بازگشت

الرأس الشريف بالمشهد الحسيني بالقاهرة


لا ريب في أن كثيرا من المؤرخين القدامي و المحدثين، فضلا عن كثير من رجال الدين و الفكر في هذا العصر و ما سبقه من عصور، انما يؤكدون أن رأس سيدنا و مولانا الامام الحسين عليه السلام، انما هي بالمشهد الحسيني، بالقاهرة، و أنها قد نقلت الي القاهرة من عسقلان، و ان ذهبت آراء الي أن الرأس الشريف جي ء به الي مصر منذ البداية، و لا ريب كذلك في أن هناك من يعارضون هذه الآراء، و أغلبهم من علماء الشام و ممن يرون في المزارات نفسها، سواء أكانت مشهد الامام الحسين أو غيره، رأيا يختلف عن رأي كثير من المسلمين في هذه المزارات، و انني لأميل الي مناقشة رأي المعارضين لوجود رأس الامام الحسين بمشهده المعروف بالقاهرة، قبل مؤيديه، و لعل أهم هؤلاء المعارضين هو الامام ابن تيمية (728 - 661 ه) و الحافظ ابن كثير (ت 774 ه).

«أ» رأي المعارضين: لعل ابن تيمية انما علي قمة المعارضين لوجود الرأس الشريف بالقاهرة، و له في ذلك رسالة ضمن الرسائل المعروفة باسمه، أعيد نشرها حديثا عام 1977 م بالقاهرة تحت عنوان «رأس الحسين» و خلاصة ما جاء فيها أن المشهد المنسوب الي الحسين بن علي، رضي الله عنه، بالقاهرة كذب مختلق بلا نزاع بين العلماء المعروفين عند أهل العلم، و لا يعرف عالم مسمي معروف بعلم و صدق أنه قال هذا المشهد صحيح، و انما يذكره بعض الناس قولا عمن لا يعرف، علي عادة من يحكي من مقالات الرافضة و أمثالهم من أهل الكذب، ثم يذكر بعد ذلك أن مشهد القاهرة بني عام بضع و أربعين و خمسمائة، و أنه نقل بمشهد بعسقلان، و أن ذلك المشهد بعسقلان كان قد أحدث بعد


التسعين و أربعمائة، فأصل هذا المشهد القاهري ذلك المشهد العسقلاني، و هو محدث بعد مقتل الحسين بأكثر من أربعمائة و ثلاثين سنة، و هذا بعد مقتله بقريب من خمسمائة سنة.

و اذا كان أصل هذا المشهد القاهري هو ما نقل عن المشهد العسقلاني باتفاق الناس و النقل المتواتر، فمن المعلوم أن قول القائل ان ذلك الذي بعسقلان هو مبني علي رأس الحسين رضي الله عنه قول بلا حجة أصلا، فان هذا لم ينقله أحد من أهل العلم الذين من شأنهم نقل هذا، لا من أهل الحديث، و لا من علماء الأخبار و التواريخ، و لا من العلماء المصنفين في النسب، نسب قريش أو نسب بني هاشم و نحوه، و ذلك المشهد العسقلاني أحدث في آخر المائة الخامسة، لم يكن قديما و لا كان هناك مكان قبله أو نحوه مضاف الي الحسين، و لا حجر منقوش و لا نحوه مما يقال انه علامة علي ذلك، فاضافة مثل هذا الي الحسين قول بلا علم أصلا، و لا فرق بين أن يجي ء الرجل الي بعض القبور، فيدعي أن في واحد منها رأس الحسين أو نبيا من الأنبياء أو نحو ذلك مما يدعيه أهل الكذب و الضلال، و غالب ما يستند الواحد من هؤلاء أن يدعي أنه رأي مناما أو علامة تدل علي صلاح ساكن القبر، اما رائحة طيبة، و اما توهم خرق عادة و نحو ذلك، و رائي المنام غالبا ما يكون كاذبا، و بتقدير صدقه فقد يكون الذي أخبره بذلك الشيطان، و كان من الشيوخ المعروفين بالعلم و الدين بالقاهرة من ذكروا عنه أنه قال هو قبر نصراني، و هذا غير مستبعد، فان اليهود و النصاري هم السابقون في تعظيم القبور و المشاهد.

و اذا كان ذلك المشهد العسقلاني قد قال طائفة انه قبر بعض النصاري أو بعض الحواريين، و ليس معنا يدل علي أن يكون قبرا لرأس الحسين، كان قول من قال انه قبر مسلم، الحسين أو غيره، قولا مردودا علي قائله، فهذا كاف في المنع من أن يقال هذا مشهد الحسين.

ثم ينتهي ابن تيمية الي النتيجة التالية: نحن نقول و نجزم بأنه ليس رأس الحسين، و لا كان ذلك المشهد العسقلاني، مشهدا للحسين، من وجوه متعددة،


منها تأخر الكشف عن هذا المشهد بآكثر من اربعمائة عام، و منها ان الذين جمعوا أخبار الحسين و مقتله مثل أبي الدنيا و البغوي و غيرهما، لم يذكر أحد منهم أن الرأس حمل الي عسقلان و لا الي القاهرة، و منها أن الذي ذكره من يعتمد عليه من العلماء و المؤرخين أن الرأس حمل الي المدينة و دفن عند أخيه الحسن، و منها أنه ثبت في صحيح البخاري أن الرأس حمل الي قدام عبيدالله بن زياد، و جعل ينكث بالقضيب علي ثناياه بحضرة أنس بن مالك، و في المسند أن ذلك كان بحضرة أبي برزة الأسلمي، و لكن بعض الناس و روي باسناد متقطع أن هذا النكث كان بحضرة يزيد بن معاوية، و هذا باطل، فان أبابرزة و أنس بن مالك كانا بالعراق و لم يكونا بالشام، و يزيد كان بالشام و لم يكن بالعراق حين مقتل الحسين، و منها أنه لو قدر أنه حمل الي يزيد، فأي غرض لهم في دفنه، بعسقلان، فاذا كان المراد التعفية فمثل عسقلان تظهره لكثرة من ينتابها للرباط، و ان كان بركة البقعة فلا ينظر ذلك من عدو متسحل لدمه، ثم انه من المعلوم انه دفن بالبقيع عند أمه و أخيه، و القبة التي علي العباس «هدمها الملك عبدالعزيز عام 1343 ه حين استولي علي المدينة» يقال ان فيها كذلك الحسن و علي بن الحسين و الباقر و جعفر الصادق، و أن فاطمة تحت الحائط أو قريبا من ذلك، و أن رأس الحسين هناك أيضا، و منها أن دفنه بالبقيع انما تشهد به عادة القوم، فقد كانوا في الفتن اذا قتل الرجل فيهم، لم يكن منهم، سلموا رأسه و بدنه الي أهله، كما فعل الحجاج و ابن الزبير أعظم بكثير مما كان بين الحسين و خصومه.

هذه خلاصة رأي ابن تيمية في رسالته عن «رأس الحسين» و قد أخطأ ابن تيمية، فيما يري الأستاذ حسين يوسف، في استنتاجاته من عدة وجوه، منها (أولا) أن عدم تناقل أحد من أهل العلم و الدين، في نظر ابن تيمية، للقول بوجود الرأس الشريف في عسقلان لا يكفي لبطلانه و أنه قول بلا حجة أصلا، فان اشتهار وجود الرأس الشريف في عسقلان بين جمهور المسلمين و عدم ظهور من


ينكر ذلك، قيل بناء مشهد عسقلان أو بعده، الي أن تم نقله الي القاهرة في مشهد عظيم يحف به العلماء و الكبراء و الأمراء، كل ذلك أقوي دلالة علي وجود رأس الامام الحسين من النفي الذي ذهب اليه ابن تيمية، دونما دليل أو برهان، و منها (ثانيا) أن قوله بأن رائي المنام غالبا ما يكون كاذبا، و ان صدق يكون الذي أخبره بذلك الشيطان، قول لا تقوم به حجة، و احتمال يقبل عكسه بأن يكون الرائي صادقا، و أن تكون رؤياه من الملك لا من الشيطان، و الرؤيا الصالحة جزء من النبوة، فلقد روي البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه و سلم قال «لم يبق من النبوة الا المبشرات، الرؤيا الصالحة»، و روي البخاري و مسلم عن أبي سعيد و ابن عمر أن النبي صلي الله عليه و سلم قال «الرؤيا الصالحة جزء من ستة و أربعين جزءا من النبوة»، و روي أصحاب السنن عن قتادة أن رسول الله صلي الله عليه و سلم «قال الرؤيا الصالحة من الله، و الحلم من الشيطان»، و هكذا يصف رسول الله صلي الله عليه و سلم الرؤيا بالصلاح، و أنها بشارة بخير، و أنها جزء من ستة و أربعين جزءا من النبوة، بينما لا يري فيها ابن تيمية الا الجانب السي ء فيصفها غالبا بالكذب، و لا يقدم لنا الا الظن السي ء بالناس، ليبرر بذلك ظنونه التي لم يستطع اثباتها بالأدلة و البراهين.

و منها (ثالثا) أن من قوله: ان من الشيوخ المشهورين بالعلم و الدين من قالوا: انه قبر نصراني، ادعاء يحتاج الي اثبات، فمن هم هؤلاء الشيوخ المشهورين بالعلم و الدين، و الذين قالوا ان ذلك القبر الذي ظل المسلمون يعظمونه و يجلونه مئات السنين بعسقلان، انما هو قبر نصراني؛ ثم ما هي أدلة شيوخ ابن تيمية علي أن قبر عسقلان هذا انما هو قبر نصراني، و ليس القبر الذي شرف بالرأس الشريف لسبط النبي صلي الله عليه و سلم مولانا الامام الحسين كما أجمعت الأمة علي ذلك جيلا بعد جيل، و منها (رابعا) أن قول ابن تيمية أن طائفة قالت انه قبر نصراني أو أحد الحواريين، و ليس معنا ما يدل علي أنه قبر رأس الحسين، قول فيه مغالطة لا دليل عليها، فابن تيمية لم يقدم لنا دليلا واحدا علي أن مشهد عسقلان انما هو قبر بعض النصاري أو الحواريين، في حين أن الأمة كلها تكاد تجمع علي أنه قبر رأس الامام الحسين، و لا يقلل من جديه هذه الدلالة أن بناء


المشهد جاء متأخرا بعد استشهاد الامام الحسين بأربعة قرون، و ربما كان السبب الظروف السياسة التي كانت تمر بها الدولة الاسلامية علي أيام الأمويين و العباسيين، ابن تيمية يعرف تماما موقف هؤلاء و أولئك من أبناء الزهراء، و سلالة الامام علي، هذا فضلا عن أن كثيرا من الصحابة و الصالحين و الشهداء لم تبن مشاهدهم بصورتها الأخيرة، الا بعد وفاتهم بمئات السنين، و منها «خامسا» أن كثيرا من أكابر العلماء و المؤرخين، الذين جاءوا بعد ابن تيمية أو كانوا قبله، لم ينكروا وجود الرأس الشريف بعسقلان قبل نقله الي القاهرة بل جاءت رواياتهم و أقوالهم تؤكد وجوده من هؤلاء ابن ميسر و القلقشندي و علي بن أبي بكر المشهور بالسائح الهروي و ابن اياس و سبط الجوزي، و يقول عثمان مدوخ الرأس الشريف له ثلاثة مشاهد تزار، مشهد دمشق دفن به الرأس أولا، ثم مشهد عسقلان نقل اليه الرأس من دمشق، ثم المشهد القاهري بمصر بين خان الخليلي و الجامع الأزهر.

و منها (سادسا) أننا ناقشنا من قبل وجهة النظر التي ذهبت الي أن رأس الامام الحسين قد دفن بالبقيع بالمدينة و قد أثبتنا بطلان ذلك بأدلة ذكرها المسعودي، و نعني بها تلك الرخامة التي كانت علي أيامه، و التي سجلت عليها أسماء السيدة فاطمة الزهراء و الحسن و علي زين العابدين و الباقر و جعفر الصادق، الأمر الذي دفع علماء الآثار الاسلامية الي القول بأن رأس الامام الحسين لو كانت مدفونة معهم، لما أغفل صاحب النص ذكر سيدالشهداء الامام الحسين، هذا الي أن ارسال رأس الامام الحسين الي المدينة فيه ما فيه من خطر علي بني أمية، خشية اشتعال الفتنة بها، كما أشرنا من قبل، هذا الي أن ابن تيمية نفسه يذهب الي يزيد ندم علي قتل الحسين، و لم يظهر الرضي، بل أظهر الندم، فكيف مع ذلك يأمر بأن يطاف بالرأس الشريف في البلاد ما بين الشام و المدينة، لا لشي ء الا ليدفنه في المدينة، و ما الهدف من ذلك، ألتكريم الحسين أم لزيادة التشفي و الانتقام من آل البيت خاصة، و أهل المدينة عامة، و منها (سابعا) أن ما ذكره ابن تيمية في دليله الرابع من حديث البخاري علي أن


الذي نكث الرأس الشريف بالقضيب، بحضرة أنسب بن مالك هو عبيدالله بن زياد، و أن النكث بحضرة يزيد كذب، ليس له صلة بدفن رأس الامام بعسقلان أو المدينة، و لست أدري ماذا يريد ابن تيمية من ذلك،: فهل يريد أن يقول أن الرأس الشريف لم يذهب الي دمشق أبدا، أم يريد أن يقول أن زياد أرسل الرأس الشريف الي المدينة مباشرة، أم يريد أن يبري ء يزيد بن معاوية من خطاياه، و ما أكبرها، و في كل تلك الحالات نقول مرة أخري: ما صلة ذلك كله بمكان دفن رأس الامام الحسين؟

و منها (ثامنا) أن تسأل ابن تيمية بأنه لو قدر أن الرأس الشريف حمل الي يزيد، فأي غرض لهم في دفنه في عسقلان و فيها المرابطون، فأما الدفن في عسقلان فتكاد الروايات تجمع علي أنه تم بعد فترة، و بعد موت يزيد، ثم يجب ألا ننسي أن عسقلان من أماكن الشام، و الشام كما هو معروف، حماة بني أمية، و المحاربون معهم لآل البيت، سواء علي أيام معاوية أو يزيد، و أما الخوف من المرابطين، فما أظن أن ابن تيمية كان يقصد أن يزيد كان يخشي هؤلاء المرابطين، و ما حدثنا التاريخ أن واحدا منهم ثار علي المذبحة الدنيئة التي راح ضحيتها آل بيت النبي صلي الله عليه و سلم في كربلاء فضلا عن أن جنود الشام هؤلاء هم الذين سوف يرسلهم يزيد لاستباحة حرم رسول الله صلي الله عليه و سلم في المدينة، ثم حرم الله في البلد الحرام، و أما تساؤل ابن تيمية هل كانوا يقصدون بركة البقعة، فالمعروف أن يزيد ما كان يقيم لبركة البقاع و زنا، و الا لأقام حرمة لمدينة الرسول صلي الله عليه و سلم و حرمه، و لبلد الله و الكعبة المشرفة، حيث استباح حرمة كل منهما علي حدة، و ابن تيمية نفسه، و في رسالته وقعة الحرة، و قد جاء في الصحيح عن علي عن النبي صلي الله عليه و سلم أنه قال: «المدينة حرم ما بين عائر الي كذا، من أحدث فيها حدثا أو آوي محدثا، فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا و لا عدلا»، و قال صلي الله عليه و سلم «من أراد أهل المدينة بسوء أماعه الله كما ينماع الملح في الماء».


و منها (تاسعا) قول ابن تيمية أن دفن رأس الحسين في البقيع هو ما تشهد به عادة القوم، فلقد سعي الحجاج الي قتل ابن الزبير، فلما قتله و صلبه سلمه الي أهل بيته، رغم أن ما بين الزبير و بينه من الحروب أعظم بكثير ما بين الحسين و خصومه، تلك مقارنة علم الله أن ابن تيمية لم ينصف فيها الامام الحسين أبدا، فمقتل ابن الزبير لا يمكن بحال من الأحوال أن يقارن عند المسلمين بمذبحة كربلاء التي حارب فيها 72 رجلا، جيشا قوامه أربعة الآف، فاستشهدوا جميعا، و علي رأسهم الامام الحسين و شباب آل بيت النبي صلي الله عليه و سلم، الا زين العابدين الذي أراد الله أن يبقي فيه ذرية النبي صلي الله عليه و سلم من جهة الحسين، ثم ما فعله اللئام بالشهداء بعد المذبحة الدنيئة، انما هو عار علي المسلمين الي أبد الآبدين، ثم أن نتائج مذبحة كربلاء أكبر بكثير من آثار مقتل ابن الزبير، ثم هل يقارن الامام الحسين، سبط النبي صلي الله عليه و سلم و سيد شباب أهل الجنة، و من قال النبي فيه: حسين مني و أنا من حسين، بأحد في عصره، ثم اذا كان هناك لبني أمية حجة في خروج ابن الزبير عليهم و استقلاله بكثير من أقطار الاسلام، فما هي حجتهم علي حفيد النبي صلي الله عليه و سلم و أحب أهل الأرض الي أهل السماء في عصره، هذا الي أن القوم كانوا علي أيام ابن الزبير قد بلغوا درجة من الطغيان لا يخشون معها غضب أحد من المسلمين، حتي أنهم هدموا الكعبة المشرفة، أما علي أيام الامام الحسين فكان الوضع مختلفا، و كان من المسلمين من هو علي استعداد للثورة ضدهم، كما حدث في المدينة، بل ان ثورة ابن الزبير نفسها من نتائج مذبحة كربلاء، و من ثم فالمقارنة لا تصح هنا، و بالتالي فعادة تسليم القتيل بعد قتله، كما حدث مع ابن الزبير، قياس مع الفارق.

و يأتي ابن كثير، بعد ابن تيمية، فيقول برأيه، و لكنه ينسب المشهد الحسيني الي الفاطميين فيذهب الي أن الفاطميين ادعوا أن رأس الحسين رضي الله عنه وصل الي الديار المصرية، و دفنوه بها، و بنوا عليه المشهد المشهور به بمصر، يقال له «تاج الحسين» بعد سنة خمسمائة، و قد نص غير واحد من أهل العلم علي أنه لا أصل له، وانما أرادوا أن يروجوا بذلك بطلان ما
ادعوه من نسب الشريف، و هكذا فان ابن كثير انما يبني رفضه للمشهد الحسيني بالقاهرة، علي أن الفاطميين أتوا به ليروجوا بذلك لما ادعوه من النسب الشريف، فالأمر اذن صحة نسب الفاطميين للامام الحسين أو عدم صحته، و ليس أمر وجود الرأس الشريف بالمشهد الحسيني بالقاهرة، ثم ان مسألة اشك في نسب الفاطميين التي اتخذها البعض سبيلا للشك في حقيقة الرأس الموجود بالمشهد الحسيني، ليست هي نفسها حقيقة، ذلك لأن جمهرة من المؤرخين انما تري صحة النسب، فابن الأثير يذهب في الكامل الي أنه ناقش مسألة نسب الفاطميين مع جماعة من العلويين العالمين بالأنساب، فلم يرتابوا في أن الفاطميين من أبناء علي و فاطمة، رضي الله عنهما، و المقريزي يؤمن بصحة هذا النسب، و يقول في الخطط، و كفاك بكتاب المعتضد، من خلائف بني العباس، حجة، فانه كتب في شأن عبيدالله الي ابن الأغلب بالقبروان، و ابن مدرار بسجلماسة، بالقبض علي عبدالله، فتفطن لصحة هذا الشاهد، فان المعتضد، لو لا صحة نسب عبيدالله عنده، ما كتب لمن ذكرنا بالقبض عليه، فلو كان من الأدعياء، لما مر بفكره الامامة علي ضيغة من ضياع الأرض.

«ب» رأي المؤيدين: لا ريب في أن المؤيدين لوجود رأس مولانا الامام الحسين في المشهد الحسيني بالقاهرة، انما هم جمهرة العلماء و الغالبية العظمي للمسلمين، و خلاصة و جهة نظرهم أن الرأس الشريف انما قد طيف به في البلاد حتي وصل الي عسقلان، فدفنه أميرها هناك، و بقي بها حتي استولي عليها الافرنج في الحروب الصليبية، فبذل لهم الصالح طلائع وزير الفاطميين بمصر ثلاثين ألف درهم، علي أن ينقله الي القاهرة حيث دفن بمشهده المشهور، قال الشعراني في طبقات الأولياء: ان الوزير صالح طلائع بن رزيك خرج هو و عسكر حفاة الي الصالحية، فتلقي الرأس الشريف و وضعه في كيس من الحرير الأخضر علي كرسي من الأبنوس، و فرش تحته المسك و العنبر و الطيب، و دفن في المشهد الحسيني قريبا من خال الخليلي في القبر المعروف، و قال الشيخ علي الأجهوري في رسالة «فضائل عاشوراء» ذهب جمع من أهل التاريخ الي


دفن الرأس الشريف بالمشهد المصري المعروف، و كذا قال جمع من أهل الكشف، و ان ذلك قد تم في عام 549 ه علي أيام الدولة الفاطمية، و يعتمدون في ذلك علي أدلة تاريخية كثيرة، منها «أولا» ما ذكره الفاروقي في تاريخ «ميارافين و آمد»، من أن رأس الامام الحسين رضي الله عنه بقي في عسقلان حتي عام 546 ه، فقويت الافرنج علي أهل مصر، و عزموا علي منازعة عسقلان فخرج خليفة مصر بنفسه و صحبه الي عسقلان، و كان الظافر بن الحافظ عبدالمجيد، فحمل الرأس ملفوفا في صندوق علي صدره من عسقلان الي مصر، و بني عليه مشهدا عظيما.

و منها (ثانيا) ما ذكره ابن بطوطة في رحلته المشهورة من أنه سافر الي عسقلان، و بها المشهد الشهير حيث كان رأس الحسين بن علي، عليه السلام، قبل أن ينقل الي القاهرة، و منها (ثالثا) ما ذكره علي بن أبي بكر المشهور بالسائح الهروي (ت 611 ه) في الاشارات الي أماكن الزيارات، عند الكلام عن عسقلان فقال «و بها مشهد الحسين رضي الله عنه، كان رأسه بها قبل أن ينقل الي القاهرة، فلما أخذتها الفرنج نقله المسلمون الي مدينة القاهرة سنة تسع و أربعين و خمسمائة، و منها (رابعا) ما قاله الصبان في «اسعاف الراغبين في سيرة المصطفي و فضائل أهل بيته الطاهرين»: و اختلفوا في رأس الحسين بعد مسيره الي الشام الي ابن صاروفي أي موضع استقر؟، فذهبت طائفة الي أن يزيد أمر أن يطاف برأسه الشريف في البلاد، فطيف به حتي انتهي الي عسقلان فدفنه أميرها بها، فلما غلب الافرنج علي عسقلان افتداه منهم الصالح طلائع وزير الفاطميين بمال جزيل، و مشي الي لقائه من عدة مراحل و وضعه في كيس حرير أخضر علي كرسي من خشب الأبنوس و فرش تحته المسك و الطيب و بني عليه مشهده الحسيني المعروف بالقاهرة قريبا من خان الخليلي.

و منها (خامسا) ما ذكره ابن اياس في تاريخه من أن رأس الامام الحسين نقلت في أيام الفائز من عسقلان الي القاهرة عام 549 ه، و منها (سادسا) ما قال به المقريزي في الخطط: و كان حمل الرأس الشريف الي القاهرة من عسقلان،


و وصوله اليها في يوم الأحد الثامن من جمادي الآخرة، سنة ثمان و أربعين و خمسمائة، و كان الذي وصل بالرأس الشريف من عسقلان، الأمير سيف المملكة تميم، و اليها، و القاضي المؤتمن بن مكين، و حصل في القصر يوم الثلاثاء، عاشر جمادي الآخرة، و نقل عن ابن عبد الظاهر أن ذلك في خلافة الفائز علي يد طلائع في سنة 540 ه.

و منها (سابعا) ما جاء في كتاب «مرشد الزوار الي طريق الأبرار» أن بعض العلماء ممن عاصر الفاطميين ذكر أن الرأس الذي وضع بالمشهد القاهري انما هو رأس الامام الحسين رضي الله عنه كان بعسقلان، فلما كان أيام الظاهر الفاطمي، كتب عباس الي الظاهر يقول له: أما بعد فان الفرنج أشرفوا علي أخذ عسقلان، و أن بها رأسا يقال انها رأس الحسين بن علي رضي الله عنه فأرسل اليه من تختار ليأذخه فبعث اليه مكنون الخادم في عشاري من عشاري الخدمة، فحمل الرأس من عسقلان و أرسي به في الموضع المعروف بالكافوري ممن الخليج الحاكمي فحمل و أدخل الي القصر و استقر فيه كما هو الآن، و بني الظاهر مسجد الفكهاني ليجعله فيه، و بني طلائع بن رزيك مسجدا بظاهر باب زويلة أيضا و هو المسمي بجامع الصالح ليجعله فيه، ثم اجتمع رأيهم علي يجعلوه بالقصر في قبة تعرف بقبة الديلم، و كانت دهليزا من دهاليز الخدمة، و منها (ثامنا) ما ذهب اليه البعض من أن الرأس الشريف قد طيف به في البلاد تشهيرا به حتي انتهي به حاملوه من أعدائه الي عسقلان فدفنه أمير الأمويين بها، و لما استولي الصلبيون علي عسقلان افتدي الرأس الشريف منهم الصالح طلائع وزير الفاطميين حينئذ بمال كثير، ثم حمله الي القاهرة، و بني عليه المشهد المعروف بها، و مما يثبت ذلك أن القاضي الفاضل الشاعر المصري المشهور ذكر هذا في قصيدة مدح بها الصالح، و هذا دليل تاريخي يثبت أن رأس الامام الحسين قد دفن فعلا في مشهده المعروف بالقاهرة، و منها (تاسعا) ما جاء في القريزي من أن طلائع بني مسجدا لرأس الامام الحسين خارج باب زويلة من جهة الدرب الأحمر و هو المعروف بجامع الصالح طلائع الآن، و كشف الحجب


عن تلك الذخيرة النبوية فوجد دمه لم يجف و وجد له رائحة أطيب من المسك، فغسله في المسجد المذكور علي ألواح من الخشب، و جاء في الببلاوي: بأعلي حائط مسجد الصالح طلائع ألواح الآن يقال انها هي التي كان عليها الغسل.

و تذهب الدكتورة سعاد ماهر في تعليقها علي المقريزي أنه مما لا شك فيه أن رأسا قد احضرت الي القاهرة و أنها قد غسلت في مسجد الصالح طلائع، و قد كشفت الحفائر التي أجريت عام 1945 م عن وجود مبان بجوار الجهة الشرقية للواجهة لجامع الصالح طلائع عليها كتابات أثرية منها «أدخلوها بسلام آمنين»، و مثل هذه العبارة تكتب عادة علي مداخل المدافن، و من ثم فمن المرجح أن تكون هذه الكتابات من بقايا المشهد الذي بناه الصالح طلائع مجاورا لمسجده لكي يدفن فيه رأس الحسين، كما ذكر ابن دقماق، ثم تنهي الدكتورة سعاد ماهر الي القول بوجود رأس بمشهد عسقلان، و من المرجع أن يكون هو رأس الامام الحسين، و أن هذا الرأس الشريف قد نقل الي مشهد الحسين بالقاهرة.

هذا باختصار رأي رجال التاريخ و أساتذة الآثار و الحضارة الاسلامية، و كلها تؤيد وجود رأس سيدنا و مولانا الحسين، عليه السلام، بالمشهد الحسيني بالقاهرة.

و أما أهل الحقيقة و أئمة التصوف فانهم يجمعون علي أن رأس الامام الحسين عليه السلام، قد استقر به الترحال في النهاية فعلا في مكانه الحالي بالمشهد الحسيني بالقاهرة، يرون، كشفا و شهودا، أنه دفن في كربلاء، ثم الرأس بعد ذلك بالمشهد القاهري، ذلك أن من حكم باب البرزخ الطريق ما بين الدنيا و الآخرة هو حكم الانسان أو يشبه الانسان المتدلي في تيار حار، كذلك أعضاء الانسان في عالم البرزخ يطوف الميت ذي الولاية من مكان الي آخر، و بخاصة رأس الولي، اذا كان منفصلا من جسده، و لأسباب برزخية غيبية طاف في تيار الوجوه، و انتهي الي هذا الحل من المشهد الحسيني، و هم بذلك يدعمون أقوال بعض المؤرخين، هذا و يذهب الصوفية الي أنهم يخاطبونه و يخاطبهم و يزورونه و يتلقون عنه، و بدهي أن هؤلاء السادة الشيوخ العارفين من


أهل الكشف و التجلي يدركون حقيقة وجود الرأس الشريف في المشهد الحسيني بالقاهرة الهاما و كشفا، حيث يشهدون بأرواحهم، و يلتقون مع مولانا الامام الحسين بأشياخهم، ذلك أن العبد اذا وصل الي مقام الشهود انكشفت له الحجب و أزيحت الأستار، فشاهد ما لم يشهد، و أبصر ما لم يبصر، و صار يسمع بقلبه و يري ببصيرته و يشهد بروحه.

و لسنا هنا في مقام التحدث و الاضافة في مثل هذه المواضيع، و لكن يكفي لاعطاء صورد عنها، أن يعلم المنكرون لفضل الله علي من اجتباهم مولاهم، أن الشيخ الشعراني، كما يقول الأستاذ طه سرور، الذي بلغ القمة من علوم الفقه و الحديث و التفسير و اللغة و الأصول و غيرها، كان أستاذه بعد ذلك في سلوك طريق الحق و الشهود، هو الشيخ علي الخواص، الذي يقول عنه الشعراني: ان من منن الله عليه أن كان وصوله و فتحه علي يد أمي لا يعرف القراءة و الكتابة، ثم يقول في وصفه: رجل غلب عليه الخفاء، فلا يكاد يعرفه بالولاية و العلم الا العلماء العاملون، لأنه رجل كامل عندنا بلا شك، و الكامل اذا بلغ مقام الكمال في العرفان، صار غريبا من الأكوان، هذا و قد أورد لنا الشبلنجي في «نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار» كثيرا من أقوال أهل الكشف، كما قدم لنا غير الشبلنجي كثيرا من الأدلة المختار» كثيرا من أقوال أهل الكشف، كما قدم لنا غير الشبلنجي كثيرا من الأدلة علي أن رأس الامام الحسين انما انتهي بها المطاف في أرض الكنانة، تشريفا لها و تعظيما، و تبركا بحفيد المصطفي صلي الله عليه و سلم، كما تباركت من قبل بشقيقته العقيلة الطاهرة،و ابنته السيدة فاطمة النبوية، و السيدة سكينة، و كذا السيدة نفيسة حفيدة الامام الحسن، رضوان الله عليهم و علي آل البيت أجمعين.

و أما أدلة أهل الحقيقة و أئمة التصوف علي وجود رأس الامام الحسين بالمشهد الحسيني بالقاهرة فكثيرة، منها (اولا) ما أورده المناوزي في طبقاته حيث قال: ذكر لي بعض أهل الكشف و الشهود أنه حصل له اصلاح علي أن الرأس الشريف دفن مع الجئة بكربلاء، ثم ظهر بعد ذلك بالمشهد القاهري، و ذكر أنه خاطبه منه، و هذا القول انما قد جمع بين رأي الشيعة الامامية القائل بدفن


الرأس بكربلاء، و بين قول المقريزي و من نحا نحوه بنقل الرأس الي القاهرة، منها (ثانيا) ما قاله العارف بالله العلامة الشعراني في «المنن الكبري» أخبرني يعني شيخه القطب الشيخ علي الخواص، أن رأس الامام الحسين رضي الله عنه حقيقة في المشهد الحسيني، قريبا من خان الخليلي، و أن طلائع بن رزيك، وضعها في القبر المعروف بالمشهد في كيس أخضر، ثم قال بعد ذلك في «المنن الكبري» أيضا: زرت مرة رأس الحسين بالمشهد، أنا و الشيخ شهاب الدين بن الجلبي الحنفي، و كان عنده توقف في أن رأس الاما الحسين في ذلك المكان، فثقلت رأسه فنام، فرأي شخصا كهيئة النقيب طلع من عند الرأس و ذهب الي رسول الله صلي الله عليه و سلم و ما زال بصره يتبعه حتي دخل الحجرة النبوية الشريفة، فقال يا رسول الله: أحمد بن الجلبي و عبدالوهاب زارا قبر رأس ولدك الحسين، فقال رسول الله صلي الله عليه و سلم: «اللهم تقبل منهما و اغفر لهما، و من ذلك اليوم ما ترك الشيخ شهاب الدين زيارة الرأس الشريف الي أن مات، و كان يقول: آمنت بأن رأس الحسين هنا».

و منها «ثالثا» ما نقل عن الشيخ أبي حسن التمار أنه كان اذا دخل الضريح يقول: السلام عليكم، فيسمع الجواب و عليك السلام يا أبا الحسن، فجاء يوما من الأيام فسلم، فلم يسمع الجواب برد السلام، فزار و رجع، ثم جاء مرة أخري، فسمع الجواب برد السلام فقال: يا سيدي،: جئت بالأمس فسلمت فما سمعت جوابا، فقال: يا أبا الحسن، لك المعذرة، كنت أتحدث مع جدي صلي الله عليه و السلام فلم أسمع كلامك، و منها (رابعا) ما روي عن نجم الدين الغيطي، نقلا عن شمس الدين اللقاني شيخ المالكية في عصره، أنه كان جالسا يوما بالأزهر، مع القطب الشيخ أبي المواهب التونسي، و اذا به يقوم مستعجلا، فتبعه شمس الدين و هو لا يشعر، الي أن وصل الي المشهد المبارك، فوجد انسانا واقفا علي باب الضريح الشريف، و يداه مبسوطتان بالدعاء، فلما فرغ و مسح عن وجهه بيديه، رجع الشيخ أبو المواهب، فأخبره اللقاني بأنه في ذهابه الي المسجد، و سأله عن سبب ذلك، فقال له ما رأيت، قال رأيت انسانا واقفا


علي باب الضريح يدعو، و قد وقفت خلفه، فوقفت خلفكما أدعوا أيضا، فقال أبشر يا شمس الدين، فان جميع ما دعوت به أستجيب لك، قال و من هذا الرجل، قال: القطب الغوث الجامع يأتي كل يوم، أو قال كل يوم ثلاثاء، فيزور هذا المشهد، فلما وقع عندي مجيئه في ذلك الوقت، قمت اليه و حضرت معه الزيارة، و قبلت يده، فالزم ذلك يحصل لك خير، فما زال الشيخ شمس الدين اللقاني يزور ذلك المكان الي أن مات رحمه الله.

و منها (خامسا) ما روي عن الشيخ فتح الدين أبوالفتح الغمري الشافعي أنه كان يتردد الي زيارة، فجلس يقرأ الفاتحة و دعا، فلما وصل في الدعاء الي قوله «و اجعل ثوابا مثل ذلك في صحائف سيدنا الحسين ساكن هذا الرمس»، فحصل له حال، و نظر فاذا بشخص جالس علي الضريح وقع له أنه السيد الحسين رضي الله عنه فقال في صحائف هذا، و أشار بيده اليه، فلما أتم الدعاء ذهب الي الشيخ الشعراني و أخبره بذلك، فقال له الشيخ: صدقت، و أنا وقع لي مثل ذلك، ثم ذهب الي الشيخ كريم الدين الخلوتي و أخبره بذلك فقال له: صدقت، و أنا ما زرت هذا المكان الا باذن من النبي صلي الله عليه و سلم، و منها (سادسا) ما أورده الأستاذ محمد محمود عبدالعليم في كتابه «سيدنا الامام الحسين» من أن أستاذه الشيخ عبد المقصود محمد سالم يحرص علي زيارة سيدنا الحسين كثيرا، و في أواخر أيام حياته كان يزوره كل يوم ثلاثاء في صلاة الظهر، و كان يحتفل بمولده كل عام في دار جماعة تلاوة القرآن الكريم، و كان مما رواه له أنه في احدي زياراته قال لسيدنا الحسين رضي الله عنه: السلام عليك يا أبا عبدالله الحسين، يا أميرالمؤمنين، فسمع جوابا صادرا من ضريحه يملاء جنبات المسجد: و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته.

و منها (سابعا) أن العارف بالله العلامة الشيخ صالح الجعفري انما كان يؤكد أنه رأي سيدنا الحسين أكثر من مرة في برزخة بالمشهد الحسيني، و يروي في كتابه «لا اله الا الله» أنه في احدي زياراته، و كان قد أكل سمكا مملحا و بصلا و جلس بجوار مقام سيدنا الحسين فأخذته سنة من النوم، فرأي النبي صلي الله عليه و سلم


يقول له: أتأكل هذا و تحضر عند ابني الحسين، و قد تحدث عن هذا في قصيدته «روضة القلوب و الأرواح» التي يقول فيها:



رأيت المصطفي كالبدر يأتي

يزور حسينه حينا فحينا



فزوروا مثله سبطا سميا

و كونوا مثل خير المرسلينا



و قل يا رب صل علي محمد

و آل محمد و المؤمنينا



سلام الله من قلبي اليكم

و رحمة ربنا للصادقينا



و منها (ثامنا) ما نشرته الصحف المصرية عام 1956 م من أن سلطان البهرة بالهند الدكتور سيف الدين طاهر، كان قد زار ضريح سيدنا الحسين بكربلاء، و عقد العزم علي أن يهدي اليه مقصورة فخمة من الفضة المطعمة بالذهب، فرأي الامام الحسين في منامه و قال له: ان ضريحي بكربلاء لا بأس به، و لكن أحضرها الي مقامي بالقاهرة، و قد روي سلطان البهرة هذه القصة، و يعزوا اليها السبب في اهدائه للمقصورة المقامة الآن علي ضريح الامام الحسين، و منها «تاسعا» ما يذكره الأستاذ محمد محمود عبدالعليم من أنه حدث له شخصيا، أنه في أثناء كتابته لكتابه «سيدنا الامام الحسين» عام 1403 ه، أنه رأي الامام الحسين جالسا في ضريحه يسطع في وجهه النور، و تعلوه الهيبة و الجلال، و بيده ريشة، و هو يدون تاريخ حياته، ثم أشار الي أحد حكام مصر السابقين و قال لي: لا تنسي أن تذكر أنه في عهد هذا تم احضار المقصورة و توسعة المسجد، ثم يقول: و قد أكرمني الله سبحانه و تعالي بصحبة رجال عارفين عاشقين لسيدنا الامام الحسين رضي الله عنه و سمعت منهم كثيرا، مما يؤكد أن سيدنا الحسين في مكانه هذا، و أنهم قد حظوا برؤيته، كما يروي أنه رأي في منامه شيخه عبد المقصود بعد وفاته، و هو يزور سيدنا الحسين في عديد من المرات، و أنه أدخله الضريح مرة، فرأي نورا باهرا لم ير مثله، و يعجز عن تصويره، و أن كثيرا من الكرامات قد أظهرها الله لعبده لاحسين، و استيجبت الدعوات، و انفرجت الكربات في حضرته.

و منها (عاشرا)، في كتاب «سيدنا الامام الحسين» من أن عمرا بن سعيد


والي المدينة، سأل السيدة زينب رضي الله عنها حين أجبرها الأمويون علي ترك المدينة و اختارت مصر، لماذا اخترت مصر، فأجابته: لأكون و أنا في برزخي بعد سنين ستمضي، في شرف استقبال رأس الحسين، الذي سودتم تاريخكم بدمه الطاهر البري ء»، و هذه الكرامة الخارقة التي أظهرها الله علي يد العقيلة الطاهرة، و التي تحققت بعد مئات السنين، انما تدل كذلك علي أن رأس الامام الحسين، انما هي حقيقة في مشهده بالقاهرة (و انظر: موسي محمد علي: السيدة زينب - و قد نسب الحديث الي العبيدلي النسابة في أخباره، و الحافظ ابن عساكر في تاريخه الكبير، و ابن طولون الدمشقي في الرسالة الزينبية). ثم أخيرا تلك الأنوار الربانية التي تحيط بالمشهد الحسيني، و تلك الجاذبية الخفية التي تأخذ بلألباب، و تجعل النفوس المحبة لآل البيت الطاهرين تنجذب من كل صوب في العالم الاسلامي الي هذا المكان، مما يشير دون ريب الي أن هناك قوة خفية تدفع بالمسلمين من مشارق الأرض و مغاربها لأن يقصدوا القاهرة لزيارة المشهد الحسيني، تحية منهم و اكبارا، و ليس عبادة كما يتوهم المتحذلقون، و تعبيرا عن صادق الحب و الوفاء، لأكرم الشهداء، سيدنا الامام الحسين، سبط النبي و ريحانته، و سيد شباب أهل الجنة، رغم انقضاء مئات السنين علي استشهاده، و لا ريب في أن تلك القوة الخفية حقيقة لا ريب فيها، لها اشعاعاتها التي تلمسها القلوب المخلصة، و تراها البصائر الصادقة، و أن تلك القوة الخفية، ذات التأثير المهيب الذي يستهوي القلوب، و يجتذب المشاعر و الأرواح، انما تنبع من حقيقة أن ذلك المشهد الحسيني المقدس في عاصمة الكنانة انما يضم بين جنباته بضعة من رسول الله صلي الله عليه و سلم و أن تلك البضعة الشريفة انما هي رأس سيدنا الامام الحسين التي يتوافد ملايين المسلمين اليها، يلتسمون الراحة و البركة و القبول و يرتعون في رحابها في رياض الجنات.

و ان من حظوا بزيارة لاروضة الشريفة في المدية المنورة، و شرفوا بالمثول بين يدي مولا و سيدنا رسول الله صلي الله عليه و سلم ليشعرون، اذا ما زاروا المشهد الحسيني الشريف الذي يضم رأس الامام الحسين، بما يذكرهم ببعض احساسهم و هم


في رحاب المصطفي صلي الله عليه و سلم من هيبة و محبة و اجلال و تعظيم، و يلتمسون هنا بعض ما لمسوه هناك، من أنوار و رحمات و فيوضات و تجليات و قداسة و طهارة و خشوع و جلال، تصديقا للحديث الشريف الذي أخرجه الامام الترمذي عن يعلي بن مرة عن رسول الله صلي الله عليه و سلم أنه قال «حسين مني، و أنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط»، و هكذا كانت زيارة الامام الحسين من جلائل الأعمال، روي المحب الطبري في ذخائر العقبي عن الأئمة موسي بن علي الرضا بن جعفر الصادق قال: سئل جعفر بن محمد عن زيارة قبر الحسين رضي الله عنه فقال أخبرني أبي (أي الامام محمد الباقر) أن من زار قبر الحسين، عليه السلام، عارفا بحقه، كتب الله له في عليين».