بازگشت

نشاة الامام الحسين


نشأ الامام الحسين في ظلال البيت النبوي الشريف، و تفتحت عيناه أول ما تفتحت علي أنوار جده صلي الله عليه و سلم، و التي كان يشرق بها محياه الكريم، و أخذ الحسين يحبو و يشب في أحضان النبي صلي الله عليه و سلم و كان النبي، كما يقول الأستاذ العلايلي، كالشعاع قبل الشمس يملأ جانبا من الفضاء ثم يذر قرنها حتي تتكور في عقابيل الأفق فتنتظم الأفلاك و تصل ما بين الآفاق في خيوط النور، و في هذا التسامي و هذا السطوع تولي النبي صلي الله عليه و سلم الحسين، و كان في فطرته الغضة كالعدسة اللاقطة تخيل ما تقع عليه الي حقيقته الأخري في وجوده الآخر، و هكذا نشأ الامام الحسين في بيت الوحي، و تربي في مدرسة التوحيد، و شاهد جده النبي صلي الله عليه و سلم، و هو أكمل انسان ضمه هذا الوجود، و هو يجمع الناس علي كلمة التوحيد، و توحيد الكلمة، فتأثر الامام السبط بكل هذا، و انطلق منذ ولد حتي استشهد، و هو يسلك خطي جده العظيم صلي الله عليه و سلم في


نصح الناس و ارشادهم، و في الدفاع عن العقيدة الاسلامية.

و هكذا عاش الامام الحسين في بيئة النبوة، و التي هي الانسانية العليا في المظهر البشري، فكان بذلك أسمي رجل لأنه أسمي طفل في أسمي بيئة، ذلك لأنه مما لا ريب فيه، أن بيئة الرسول صلي الله عليه و سلم انما هي أرفع بيئة، و أن الذي استقر في نفس الحسين الطفل هو أشياؤها، و من ثم فقد كان الامام الحسين أسمي رجل، لأن طفولته انما كانت أبا رجولته، و صدق من قال «الطفل أبو الرجل» لأن ما استقر في نفس الطفل من كمال أو نقص انما هو الذي يبعث الرجل ذا الكمال أو النقص.

هذا و قد تأثر الامام الحسين بأمه فاطمة البتول، عليهاالسلام، فلقد كانت سيدة نساء العالمين تعني كثيرا بولديها الحسن و الحسين، لأنها كانت تخاف عليهما من مستقبل جائر يصفه جدهما صلي الله عليه و سلم، الذي لا ينطق عن الهوي، و كانت شديدة التعلق بهما، لا تطيق فراقهما، حتي أنها كانت تضطرب اذا ما فارقاها أو انصرفا عن البيت الي غير جدهما صلي الله عليه و سلم أو أبيهما، فهي تلازمهما لتنشي ء فيهما المعرفة و الآداب النبوية، و لتحليهما بالعادات و المبادي ء التي تتفق و مكانة سبطي رسول الله صلي الله عليه و سلم، و كما قلنا في كتابنا عن «الامام الحسن» أن التربية الحقة انما تبدأ في عهد الأمومة، حيث يمارس الولد المحبة و الطاعة و المحافظة علي الواجبات و الحقوق، و من ثم فقد بدأت الزهراء، عليهاالسلام، تغرس تعاليم بيت النبوة في ولديها لتجعلهما صافي النفس، و لتصرفهما بكلتيهما الي السماء، فينشأ الواحد منهما مجبولا علي طبائعها، فضلا عما أوتيه من شبه بها و بالنبي صلي الله عليه و سلم، و هكذا عملت الزهراء علي تنشئتهما النشأة الصالحة سبطين لسيد الأولين و الآخر، سيدنا رسول الله صلي الله عليه و سلم و ولدين للامام علي المرتضي، سلام الله عليهم أجمعين، فقد جعلتهما متمرسين بفكرة الله والدين، و لا عجب في أن يكون الحسنان كذلك، فقد ريبا و نشآ في ظل رجلين و امرأة، هم من أعظم من أظلت السماء.

غير أن ارادة الله شاءت، و لا راد لمشيئته، أن تحرم الحسنان من جدهما و أمهما، و هما طفلان، لم يكن الحسين قد تجاوز السابعة من عمره، و من ثم


فقد أصبحا يتيمين من جدهما النبي صلي الله عليه و سلم و من أمهما فاطمة البتول، و محرومين الا من رحمة الله و أبيهما، و ليستظلا، ببيت ليس فيه الجد الرحيم، و الأم الرؤوم، و لكن أباهما لم يجعل لليأس الي قلبيهما سبيلا، و سرعان ما انتشلهما من ذل اليتم، و جعلهما في كنف وارف، و ظل ظليل، في كنف الامام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه في الحنة، فكان لهما نعم الأب، و نعم الموجه، كما كان في نفس الوقت نعم الأسوة الحسنة، و نستطيع أن نقف علي لون التربية الزاهدة، كما يقول المحب الطبري في ذخائر العقبي، التي أخذ بها الامام الحسين في بضع كلمات من خطبة للامام علي، جاء فيها «لولا ما أخذ الله علي العلماء أن لا يقاروا علي كظة ظالم، و لا سغب مظلوم، لألقيت حبلها علي غاربها، و لسقيت آخرها بكأس أولها، و لألفيتم دنياكم هذا ازهد عندي من عفطة عنز».

هكذا نشأ الامام الحسين مل ء العين و القلب في خلق و خلق، و في أدب و سيرة، و كان كثير الشبه بجده النبي صلي الله عليه و سلم، و ان كان في شدته أقرب الي أبيه، قال الامام علي، مشيرا الي الحسن: «ان ابني هذا سيخرج من هذا الأمر، و أشبه أهلي بي الحسين» و اتفق بعض الثقات علي أن الغالب علي الحسن الحلم و الاناة كالنبي، و علي الحسين الشدة كعلي»، و الأفضل من هذا و أصدق، قول النبي صلي الله عليه و سلم: «أما الحسن فله هيبتي و سؤددي، و أما الحسين فله جرأتي و جودي»، و من ثم فصفات الامامين مستمدة من جدهما النبي صلي الله عليه و سلم أولا، ثم من أبيهما الامام علي ثانيا، و هكذا كان الامام الحسين صورة مصغرة لجده رسول الله صلي الله عليه و سلم، و مرآة تنعكس عليها شمائله و صفاته، فسيدنا و مولانا رسول الله صلي الله عليه و سلم انما هو شمس الهداية و الحسين قبس منها، و صدق رسول الله صلي الله عليه و سلم حيث قال «حسين مني و أنا من حسين»، كما كان الحسين صورة من أبيه الامام علي، بل هو أشبه أهله به، كما قال الامام علي نفسه، فلقد كان الامام علي يدرك بالهامه الصادق، و يحس ببصيرته الكوارث التي يمكن أن تنجم من محاولة معاوية تحويل الاسلام الي ملك عضوض و مزرعة أموية، فقام قومته المعروفة ليمنع الكارثة قبل وقوعها، ثم قام من بعده ابنه العظيم الامام الحسين، ليمنع امتداد


الكارثة و استمرارها، مهما كان الثمن، و اذا راجعنا تاريخ الأمم و الشعوب، فليس من العالم، كما يقول الأستاذ العقاد، أسرة أنجبت من الشهداء من أنجبتهم أسرة الامام الحسين، عدة و قدرة و ذكرة، و حسبه أنه وحده في تاريخ هذه الدنيا، الشهيد ابن الشهيد، أخو الشهداء أبو الشهداء في مئات السنين.