بازگشت

ثورة ابن الزبير في مكة


لم يمض الا قليل علي مذبحة كربلاء التي راح ضحيتها شباب آل البيت، ما علي وجه الأرض خير منهم، و علي رأسهم الامام الحسين، حتي أعلنت مكة الثورة علي الطاغية القابع في قصر الخضراء، و زاد من غضب المكيين ما فعله الثام من جيش الشام بحرم رسول الله صلي الله عليه و سلم، و أخذ عبدالله بن الزبير يحرض


الناس علي القتال، و طبقا لرواية الطبري و ابن كثير، فقد خطبهم قائلا «أفبعد الحسين نطمئن الي هؤلاء القوم و نصدق قولهم و نقبل لهم عهدا، لا، و لا نراهم لذلك أهلا، أما و الله لقد قتلوه، طويلا بالليل قيامه، كثيرا في النهار صيامه، أما و الله ما كان يستبدل بالقرآن الغناء و الملاهي، و لا بالبكاء من خشية الله، اللغو و الحداء، و لا بالصيام شرب المدام، و أكل الحرام، و لا بالجلوس في حلق الذكر الصيد، فسوف يلقي غيا»، و أرسل اليهم سفاحه مسلم بن عقبة ليفعل بمكة المكرمة ما فعله بالمدينة المنورة، و لكنه هلك في الطريق، و تعقبه بعض الموتورين من أهل المدينة فنبشوا قبره و أحرقوه، و تولي قيادة جيش الشر بعده الحصين بن نمير، فحاصر البلد الحرام حصارا شديدا طوال شهرين كاملين، و أقام المجانيق تجاه الكعبة المشرفة ترميها بالأحجار و النيران، حتي تهدمت جدرانها، و احترقت أستارها و أخشابها، و لم تنج المدينة المقدسة الا بهلاك يزيد، مشبعا باللعنات من كل حر أبي، من خاصة المسلمين و عامتهم.

و روي اليعقوبي في تاريخه أن عبدالله بن عمير الليثي قاضي ابن الزبير كان اذا تواقف الفريقان، قام علي الكعبة فنادي بأعلي صوته: يا أهل الشام، هذا حرم الله الذي كان مأمنا في الجاهلية يأمن فيه الطير و الصيد، فاتقوا الله يا أهل الشام، فيصيح الشاميون: الطاعة الطاعة، الكرة الكرة، الرواح قبل المساء، فلم يزل علي ذلك حتي أحرقت الكعبة، فقال أصحاب ابن الزبير: نطفي ء النار، فمنعهم، و أراد أن يغضب الناس للكعبة، فقال بعض أهل الشام: ان الحرمة و الطاعة اجتمعتا، فغلبت الطاعة الحرمة، و كان حريق الكعبة في سنة 63 ه.

و روي المسعودي أنه أثناء ضرب الكعبة المشرفة بالمجانيق و العرادات، و رميها مع الأحجار بالنار و النفط و مشاقات الكتان و غير ذلك من المحروقات، حتي انهدمت الكعبة و احترقت البنية، وقعت صاعقة فأحرقت من أصحاب المجانيق أحد عشر رجلا، و قيل أكثر من ذلك يوم السبت لثلاث خلون من شهر ربيع الأول عام 64 ه، ثم يقول: و ليزيد أخبار عجيبة و مثالب كثيرة، من شرب


الخمر، و قتل ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم، و لعن الوصي، و هدم البيت و احراقه، و سفك الدماء، و الفسق و الفجور، و غير ذلك مما ورد فيه الوعيد باليأس من غفرانه كوروده فيمن جحد توحيده، و خالف رسله...).

و في الواقع فلقد كان حصار ابن الزبير بمكة، كما يقول الدكتور طه حسين، و المضي في هذا الحصار حتي يستسلم ابن الزبير مقنع ليزيد و أصحابه، و لكن جيش يزيد أبي الا أن ينتهكت حرمة مكة، كما انتهت حرمة المدينة قبلها، و أسخط يزيد علي نفسه بذلك أهل الحجاز و عامة المسلمين، كما أسخطهم من قبل بقتل الامام الحسين و آل البيت، و الغريب المنكر من هذا كله هو تجاوز الحدود و الغلو في الاثم، فقد كانت السياسة تقتضي أن يقاتل الخارجون علي يزيد حتي يقتلوا أو يفئوا الي طاعته، فأما المثلة و انتهاك الحرمات ففظائع لا ينكرها الدين وحده، و انما تنكرها السياسية أيضا، و تنكرها السنة العربية المعروفة، و هي بعد ذلك تحفظ الصدور و تملاء القلوب ضغينة و حقدا، و قد أحفظ يزيد أهل الجماعة أنفسهم، بعد أن أحفظ قلوب غيرهم من الشيعة و الخوارج، ثم لم تكمن عاقبة هذا كله علي آل أبي سفيان، الا خروج المك منهم و انتقاله الي غيرهم، فقد مات يزيد، و لما يملك الا أقل من أربع سنين، قتلته لذته أشنع قتلة، فقد كان فيما يقول الرواة، يسابق قردا فسقط عن فرسه سقطة كان فيها الموت في صفر عام 64 ه.