بازگشت

الامام الحسين و ذو النورين


كان الامام الحسين قد قارب العشرين من عمره يوم تولي عثمان رضي الله عنه الخلافة، و هو عمر لا ريب في أن يسمح للامام العظيم أن يخوض معترك الحياة، و أن يقوم بدور فيها، و هكذا كان الامام الحسين شابا يقظا تجلله نورانية الايمان بما هذب منه جده رسول الله صلي الله عليه و سلم، و صقل منه أبوه الامام علي، و أرهفت منه فاطمة الزهراء، و في هذا الدور دخل الامام الحسين ميدان الجهاد في سبيل الله، فانضم، هو و أخوه الحسن، الي المجاهدين، حيث اتجهت ألويتهم الفاتحة الي الشمال الأفريقي، فكانا من بين رجال الجيش الذي بعثه الخليفة الشهيد عثمان بن عفان من المدينة الي المغرب الأقصي، و كان يضم، كما يقول أحمد بن خالد الناصري في كتابه «الاستقصاء لأخبار المغرب الأقصي»،


جمامة من كبار الصحابة، علي رأسهم الحسن و الحسين و ابن عباس و ابن عمر و ابن الزبير، فسار الي أفريقية مددا لأمير مصر عبدالله بن أبي سرح عام 27 ه، فهزموا الروم في طرابلس، ثم هزموهم مرة أخري علي مبعدة مسيرة يوم و ليلة من سبيطلة و قتلوا ملكهم «جرير» ثم تابعوا زحفهم الي المغرب الأقصي و كان الحسنان فيمن دخلوه من الصحابة رضوان الله عليهم.

و يروي الطبري و ابن كثير أن الامامين الحسن و الحسين قد اشتركا عام 30 ه في الجيش الذي غزا طبرستان بامرة سعيد بن العاص أمير الكوفة، فسار الي جرجان فصالحهم أهلها علي مائتي ألف، ثم أتوا طميسة في تخوم جرجان، فقاتلهم أهلها حتي صلوا صلاة الخوف و هم يقتتلون، ثم حاصرهم المسلمون حتي طلبوا الأمان فأعطاهم سعيد بن العاص عهدا أن لا يقتل منهم رجلا واحدا، ففتحوا الحصن مستسلمين فقتلهم الا رجلا واحدا.

هذا و قد كان الامام الحسين، كما كان الامام الحسن، يكنان للخليفة الراشد ذي النورين عثمان بن عفان كل حب و ولاء و تقدير، اعترافا بفضله و تقديرا لسابقته في الاسلام و جهاده و مكانته من رسول الله صلي الله عليه و سلم و من ثم فحين تجمع الثوار حول بيته بسبب الفتنة، و أحدق الخطر به، كانا سبطا رسول الله صلي الله عليه و سلم أسبق الناس للدفاع عنه و الوقوف ببابه لحراسته حاملين سيفيهما، بأمر من أبيهما الامام علي، كرم الله وجهه في الجنة، حيث أمرها أن «اذهبا بسيفيكما حتي تقوما علي باب عثمان فلا تدعا أحدا يصل اليه بمكروه» و فعلا ما أمر أبوهما الامام علي، مع جماعة من أبناء كبار الصحابة، و لما بدأ الثوار يرمون بيت الخليفة بالسهام، من كل جانب أصيب الامام الحسن بسهم فخضبه الدم، و شج قنبر مولي الامام علي، و خاف الثوار أن تغضب بنوهاشم، فكفوا عن رمي السهام، و لكنهم اقتحموا دار الخليفة من الدور التي حوله و فعلوا فعلتهم النكراء، و ما أن علم الامام علي بما حدث حتي أتي دار الخليفة الشهيد ثائرا غاضبا، و رغم أنه رأي الحسن و الحسين مخضبين بالدم، فانه لم يتمالك نفسه غضبا، فصاح بهما «كيف يقتل أميرالمؤمنين و أنتما علي الباب» ثم رفع يده


فلطم الحسين، و ضرب صدر الحسن و خرج غضبان أسفا.

و لا ريب في أن ازمامين الحسن و الحسين انما استبسلا في الدفاغ عن الخليفة الشهيد، حرصا عليه، و وفاء له، و قطعا لدابر الفتنة، و اغلاقا لباب الشر، و ابقاء علي الخلافة الاسلامية، كما كانت علي أيام الشيخين، و علي أيام الخليفة الشهيد، قبل أن يثير فيها الأمويون ما أثاروه من مشاكل شغلت العالم الاسلامي حينا من الدهر، و هكذا حمل الامام الحسين سيفه دفاعا عن عثمان رضي الله عنه، و في نفس الوقت انما أجج ذلك كله في نفس الامام الحسين نزعة الاصلاح قبل أن ينتقص ما بناه جده سيدنا رسول الله صلي الله عليه و سلم بسبب ما قام به بنو أمية من خلل في نظام الأمة الاجتماعي، و كان يري في أبيه الزاهد المصلح المنتظر شأنه في ذلك شأن أجلاء الصحابة، رضوان الله عليهم، الذين كانت تراود نفوسهم أفكار الاصلاح، و كان الامام الحسين يري في الحزب اوموي مصدر التبلبل و الدس بسبب أطماعه فجزم ألا استقرار ما دام للأمويين سلطة، و أجمع علي أن يخدم هذه الفكرة، و قد درسنا أحوال أمة الاسلام في تلك الفترة في كتابنا عن «الامام علي بن أبي طالب».