بازگشت

السيدة زينب و آل البيت في المدينة


استشار يزيد رجال بلاطه في أمر أهل البيت، و طبقا لرواية ابن كثير، فقد قال رجال ممن قبحهم الله: يا أميرالمؤمنين لا تتخذن من كلب سوء جروا، أقتل


علي بن الحسين، حتي لا يبقي من ذرية الحسين أحد، فسكت يزيد، فقال النعمان بن بشير: «يا أميرالمؤمنين اعمل معهم كما كان يعمل معهم رسول الله صلي الله عليه و سلم لو رآهم علي هذه الحال»، و أخيرا تحرك الموكب الحزين، و علي رأس العقيلة الطاهرة و الامام علي زين العابدين، و البقية الباقية من آل البيت الطاهرين الي مدينة جدهم الرسول صلي الله عليه و سلم، و تكاد تجمع المصادر علي صدي الأسي و الحزن الذي عم أمة محمد صلي الله عليه و سلم علي ما أصاب آل بيته، و محاولة الناس في ظلال القهر الأموي، أن يظهروا شعورهم الودي نحو آل بيت نبيهم صلي الله عليه و سلم حتي أن الرسول الذي بعث به يزيد لمصاحبة آل البيت الي المدينة المنورة، أظهر من حسن الصحبة و صدق الرعاية، و التفاني في حب آل بيت النبي صلي الله عليه و سلم و خدمتهم، ما حمل العقيلة الطاهرة و ابنة أخيها السيدة فاطمة علي أن يبعثن بما بقي معهن من حلي، تقديرا لمروءته و تفانيه في خدمة آل محمد صلي الله عليه و سلم، و لكن الرجال أبي أن يأخذ شيئا و قال كلمته التي ارتفع بها عندالله و رسوله الي فوق من ابتلي المسلمون بهم، سواء من الحاكمين في الكوفة أو في دمشق، حيث قال للعقيلة الطاهرة، فيما يروي الطبري، «لو كان الذي صنعت هو للدنيا لكان في حليكم ما يرضيني و دونه، و لكن و الله ما فعلته الا لله و لقرابتك من رسول الله صلي الله عليه و سلم»، و هكذا يتجلي الاخلاص لله، و الوفاء لرسول الله و آل بيته الكرام، و من عجب أن يحدث هذا من رجل من غمار الناس، فاذا بوالي المدينة الأموي، عمرو بن سعيد، يعلن للناس استشهاد الامام الحسين و آل بيته الطاهرين، اعلان الظافر السعيد بانتظار سيده في دمشق، و تابعه الزنيم في الكوفة.

و علي أي حال، فما أن أشرفت القافلة الحزينة علي المدينة حتي خرج أهلها في سواد الحداد لاستقبال آل البيت بالبكاء و النحيب، و قد تفطرت القلوب حزنا و جزعا من هول ما حدث، اذ أن الفاجعة كانت أكبر من أن يتحملها أهل مدينة الرسول صلي الله عليه و سلم و رأي نساء آل البيت هذه المظاهرة الحزينة، فصرخت العقيلة الطاهرة و بقية نساء آل البيت و ارتفع العويل و الصياح و أجهش الجميع بالبكاء و هم يرددون: واحسيناه، واحسيناه، واحبيباه، واحبيباه، و هاجت الشجون،


فخرجت من بين الجموع الحزينة السيدة زينب بنت عقيل بن أبي طالب، ضمن بعض النسوة ناشرة شعورها، و هن يندبن و يولولن، ثم أخذت تنشد:



ماذا تقولون ان قال النبي لكم

ماذا فعلتم و أنتم آخر الأمم



بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي

منهم أساري و منهم ضرجوا بدم



و ما كان هذا جزائي اذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي



و انطلق الموكب الحزين حتي أناخ بباب مسجد الرسول صلي الله عليه و سلم حيث وقفت السيدة أم كلثوم أمام مقام جدها تبكي و هي تقول: السلام عليك يا جداه، اني ناعية اليك ابنك الحسين، و ساد مدينة الرسول صلي الله عليه و سلم جو غائم بالأسي و الحزن علي قتل آل بيت النبي صلي الله عليه و سلم، علم الله أن التاريخ لم يشهد لهذا الحدث الأليم مثيلا، صحيح أننا عرفنا أقواما قتلوا أنبياء لهم يؤمنوا بهم، كما فعلت يهود، و عرفنا آخرين قتلوا بعض الصالحين منهم خوفا علي ملكهم، كما فعل معاوية بن أبي سفيان بحجر و أصحابه، و لكنه صحيح كذلك أن التاريخ لم يعرف من قبل قوما قتلوا أهل بيت نبيهم، و هم يؤمنون بهذا النبي، و يؤمنون أن القتلي أبناءه و عترته، فضلا عن أن يكون ذلك في مجزرة واحدة، في يوم واحد، هي مجزرة كربلاء، في يوم عاشوراء، و من ثم فان صدي الأحداث بدأ في المدينة يتحول الي صيحات من السخط و الاستنكار، و بدأت قصائد الشعر تتطور من السلبية التي تقف عند حد تصوير الحزن و الألم الي الايجابية التي تنتقل الي التنذير بالطغاة الظالمين، حتي أن أحد الشعراء قام يندد ببشاعة ما اقترفه المجرمون، و يرثي مولانا الامام الحسين قائلا:



جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد

متزملا بدمائه تزميلا



و كأنما بك يا ابن بنت محمد

قتلوا جهارا عامدين رسولا



قتلوك عطشانا و لم يتدبروا

في قتلك القرآن و التنزيلا



و يكبرون بأن قتلت و انما

قتلوا بك التكبير و التهليلا



و ظل أهل المدينة و من حولها يفدون علي بيوت آل النبي صلي الله عليه و سلم مواسين معزين، يستمعون الي ما تقصة السيدة زينب، رضي الله عنها، من حديث


المأساة و أنباء الفاجعة التي حلت بآل بيت النبي صلي الله عليه و سلم، فأودت بحيلة سيدنا الامام الحسين، سيد شباب أهل الجنة، و سبط النبي و ريحانته، و الذي قال عنه النبي صلي الله عليه و سلم «حسين مني، و أنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط»، هذا الي ثمانية عشر من آل البيت، و ستين من أصحاب الامام الحسين الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل نصرته و الوقوف بجانبه، حتي اختارهم الله الي جواره مع الصديقين و الشهداء و الأبرار، و حسن أولئك رفيقا.