بازگشت

مقتل ابن زياد و ابن سعد


كان عمر بن سعد منفذ الشر و قائد جيش اللئام أسبق في مقتله من سيده ابن زياد، و عمر هذا هو الذي باع آخرته بدنياه حين خير بن ولاية الري، و بين قيادة الجيش لقتال الامام الحسين و آل البيت الطاهرين، فاختار أن يسير في طريق الشر حتي نهايته، بل لم يخجل أن يكون أول من يرمي الامام الحسين و آل بيته بسهم، ثم يصل الي هاوية الانحطاط حين يلعن للملأ من اللئام في جيشه: اشهدوا لي عن الأمير أني أول من رمي الحسين و أصحابه بسهم، و هكذا كان عمر هذا السفيه عارا علي قريش، و علي أبيه الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص، أول من رمي بسهم في سبيل الله، فاذا به يشهد الناس علي أنه أول من رمي سبط النبي صلي الله عليه و سلم و سيد شباب أهل الجنة بسهم، ابتغاء مرضاة ابن مرجانة من ابن سمية، و سبحان من يخرج من الصالح طالحا، و من يجعل من النار رمادا، و من عجب أن عمر هذا لم يتمتع بولاية الري، و انما باء بغضب الله، و شاءت ارادة الله أن تنتقم للامام الحسين من هذا السفيه، و من ثم فما أن ولي المختار الثقفي حتي أصبح خائفا يترقب الفتك به في أية لحظة، و حتي بلغ به الذل أن يرسل الي المختار من يتوسط له بالأمان، فأعطاه المختار ما أراد حتي لا يهرب، بينما هو يسر قتله، ثم قال المختار لمن حوله: لأقتلن غدا رجلا عظيم القدمين، غائر العينين، مشرف الحاجبين، يسر بقتله المؤمنون و الملائكة المقربون، فأدرك عمر أنه هو المقصود، و اشتد ذعره، و حاول الفرار، غير أن المختار أرسل اليه رئيس حرسه ليحول بينه و بين الفرار، و أن يجهز عليه، و أن يحمل رأسه الي المختار، فوضعه بين يديه، و في مجلسه ولده حفص بن عمر، فقال له المختار: أتعرف هذا الرأس، فاسترجع الابن و قال لا ير في العيش بعده، فقال المختار: صدقت، ثم أمر بضرب عنقه، فلحق بأبيه، و وضع المختار رأسه بجانب رأس أبيه، و قال: هذا بالحسين، و هذا بعلي الأكبر، و لا سواء، و الله لو قتلت بالحسين ثلاثة أرباع قريش ما وفوا أنملة من أنامله، ثم أرسل برأسيهما الي محمد بن الحنفية بن الامام علي.


و ينتهي بنا المطاف الي عبيدالله بن زياد، و الذي ولاه معاوية بن أبي سفيان البصرة، و هو في الثانية و العشرين من عمره، و قد وصفه الحسن البصري رضي الله عنه فقال: «قدم علينا عبيدالله، أمره معاوية، غلاما سفيها، سفك الدماء سفكا شديدا»، و مع ذلك فقد كان جبانا، كما كان فاجرا في خصومته، جاهلا في تجبره و قسوته كما كان قبله يمتلي ء حقدا علي كل عظيم، و هو الذي أرسل الجيش لقتال الامام الحسين، و أصر علي حربه، و هو الذي أخذ ينكث بقضيبه فيفم الامام الحسين حين حملت اليه، و هو الذي أظهر الشماتة بمقتل الامام الحسين، ثم وقف علي منبر الكوفة معلنا متقل الامام متطاولا عليه بأقبح ألفاظ السباب، فاذا ما اعترض عليه عبدالله بن عفيف الأزدي، أمر به فقتل ثم صلب، ثم أمر بنصب رأس الامام الحسين، و الطواف بها في الأزقة، و كانت نهاية هذا الطاغية ابن الدعي علي يد ابن الأشتر، و ذلك حين أراد استرداد الكوفة من المختار فأرسل اليه المختار قائده ابراهيم بن الأشتر النخعي علي رأس سبعة آلاف من المطالبين بثأر الامام الحسين، فلما التقيا أخذ ابن الأشتر يحرض الناس علي ابن زياد فقال: فيما يروي الطبري، «هذا قاتل ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم، قد جاءكم الله به، و أمكنكم منه، فانه قد فعل في ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم ما لم يفعله في بني اسرائيل... هذا ابن زياد قاتل الحسين، الذي حال بينه و بين ماء الفرات أن يشرب منه هو و أولاده و نساؤه.... و يحكم أشفوا صدوركم منه، وارووا رماحكم و سيوفكم، هذا الذي فعل في آل نبيكم ما فعل»، فهجم القوم الشجعان علي جيش ابن زياد فهزموه، و استطاع ابن الأشتر أن يظفر بابن زياد و يضربه بسيفه ضربة قدته نصفين، و لعل من تمام العدالة أن يكون ذلك، يوم عاشوراء، العاشر من المحرم عام 67 ه، و هو نفس اليوم الذي استشهد فيه الامام الحسين عام 61 ه، و قطعت رأس ابن زياد و أرسلت الي المختار الذي وضعها بين يديه في نفس المكان الذي وضع فيه ابن الدعي، رأس سيدنا الامام الحسين، و يروي الطبري عن عبدالملك بن عميرة فيقول:دخلت علي عبيدالله بن زياد و بين يديه رأس الامام الحسين، فو الله ما لبثت الا زمنا قليلا حتي دخلت علي المختار الثقفي، فوجدت رأس ابن زياد بين يديه


علي ترس في نفس المكان، و لعل من أعجب ما يرويه الطبري عن العدالة الالهية أن رأس ابن زياد حينما وضعت بين رؤوس أصحابه، شاهد الناس حية تدخل من فمه و تخرج من أنفه، ثم تدخل من أنفه و تخرج من فمه، و هكذا ظلت و الناس يتصايحون و يتعجبون.

و روي ابن عبدالبر في الاستيعاب أن الهل قضي أن قتل عبيدالله بن زياد في يوم عاشوراء قتله ابراهيم بن الأشتر النخعي في الحرب، و بعث برأسه الي المختار الذي بعث به ألي ابن الزبير، فبعث به ابن الزبير الي علي زين العابدين بن الحسين، و روي ابن سعد في الطبقات أن المختار بعث ابراهيم بن الاشتر الي ابن زياد في عشرين ألفا، فقتله و بعث برأسه الي المختار فجعله في جونة ثم بعث به الي محمد بن الحنفية و علي زين العابدين بن الحسين و سائر بني هاشم، فلما رأي علي بن الحسين رأس عبيدالله ترحم علي الحسين، و قال أتي عبيدالله بن زياد برأس الحسين و هو يتغدي، و أتينا برأس عبيدالله و نحن نتغذي، و روي الكشي في معرفة الرجال عن عمر بن علي بن الحسين أن علي بن الحسين عليه السلام، لما أتي برأس عبيدالله بن زياد، و رأس عمر بن سعد، خر ساجدا، و قال: الحمدلله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي، و جزي الله المختار خيرا، و روي أن الامام علي زين العابدين لم يكن راضيا في أول الأمر عن حركة المختار حتي لا تؤدي الي قتل بقية شيعة آل البيت في الكوفة، و لكن ما لبث أن رضي عن المختار حين قتل ابن زياد، و روي أن المختار وجه برأس ابن زياد، قاتل الحسين عليه السلام، الي علي بن الحسين عليه السلام في المدينة مع رجل من قومه، و قال له: قف بباب علي بن الحسين، فاذا رأيت أبوابه قد فتحت و دخل الناس، فاذا ذاك الوقت فيه طعامه، فادخل اليه، فجاء الرسول الي باب علي بن الحسين، عليه السلام، فلما فتحت أبوابه و دخل الناس للطعام نادي بأعلي صوته: «يا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و مهبط الملائكة و منزل الوحي، أنا رسول المختار بن أبي عبيد، معي رأس عبيدالله بن زياد، فلم تبق في بيت من دور بني هاشم امرأة الا صرخت، و دخل


الرسول، فأخرج الرأس، فلما رأي علي زين العابدين رأس قاتل أبيه و قاتل اخوته و أولاده عمه و مذل نسائه، أشاح بوجهه و قال: أبعده الله الي النار، و يروي اليعقوبي أن علي بن الحسين لم يرضاحكا منذ قتل أبوه الا في ذلك اليوم، و أنه كان له ابل تحمل الفاكهة من الشام الي المدينة، فلما أتي برأس عبيدالله أمر بتلك الفاكهة ففرقتي أهل المدينة، و في هذا اليوم أيضا اختضبت نساء آل الرسول صلي الله عليه و سلم، و ما اختضبت امرأة منهن منذ قتل الحسين»، و روي عن جعفر الصادق، عليه السلام، أنه ما اكتحلت هاشمية و لا اختضبت، و لا روي في دار هاشمي دخان خمس سنين حتي قتل عبيدالله بن زياد، و عن فاطمة بنت علي، أميرالمؤمنين، عليه السلام أنها قالت ما تحنأت امرأة منا و لا أجالت في عينيها مرودا و لا امتشطت حتي بعث المختار برأس عبيدالله بن زياد.

و مات المختار بعد أن قتل كل من شارك في قتل الامام الحسين و آل بيته، قتل في منتصف رمضان عام 67 ه، في قصر الامارة حيث حاصره مصعب بن الزبير و من معه أربعة أشهر، ثم طلب المختار لرجاله الأمان، فأبي مصعب، و بالغ المختار في النقمة فقتل و أحرق و مزق و هدم الدور و تعقب الهاربين، و جوزي كل من قاتل أو ضارب أو ناهب بكفاء عمله، و مات مئات من رؤوسهم بهذه المثلات و ألوف من جندهم و أتباعهم مغرقين في النهر أو مطاردين الي حيث لا وزر لهم و لا شفاعة، فكان بلاؤهم بالمختار عدلا، لا رحمة فيه، و ما نحسب قسوة بالآثمين سلمت من اللوم أو بلغت من الغدر ما بلغته قسوة المختار، و ظلت العدالة الالهية تتعقب المجرمين علي مر الزمان، حتي في ذرياتهم، فقد حدث في الكوفة مرض الجدري في احدي السنين، فأصاب أهلها و عمي بسببه ألف و خمسمائة ممن حضروا مقتل الامام الحسين، و قبل ذلك، و في عام 65 ه، حدث الطاعون الجارف بالبصرة فهلك به خلق كثير، حتي أن أم أمير البصرة عبيدالله بن معمر ماتت في هذا الطاعون، فما وجدوا لها من يحملها حتي استأجروا لها أربعة علوج، فحملوها الي حفرتها، و هو الأمير يؤمئذ.