بازگشت

يوم عاشوراء


قضي الامام الحسين ليلة عاشوراء، ليلة الفاجعة الكبري أو المأساة


الدامية، مالكا لجأشه و كل شي ء حوله يوهن الجأش، و يحل عقدة العزم، و يغري بالدعة و المجارة، ملك الامام العظيم جأشه، و من حوله نساؤه و أبناؤه في نضارة العمر يجوعون و يظمأون، و يتشبثون به و يبكون، و في السحر من هذه الليلة خفق الامام خفقة ثم استيقظ و أخبر أصحابه بأنه رأي في منامه كلابا شدت عليه تنهشه، و أشدها عليه كلب أبقع، و أن الذي يتولي قتله من هؤلاء رجل أبرص، و أنه رأي جده صلي الله عليه و سلم بعد ذلك و معه جماعة من أصحابه و هو يقول له: أنت شهيد هذه الأمة، و قد استبشر بك أهل السموات، و ليكن افطارك عندي الليلة، عجل و لا تؤخر، فهذا ملك نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء، و يقول المسعودي: لما أصبح الحسين يوم عاشورا و صلي بأصحابه صلاة الصبح، قام خطيبا فحمدالله و أثني عليه، ثم قال «ان الله تعالي أذن في قتلكم و قتلي في هذا اليوم فعليكم بالصبر و القتال».

و هكذا بدأ اليوم المشهود، يوم العاشر من المحرم عام 61 ه (10 أكتوبر 680 م)، بدأه الامام البطل بصلاة الصبح أم فيها أهله و صحبه، ثم طلعت شمس هذا اليوم علي نيف و سبعين بطلا في جانب، و أربعة الآف ذئب في الجانب الآخر، و وقف الامام يعبي ء رجاله، فجعل «زهير بن القين» علي الميمنة، و «حبيب بن مظهر» علي الميسرة و أعطي الراية أخاه «العباس بن علي»، و تقدم شباب آل البيت ليأخذوا مكانهم في الصف الأول، فدفعهم عنه الانصار قائلين «معاذ الله أن تموتوا، و نحن أحياء، نشهد مصارعكم، بل نحن أولا، ثم تجيئون علي الأثر»، و هكذا وقفوا في الصف الثاني وراء القائد و الأنصار، و في الجانب الآخر وقف قائد العدو عمر بن سعد يعبي ء جيشه، و ينظم ميمنته و ميسرته، لينصر باطلا يراه رأي العين، و يعمل في سبيل أكذوبة صغيرة اسمها يزيد بن معاوية، و جريمة منكرة اسمها ابن زياد، و من عجب أنهم خرجوا لجريمتهم تلك بعدت أن صلي بهم قائدهم صلاة الصبح، و لكن أصحيح أنهم صلوا، و قرأوا في آخر صلاتهم «اللهم صلي علي محمد، و علي آل محمد»، فاذا كان ذلك، فما بالهم ينفلتون من صلاتهم ليحصدوا بسيوفهم


الآثمة آل محمد، و صدق «نافع بن هلال البجلي» و هو يقول لشمر بن ذي الجوشن «و الله لو كنت من المسلمين، لعظم عليك أن تلقي الله بدمائنا، فالحمد لله الذي جعل منايانا علي أيدي شرار خلقه».

و علي أي حال، فلقد خرج الامام الحسين، سبط النبي و سيد شباب أهل الجنة، علي ظهر جواده، و بين يديه كتاب الله، و قد تزي بزي جده سيدنا و مولانا و جدنا رسول الله صلي الله عليه و سلم متقلدا سيفه، لا بسا عمامته و رداءه، و قد أراد أن يرمي بآخر سهم من سهام الدعوة، قبل أن يرمي بسهم واحد من سهام القتال، لعل الضمائر الميتة تستيقظ، و لعل القلوب الغافلة تصحو، فآراهم أنه سيخطبهم، و عنئذ أدرك رؤساؤهم أنهم ان تركوا له آذان القوم، فسوف ينفد الي قلوبهم، و يكسبهم الي صفه، و من ثم فقد أمروهم أن يضجوا بالصياح و الجلبة و أن يكثروا من الضجيج و الحركة، لحجبوا كلامه عن أسماعهم، و يتقوا أثر موعظته فيهم، و هو بتلك الهيئة التي تغضي عنها الأبصار، و تعنوا لها الجباه، و لكن الامام صابرهم حتي ملوا، ثم هدأوا، ثم سمعوه يقول، بعد الحمد و الصلاة «أنسبوني من أنا، هل يحل لكم قتلي و انتهاك حرمتي، ألست ابن بنت نبيكم، أولم يبلغكم ما قاله رسول الله صلي الله عليه و سلم لي و لأخي، هذان سيدا شباب أهل الجنة، و يحكم أتطلبوني، بقتيل لكم قتلته أو مال لكم استهلكته»، ثم نادي بأسماء أنصاره الذين استدعوه الي الكوفة ثم خرجوا لحربه في جيش ابن زياد، مثل شبث بن الربعي، و حجار بن بحر، و قيس بن الأشعث، و يزيد بن الحارس، و عمر بن الحجاج، و قال لهم: «ألم تكتبوا الي أن قد أينعت الثمار و اخضرت الجنبات، و انما تقدم علي جند مجند»، فزلزلت الأرض تحت أقدامهم بهذه الكلمات، و بلغ بها المقنع ممن فيه مطمع لاقناع، و تحولت الي صف الامام فئة منهم تعلم أنها تتحول الي صف لن تجد فيه غير الموت العاجل، و استطابت هذا الموت، و لم تستطب الموت مع ابن زياد، لاغتنام الغنيمة، و انتظار الجزاء من الأموال و المناصب.

و قام «زهير بن القين» فركب فرسه و تعرض لأهل الكوفة قائلا: «يا أهل


الكوفة، نذار لكم من عذاب الله نذار، ان حقا علي المسلم نصيحة المسلم، و نحن حتي الآن أخوة علي دين واحد، ما لم يقع بيننا و بينكم السيف، فاذا وقع السيف انقطعت العصمة، و كنا نحن أمة و أنتم أمة، ان الله قد ابتلانا و اياكم بذرية نبيه محمد صلي الله عليه و سلم لينظر ما نحن و أنتم عاملون، و انا ندعوكم لنصر حسين، و خذلان الطاغية بن الطاغية عبيدالله بن زياد، فانكم لا تدركون منهما الا سوءا، يسملان أعينكم، و يقطعان أيديكم و أرجلكم و يمثلان بكم، و يرفعانكم علي جذوع النخل، و يقتلان أماثلكم، أمثال حجر بن عدي، و أصحابه، و هاني ء بن عروة و أشباهه»، و في رواية اليعقوبي: «يا أهل الكوفة، نذار لكم من عذاب الله، نذار عبادالله، ولد فاطمة أحق بالود من ولد سمية، فان لم تنصروهم فلا تقاتلوهم، أيها الناس، انه ما أصبح علي ظهر الأرض ابن بنت نبي، الا الحسين، فلا يعين أحدكم علي قتله، و لو بكلمة، الا نغصه الله الدنيا، و عذبه أشد عذاب الآخرة».

فوجم منهم من وجم، و توقح من توقح علي ديدن المريب المكابر، اذا خلع العذار، و لم يأنف من العار، و توعدوه و توعدوا الامام الحسين معه أن يقتلوهم أو يسلموهم صاغرين الي ابن زياد.

غير أن دعوة الامام لم تذهب هباء، فسرعان ما رأينا «الحر بن يزيد»، ذلكم القائد الذي أرسلوه علي رأس ألف فارس ليجلي الامام الحسين عن دخول الكوفة، فالتقي بركب الامام و اضطره للنزول في كربلاء، و كان يحسب أن عمله ينتهي الي هذه المراقبة و لا يعدوها الي القتال و سفك الدماء، فلما تبين له نية القتال أحس فداحة الجريمة التي ستلوثه، و بشاعة الوزر الذي سيحمله، و ظلام المصير الذي سيكون له عندالله، فخرج بجواده من صفوف فرسانه و اقترب من قائد الجيش عمر بن سعد، و صاح به: أمقاتل أنت ذلك الرجل، فقال ابن سعد: نعم و الله، قتالا أيسره أن تبتر الأيدي، و تطوح الرؤوس، فقال الحر بن يزيد: أولستم تاركيه يرجع الي حيث أتي أو يضرب، كما قال في الأرض العريضة، فقال ابن سعد: لو كان الأمر بيدي لفعلت، و لكن ابن زياد


يأبي ذلك، فصاح الحر، و هو يدفع جواده نحو صفوف الامام الحسين: اذن فقاتلني معه، و نزل من فوق جواده يعانق الامام الحسين و دموعه تنفجر من مآقيه، و يقول له: «قد كان مني بالأمس ما كان، و قد استبان لي حقك فجئتك أفتديك بنفسي، أفتري في ذلك توبة مما صنعت»، فأجابه الامام البطل: «انها خير توبة، فابشر، فأنت حر في الدنيا، و أنت الحر في الآخرة ان شاء الله»، و كما صنع الحر، صنع «يزيد الكندي» فقد غادر مكانه في جيش ابن زياد، و بصق عليه، ثم انطلق يعدو بجواده الي جبهة الامام الحسين العظيم.

و ليس هناك من ريب، كما يقول الأستاذ العقاد، أن هناك في معسكر ابن زياد كالحر بن يزيد، و يزيد الكندي، من يؤمنون ايمانهما و يودون لو يلحقون بمعسكر الامام الحسين، و يزعجهم أن يتحول الحر و يزيد الي ذلك المعسكر و هم ناظرون اليه لأنه يبكتهم و يكف مغالطتهم بينهم و بين أنفسهم، و يحضهم علي الاقتداء بهما، فكلهم و لا ريب يشعر بشعورهما و يعتقد في فضل الامام الحسين علي يزيد بن معاوية، مثل اعتقادهما، و بعيد عن العقل أن يصدق في هؤلاء الشراذم أنهم قد أطاعوا يزيد لأنه صاحب بيعد حاصلة، و أنهم قد تأدبوا بأدب الدولة، أدبا يغلب شعور الجماعة و ايمان المرء بحق الشريعة و حرمة البيت النبوي الشريف، و يهون عليه قتل سبط النبي صلي الله عليه و سلم في هذا السبيل، و كيف و ان منهم لمن بايع الامام الحسين علي البعد، و دعاه اليه ليقود الجند المجند الي منهم لمن بايع الامام الحسين علي البعد، و دعاه اليه ليقود الجند المجند الي قتال يزيد بن معاوية، فكلامهم في البيعة يلوكونه بألسنتهم و لا يستر ما في طويتهم، و ليس أثقل علي أمثال هؤلاء من عب ء المغالطة، كلما تلجلج في مكانه و حركته القدوة التي يريدونها، و لا يقوون عليها، كتلك القدوة الماثلة بصاحبهم الحر بن يزيد، أو يزيد الكندي، و هكذا كان أعظم الجيشين قلقا، و أشدهما حيرة و أعجلهما الي طلب الخلاص من هذا المأزق الثقيل، انما هو أكبر الفئتين، و أقوي العسكرين، معسكر ابن زياد، و قائده عمربن سعد بن أبي وقاص.

و بدأت المعركة، و لكنها أردت أن تقدم مثالا، يكاد يكونه فريدا في


الخسة و النذالة، و لمن يبيع دينه من أجل دنياه، و لمن يفرط في شرف قريش، بل شرف الاسلام، ليشهد له اللئام بذلك عند كبير اللئام، فاذا بعمر بن سعد، ابن أول من رمي بسهم في سبيل الله، و قائد المسلمين في فتح بلاد الفرس، و أحد الذين اعتزلوا الفتنة فلم يشاركوا فيها من قريب و لا من بعيد، و نعني به الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص، اذ بابنه عمر هذا يزحف نحو الامام الحسين، ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم و سيد شباب أهل الجنة، يتناول سهما ثم يرميه نحو معسكر الامام الحسين، و لا يخجل أن يصيح قائلا «اشهدوا لي عند الأمير أنني أول من رمي الحسين»، أليس ذلك دليلا علي أن خصوم الامام الحسين في تلك المعركة كانوا أشرارا، أشرارا من الرأس الي القاع، و لم يكن فيهم خير واحد، و لا بر واحد، يمكن أن يشكل وجوده بينهم امارة احتجاج أو حتي علامة استفهام، حتي أن أميرهم عمر بن سعد يريد أن يشهد له جنوده عند ابن مرجانة من ابن سمية، أنه أول من رمي ابن رسول الله صلي الله عليه و سلم بسهم، اللهم غفرانك.

و علي أي حال، فلقد تتابعت السهام فبطلت حجة السلم و ذهب كل تأويل في نية القوم، و قام الامام الحسين و هو ينظر الي السهام، و ينظر الي أصحابه، فقال: «قوموا يا كرام، فهذه رسل القوم اليكم»، و بذلك بدأ القتال، و برز صف من جيش ابن زياد يطلبون المبارزة فخرج اليهم من صفوف الامام أكفاء أشداء، فهذا «عبدالله بن عمر الكلبي» مؤمن من الكوفة لم يكد يعلم باحتجاز الامام الحسين عند كربلاء، حتي اصطحب زوجته معه، و شد اليه الحال، و قال قولته المشهورة «و الله لقد كنت علي جهاد أهل الشرك حريصا، و اني لأرجو أن لا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثوابا عندالله من ثوابه اياي في جهاد المشركين»، و ها هو يوفي الله بيعه، و يخرج الي مبارزة فيصرعه من فوره، و كان استهلالا بارعا أطار صواب أعداء الامام، فهجم عليه الشياطين المرقة حيث ضربه أحدهم بسيفه، فطارت أصابع كفه في الهواء لكنه انثني علي ضاربه فصرعه في لحظة، فتكالب عليه آخرون، و لم يتركوه الا عندما أبصروا فريقا من أصحابه يقتربون منهم بسيوفهم المشرعة و سرعان ما لحقت به


زوجته و هي تقول له «فداك أبي و أمي، قاتل دون الطيبين من ذرية محمد»، و قد قاتل الرجل دون الطيبين، و قدم روحه، كما فعلت زوجته، فداء لذرية محمد صلي الله عليه و سلم، بعد أن قتل من الأعداء الكثير.

و كثرت المبارزات بين الفريقين، حتي ضاق أعداء الامام بذلك، و فزعوا من فدائية أصحاب الامام الحسين، و تفانيهم في التضحية، و حرصهم علي الشهادة و في الواقع لو جري القتال علي سنة المبارزة التي كانت دعوة مجابة في ذلك العصر، اذا اختارها أحد الفريقين، لكان النصر في جانب أصحاب الامام، فالمعروف أن آل الامام علي كانوا من أشهر العرب، بل من أشهر العرب و العجم، بالقوة البدنية و الصبر علي الجراح و الاضطلاع بعناء الحرب ساعات بعد ساعات، و الامام الحسين، عليه السلام، و من معه من شباب آل علي ممن ورث هذه القوة البدنية، كما ورثوا ثبات الجأش و حمية الفؤاد، و كانوا كفئا لمبارزة الأنداد واحدا بعد واحد حتي يفرغ جيش ابن زياد من فرسانه القادرين علي المبارزة، و لا يبقي منهم غير الهمل يتبددون في منازلة الشجعان، كما تتبدد السائمة المذعورة في العراء، هذا فضلا عن أنه كان مع الامام الحسين نخبة من فرسان العرب كلهم له شهرة بالشجاعة و البأس و سداد الرمي بالسهم و مضاء الضرب بالسيف، و لن تكون صحبة الامام غير ذلك بداهة و تقديرا، لا يتوقفان علي الشهرة الذائعة و الوصف المتواتر، لأن مزاملة الامام الحسين في مثل تلك المرحلة هي وحدها آية علي الشجاعة في ملاقاة الموت و كرم النحيزة في ملاقاة الفتنة و الاغراء، فاذا جري القتال كله مبارزة بين أمثال هؤلاء و من يبرزون لهم من جيش ابن زياد، فهم كف ء للمنازلة، و ليس أملهم في الغلب بضعيف، و من ثم فما تعرض للمبارزة أحد من جيش ابن زياد الا فشل أو نكص علي عقبيه.

و هكذا بدأ الهجوم بالخيل، و التحمت الجبهتان التحاما رهيبا، و دمر فرسان الامام، و الذين لم يكونوا أكثر من اثنين و ثلاثين فارسا، هجوم أعدائهم تدميرا، و جاوزوا الدفاع الي الهجوم في سرعة ما حقة، و أحاطوا بفرسان ابن
زياد، ثم مرقوا داخل صفوفهم يطوحون رؤوسهم كالذباب، مما اضطر قائدهم عمر بن سعد أن يأمر جيشه كله بالهجوم، و في مقدمته خمسمائة من الرماة، و كبر الامام الحسين تكبيرة هزة الأرض و نادت زلزالها، و ذكرت الناس بتكبيرة أهله من بني هاشم، ذكرتهم بتكبيرة جده المصطفي الهاشمي، و أبيه الامام علي، و أعمامه حمزة و جعفر و غيرهم من فرسان بني عبدالمطلب، و انقذف الامام الحسين، سليل البيت الهاشمي يضرب بسيفه فكأنه قدر، لا راد لأمره، و لا مهرب من حكمه، كان، عليه السلام، يشد كالليث علي غريم فيصرعه، ثم يبصر آخر في طريقه بسيفه الغادر الي بعض أصحابه، فينثني اليه كالصقر و يرديه، و حل روحه الغلاب من أفئدة أصحابه فاشتعل حماسهم، و امتلأت قلوبهم المؤمنة عزما و شوقا، و راحوا يضربون و يقاتلون في شوق عظيم، كلما قل عددهم بوقوع الشهداء منهم، ازدادوا اقداما و قوة، حتي عجزت خيل القوم مع كثرتها، عن مقاومة خيل الامام الحسين، و هي تنكشف كل ساعة عن فارس قتيل، و ليس هناك ما يصور هذه الحقيقة مثل اقام الأعداء علي حرق المضارب و الخيام التي كانت لأهل الامام الحسين و أنصاره، و ما أن اشتعلت الحرائق عالية، حتي نادي الامام الحسين في ثبات عجيب «لا بأس، اجعلوا الحرائق وراء ظهوركم فلا يستطيعوا اجتياز النار اليكم»، و نجا فسطاط الامام من الحريق، و فيه أهل بيته من النساء و الأطفال.

و في خضم هذا الهول الذي شكله القتال الضاري الوبيل، وقف الامام البطل يقلب وجهه في السماء، فقد كان ينتظر مقدم عزيز لم يخلف قط موعوده معه، ذلكم هو «الصلاة» فلقد انتصف النهار، و جاء ميقات الظهر و موعد صلاته، و هكذا نادي الامام الحسين لصلاة الظهر، صلاة حرب و قتال، و هكذا كان الحسين دائما و أبدا، هو سبط النبي، و بضعة الزهراء و فلذة كبد الامام علي، هكذا كان سليل بيت النبوة، لا يغفل أبدا عن واجب ربه، و لا عن فرائض دينه، حتي و الموت ينوشه، و ينوش أصحابه م كل جانب، و ما أن يفرغ الامام و أصحابه من صلاتهم حتي يواصلوا جهادهم، و قد بدأ النصف الثاني من


النهار، و تتابعت صور الفداء و التضحية و الاستشهاد، و التي سقط فيها معظم أصحاب الامام الذين تسابقوا لافتدائة بأرواحهم، فلم يبق معه الا القليل، الذين سرعان ما لحقوا بهم في جنات النعيم.