بازگشت

حركة المختار الثقفي


تولي المختار بن أبي عبيد بن عوف الثقفي حركة التوابين بعد معركة عين الوردة، و مقتل سليمان بن صرد، و المختار الثقفي هذا لم يكن في أول الأمر محبا لآل البيت، بل انه هو الذي حاول اغراء عمه سعد بن منصور الثقفي، و الي المدائن من قبل الامام الحسن، بتسليم الحسن الي معاوية بن أبي


سفيان، فنهره عمه و لعنه، و لكنه سرعان ما أصبح، بعد مقتل مسلم بن عقيل، ناقما علي بني أمية، فانضم الي ابن الزبير، ثم تركه الي الكوفة داعيا الي «محمد بن الحنفية بن الامام علي»، بعد رفض «علي زين العابدين بن الحسين» لذلك، مظهرا التشيع للامام الحسين، حتي استحوذ عليها و أخرج منها عامل ابن الزبير، و دخل قصر الامارة بالكوفة و طلب البيعة من الناس و قال «تبايعوني علي كتاب الله و سنة نبيه و الطلب بدماء أهل البيت و الدفع عن الضعفاء، و قتال من قاتلنا و سلم من سالمنا و الوفاء ببيعتنا لا نقيلكم و لا نستقيلكم»، و قتال من قاتلنا و سلم من سالمنا و الوفاء ببيعتنا لا نقيلكم و لا نستقيلكم»، و هكذا سلط الله علي قتلة الامام الحسين، المختار الثقفي، فأهاب بأهل الكوفة أن يكفروا عن تقصيرهم في نصرته، و أن يتعاهدوا علي الأخذ بثأره، فلا يبقين من قاتله أحد ينعم بالحياة، و هو دفين مذال القبر في العراء، فكان المختار هذا كفؤا في النقمة و النكال يغل حديدهم بحديده، و يكيل لهم بالكيل الذي يعرفونه.

و بدأ المختار يتجب الي الناس بحسن السيرة، و وجد في بيت المال تسعة آلاف ألف، فأعطي الجيش الذي حضر معه القتال نفقات كثيرة، و قرب أشراف الناس فكانوا جلساءه، و استجمعت له الشيعة، بعد أن أذن لهم ابن الحنفية، فبايعه اثنا عشر ألفا، منهم الشعبي و أبوه، و ابراهيم بن الأشتر، فضلا عن كثير من أمراء النواحي و البلدان و الأقاليم في العراق و خراسان، و سرعان ما اشتبكت قواته مع قوات عبدالملك بن مروان، الذي خلف أباه مروان بن الحكم في رمضان عام 65 ه، و ذلك في أطراف أرض الموصل مما يلي الكوفة في معركة حامية يوم عرفة عام 66 ه، ثم في اليوم التالي، يوم عيد الأضحي، و كتب فيها نصر مؤزر لقوات المختار علي قوات الشام، و أسروا منهم ثلاثمائة، ضربت أعناقهم، غير أن أهل الكوفة علموا أن عبيدالله بن زياد في طريقه اليهم في ثمانين ألفا من أهل الشام، و عنئذ، و كعادتهم، نقضوا عهدهم للمختار، و خرجوا عليه ترضية لابن زياد، و لكن المختار هزمهم بعد معركة ضروس عرفت باسم «جبانة السبيع» في يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة عام 66 ه،


و أسر منهم زهاء خمسمائة، فلما عرضوا عليه قال: «أنظروا من كان منهم شهد مقتل الحسين فاقتلوه» فقتلوا منهم 284 رجلا، ثم نادي منادي المختار «من أغلق داره فهو آمن، الا من شرك في دماء آل محمد صلي الله عليه و سلم»، و عظم المختار في أعين الكثيرين من أهل الكوفة، في حين خرج منها كل من له صلة بمقتل الامام الحسين، عليه السلام، فرارا بحياته من القتل، و لكن المختار استمر في تتبعهم واحدا بعد الآخر، حتي استأصل شأفة معظمهم، و لم ينج منهم الا القليل، فمنهم من أدركته عدالة السماء، فلقي جزاءه بعد حين، و منهم من انقطعت أخباره فلم يعرف له مصير، و منهم عمرو بن الحجاج قائد ميمنة اللئام في معركة كربلاء، و الذي ركب راحلته فهرب، فلا يدري أحد أي أرض بخسته أم سماء حصبته.

و أما «شمر بن ذي الجوشن» رجس البشرية كلها، و قد رأينا دوره في مأساة كربلاء كاملا، فلقد اتجهت اليه أنظار الثأر و الانتقام، و تمكن رجال المختار منه فقتلوه، و هو عريان، ثم تناولوا جثته البرصاء، فأطأوا الخيل صدره و ظهره، كما فعل بمولانا الامام الحسين، ثم تركوه أشلاء نهبا للكلاب، و أما خولي بن يزيد الأصبحي، حامل رأس الامام الحسين الي ابن زياد، فلقد ذهب اليه حرس المختار في داره فخرجت اليهم امرأته فسألوا عنه فقالت لا أدري أين هو، ثم أشارت الي المكان الذي هو فيه مختبي ء، و كانت تبغضه من ليلة قدم برأس الامام الحسين، فأخرجوه و جاءوا به الي المختار، فأمره برده الي داره و قتله بجانب أهله و هم يشهدون، ثم أحرقت جثثه و صارت رمادا، و أما حكيم بن الطفيل الطائي الذي رمي الامام بسهم، و كان يقول: تعلق سهمي بسر باله و ما ضره، و أصاب سلب العباس بن علي، و قد استغاث أهله بعدي بن حاتم الطائي، فقتله الشيعة قبل أن يصل الي المختار خشية أن يقبل شفاعة عدي فيه، فرموه بالسهام حتي صار كأنه القنفذ لكثرة ما رشق فيه من نبال، و أما سنان بن أن أنس الذي احتز الرأس الشريف و حملها الي ابن زياد مفاخرا بما اقترف، و طلب منه أجر ما اكتسب من اثم، فان الله جعل هلاكه علي يد من اقترف الاثم له،


و هو ابن زياد، الذي غضب له حين أنشده شعرا يمجد فيه الامام الحسين و نسبه، فأمر بضرب عنقه.

و أما مالك بن النسير الكندي الذي سلب برنس الامام الحسين، فيما أخذه من أسلاب، و رجع الي بيته و أقبل يغسله من الدماء التي علقت به، فصاحت به امرأته مستنكرة: «أسلب ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم تدخل بيتي، أخرجه عني»، و قد ظن اللئيم أن ما سلبه من الامام سيغنيه أبد الدهر، و لكن الشقي عاش بقية عمره في فقر وبؤس، حتي وقع يد المختار، مع اثنين من المجرمين، عبيدالله بن أسيد الجهني، و حمل بن مالك المحاربي، فقال لهم المختار: أين الحسين بن علي، أدوا الي الحسين، قتلتم من أمرتم بالصلاة عليه في الصلاة، فقالوا: رحمك الله، بعثنا و نحن كارهون، فامنن علينا و استبقنا، فقال المختار: فهلا مننتم علي الحسين بن بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم و استبقيتموه و سقيتموه، ثم التفت الي الكندي و قال له: أنت صاحب برنسه، فلما قيل للمختار انه هو، قال: اقطعوا يدي هذا و رجليه، و دعوه فليضطرب حتي يموت، فلم يزل الشيقي تنزف دماؤه حتي مات، بينما أخذ الرجلان الآخران فضربت أعناقهما.

و قبض رجال المختار علي أصحاب الورس الأربعة، زياد بن مالك الضبعي و عمران بن خالد القشيري و عبدالرحمن بن أبي خشكارة البجلي و عبدالله بن قيس الخولاني، و كانوا قد نهبوا الورس الذي كان مع الامام الحسين، فلما جي ء بهم أمامه قال لهم: يا قتلة الصالحين و قتلة سيد شباب أهل الجنة، ألا ترون أن الله قد أقاد منكم اليوم، لقد جاءكم الورس بيوم نحس، ثم أمر بهم فأخرجوا الي السوق فضربت أعناقهم، ثم أحضر الحجاج عبدالله و عبدالرحمن ابني الطلحة، و عبدالله بن وهيب الهمداني ابن عم الأعشي فقتلهم، و أحضر عثمان بن خالد الجهني، و أبا أسماء بشر بن شميط القابضي، و كانا مشتركين في قتل عبدالرحمن بن عقيل، و في سلبه، فقتلهما و حرقهما بالنار، و طلب المختار عمرو بن صبيح الصدائي، و كان يقول طعنت فيهم و ما قتلت


منهم أحدا، فأحضر الي المختار و طعن بالرماح حتي مات.

و هناك مجموعة أخري انتقم الله منهم، علي غير يد المختار، يروي الطبري أن عبدالله بن الحصين نادي الامام الحسين، وقت محاربتهم له و منعه الماء عنه، قائلا يا حسين: ألا تنظر الي الماء كأنه كبد السماء، و الله لا تذوق منه قطرة حتي تموت عطشا، فقال الامام الحسين: اللهم اقتله عطشا، و لا تغفر له أبدا، فكان ذلك الخبيث يشرب الماء حتي يبغر حتي يقي ء، يم يعود فيشرب حتي يبغر، فيما يروي، و ما زال هذا دأبه حتي هلك، و روي الطبري و ابن كثير، أن عبدالله بن حوزة كان يتقدم الصفوف أثناء معركة كربلاء و ينادي: يا حسين أبشر بالنار، فأجابه الامام: كلا ويحك، اني أقدم علي رب غفور، و شفيع مطاع، فمن أنت، فأجابه: أنا ابن حوزة، فدعا عليه الامام قائلا: اللهم حزه الي النار، فغضب ابن حوزة و أراد أن يدفع فرسه نحو الامام، فجالت فسقط عنها، و بقي جانب معه معلقا بالركاب، فشد عليه مسلم بن عوسجة، من أصحاب الامام، و ضربه ضربة أطارت رجله اليمني، ثم جمحت به فرسه، فما مر بحجر الا أصابه في رأسه، حتي مات في أبشع صورة بعد أن تناثرت عظام رأسه، و أما الحصين بن تميم، فقد حال بين الامام و الماء، و لم يكد الامام يتناول غرفة من الماء بعد جهد جهيد حتي رماه بسهم وقع في فمه و أسال دمه، فدعا عليه الامام، فعاش بعد ذلك لا يروي من ظمأ، فكلما شرب ماء أو لبنا ازداد ظمؤه، فكان يصيح: أسقوني ويلكم فلقد قتلني الظمأ، و ظل كذلك حتي انقدت بطنه انقداد البعير، و مات علي هذا الحال، و أما عمرو بن سعد الأزدي الذي قتل القاسم بن الحسن، و هو غلام لم يبلغ الحلم، فشد عليه و ضرب رأسه بالسيف، فاستغاث الصبي بعمه الامام الحسين، فشد الامام عليه و ضربه بالسيف، ثم تقدمت خيل ابن زياد لانقاذه، في الوقت الذي اتجه عمرو اليها، فاستقبلته الخيل بصدورها و حركت حوافرها، و جالت بفرسانها عليه، فوطأته حتي مات أشنع ميتة، و باء بغضب الله و ملائكته و الناس أجمعين.