسلام من وحدته الصلبة، كانوا بذلك كله يمثلون الرجعية المنتكسة الي عادات الجاهلية و تقاليدها، هذا فضلا عن أن ايمان الحسين انما كانت تضيئه و تستجيشه دوما، تلك الكلمات الصادقة التي قالها جده النبي الأعظم محمد رسول الله صلي الله عليه و سلم «هلاك أمتي علي يدي أغيلمة من قريش» و في رواية: يكون خسار أمتي علي يد أغيلمه من سفهاء قريش، و قد جاء زمان الأغيلمة ممثلا و ممثلين ليزيد و ما حوله من بطانة سوء.

روي البخاري في صحيحه (باب قول النبي صلي الله عليه و سلم هلاك أمتي علي يد أغيلمة سفهاء) بسنده عن عمرو بن يحيي بن سعيد بن عمرو بن سعيد قال أخبرني جدي قال: «كنت جالسا مع أبي هريرة في مسجد النبي صلي الله عليه و سلم بالمدينة، و معنا مروان، قال أبوهريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: هلكة أمتي علي يدي غلمة من قريش، فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة، فقال أبوهريرة، لو شئت أن أقول بني فلان و بني فلان لفعلت، فكنت أخرج مع جدي الي بني مروان حين ملكوا بالشأم، فاذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا: عسي هؤلاء أن يكونوا منهم، قلنا أنت أعلم»، و يقول ابن حجر العسقلاني في «فتح الباري شرح صحيح البخاري» ان أبا هريرة كان يمشي في السق و يقول: اللهم لا تدركني سنة ستين و لا امارة الصبيبان، يقول ابن


حجر: و في هذا اشارة الي أن أول الأغيلمة كان في سنة ستين، و هو كذلك فان يزيد بن معاوية استخلف فيها، و بقي الي سنة 64 ه، فمات ثم ولي ولده معاوية و مات بعد أشهر، و يقول: «ان أول هؤلاء الغلمان يزيد، كما دل عليه قول أبي هريرة سنة ستين و امارة الصبيان، و في الصواعق المحرقة: أخرج الروياني في مسنده عن أبي الدرداء قال: سمعت النبي صلي الله عليه و سلم يقول: أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية، يقال له يزيد.

هناك حقيقة كان يدركها الامام الحسين و أبوه الامام علي من قبله هي أن بلاط معاوية و جيش الشام نفسه قد أفسحا مكانا رحبا عريضا لكثير من الموتورين الذين تظاهروا بالاسلام ليندسوا بين صفوفه مخربين و مدمرين، و مع ذلك فقد كان فيهم ساسة و ذو مشورة، و أما أعوان يزيد فكانوا جلادين و كلاب طراد في صيد كبير، و كانوا في خلائقهم البدنية علي المثال الذي يعهد في هؤلاء الطغمة من الناس، و نعني به مثال المسخاء المشوهين، أولئك الذي تمتلي ء صدورهم بالحقد علي أبناء آدم، و لا سيما من كان منهم علي سواء الخلق و حسن الأحدوثة، فاذا بهم يفرغون حقدهم في عدائه و ان لم ينتفعوا بأجر أو غنيمة، فاذا انتفعوا بالأجر و الغنيمة، فذلك هو حقد الضراوة الذي لا تعرف له حدود، و شر هؤلاء جميعا شمر بن ذي الجوشن و عبيدالله بن زياد و مسلم بن عقبة و أمثالهم، و لا ريب في أن الامام الحسين، كما كان أبوه من قبل، يدرك خطورة اسناد أمور المسلمين الي أمثال هؤلاء، و من ثم فالايمان الذي حمل الامام الحسين لواءه، و ذهب شهيده، كان لهذا كله، و بهذا كله، ايمانا مستنيرا و واعيا و رشيدا.

و منها (خامسا) أن بطولات كربلاء أبرزت شرف التضحة علي نحو باهر جليل، حتي لنكاد نحسب أن الأقدار انما أرادت ذلك اليوم بكل أهواله و تضحياته، لتؤكد شرف التضحية في وعي البشرية كلها، و لتضي ء بمغزاه العظيم ضمير الحياة، و من ثم فقد اختارت لها في يوم كربلاء، نماذج رفيعة، بالغة الرفعة، و قضية عادلة، بالغة العدالة و نضالا باسلا بالغ البسالة، ثم تركت الضحايا و الشهداء، و هم من قد عرفنا عظمة نفس و نقي ضمير، تركتهم حيث


تنتهي حياتم بأيدي ظالميهم علي صورة أليمة و بشعة، و كأن الأقدار تقول للناس كافة، انه ما دام الحق بحاجة الي تضحيات تحميه و تفتديه، و ان التضحية اذن هي شرف الانسان و شرف الحياة، و في واقعة كربلاء يتألق ذلك المغزي تألق النهار، فاذا كانت التضحية في شكلها الخارجي تبعث الأسي و الحزن، فانها في جوهرها العظيم تستجيش كل ما في النفس البشرية من اعجاب و اجلال، انها تبدو و كأنها مهرجان للحق بالغ الروعة، كما تبدو و كأنها عيد للتضحية نادر المثال، فلقد وقف الامام الحسين و أهله و أصحابه من أجل الحق موقفا استحق ببطولاته و تضحياته أن يكون للتضحية عيدا، و أي عيد، فلقد رفضوا الباطل و اختاروا الحق، ثم رفضوا الصمت و اختاروا المقاومة، ثم رفضوا المساومة و صمدوا مع ايمانهم، ثم رأوا أنفسه اثنين و سبعين، وسط، أربعة آلاف فارس و رام، و لم يعد هناك أدني ريب في أن الموت هو الذي ينتظرهم، اقتحموا الهول في مشهد مجيد مقررين بمحض اختيارهم و ارادتهم أن يمنحوا أمة الاسلام، بل و البشرية كلها، هذه القدوة الرائعة في التضحية، و هذا العيد المجيد للفداء، و في جلال المفتدين، و اخبات المتقين، راحو يؤدون مهمتهم القاسية و العالية، حتي أنجزوها في نجاح عظيم أو ليسوا هم آل بيت النبي صلي الله عليه و سلم و صدق الله العظيم حيث يقول «الله أعلم حيث يجعل رسالته،»، و ها هو علم الله يتألق للدنيا و لا كمثله تألق النهار، فيعطي بيت النبوة الأسوة الحسنة في التضحية و الفداء، فها هو حمزة بطل الاسلام في أحد تمزقه السيوف و الأحقاد، حتي تستقر كبده بين أنياب هند أم معاوية و جدة يزيد، و ها هو جعفر بن أبي طالب بطل مؤته تحصد جسده سيوف الروم، و ها هو الامام علي، فارس الاسلام في كل غزواته و مشاهده، و بطله في وجه الوثنية الأموية التي أرادت أن تحوله الي ملك عضوض، يمضي هو الآخر شهيد اغتيال أثيم، و ها هو الامام الحسن، بطل السلام في الاسلام تغتال عصابة الشيطان حياته بالسم، و يأخذ مكانه العالي بين الشهداء.

ثم ها هم أولاء ابطال كرام من نفس البيت النبوي الشريف، علي رأسهم


سبط النبي و ريحانته الامام الحسين، يصارعون أربعة آلاف مدججين بالجريمة و السلاح، و ليس معهم في ذلك اليوم الرهيب سوي خمسين ناصرا و مقاتلا، و يتقدم الاثنان و العشرون من ال بيت النبي الي التضحية و الموت و الاستبسال، و يعانقون الشهادة جميعا، لا يبقي منهم سوي فتي مريض، أراد الله أن يحفظ به ذرية النبي صلي الله عليه و سلم، أليس حقا، أن الله أعلم حيث يجعل رسالته، أو ليس حقا أنه ليس في العالم أسرة أنجبت من الشهداء من أنجبتهم أسرة الامام الحسين عدة و قدرة و ذكري، و حسب الامام أنه وحده في تاريخ هذه الدنيا الشهيد ابن الشهيد، أبو الشهداء في مئات السنين، أو ليس حقا أن بيت آل النبي صلي الله عليه و سلم وحدهم في تلك الفلاة يقاتلون، و هناك في طول البلاد و عرضها ملايين البيوت آوي اليها أهلها و استقروا آمنين تحت سقوفها، و أي بأس، ما دام الله قد ترك الملايين من تلك البيوت، ثم اختص هذا البيت وحده بأعظم ما في الدنيا من مجد و شرف، اصطفائهم لحمل رسالته و اعلاء كلمته، انه بيت النبوة، البيت الذي اصطفاه الله علي العالمين، و صدق رسول الله صلي الله عليه و سلم حيث يقول في الحديث الصحيح «ان الله اصطفي بني اسماعيل، و اصطفي كنانة من بني اسماعيل، و اصطفي قريشا من كنانة و اصطفي بني هاشم من قريش».