بازگشت

ذكري يوم عاشوراء


و يذهب الطاهر بن عبدالسلام في كتابه «حصن السلام» الي أنه في عهد الخليفة العباسي المطيع لله (363 - 335 ه) و كان النفوذ في الدولة في عهده لمعز الدولة من آل بويه، و قد أمر بالاحتفال بيوم عاشوراء «العاشر من المحرم» يوم استشهد الامام الحسين و آل بيته الكرام و أنصارهم، و ذلك عام 352 ه، كما أمر بالاحتفال باحياء ذكري حديث غديرخم يوم 18 ذي الحجة، و هو


الحديث المشهور الذي رواه أصحاب السنن الأربع و الامام أحمد بطرق صحيحة، و قال عنه السيوطي حديث متواتر، و قد جاء فيه عن النبي صلي الله عليه و سلم «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه»، و يذهب ابن كثير الي بني بويه قد بالغوا في الاحتفال بيوم عاشوراء، فاذا كان هذا الاحتفال لم يلق قبولا حسنا عند بعض المسلمين، فما هو الرأي في النواصب من أهل الشام الذين كانوا، فيما يقول ابن كثير، كانوا يوم عاشوراء يطبخون الحبوب و يغتسلون و يتطيبون و يلبسون أفخر ثيابهم، و يتخذون ذلك اليوم عيدا، يصنعون فيه أنواع الأطعمة، و يظهرون السرور و الفرح، يريدون بذلك عناد الروافض و معاكستهم»، و لست أدري أكانوا حقا يعاندون الرافضة،: كما يقول ابن كثير، أم كانوا يعاندون رسول الله صلي الله عليه و سلم و العياذ بالله، و آل بيته الطاهرين المطهرين، و بعد ذلك يقول من يقول، انهم كانوا يحبون الله و رسوله صلي الله عليه و سلم رحم الله الامام الحسين و آل بيته، و صلي الله و سلم علي جده المصطفي و آله الطاهرين المطهرين، و علي آية حال، فلقد صدق الامام ابن تيمة حيث يقول: و من قصد منهم أهل البيت بذلك أو غيره أو فرح أو استشفي بمصائبهم «أي أهل البيت» فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين، فقد قال النبي صلي الله عليه و سلم: «و الذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتي يحبوكم من أجلي»، و قال، فيما يروي الترمذي و الحاكم عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه و سلم أنه قال: «أحبو الله لما يغذوكم به من نعمة، و أحبوني لحب الله، و أحبوا أهل بيتي لحبي».

و لعل من المفيد هنا الاشارة الي رأي الامام ابن تيمية في يوم عاشوراء في رسالته «فضل أهل البيت و حقوفهم» حيث يقول: ان يوم عاشوراء هو اليوم الذي أكرم الله فيه سبط نبيه، و أحد سيدي شباب أهل الجنة، بالشهادة علي أيدي من قتله من الفجرة الأشقياء. و كان ذلك مصيبة عظيمة من أعظم المصائب الواقعة في الاسلام، و قد روي الامام أحمد و غيره عن فاطمة بنت الحسين، و قد كانت قد شهدت مصرع أبيها، عن أبيها الحسين بن علي، رضي الله عنهم، عن جده رسول الله صلي الله عليه و سلم، قال: «ما من رجل يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته، و ان قدمت،


فيحدث لها استرجاعا، الا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب بها» فقد علم الله أن مثل هذه المصيبة العظيمة سيتجدد ذكرها مع تقادم العهد، فكان من محاسن الاسلام أن روي هذا الحديث صاحب المصيبة، و المصاب به أولا، و لا ريب أن ذلك انما فعله اله كرامة للحسين رضي الله عنه، و رفعا لدرجته و منزلته عندالله، و تبليغا له منازل الشهداء، و الحاقا له بأهل بيته الذين ابتلوا بأصناف البلاء، و لم يكن الحسن و الحسين حصل لهما من الابتلاء ما حصل لجدهما و لأمهما و لعمهما، لأنهما ولدا في عز الاسلام، و تربيا في حجور المؤمنين، فأتم الله نعمته عليهما بالشهادة، أحدهما مسموما، و الآخر مقتولا، لأن الله عنده من المنازل العالية في دار كرامته، ما لا ينالها الا أهل البلاء، كما قال النبي صلي الله عليه و سلم و قد سئل: أي الناس أشد بلاء، فقال: «الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلي الرجل علي حسب دينه، فان كان في دينه صلابة زيد في بلائه، و ان كان في دينه رقة خفف عليه، و ما يزال البلاء بالمؤمن حتي يمشي علي الأرض و ليس عليه خطيئة» «رواه الامام أحمد و الترمذي و ابن ماجة و الطبراني و الحاكم و عبدالرزاق».

هذا و قد شقي بقتل الحسين من أعان عليه أو رضي به، فالذي شرعه الله للمؤمنين عند الاصابة بالمصائب، و ان عظمت، أن يقولوا: انا لله و انا اليه راجعون، و قد روي الامام الشافعي في مسنده أن النبي صلي الله عليه و سلم لما مات، و أصاب أهل بيته من المصيبة ما أصابهم، سمعوا قائلا يقول: يا آل بيت رسول الله، ان في الله عزاء من كل مصيبة، و خلفا من كل هالك، و دركا من كل فائت، فبالله ثقوا، و اياه فارجوا، فان المصاب من حرم الثواب، فكانوا يرونه الخضر جاء يعزيهم بالنبي صلي الله عليه و سلم، فأما اتخاذ المآتم في المصائب، و اتخاذ أوقاتها مآتم، فليس من دين الاسلام، و هو أمر لم يفعله رسول الله صلي الله عليه و سلم و لا أحد من السابقين الأولين، و لا من التابعين لهم باحسان، و لا من عادة أهل البيت و لا غيرهم، و قد شهد مقتل الامام علي أهل بيته، و شهد مقتل الحسين من شهده من أهل بيته، و قد مرت علي ذلك سنون كثيرة و هم متمسكون سنة رسول الله صلي الله عليه و سلم و لا يحدثون مأتما، و لا نياحة، بل يصبرون و يسترجعون، كما أمر الله و رسوله، أو يفعلون ما


لا بأس به من الحزن و البكاء عند قرب المصيبة، قال النبي صلي الله عليه و سلم: «ما كان من العين و القلب فمن الله، و ما كان من اليد و اللسان فمن الشيطان»، و قال: «ليس منا من لطم الخدود، و شق الجيوب، و دعا بدعوي الجاهلية» «رواه الامام أحمد و البخاري و مسلم و الترمذي و النسائي و ابن ماجة عن ابن مسعود»، و قال جرير بن عبدالله: كنا نعد الاجتماع الي أهل الميت و صنعتهم الطعام الناس من النياحة، و انما السنة أن يصنع لأهل الميت طعام، لأن مصيبتهم تشغلهم، كما قال النبي صلي الله عليه و سلم لما نعي جعفر بن أبي طالب، لما استشهد بمؤتة فقاتل: «اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد جاءهم ما يشغلهم» (رواه أحمد و أبوداود و الترمذي و ابن ماجة و الحاكم عن عبدالله بن جعفر).

هذا و قد ثبت عن رسول الله صلي الله عليه و سلم: أنه صام يوم عاشوراء، و أمر بصيامه و قال: صومه يكفر سنة؛ و قرر النبي صلي الله عليه و سلم أن الله أنجي فيه موسي و قومه، و أغرق فرعون و قومه، و روي أنه كان فيه حوادث الأمم، فمن كرامة الحسين أن الله جعل استشهاده فيه، و قد يجمع الله في الوقت شخصا أو نوعا من النعمة التي توجب شكرا، أو المحنة التي توجب صبرا، كما أن سابع عشر شهر رمضان فيه كانت وقعة بدر، و فيه كان مقتل علي، و أبلغ من ذلك أن يوم الأثنين في ربيع الاول مولد النبي صلي الله عليه و سلم و فيه هجرته، و فيه وفاته، و العبد المؤمن يبتلي بالحسنات التي تسره، و السيئات التي تسوءه في الوقت الواحد، ليكون صبارا و شكورا، فكيف اذا وقع مثل ذلك في وقتين متعددين من نوح واحد.