بازگشت

الامام الحسين و الفاروق


كان الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ينبض قلبه بالحب


و الاخلاص و الوفاء لرسول الله صلي الله عليه و سلم و لآل البيت الطاهرين، و كان للحسن و الحسين منزلة خاصة عنده لا تدانيها منزلة أخري، تأسيا بالرسول صلي الله عليه و سلم و حبا لمن كان يحبه، و مع ذلك فانه يبدو أن ما استقر في نفس الامام علي و فاطمة الزهراء و آل البيت، من الاستياء من صرف الخلافة عن الامام علي، رغم قرابته القريبة من النبي صلي الله عليه و سلم لأنه فرع النبوة، بل ان آل البيت انما هم شجرة النبوة و محط الرسالة، لا شك أن ذلك انما استقر في نفس الامام الحسين فجعله لا يرضي عمن احتل مركز أبيه رسول الله صلي الله عليه و سلم، روي ابن حجر في الاصابة بسنده عن الامام الحسين، قال: أتيت عمر و هو يخطب علي المنبر، فصعدت اليه فقلت: انزل عن منبر أبي، و اذهب الي منبر أبيك، فقال عمر: لم يكن لأبي منبر، و أخذني فأجلسني معه أقلب حصي بيدي، فلما نزل انطلق بي الي منزله، فقال لي: من علمك قلت: و الله ما علمني أحد، قال بأبي لو جعلت تغشانا، فأتيته يوما و هو خال بمعاوية، و ابن عمر بالباب، فرجع ابن عمر، فرجعت معه، فلقيني بعد، قلت فقال لي لم أرك، قلت يا أميرالمؤمنين: اني جئت و أنت خال بمعاوية، فرجعت مع ابن عمر، فقال «أنت أحق من ابن عمر، فانما أنبت ما تري في رؤسنا الله، ثم أنتم».

علي أن الذي لا شك فيه أن الفاروق انما كان يؤثر الامام الحسن و الحسين خاصة، و بني هاشم عامة، و ذلك لقرابتهم من سيدنا و مولانا رسول الله صلي الله عليه و سلم، تلك القرابة التي كان الفاروق رضي الله عنه دائما يرعي لها حرمتها، بل و جعلها مدخلا للسبق في كل حال و مقام، فلما أراد أن ينشي ء الديوان الذي يحدد للناس فيه أعطياتهم من بيت المال، أشار عليه بعض الصحابة أن يبدأ بنفسه، علي أنه رأس المسلمين و خليفتهم، فقال: بل أبدأ بقرابة رسول الله صلي الله عليه و سلم فبدأ بالعباس، عم النبي صلي الله عليه و سلم ثم نساء النبي صلي الله عليه و سلم، ثم الامام علي، ابن عم النبي صلي الله عليه و سلم، ثم الأقرب فالأقرب من رسول الله صلي الله عليه و سلم، ثم أهل بدر، و ألحق بأهل بدر أربعة من غيرهم، هم الحسن و الحسين و أبوذر و سلمان، ثم جعل الناس طبقات، وفق ما لهم من فضل و سابقة في الاسلام، و وفق حاجتهم، فقال: «لكل و سابقته، لكل


عمله و بلاؤه، لكل و حاجته»، ففضل السابقين من المهاجرين و الأنصار، ثم من أسلم قبل فتح مكة، ثم من أسلم بعده، ثم المجاهدين حتي آخر معركة، ثم فرض للحسن و الحسين خمسة آلاف كأهل بدر، قال ابن عساكر، جعل عمر عطاء الحسن و الحسين مثل عطاء أبيهما فألحقهما بفريضة أهل بدر، لكل واحد منهما خمسة آلاف، و قد روي البخاري أن عطاء البدريين خمسة آلاف، و قال عمر: لأفضلنهم علي من بعدهم.

هذا و كان الفاروق يقدم الحسن و الحسين علي ولده عبدالله، فلقد قسم يوما فأعطي الحسن و الحسين، كل واحد منهما عشر آلاف، و أعطي ولده عبدالله ألف درهم، فعاتبه ولده قائلا: لقد علمت سبقي في الاسلام و هجرتي، و أنت تفضل علي هذين الغلامين، فقال عمر: «ويحك يا عبدالله، جدهما رسول الله صلي الله عليه و سلم، و أبوهما علي، و أمهما فاطمة، وجدتهما خديجة، و خالهما ابراهيم ابن رسول الله صلي الله عليه و سلم و خالاتهما زينب و رقية و أم كلثوم، و عمهما جعفر، و عمتهما أم هاني ء، و قد نسبهما و انتسب، فما ساوي واحدا بواحد»، و في رواية سبط بن الخوري في «تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة» عن ابن عباس: كان عمر بن الخطاب يحب الحسن و الحسين و يقدمهما علي ولده، و لقد قسم يوما فأعطاهما عشرين ألف درهم، و أعطي ولده ألف درهم، فعاتبه ولده و قال: قد علمت سبقي في الاسلام و هجرتي، و أنت تفضل علي هذين الغلامين، فقال «ويحك يا عبدالله، ائتني بجد مثل جدهما و أنا أعطيك عطاءهما» و هكذا أقنع الفاروق ولده عبدالله ببساطة و بمنطق سيال حتي أصبح بعد ذلك يعترف بحقهما و يذب عنهما، حتي اتهمه البعض بمغالاته في الهاشميين جميعا، ذلك أن الفاروق الملهم، سرعان ما أدرك أن النبي صلي الله عليه و سلم ترك في الحسن و الحسين تذكاره بين المسلمين، كما ترك بالقرآن تعاليمه.

و لقد أخرج الترمذي في مناقب أهل البيت بسنده عن جابر بن عبدالله قال: رأيت النبي صلي الله عليه و سلم في حجته يوم عرفة، و هو علي ناقته القصواء، يخطب، فسمعته يقول: «أيها الناس اني قد تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا، كتاب


الله و عترتي و أهل بيتي»، و روي الامام أحمد و الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلي الله عليه و سلم: اني قد تركت فيكم ما أن أخذتم به لن تضلوا بعدي، الثقلين، واحد منهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء الي الأرض، و عترتي أهل بيتي، الا و أنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، قال «انظروا كيف تخلفوني فيهما»، و في رواية للقاضي عياض عن النبي صلي الله عليه و سلم أنه قال: «اني تارك فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله و عترتي، أهل بيتي، فانظروني كيف تخلفوني فيهما»، و في رواية صحيح مسلم عن زيد؛ بن أرقم أنه قال: أيها الناس، فانما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول الله ربي فأجيب، و أنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله تعالي، فيه الهدي و النور، فخذوا بكتاب و استمسكوا به، فحث علي كتاب الله عزوجل، و رغب فيه، ثم قال: و أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي «ثلاث مرات».

و انطلاقا من كل هذا، فق كان الفاروق رضي الله عنه من أكثر الناس تعظيما للحسن و الحسين، و أكثرهم تقديرا لمكانتهما من رسول الله، روي ابن عساكر في التاريخ الكبير، أنه قدم علي عمر حلل من اليمن، فكسا الناس فراحوا في الحلل، و هو بين القبر و المنبر (الروضة الشريفة) جالس، و الناس يسلمون عليه، فخرج الحسن و الحسين من بيت فاطمة في جوف المسجد، و ليس عليهم شي ء من تلك الحلل، فقال عمر: «و الله ما هنأني ما كسوتكم، قالوا لم يا أميرالمؤمنين، قال من أجل هذين الغلامين، يتخطيان الناس ليس عليهما مما كسوت الناس شي ء» و هكذا و رغم أن الحسن و الحسين صغيران، و ربما ليس في الحلل ما يستوي علي جسميهما، غير أن الفاروق المرهف الحسن شعر بشي ء ما، و من ثم فقد كتب لصاحب اليمن أن ابعث الي بحلتين لحسن و حسين، و عجل، فكساهما، و قال «الآن طابت نفسي» و روي أن الفاروق كان ينتظر الحسين يوما، فذهب اليه الحسين، فوجد عبدالله بن عمر و عرف منه أنه استأذن علي الخليفة فلم يؤذن له، فرجع الحسين، ثم لقيه عمر معاتبا و قال: ما منعك أن تأتيني، فأخبره بما حدث، فعز ذلك علي عمر، و قال:


«و أنت عندي مثله، و أنت عندي مثله، و هل أنبت الشعر علي الرأس غيركم»، و روي أن الفاروق قال لقومه من بني عدي: «و الله ما أدركنا الفضل في الدنيا الا بمحمد، و لا نرجو ما نرجوا في الآخرة و ثوابها الا بمحمد صلي الله عليه و سلم فهو شرفنا، و قومه أشرف العرب، ثم الأقرب فالأقرب».

و تروي كتب التاريخ أنه لما فتح المسلمون فارس علي أيام الفاروق رضي الله عنه جي ء بابنتي كسري ضمن أسري الحرب، و تزوج ابن عمر احداهما، و تزوج الامام الحسين أختها «شهربانو» و شهرتها «جيهان شاة» «ملكة العالم» فقال الفاروق للامام الحسين، و هو يبارك هذا الزواج «لتلدن لك خير أهل الأرض» و لقد صدقت فراسة الفاروق، و تحققت نبوءته، فأنجبت له الامام علي زين العابدين الذي كان أعظم أهل عصره، علما و ورعا و دينا، حتي لقبه الامام ابن تيمية «قرة عين الاسلام» بل شاءت العناية الآلهية أن ينجو وحده من مذبحة كربلاء التي اجتاحت البيت النبوي الكريم، ليبقي امتدادا للدوحة النبوية، و ليظل النسب النبوي الشريف متصلا في ذريته الي يوم الدين (من صلب الامام الحسين).