بازگشت

رأس الامام الحسين عند ابن زياد


استشهد الامام الحسين، كما أشرنا من قبل، في كربلاء في العاشر من المحرم عام 61 ه «10 أكتوبر 1680»، و سرعان ما تقدم «شمر بن ذي الجوشن» رجس البشرية، فاحتزي رأس الامام البطل، ثم احتفظ به ليقدمه هدية ولاء و خنوع لسيده الدعي ابن زياد، ثم الي سيدهما يزيد طاغية دمشق، أو أن سنان بن أنس هو الذي ارتكب تلك الخطيئة الكبري، ثم قدمها الي صاحبه «خولي بن يزيد» ليحتفظ بها، و أيا كان اسم هذا الزنيم الذي احتز الرأس الشريف عن الجسد الشريف، فان سنان بن أنس سرعان ما ركب فرسه ثم انطلق به الي فسطاط عمر بن سعد بن أبي وقاص، قائد جيش اللئام، و صاح بأعلي صوته:



أوقر ركابي فضة و ذهبا

فقد قتلت السيد المحجبا



قتلت خير الناس أما و أبا

و خيرهم اذ ينسبون نسبا



فغضب عمر بن سعد من اطرائه لنسب الامام الحسين و تمجيده لحسبه، اذ كان هو و ابن زياد يكرهان أن يذكر الناس النسب الشريف لابن بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم بالتعظيم و التمجيد، و صاح في وجهه: أشهد أنك مجنون، ثم ضربه بقضيب و قال: أتتكلم بهذا الكلام، و الله لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك.


و أمر عمر بن سعد «خولي بن يزيد» و «حميد بن مسلم الأسدي» أن يحملا الرأس الشريف الي ابن زياد بالكوفة، فحملها خولي، و لما وجد قصر الامارة مغلقا ذهب به الي بيته، و طبقا لرواية الطبري و ابن الأثير، فان امرأته «النوار بنت مالك» انما تروي أن خولي قد أقبل برأس الامام الحسين فوصعه تحت اجانة في الدار، ثم دخل الدار فقالت له: ما الخبر، ما عندك، فقال: جئتك بغني الدهر، هذا رأس الحسين معك في الدار، فصاحت به غاضبة: «جاء الناس بالذهب و الفضة، و جئت برأس ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم، لا و الله ما يجمع رأسي و رأسك بيت واحد أبدا»، و قامت المرأة المؤمنة من فراشها، حيث باتت ليلتها في صحن الدار، في حين دعا الشيقي زوجة أخري له، فأدخلها اليه، ثم تروي «النوار» بعد ذلك فتقول «و جلست أنظر، فو الله ما زلت أنظر الي نور يسطع مثل العمود من السماء الي الاجانة، و رأيت طيرا بيضا ترفرف حولها».

و سرعان ما حمل خولي هذا رأس الامام الحسين في صباح الغد الي ابن زياد، و ما أن جلس ابن زياد في قصر الامارة في الكوفة حتي اذن للناس اذنا عاما، ثم أحضرت الرؤوس الشريفة أمامه، و وضعت بجوار رأس الامام الشهيد، و أخذ اللئيم ابن زياد ينكث بين ثنيتي الامام بقضيب في يده، و الناس من حوله واجمون يعلوا وجوههم الخزي و الأسف، و يقاومون جزعهم و لا يجرؤون علي منعه أو حتي الانكار عليه، خوفا من بطشه و طغيانه، غير أن الصحابي الجليل زيد بن أرقم، و كان حاضرا هذا المجلس المنكود، سرعان ما وثب مستنكرا هذه الفعلة الدنيئة النكراء، و صاح في ابن مرجانة «اعل بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين، فو الله الذي لا اله غيره، لقد رأيت شفتي رسول الله صلي الله عليه و سلم علي هاتين الشفتين يقبلهما» ثم أجهش في البكاء و انخرط في النحيب، فاهتزت مشاعر الناس بالجزع و الاشفاق، و اشتعلت نفوسهم بالحنق و الأسي، غير أن ابن زياد الملعون أخذته العزة بالاثم، ورد علي صاحب رسول الله صلي الله عليه و سلم بقوله: أبكي الله عينيك، فو الله لو لا أنك شيخ قد خرفت و ذهب عقلك، لضربت عنقك، فخرج بن أرقم من المجلس ساخطا غاضبا و هو يهمهم و يقول «ملك عبد عبدا،


فاتخذهم تلدا، أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة، و أمرتم ابن مرجانة، فهو يقتل خياركم و يستعبد شراركم، فرضيتم بالذل، فبعدا لمن رضي بالذل»، غير أن رواية أخري تذهب الي أن صاحب رسول الله صلي الله عليه و سلم أنس بن مالك لم يطق صبرا علي أفعال ابن زياد بالرأس الشريف، فأقسم في نفسه أن يحدث الطاغية بما يسيئه، فقال «اني رأيت رسول الله صلي الله عليه و سلم يلثم حيث يقع قضيبك»، و سواء صحت الرواية أم الثانية، أم أن الروايتين قد وقعتا، فان الدعي ابن زياد لم يبال بما سمع و استمر ينكث ثنايا مولانا الامام الحسين، عليه السلام.