بازگشت

الحركة الفريدة في التاريخ


ان خروج الامام الحسين من مكة الي العراق، كما يقول الأستاذ العقاد، حركة لا يسهل الحكم عليها بمقياس الحوادث اليومية، لأنها حركة من أندر حركات التاريخ، ان لم تكن أندرها، في باب الدعوة الدينية أو الدعوة السياسة، حركة لا تتكرر كل يوم، و لا يقوم بها كل رجل، و من ثم فقد كان من أعظم ما صنع الامام الحسين و أهله و صبحه يوم كربلاء، هو أنهم جعلوا الحق قيمة ذاته، و مثوبة نفسه، فلم يعد النصر مزية له، و لم تعد الهزيمة ازراء به، فلقد وقف اثنان و سبعون بطلا، وراء قائدهم العظيم أبي عبدلله الحسين، ليس لهم في احراز النصر علي عدوهم أدني أمل، و ليس أمامهم سوي القتل بأسلحة خصم فاجر متوحش مسعور، و أمامهم فرص النجاة أذا هم أرادوها، لكنهم يرفضون النجاة، ما دامت ستكون عمطا لقداسة الحق، و ثلما لشرف التضحية، و هكذا راحوا يقاتلون حول قائدهم الممجد، معانقين المنايا واحدا بعد واحد، و هم يصبحون بل يغنون: الله و الجنة، الله و الجنة.

و لا ريب في أن الأقدار لم تدع رؤوس أبناء الرسول صلي الله عليه و سلم تحمل علي أسنة رماح قاتليهم، الا لتكون مشاعل علي طريق الأبد، للمسلمين خاصة، و للبشرية الراشدة كافة، يتعلمون في ضوئها الباهر، أن الحق وحده هو المقدس، و أن


التضحية وحدها هي الشرف، و أن الولاء المطلق للحق، و التضحية العادلة في سبيله، هما وحدهما اللذان يحملان للانسان و للحياة قيمة و معني.

و من أجل هذا كله، و من أجل غيره، و هو كثير، كانت حركة مولانا الامام الحسين فريدة في نوعها، لأنها حركة لا يأتي بها الا رجال خلقوا لأمثالها، فلا تخطر لغيرهم علي بال، لأنها تعلو علي حكم الواقع القريب الذي يتوخاه في مقاصده سالك الطريق اللاجب و الدرب المطروق، و هي حركة فذة يقوم عليها رجال أفذاذ، من اللغو أن ندينهم بما يعمله رجال من غير هذا المعدن و علي غير هذه الوتيرة، لأنهم يحسون و يفهمون و يطلبون غير الذي يحسه و يفهمه و يطلبه أولئك الرجال، هي ليست ضربة مغامر من مغامري السياسة، و لا صفقة مساوم من مساومي التجارة، و لا وسيلة متوسل ينزل علي حكم الدنيا أو تنزل الدنيا علي حكمه، و لكنها وسيلة من يدين نفسه و يدين الدنيا برأي من الآراء، و هو مؤمن به و مؤمن بوجوب ايمان الناس به دون غيره، فان قبلته الدنيا قبلها، و ان لم تقبله فسيان عنده فواته بالموت أو فواته بالحياة، بل لعلل فواته بالموت أشهي اليه و أحب، و من ثم فحركة مولانا الامام الحسين لا تقاس اذن بمقياس المغامرات و لا الصفقات، و لكنها تقاس بمقياسها الذي لا يتكرر، و لا يستعاد علي الطلب من كل رجل أو في كل أوان، علي حد تعبير الأستاذ العقاد.