بازگشت

قبر الامام الحسين


لم يختلف المؤرخون في مكان جسد الامام الحسين، بضعة النبي و سبطه و ريحانته، و انما يتفقون جميعا علي أنه دفن في مكان استشهاده في كربلاء، و كما أشرنا من قبل، فلقد انصرف عمر بن سعد بن أبي وقاص، قائد جيش اللئام، بعد مذبحة آل البيت في كربلاء، و ارسال رؤوس الشهداء الي ابن زياد، و قد أخذ معه بقية أهل البيت من النساء و الصبيان، تاركا خلفه أشلاء الشهداء مبعثرة في العراء، و من ثم فقد خرج قوم من بني أسد، من أهل الغاضرية، فصلوا علي الامام الحسين و أصحابه، ثم دفنوهم، و طبقا لرواية الشيخ المفيد في «الارشاد» فلقد دفنوا سيدنا الحسين، حيث قبره الآن، و دفنوا ابنه علي الأكبر عند رجليه، ثم حفروا للشهداء من آل البيت و أنصارهم، مما يلي رجلي الامام الحسين، عليه السلام، فدفنوهم جميعا، ما عدا العباس بن علي، فقد دفن في موضعه الذي قتل فيه علي طريق الغاضرية، حيث قبره الآن، كما روي ابن الأثير أن الامام الحسين قتل في كربلاء من أرض العراق، و قبره مشهور يزار.

هذا و قد أقيم حول مدفن الامام الحسين مشهد عظيم بكربلاء، كان قبلة الزائرين من محبي آل البيت الطاهرين، حتي عام 236 ه، حيث أمر المتوكل


بهدم ذلك المشهد و منع الناس من التردد عليه، و قد روي المسعودي و أبوالفرج أن الخليفة العباسي المتوكل (247 - 232 ه) كان شديد الوطأة علي آل أبي طالب، غليظا علي جماعتهم، و كان وزيره عبيدالله بن يحيي بن خاقان، علي سنته، و من ثم فقد حسن له كل قبيح من معاملتهم، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله، و في عام 236 ه (851 م) أمر بهدم قبر الامام الحسين، و محو أرضه و ازالة أثره، و جعل عقاب من يزوره القتل، و هكذا بعث أحد رجاله و يدعي «الديزج» أو «الذيرج»، و كان يهوديا فأسلم، لهدم قبر سيدنا الامام الحسين، فامتنع الناس عن ذلك، رغم كل الاغراءات المادية، و من ثم فقد أحضر قوما من اليهود، فكربوه، و أجري الماء حوله، و وكل به مسالح بين كل مسلحتين ميل، لا يزوره زائرا الا أخذوه اليه، و وكل به مسالح بين كل مسلحتين ميل، لا يزوره زائرا الا أخذوه اليه، و روي الطبري أن المتوكل أمر عام 236 ه بهدم قبر الحسين و هدم ما حوله من المنازل و الدور، وأن يحرث و يبذر و يسقي موضع قبره، و أن يمنع الناس من اتيانه، و أن صاحب الشرطة نادي من الناحية «من وجدناه عند قبر الحسين بعد ثلاثة بعثنا به الي المطبق» فهرب الناس و امتنعوا من المصير اليه، و حرث ذلك الموضع و زرع ما حوله»، و كان لذلك أسوأ الأثر في نفوس الناس، فأطلقوا ألسنتهم في المتوكل و كتبوا شتمه علي الحيطان و المساجد، مهجاه كثير من الشعراء، و منهم الشاعر المعروف بالبسامي، حيث قال فيه:



تالله ان كانت أمية قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما



فلقد أتاه بنو أبيه بمثله

هذا لعمرك قبره مهدوما



أسفوا علي أن لا يكونوا شاركوا

هي قتله فتبعوه رميما



هذا و قد روي أبوالفرج عن محمد بن الحسين الأشفاني، أن عهده بعد بزيارة قبر الحسين، ثم ساعده عطار علي ذلك، تكمن النهار و تسير الليل حتي وصل نواحي العاضرية و خرج نصف الليل حتي أتي القبر الشريف، فخفي عليه فجعل يشمه و يتحراه، بعد أن ضاعت كل المعالم، فلما وصل المكان شم رائحة ما شم مثلها من قبل، و لما سأل العطار عن


هذه الرائحة أخبره أنه لم يشم مثلها من قبل، ثم جعلا علامة علي القبر الشريف، فلما قتل المعتصم اجتمع مع جماعة من الطالبيين و الشيعة و أخرجوا تلك العلامات و بنوا القبر الشريف من جديد، و يضيف المسعودي أنه في خلافة المستنصر أمن الناس و كف عن آل أبي طالب، و لم يمنع أحد من زيادة قبر الامام الحسين أو أبيه الامام علي، و روي ابن كثير عن ابن الكلبي أن الماء لما أجري علي قبر الحسين ليمحي أثره نضب الماء بعد أربعين يوما، فجاء أعرابي من بني أسد فجعل يأخذ قبضة و يشمها حتي وقع علي قبر الحسين فبكي و قال: بأبي و أمي، ما كان أطيبك و أطيب تربتك ثم أنشد يقول:



أرادوا أن يخفوا قبره عن عدوه

فطيب القبر دل علي القبر



هذا و قد وصف ابن بطوطة الذي عاش في القرن الثامن الهجري رحلته الي كربلاء فقال: سافرنا الي مدينة كربلاء مشهد الحسين بن علي عليه السلام، و هي مدينة صغيرة تحفها حدائق النخيل و يسقيها ماء الفرات، و الروضة المقدسة داخلها، و عليها مدرسة عظيمة، و زاوية كريمة فيها الطعم للوارد و الصادر، و علي باب الروضة الحجاب و القوصة لا يدخل أحد الا عن اذنهم، فيقبل العتبة الشريفة و هي من الفضة، و علي الضريح المقدس قناديل الذهب و الفضة و علي الأبواب أستار الحرير.

و أما الخليفة المتوكل فلقد لقي جزاء عدائه لآل البيت الطاهرين، فلم تمض سنوات حتي لقي مصرعه في ثالث أيام عيد الفطر عام 247 ه (861 م) و هو في لهوه و شرابه بين ندمائه و مغنياته، و كان قتل علي يد أقرب الناس اليه، ابنه المنتصر بالله، الذي أمن الناس، كما يقول المسعودي، و تقدم بالكف عن آل أبي طالب و ترك البحث عن أخبارهم، و أن لا يمنع أحد زيارة الخيرة لقبر الامام الحسين رضي الله عنه و لا قبر غيره من آل أبي طالب، و أمر برد «فدك» الي ولد الحسين، و أطلق أوقاف آل أبي طالب، و ترك التعرض لشيعتهم و دفع الأزدي عنهم.