بازگشت

مسئولية يزيد عن مقتل الامام الحسين


اختلف المؤرخون في مدي مسئولية يزيد بن معاوية بن أبي سفيان في مقتل مولانا الامام الحسين و آل بيته الطاهرين و أنصارهم، و الواقع أن الناس في تقدير التبعة التي تصيب يزيد من عمل ولاته مشارب و أهواء، يرجع كل منهم الي مصدر من مصادر الرواية فيبني عليها حكمه، فمنهم من يري أنه بري ء من التبعة كل البراءة، و منهم من يري أنه أقر فعلة ابن زياد و توقع حدوثه و لم يمنعه، و هو مستطيع أن يمنع لو شاء، و من هنا كان الاضطراب في الروايات التي تحدثت عن مسئولية يزيد في مذبحة كربلاء، حتي أن المؤرخ الواحد قد يري رأيا، ثم في نفس القت قد يري رأيا آخر يخالف رأيه الأول، بل ان الخلاف بين الروايات انما يبدأ منذ بداية حديثها عن خلافة يزيد لأبيه معاوية، فروايات تذهب الي أنه كتب الي عامله بالمدينة بأن يبدأ بوجوه الناس، و يرفق بالامام الحسين بينما تذهب أخري الي أنه انما أمره باستعمال العنف مع الامام الحسين، حتي أن بعض الروايات ذهبت الي أن الوليد عامل يزيد علي المدينة أغلظ للحسين فشتمه الحسين، و أخد عمامته و نزعها من رأسه»، و الأمر كذلك بالنسبة الي موقف يزيد بعد مقتل الامام الحسين و آل بيته الطاهرين، فبعض الروايات تشير الي أسف يزيد بعد مقتل الامام الحسين و آل بيته الطاهرين، فبعض الروايات تشير الي أسلف يزيد لما وقع بالحسين عليه السلام و أهل بيته و حزنه علي ذلك، و البعض الآخر يؤكد فرحه بما حدث و ارتياحه له، و أنه كان بعلمه و أمره، و من ثم فقد أظهر الشماتة لما حل بالامام الحسين و آل البيت و أنصارهم، فأذن لأشراف الشام بالدخول عليه، و رأس الامام الحسين بين يديه، و هو ينكث في ثغره بقضيب كان في يده، ثم قوله للامام علي زين العابدين أمام الناس: يا علي، أبوك الذي قطع رحمي و جهل حقي، و نازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت، و كما يقول الأستاذ حسين يوسف، فمثل هذه الروايات المتضاربة لا نصل منها الي نتيجة، فما يمكن فهمه أو استنباطه من بعضها، ينفيه البعض الآخر و يأتي بعكسه، و لذلك فلا مناص من قياس مدي صحة هذه الروايات، بمقياس الأحداث الثابتة و الحقائق الواقعة، فهي وحدها لها دلالته القاطعة في تأكيد رواية ما أو نفي أخري، ثم هي في النهاية تدين يزيد، و تحمله مسئولية


الخطايا التي ارتكبت في عصره، و علي رأسها مذبحة كربلاء، و هي كثيرة: منها (أولا) أنه من الثابت الذي لا جدال فيه أن يزيد لم يعاقب أحد من ولاته، كبر أو صغر هذا الوالي، علي شي ء مما اقترفوه في فاجعة كربلاء، و من المعروف أن سيرة ابن زياد التي سارها في الامام الحسين و أصحابه انما كانت بدعا منكرا مما ألف المسلمون، حتي في أيام الفتنة التي دارت فيها معارك الجمل و صفين، فقد كان الامام علي، كرم الله وجهه في الجنة، يتقدم الي أصحابه في حروبه، ألا يتبعوا هاربا، و لا يجهزوا علي جريح، و لا يأخذوا من المنهزمين الا ما أوجفوا به من خيل أو سلاح، و لكن اللئيم ابن زياد أسرف في القتل و التنكيل بالمقتولين، و بمن تركوا من الأطفال و النساء، فقد سلب القتلي، و فيهم ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم و فيهم أحفاد الزهراء، و سلب أبناء الامام علي من غير الزهراء، و غيرهم من أصحاب الامام الحسين، و نزع من النساء كل ما كان معهن من حلي و ثياب و متاع، فضلا عن قطع رؤوس القتلي و رفعهما علي الحراب و الطواف بها بين شوارع الكوفة و أزقتها، و ما بين الكوفة و دمشق، في موكب جهير يجوب الصحراء، و يحمل معه سيدات آل بيت النبي صلي الله عليه و سلم سبايا حواسر علي المطايا، و جثث أبناء الرسول صلي الله عليه و سلم ملقاة علي أرض كربلاء، لا يدفنونها و لا يصلون عليها، ثم ندبوا عشرة من فرسان اللئام يوطئون جثة الامام و صحبه الخيل، لم يتقوا الله في عملهم الخسيس هذا، و لم يراعوا أية حرمة، حتي حرمة رسول الله صلي الله عليه و سلم التي كانت أقل ما تفرضه علي المسلمين أن يتحرجوا أشد التحرج، و يتأثموا أعظم التأثيم، قبل أن يمسوا أحدا من أهل بيته صلي الله عليه و سلم، فضلا عن أن يقوموا بكل ما أشرنا اليه من الخطايا، و مع ذلك كله، فان التاريخ يحدثنا، فيما يتفق عليه المؤرخون جميعا، سنة و شيعة، أن ابن زياد أو غيره، لم يلق من يزيد بن معاوية في ذلك عقابا بل لا عتابا و لا لوما، و انما لقي منه رضا و ايثارا، مما يدل علي أن كل ما فعله ابن زياد و عصابته انما كان طبقا لأوامر يزيد و وفقا لهواه، و لو كان ما حدث مخالفا لأمره و هواه، لكان في امكان يزيد أن يعزل ابن زياد، كما عزل الوليد عن ولاية المدينة، و النعمان بن بشير عن ولاية الكوفة، لتهاونهما في تنفيذ أوامره ضد الامام الحسين و مسلم بن عقيل، و لكنه علي العكس من ذلك أبقاه علي


ولاية المصرين «الكوفة و البصرة» و بالغ من رفعة شأنه حتي أدخله علي نسائه، و في ذلك دليل قاطع علي رضائه عنه، و ارتياحه لشدته و بطشه، و من ذلك ما يرويه المسعودي من أن يزيد، و كان صاحب طرب و جوارح و كلاب و قرود و فهود و منادمة علي الشراب، جلس يزيد ذات يوم علي شرابه، و عن يمينه ابن زياد، و ذلك بعد مقتل الحسين، فأقبل علي ساقيه فقال:



أسقني شربة تروي مشاشي

ثم مل فاسق مثلها ابن زياد



صاحب السر و الأمانة عندي

و لتسديد مغنمي و جهادي



ثم أمر الغنين فغنوا به.

و منها (ثانيا) ما ذهب اليه البعض - فيما يروي الأستاذ العقاد - من أن ابن زياد كان علي اذن مستور من يزيد بكل ما صنع، و يملي للبعض في هذا الظن أن استئصال ذرية الامام الحسين من الذكور، انما كانت خطة تهم يزيد لوراثة الملك في بيته و عقبه، و يفيده أن يقدم عليها مستترا من وراء ولاته، ثم يتنصل منها و يلقي بتبعتها عليهم، و لو لم يكن ذلك لكان عجيبا أن توكل حياة الامام الحسين و أبنائه و بقية آل بيت النبي صلي الله عليه و سلم و أنصارهم الي والي الكوفة بغير توجيه من سيده و مولاه، فقد كان الزمن الذي انقضي منذ خروج الامام الحسين من مكة الي نزوله بالطف علي الفرات كافيا لبلوغ الخبر الي يزيد و رجوع الرسل بالتوجيه الضروري في هذا الموقف لوالي الكوفة و غيره من الولاة، فان لم يكن الأمر تدبيرا متفقا عليه، فهو المساءة التي تلي ذلك التدبير في السوء و الشناعة، و هي مساءة التهاون الذي لا تسقيم علي مثله شئون الدولة، و قد روي ابن شريح البشكري أن عبيدالله صارحه بعد موت يزيد فقال «أما قتلي الحسين فانه أشار الي يزيد بقتله أو قتلي، فاخترت قتله».

ثم هناك روايتان جاءتا في تاريخ اليعقوبي، و في كل منهما أمر بقتل الامام الحسين، في الرواية الأولي يقول يزيد لواليه علي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان: «اذا أتاك كتابي هذا، فاحضر الحسين بن علي، و عبدالله بن الزبير،


فخذهما بالبيعة لي، فان امتنعا فاضرب أعناقهما، و ابعث لي برؤوسهما، و خذ الناس بالبيعة فمن امتنع فانفذ فيه الحكم، و في الحسين بن علي و عبدالله بن الزبير، و السلام»، و تذهب الرواية الثانية الي أن يزيد كتب الي عبيدالله بن زياد، بعد أن ولاه الكوفة: «قد بلغني أن أهل الكوفة قد كتبوا الي الحسين في القدوم عليهم، و أنه قد خرج من مكة متوجها نحوهم، و قد بلي يه بلدك من بين البلدان، و أيامك من بين الأيام، فان قتلته، و الا رجعت الي نسبك و الي أبيك عبيد، فاحذر أن يفوتك».

و منها (ثالثا) أن سياسة يزيد بن معاوية في سياسته دولته بعد ذلك، كانت هي سياسية أولئك الولاة علي و تيرة واحدة مما حدث في كربلاء، فاستباحة المدينة، دار النبي صلي الله عليه و سلم، و تحيكم مسلم بن عقبة في رجالها و نسائها، ليست بعمل رجل ينكر سياسة كربلاء بفكره و قلبه، أو سياسة رجل تجري هذه الحوادث علي نقيض تدبيره و شعوره، فان الرجل الذي يستبيح مدينة رسول الله صلي الله عليه و سلم ثلاثة أيام، تجري فيها دماء الصحابة و التابعين أنهارا، و تنتهك فيها الحرمات جهارا، حتي تفتض فيها ألف عذراء، و تحمل ألف امرأة من غير زواج، كما يقال، و يؤخذ من بقي من أهل المدينة بالبيعة، لا علي كتاب الله و سنة رسول الله، كما تعود المسلمون أن يبايعوا، و لكن علي أنهم خول ليزيد، فمن أبي منهم هذه البيعة المنكرة أمر به فضربت عنقه، ثم يلعن قائد يزيد بعد ذلك أنه لم يعمل عملا صالحا، بعد الشهادتين، أحب اليه من ذلك، و حتي مكة المكرة بمسجدها الحرام يرسل اليها يزيد من يستبيحها و يستبيح مسجدها الحرام، لا شك أن من يأمر بكل هذه الخطايا و المخازي، مما يعتبر عارا علي الاسلام و المسلمين، لا يتورع أبدا عن الأمر بقتل الامام الحسين و أهل بيته و أنصاره.

و منها (رابعا) أن يزيد بن معاوية ظل، كما كان أبوه و كما سيكون خلفاؤه من الأمويين غير عمر بن عبدالعزيز، يأمرون الناس بلعن الامام علي و الامام الحسين، و آلهما، علي المنابر في أرجاء الدولة الاسلامية، و العياذ بالله،


و يستفتون من يفتيهم من مرتزقة السلطان، باهدار دمهم و صواب عقابهم بما أصابهم، و بدهي فيما يقول الأستاذ العقاد أمن من تجب لعنته علي المنابر بعد موته بسنين، فقتله جائر أو واجب،في رأي لاعنيه، و منها (خامسا) أنه من الثابت أن يزيد عزل الوليد بن عتبة، كما يقول الأستاذ حسين يوسف، عن امرة المدينة لتهاونه في أمر الامام الحسين، حتي أمكنه من الخروج الي مكة، و ولي عمرو بن سعيد بن العاص بدلا منه، و كان متألها متكبرا، معروفا بالقسوة و الغلظة، و هذا مما يؤكد أن ما نسب الي يزيد من دعوته الي الرفق بالامام الحسين لا أساس له، و أن مطالبته بأخذ البيعة أخذا شديدا، هو الواقع الذي لا شك فيه، و منها (سادسا) أنه من الثابت أن يزيد عزل النعمان بن بشير، و هو صاحب رسول الله صلي الله عليه و سلم فضلا عن وقوفه الي جانب معاوية في كل حروبه ضد الامام علي، عن امرة الكوفة لسبب مشابه لما عزل الوليد من أجله، و هو عدم أخذ القائمين بالدعوة للامام الحسين عليه السلام، بالشدة، و اكتفاؤه بنهيهم عن الاختلاف و الفتن، و دعوتهم الي الأئتلاف و السنة، و اعلانه أنه لا يقاتل من لا يقاتله، و لا يثب الا علي من وثب عليه، و لا يأخذ بالظنة و لا التهمة، كما يقول الطبري، و قد أضاف يزيد، بمشورة سجون مولي أبيه، الكوفة بعد عزل النعمان، الي عبيدالله بن زياد، والي البصرة، كما سبق أن أضاف المدينة الي والي مكة، عمرو بن سعيد بن العاص، و كلا هما سواء في التجبر و البطش، و قد كتب يزيد الي ابن زياد، حين ولاه الكوفة يقول: «اذا قدمت الكوفة فاطلب مسلم بن عقيل، فان قدرت عليه فاقتله أو انفه».

و منها (سابعا) أن يزيد، و قد اختار ابن زياد لولاية الكوفة، في وقت وجود مسلم بن عقيل فيها، و ظهور أمره، فمن الطبيعي أن يكون قد زوده بالتعليمات التي يجب أن يعمل في حدودها، و يتصرف علي ضوئها، و طبقا لتصرفات ابن زياد في الكوفة يمن التأكد من كنه هذه التعليمات، و من الثابت أن ابن زياد بطش بطش الجبارين، فقتل هاني ء بن عروة، و مسلم بن عقيل، و بعث برأسيهما الي يزيد في دمشق، مع هاني ء بن حبة الهمداني و الزبير بن الأرواح


التميمي، فكتب اليه يزيد يعلن رضاءه عنه و ثقته فيه، و طبقا لما جاء في الطبري و ابن الأثير، فقد كتب اليه يقول: «عملت عمل الحازم، و صلت صولة الشجاع، الرابط الجأش، فقد أغنيت و كفيت، و صدقت ظني بك و رأيي فيك»، و هكذا استمر ابن زياد في جبروته و طغيانه، طبقا لتعليمات سيده يزيد، يحبس علي الظنة و يأخذ في جبروته و طغيانه، طبقا لتعليمات سيده يزيد، يحبس علي الظنة و يأخذ بالتهمة الي أن سير الي الامام الحسين سبط النبي صلي الله عليه و سلم و سيد شباب أهل الجنة، رجاله و فرسانه، بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص، حتي انتهي الأمر بحصاره هو و أهله، و حتي قتلوهم جميعا، و احتزوا رؤوسهم الشريفة، و علي رأسهم رأس الامام الحسين، و داسوا بسنابك الخيل أجسادهم الطاهرة حتي ألصقوها بالأرض، و ليس من شك في أن يزيد لم يظهر أي استياء حقيقي لما اقترفه ابن زياد من تقتيل و تمثيل بالامام الحسين و أهل بيته الطاهرين، و لم يقف من ابن زياد أي موقف يشعر باستنكاره لفعلته الشنيعة، و خطئته الكبري، بل انه استقبل سيدات بيت النبوة، و علي بن الحسين في قصره بدمشق بكل وقاحة و خسة، في أول الأمر علي الأقل، فتطاول علي مقام سيدنا الامام الحسين، و علي عقيلة بني هاشم السيدة زينب، بل و سمح لزنيم من لئام الشام من رجال بلاطه أن يطلب منه أن يهبه السيدة فاطمة حفيدة النبي صلي الله عليه و سلم، مما يدل علي رضاه علي كل خطايا و آثام ابن زياد، ان لم تكن تلك الخطايا و الآثام بأمر منه.

و هكذا يبدو واضحا أن يزيد بن معاوية هو المسئول أمام الله و رسول الله و المسلمين أجمعين عن قتل الامام الحسين و آل بيت النبي الطاهرين و أنصارهم في مجزرة كربلاء، و أن ما قام به ابن زياد لم يكن بأمر يزيد، و قد حاول بعض الباحثين تبرئة يزيد من جريمة قتل مولانا الامام الحسين و آل البيت، و لكنهم فشلوا، و لنأخذ كمثال، الحافظ ابن كثير، و هو علم من أعلام الفقه و التفسير، و الحديث و التاريخ، فألقي بالتبعة كلها علي ابن زياد، و حاول تبرئة يزيد، بل و كثير من رجال الجيش الذين قتلوا الامام، لانه كما يقول «ليس كل ذلك الجيش كان راضيا بما وقع من قتله، بل و لا يزيد بن معاوية رضي بذلك، و الله أعلم، و لا


كرهه، و الذي يكاد يغلب علي الظن أن يزيد لو قدر عليه لعفا عنه، كما أوصاه بذلك أبوه، و كما صرح هو به مخبرا عن نفسه بذلك، و قد لعن ابن زياد علي فعله ذلك، و شتمه فيما يظهر و يبدو، و لكن لم يعزله علي ذلك و لا عاتبه، و لا أرسل يعيب عليه ذلك»، و هكذا فيزيد، في رأي ابن كثير، لم يرض و لم يكره، و غالب الظن لو قدر لعفا، و أنه فيما يظهر لعن ابن زياد، و لكنه لم يعزله و لا عاقبه، بل و لا حتي أرسل يعاتبه، و هكذا نري ابن كثير لا يحزم بشي ء، و ربما كان اتهامه ليزيد أقوي من براءته.

و مثال آخر، هو الأستاذ العقاد الذي يذهب الي الظن بتهاون يزيد، أقرب الي الظن بايعازه و تدبيره، لأنه جري عليه طوال حكمه، و ألقي حبل ولاته علي غاربهم، و هو لاه بصيده و عبثه، و أنه ربما ارتاح في سريرته بادي ء الأمر الي فعلة ابن زياد و أعوانه، و لكنه ما عتم أن رأي بوادر العواقب توشك أن تطبق عليه بالوبال من كل جانب، حتي تيقظ من غفلته بعد فوات الوقت فعمد الي المحاسنة و الاستدراك جهد ما استطاع، و لم يكن في يقظته علي هذا معتصما بالحكمة و السداد، و لقد رأي البوادر منه غير بعيد، و لما تنقض ساعات علي ذيوع الخبر في بيته، قبل عاصمة ملكه، فنعي ابن الحاكم فعلة زياد، و ناح نساؤه مشفقات من هول ما سمعن و رأين، و بكي ابنه الصالح معاوية، فكان يقول اذا سئل «نبكي علي بني أمية، لا علي الماضين من بني هاشم»، و مهما تكن غفلة يزيد، فما أحد قط يلمح تلك البوادر، ثم يجهل أنها ضربة، هو جاء، لن تذهب بغير جريرة، و لن تهون جريرتها في الحاضر القريب، و لا في الآتي البعيد، و الواقع أنها قد استتبعت بعدها جرائر شتي، لا جريرة واحدة، و ما تنقضي جرائرها الي هذا اليوم، و هكذا فان يزيد، في رأي الأستاذ العقاد، مشغول بلهوه و صيده، حتي عن مذبحة كربلاء، و أنه فرح بها أولا، ثم ندم بعد أن رأي العواقب توشك أن تطبق عليه بالوبال من كل جانب.

و ما أظن أن هذه تبرئة من الأستاذ العقاد، ليزيد، بقدر ما هي اثبات للتهمة، عليه، ثم أي خليفة هذا الذي فرضه أبوه علي الناس، و ابتلي الاسلام
و المسلمين به، حتي يترك أشرار الناس يعيثون في الأرض فسادا، و هو مشغول بصيده و لهوه، فابن زياد في الكوفة يحز رأس كل من تسول له نفسه أن يقول: لم، ثم يقتل أبناء الرسول صلي الله عليه و سلم و أحفاده و آل بيته في كربلاء قتلا تناهي في البشاعة و الرجس، ثم هناك مسلم بن عقيل، مبعوث يزيد الي المدينة المنورة، دار الهجرة و وطن الأنصار، و عاصمة الاسلام، يصنع بها و بأهلها من الوحشية و الجريمة ما يتعاظم كل وصف، و حتي مكة يرسل اليها يزيد من يستبيحها و يستبيح مسجدها الحرام، و في كل ذلك و غيره من الخطايا و الآثام، فالمسئول يزيد، لأنه المسئول عن الأمة بأسرها، باعتباره الراعي لأمورها و قد قال رسول الله صلي الله عليه و سلم «كلكم راع، و كلكم مسئول عن رعيته، الامام راع و مسئول عن رعيته» و قال «ان شر الرعاء الحطمة» أي القساة الذين يظلمون الناس و يظلمونهم، و لا يرقبون الله فيهم.