بازگشت

حركة التوابين في الكوفة


لم يمض الا قليل علي مذبحة كربلاء، حتي أحس أهل الكوفة بعقدة الذنب تجاه موقفهم من الامام الحسين و آل البيت الطاهرين، فهم قد أخطأوا خطأ عظيما في حق الامام حين دعوه فلما جاءهم تخاذل أخيارهم عن نصرته، و عاون أشرارهم علي حربه، حتي قضي شهيدا، و في عام 65 بدأ التفكير في الكفارة عن هذا الذنب العظيم، ففريق تحول عن الكوفة حتي يبعد عن تلك البقعة المشئومة، الملوثة بدماء سيد شباب هل الجنة عليه السلام، و دماء آل البيت و أنصارهم، رضي الله عنهم أجمعين، و من هؤلاء عبدالرحمن النهدي


الذي تحول عن الكوفة الي البصرة و قال «لا أسكن بلدا قتل فيه ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم»، و أما الفريق الآخر، و هم الأكثر عددا، و أعظم ايجابية، فقد رأوا ألا كفارة لما ارتكبوا من اثم، سوي الاستماتة دون ثأره، و قتل قتلته، فذهبوا الي قبره، و صاحوا طالبين التوبة و المغفرة من الله و سموا أنفسهم «التوابين»، و تزعم هذه الحركة خمسة من زعماء الشيعة هم: سليمان بن صرد الخزاعي، و كان صحابيا جليلا، جميلا عابدا، ذا شرف في قومه، و روي عن النبي صلي الله عليه و سلم أحاديث في الصحيحين، ثم تحول الي الكوفة بعد انتقال النبي صلي الله عليه و سلم الي الرفيق الأعلي، و شهد مع الامام علي، كرم الله وجهه في الجنة، الجمل و صفين، و كان من الذين كتبوا الي الحسين أن يقدم الكوفة، غير أنه لم يقاتل معه خوفا من ابن زياد، و أما الأربعة الآخرون فهم المسيب بن نجية الفزاري، و عبدالله بن سعد بن نفيل الأزدي و عبدالله بن والي التميمي، و رفاعة بن شداد البجلي، و تولي زعامة حزب التوابين سليمان بن صرد، الذي سمي «أمير التوابين»، فأخذ يعد القوم سرا ليوم اللقاء، و الأخذ بثأر الامام الحسين.

و أخيرا، و بعد مضي عام من موت يزيد، بعث أمير التوابين الي أصحابه أن يأتوه الي النخيلة، فخرج اليهم، فلم تعجبه قلتهم، فأرسل حكيم بن منقذ الكندي و الوليد بن غضين الكنائي في خيل فنايا في الكوفة «يا لثارات الحسين» فكانا أول خلق دعا يا لثأرات الحسين، فأصبح من الغد و قد أتاه نحو مما في عسكره ثم نظر في ديوانه فوجد من بايعه ستة عشر ألفا، وفاه منه أربعة آلاف، فأقام بالنخيلة ثلاثا يبعت ثقاته الي من تخلف عنه فخرج اليه نحوا من ألف رجل، سار بهم من النخيلة عشية الخميس لخمس مضين من ربيع الآخر عام 65 ه، و قد بلغه اقبال عبيدالله بن زياد من الشام في جنود كثيرة، و ما أن وصل سليمان دار الأهواز حتي تخلف عنه خلق كثير، ثم اتجه بجيشه الي قبر الامام الحسين، و طبقا لرواية ابن الأثير، فما أن وصلوا الي القبر الشريف حتي صاحوا صيحة واحدة، فما رؤي أكثر باكيا من ذلك اليوم، فترحموا عليه و تابوا عنده من خذلانه و ترك القتال معه، و يقول الطبري: لما انتهي سليمان بن صرد و أصحابه


الي قبر الامام الحسين نادوا صيحة واحدة: «يا رب انا قد خذلنا ابن بنت نبينا فاغفر لنا ما مضي منا و تب علينا انك التواب الرحيم، و ارحم حسينا و أصحابه الشهداء الصديقين، و انا نشهدك يا رب أنا علي مثل ما قتلوا عليه، فان لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين»، ثم أقاموا عنده يوما و ليلة يبكون و يتضرعون و يترحمون عليه و علي أصحابه.

و اتجه سليمان بجيشه نحو الشام حتي اذا ما وصلوا الي «عين الوردة» دارت رحي الحرب بينهم و بين جند الشام، و أبلي التوابون بلاء حسنا، فكان النصر لهم أول الأمر، غير أن ابن زياد سرعان ما أمد جيش الشام باثني عشر ألفا بقيادة الحصين بن نمير، ثم بثمانية آلاف بقيادة ابن ذي الكلاع، فأحاطوا بالتوابين من كل جانب، و رأي سليمان ما يلقي أصحابه من شدة، فترجل عن فرسه، و هو يومئذ في الثالثة و التسعين من عمره، و كسر جفن سيفه، و صاح بأصحابه «يا عباد الله من أراد البكور الي ربه و التوبة من ذنبه و الوفاء بعهده، فليأت الي»، و من ثم فقد استجاب له الكثير، و حذوا حذوه، و كسروا جفون سيوفهم و قتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة، حتي أصيب أميرهم سليمان بسهم فوثب و وقع ثم وثب و وقع، و هو يقل «فزت و رب الكعبة» و حمل الراية بعده المسيب بن نجية، فقاتل بها حتي استشهد، رحمه الله، و انتهت المعركة الي جانب أهل الشام، بعد أن ترك التوابون أمثلة رائعة للبطولة و الفداء التي استمدت روحها من مواقف الامام الحسين و أهل بيته و أصحابه، و التي صداها في النفوس، و أثرها القوي في التاريخ الانساني كله.