بازگشت

موقف معاوية من أنصار آل البيت


لا ريب في أن كثيرا من شيعة آل البيت و أنصارهم كانوا، كما أشرنا من قبل، يعارضون الامام الحسن مع معاوية، فقد رأوا فيه نوعا من التسليم، لم يكن يلائم ما بذلوا علي أيام الامام علي من جهد، و لم يكن يلائم كذلك ما كان في أيديهم من قوة، و من ثم فانهم لم يبايعوا معاوية الا كارهين و مضطرين، و هكذا بدأت ثورة مكتومة تولد في القلوب من هذا الصلح، و تمضي الأيام و يسير ولاة معاوية في العراق بما لا يرضي أهل العراق، و يبدأ أهل الكوفة يذكرون حياتهم علي أيام الامام علي فيحزنون عليها و يندمون علي ما كان من تفريطهم في جنب خليفتهم، و يندمون كذلك علي ما كان من الصلح بينهم و بين أهل الشام، و جعلوا كلما لقي بعضهم بعضا تلاوموا فيما كان، و أجالوا الرأي فيما يمكن أن يكون، و لم تكد تمضي أعوام قليلة حتي جعلت وفودهم تفد الي المدينة للقاء الامام الحسن و القول له و الاستماع منه، و مطالبته بأن يعيد الحرب جذعة، و لكنه كان دائما يهدي ء النفوس الثائرة، و يقول لهم «ما أردت فيما فعلت الا حقن الدماء، فأرضوا بقضاء الله و سلموا و الزموا بيوتكم و امسكوا و كفوا أيديكم حتي يستريح بر أو يستراح من فاجر».

و هكذا حافظ الأمام الحسن علي شروط الصلح، و لم يحدث منه أو من أخيه الامام الحسين أو من آل بيته الطاهرين أية محاولة لنقض شروط الصلح، و رغم أن معاوية أعلن التخلي عن شروطه بعد البيعة مباشرة، فقال «ألا ان كل شي ء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به»، و رغم أن أنصار الحسن قد عرضوا عليه اعادة الكرة علي أهل الشام، فانه بقي علي عهده، و أعلن لأنصره» ليكن كل رجل منكم حلسا من أحلاس بيته من دام معاوية حيا، فان يهلك، و نحن و أنتم أحياء، سألنا العزيمة علي رشدنا و المعونة علي أمرنا، و ألا يكلنا الي أنفسنا، فان الله مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون»، بل ان بعض هؤلاء الأنصار، كعدي بن حاتم الطائي، ذهب الي الامام الحسين، بعد أن فشل مع الامام الحسن، و قال له: «يا أبا عبدالله، شريتم الذل بالعز و قبلتم


القليل و تركتم الكثير، أطعنا اليوم و أعصنا الدهر، دع الحسن و ما رأي من هذا الصلح، و اجمع اليك شعيتك من أهل الكوفة و غيرها، و ولني و صاحبي (يعني عبيدة بن عمر، صاحب عدي بن حاتم الطائي) هذه المقدمة، فلا يشعر ابن هند، الا و نحنه نقارعه بالسيوف، فرد الامام الحسين عليه قائلا: «انا قد بايعنا و عاهدنا، و لاسبيل لنقض بيعتنا».

هذا و من المعروف أن من شروط الصلح الأمن العام و عدم التعرض بسوء لأنصار الامام علي علي الخصوص، و أنصار آل البيت بوجه عام، غير أن معاوية جعل من أهدافه القضاء علي هذه الطبقة المؤمنة بحق البيت، و يحدثنا المؤرخون و أهل السير أنه في عهد معاوية و ولده يزيد، كان سبيل من بيتهم بحب آل البيت القتل أو الضرب، أو الحبس أو التشريد، و أن معاوية قتل خلقا كثيرا مما أبي لعن الامام علي أو البراءة منه، و هكذا لاقي أنصار أهل البيت من الأذي و الأضطهاد ما تنوء بحملة الجبال، و كان أشدهم بلاء و أعظمهم محنة أهل الكوفة، فقد استعمل معاوية عليهم زيادا بعد هلاك المغيرة، و كان بهم عالما، لأنه، و ياللعجب، كان منهم قبل استلحاقه بأبي سفيان، فأشاع فيهم القتل و التشريد، و هكذا ما استقر الأمر لمعاوية، و خلا الميدان الا منه، حتي أخذ ينتقم من أنصار، الامام علي شر انتقام، فمنهم من ألقي به في السجون، و منهم من شرد في الأرض، و منهم من قتل صبرا، و لأول مرة في الاسلام، كحجر بن عدي و أصحابه، و قد تعرضنا لقصتهم بالتفصيل في كتابنا عن «الامام الحسن بن علي».