بازگشت

يوم الايمان الشامخ


جمدت في مآقي الناس دمعة حري لم يكن الحزن كل معناها كما لم تخل من بعض معناه، فقد اتصلت بكل قلب أسباب حزن مرير، حين استفاق الناس بعد «أحد [1] » علي مشهد البطولة الكليمة الجريحة.

و جراح البطولة لا تقذف في النفوس ضعف الألم بل كبرياءه، و لا تلفها بذلة التجربة و لكن بتجديدها في عزيمة تضاعفت حقيقتها و تمددت في كل أشياء الحس. فان الألم مع الايمان ظهور لذاتية الوجود بقوتها، كما يكون الالم مع الجحود ظهورا لذاتية العدم بتلاشيها.

و ان الالم في غايته تحد، و تحدي القوة مبالغة القوة في اظهار طبيعتها و معناها، و تحدي الضعف مبالغة الضعف في اظهار طبيعته و معناه.

و تزأر القوة اذا أصيبت زئير القنبلة اذا انفجرت، و هي تعبر عن أن في بعض


الكسر ما هو انطلاق لأعمق القوات الكامنة. و ترعد ارعاد الأسد اذا خانه الموقف، و هو يعبر عن أنه الاسد بطبيعته المخزونة التي شاء الموقف أن يطلقها به. و تلك القوات و هذه الطبيعة لا تنطلقان الا بكسر أو جرح، و هما تحسان به احساس المادة الملتهبة بالنار لا تميل بها الي ضمور العدم بل الي كبرياء الوجود، ثم لا تدفعها الي استسلام كسيف و صموت طامس بل الي اعتداد رهيب ورد مصم، و يكون الكسر أو الجرح قد أضاف الي معناها معني جديدا أو سمح لكل طبائعها بالظهور.

و كذلك يكون شعور القوي بالألم اغراء لقوته علي أن تنطلق و تنقض متنمرة ظامئة، كما يكون شعور الضعيف بالألم اغراء لضعفه علي أن يبرز و يبدو في أتعس أشكال العبوديات الذليلة [2] مهانة و خورا.

و الايمان قوة تصنع البطولات المستهينة، و يوم أحد يوم أصيبت البطولة فيه، فكان ابتداء احساسها بالألم ابتداء شموخها الذاهب في السماء و المتحدب مع الآفاق... و الدماء الصبيبة لا تلهم الابطال روعة الدم الراهبة بل رجفة الدم النابضة، و لا تمر بهم الا و قد استحالوا قوي مرعدة منقضة في مسافات أشواطها لا يحول دونها الا ما قدر له أن لا يكون.

و الالم للايمان كالحركة للحياة يمريان الحرارة فيهما، و كما تذهب الحياة بدون الحركة في ضمور، يحور الايمان بدون الالم في تلاش و يأخذه همود سحيق. و الايمان قوة و لكن سرعان ما تتفلل حرارته في أعماق النفس اذا لم يركزها الالم و يقربها من عملية الحياة.

و ان حركات التاريخ برمته تقع بين جواذب الالم و دوافعه، بل خطي النشوء للكل الاجتماعي تنتظم بين هذا الدفع و هذا الجذب، و كانت أكبر الحركات لا تزيد في جوهرها عن أنها ايمان بفكرة و ألم في الايمان، و أبدا لا يشتد الايمان و يخطو صعدا الا اذا قدح الألم زناده و طاير بالشرر. و في محيط المادة كما في محيط الروح


نفس الناموس، فان الجسم المادي الضعيف يلين علي الالم بينما الجسم القوي يشتد و يهيج حتي يملأ الفضاء مشيرا الي قوته و أنه لم يهن.

فاذا كان في يوم بدر بعض الظفر، ففي يوم أحد كل الظفر لأن الايمان أحس بقوته و أنه شي ء، و بدأ يخطو في ذاتية و اعتداد.

اندفع الناس الي الناس «يهني ء بعضهم بعضا» بأنهم ان خسروا المعركة فقد ربحوا الايمان بالمبادي ء و ربحوا العقيدة التي ظهرت سلامتها، و أنها رباط تسني له أن يجمع قلبا الي قلب و يمزج نفسا بنفس، و أنه لن يتفلل علي الضغط مهما كان عنفوانه، و مهما جاء منه.

ظهر أنهم لا تجمعهم جامعة من شهوات الارض بما اكتظت به من أهواء و احتفلت به من مطامع، و انما تجمعهم جامعة من رغبات السماء، و رغبة السماء في تطهير ما علي الارض من شهوات و أرجاس تمور مورانا و تسوق الجموع الانسانية بعنف و قسر الي حيث لا تكون انسانيتها و تخسر معناها.. و كانت معركة أحد تجربة سعيدة لاختبار بناية محمد الجديدة في أعماق النفوس، فقد ثبتت علي العاصفة التي تمزقت رياحها علي صخرات الايمان الشامخ.

ما الشهوات النهمة؟

ما اللذائذ الدنيا؟

ما البلهنية و الترف؟

انها لا شي ء في مذهب رغباتهم الكبيرة، انها لا تمر بأفئدتهم التي بلورها السمو بمعناه القدسي، و حاطها حتي لا تهوي مسفة و ترتطم بالأوحال، انها أوحال من سفساف الأرض، فهم ينظرون اليها بتقزز و استعلاء.

هم فكرة من التطهير و فكرة من الاصلاح و العمران، و صيرهم الجهاد فكرة من التنظيم، فكانوا معلمين أطلقهم الايمان الجيد ليحلوا في عقل المجتمع المحموم كما يحل الاكسير الذي يحمل في معني الدواء أبدية النشاط و خلود الحرارة و الحركة و الحياة.


لم يكن فساد المجتمع بمعني ذاته و انما كان بفكرة أهوائه التي نفذت الي محل الضمائر و تمددت، فوقف الفرد للفرد و الجماعة للجماعة في كل مكان، و قد تملأوا بضراوة وحشية كالحة و ذهب كل حي يكافح التيار، و المجتمع يطفو و يرسب في فوضي اللجة العاتية النكراء.

لو تأتي لأتباع محمد الظفر دائما لتحول الايمان، بدون شعور، الي فكرة مادية من الغنائم و الاسلاب و تبخر عليهم معناه، و لكن شاء الله أن يكون جهادهم جهاد ايمان فقط، فكان في ظفرهم و اخفاقهم ظفر لفكرة الاصلاح التي يحملونها، ذاك في التفوق و حيزه الواقع، و هذا في التركيز وحيزه النفس.

و قد أظهروا أنهم مؤمنون فقط استهوتهم الفكرة و أخذت عليهم أحاسيسهم و تفجرت في خلايا نفوسهم ينابيع، فهم لا يندفعون بدافع من شهوة الناس في لذة الحياة بل بدافع من تطلع العقل و شعور القلب في لذة الايمان. و قد أراد النبي أن يلقنهم درسا بالغا في أن الايمان لا تظهر حقيقته الا في الألم، و أن الايمان في مظهر الغضارة الرخية ايمان بليد منحل أو ليس شيئا خالدا في شعور النفس.

«اذن مؤذن رسول الله غداة منصرفه من أحد بالخروج في طلب العدو، و ان لا يخرج الا من حضر معركة الأمس، و أتباعه مثخنون بالجراح.

قال رجل من بني عبد الأشهل لأخيه: أتفوتنا غزوة مع رسول الله؟... و و الله ما لنا دابة نركبها و ما منا الا جريح ثقيل. فخرجنا و كنت أيسر جرحا منه، فكان اذا غلب حملته عقبة و مشي عقبة، حتي انتهينا الي ما انتهي اليه المسلمون. و كان النبي قد انتهي الي حمراء الاسد و هي من المدينة علي ثمانية أميال، و أقام بها الاثنين و الثلاثاء و الاربعاء» [3] .

كان رجع الألم في الايمان هبة لا تعرف الوني و لا تتصل بالفتور و الاستخذاء، انها انطلقت أشد مضاء و أكثر اندفاعا، فقد أحست القوة باعتداديتها و غمرتها


موجة الكبرياء لأنهم تحدوها و استثاروها؛ و القوة اذا استثيرت تنشر طاقات في اخري أكبر منها، حتي تسد الآفاق و تملأ أقطار الفضاء، كمادة الفحم و فيها مخزون من القوة تعلق بها شرارة و تتصل حتي تؤجج بالشرر.

قالت الانسانية الجديدة بعد التحدي و انتظار الرجع (أنا) و هي شامخة بمعناها. و ولت الانسانية العتيقة المتهرئة متساقطة متواردة الي أوكارها، و هي شامخة بخيال المعني الضائع و المصادفة العارضة، كالذي تعثر به قدمه فيهوي الي حفير فيه كنز، فانه يحس بالارتياح الي ما صادف من الثروة و لكنه لا يحس أبدا بفخار الثروة، لأنها لا تتصل بذاته اتصال الايجاد، و انما تتصل بأطماعه اتصال الرغبة بما يثيرها و يحركها.

و كان الفرق بين الشاعر بمعناه و الغائض فيه معناه، كالفرق بين من يسقط في حفير فينسي الألم و يشتد في احساس أنه لم يزل حيا و سيعيد التجربة، أو يطمئن في احساس أنه حي بحياة المبدأ الذي قضي دونه... و بين من يسقط في حفير فينسي الحياة و القوة و يهون في احساس جراحاته و كسوره، أو ييأس في احساس انه مضغة بين فكي العدم الصامت. فأولهما يطرد ضعفا بقوة، و ثانيهما يضيف ضعفا الي ضعف... و مر علي مسرح أحد صورة هذين الرجلين:

«أرسل النبي من يبحث عن سعد بن الربيع، أفي الأحياء هو، أم في الأموات؟.. فنظر فوجده جريحا و به رمق في القتلي.

فقال له: ان رسول الله أمرني أن أنظر أفي الاحياء أنت ام في الاموات.

قال: أنا في الاموات. فأبلغ رسول الله عني السلام، و قل له ان سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزي نبيا عن أمته. و ابلغ قومك عني السلام، و قل لهم: ان سعدا يقول: الا انه لا عذر لكم عند الله ان خلص الي نبيكم و فيكم عين تطرف [4] «


كلمات كلها يقين و اطمئنان و رضي بهذا المصير و هذه النهاية التي يحس أنها كبيرة خالدة.

«قاتل قزمان قتالا شديدا فقتل وحده ثمانية أو سبعة من المشركين، و كان ذا بأس فأثبتته الجراحة. فاحتمل الي دار بني ظفر، فجعل رجال من المسلمين يقولون له:

و الله لقد أبليت اليوم يا قزمان فأبشر.

قال: بماذا أبشر، فوالله ان قاتلت الا عن احساب قومي... فلما اشتدت عليه جراحته أخذ سهما من كنانته فقتل به نفسه [5] «

و سدل التاريخ من دونهما ستاره و أعلن هذه الحقيقة: قضي أولهما دون فكرة العقيدة فكان بطلا و تلفع بالخلود. و قضي ثانيهما دون فكرة الأحقاد و نزغات الاعصاب فانحل بانحلالها و تلفع بالعدم.

وقف النبي و أصحابه في «حمراء الاسد» وقفة الأسد في وثبته الحمراء، و تحدي طويلا و رجع الفضاء دويه الرهيب، و صمت كل شي ء، و بقي الصدي يعلن غلبة الانسان الجديد.

لفت المدينة أيام لم يكن فيها من سواد الأسي أثر كبير، و هي الي أنها أيام تأبين أقرب منها الي أنها أيام أحزان و دموع، علي أن من الحزن ما هو بهيج وليد شعور بالاعجاب، و من الدمع ما هو ضاحك وليد شعور بالامل.

حين شاع الايمان بمعناه الهيامي في الناس شاعت البطولة بمعناها الرائع في الرجال و النساء جميعا، و أعطوا صورا خالدة تضاف الي أشياء التاريخ الكبيرة، فكان لنا من يوم أحد أبطال في شخص الشهداء كحمزة، و أبطال في شخص


الاحياء كعلي، و أبطال في شخص النساء كنسيبة المازنية [6] ، حتي الطفولة [7] لم يفتها نصيب من البطولة...

في ظلال النخيل التي بدت واجمة في اطراقة الحالم، كان الشاعر يستوحي و يستلهم، و جرت علي خدي حسان عبرات الاعجاب الذي اتصل بعاطفة ملتاعة محزونة، و كانت نفسه مكتظة بمشاعر شتي اكتظاظ اليوم الغابر بالروائع الخالدة، و مرت به نسمات أجاشت عليه شاعريته فأطلقها علي هينتها في كل مجال.

لقد كان هذا اليوم مادة الملحمة العربية المفقودة، لو تأتي لشاعر خالد ان يستلهمه و يبرز ما قد طفا علي سطحه من روائع، ينقلها نقلا أمينا لا تقل عن روعة واقعها. فان ملحمة تكون مادتها هذا اليوم تظل بدون ريب أداة بعث في كل يوم من أيام العرب و المسلمين، و تتجدد كلما جدد العرب و المسلمون حركات الانبعاث و عزمة النهوض. و كانت أبرز ما تركت معركة احد هذه الحقائق:

ان نجاح الأعصاب في الكفاح علي مقدار نجاح الايمان من السيطرة، و ان قيمة الكفاح علي مقدار قيمة الفكرة التي يحتدم من أجل تركيزها، و ان الكفاح الظافر لا يكون الا حيث تكون العقيدة الصليبة، و اذا لم يكن الايمان فلا يزيد الكفاح عن أنه فورة خامدة و حركة محتضرة، و لا يزيد هذا البعث عن أنه بعث فيه برودة الموت و مغزي الانحلال.

و طلع عليه و هو في لذة انشائه و انشاده الحجاج بن علاط السلمي، و كان


شاعرا مفتون الشاعرية ببطولة علي يوم أحد، فراح يفتن بألوانها و يتغني بآياتها. فأوسع له حسان في مجلسه:

و قال: كنت أشتهي لقاءك منذ اليوم، و أحسب ما يقال من أن في قلوب الاخلاء آذانا تتصل بكل ما في النفس من رغبات و خلجات، و تحس بها لحينها، حقيقيا جدا.

فقال السلمي في دعابة مفترة: و لا سيما اذا كان الامر بين شاعرين شيطانا هما ألمعيان.

فلم يبد علي حسان ما كان ينتظر من أثر الدعابة العارضة، و انما أخذه اطراق خاشع حتي لقد أحس السلمي أنه لا يشاركه المجلس و الحديث.

فقال له: ما بك؟ أراك كالمأخوذ عن نفسه!

قال حسان: تعاظمني يوم احد بتهاويله حتي لقد ضاقت شاعريتي ببعض ما جمع، و احسب أن القول فيه الهام من الالهام و ليس شعرا من الشعر. أما بلغك نبأ مخيريق؟

قال السلمي: أنباء اسلامه الذي فاجأ به منذ حين غير بعيد؟

قال حسان: كلا. و لكن نبأ استشهاده الرائع الذي جعل نفسي و كل نفس تذهب في الدهشة كل مذهب.

قال السلمي: ماذا تقول؟!

قال حسان: نعم! انه استبسل دون العقيدة التي عهدها جديدة في قلبه، استشهاد من يريد الموت أو الحياة في دنيا الفكر الجديد.

قال السلمي: عجيب أنت يا محمد. و عجيب ايمانك الذي يقتلع رسيس النفس بل النفس من أقطارها و نواحيها حتي لا يحس المرء بشي ء وراء معناه.

و نهض الرجلان في استغراق الشاعر حتي أفضيا الي الحي، و ما انتبها الا علي


حديث الناس «أن النبي لما انتهي الي أهله ناول سيفه ابنته، فقال: اغسلي عن هذا دمه يا بنية فوالله لقد صدقني اليوم... و ناولها علي بن ابي طالب سيفه، فقال: و هذا أيضا فاغسلي عنه دمه فوالله لقد صدق اليوم رسول الله... فقال النبي: و صدق اليوم القتال سهل بن حنيف و أبودجانة».

كانت فاطمة تمر بها هذه الاحداث و هي بمرأي و مسمع، و في أحشائها [8] روح جديدة تتآلف أمشاجها، فكان في جملة عناصرها بل اكبر عناصرها، عنصر التضحية الدامية للفكرة و العقيدة.

وقفت فاطمة تزيل أثر الدماء و قد ضمت سيفا الي سيف أي [9] قوة الي قوة، فان السيف رمز العزم علي العمل، و كان معناه أن سيف العقيدة مصلت في مدي سيف المبادي ء، و أنهما معا ينجحان جميعا. فأحدهما سيف المبادي ء و فعله في الفكر، و ثانيهما سيف العقيدة و فعله في المجتمع، و بهما تتكون الروحية العامة الظافرة. فكل منهما يكون في حاجة الآخر، و هما جميعا في حاجة الأمة اذا أريد خلقها أو بعثها من جديد. فالنبي حينما خلق الأمة جري علي هذا الطريق، و نحن حينما نريد تجديد الامة نجري علي نفس الطريق.

ضمت فاطمة سيفا الي سيف، و كان معناه أن حركات الخلق لا تنجح الا بقوة الفكرة و قوة التضحية لها. و كان معني اصلات النبي سيفه، أن صاحب الفكرة ينبغي أن يكون أشد المؤمنين بها و المكافحين من أجلها و لو علي أمر صورة.

فنحن نجل محمدا لرسالته الي حد كبير، و نجل محمدا لكفاحه و استبساله


و آلامه في سبيلها اجلالا غير محدود، فان الذي يعطي فكرة و لا يوقف كل أشياء حسه و نفسه عليها جهادا و تضحية، يبلبل فكر الجماعة ثم لا ينقذ المجتمع، بل يزيد في معني دائه، فان فكرة الاصلاح لا تكون شيئا نبيلا اذا لم يجعلها الكفاح كل شي ء.

ان الفكرة قد تشير الي امتياز ملهمها، و لكنها لا تشير الي خلوده الا اذا تحمل آلامها. و قد بارك الله آلام محمد الخالد حين أدي رسالته و حمل ثقل الكفاح و الجهاد (ألم نشرح لك صدرك، و وضعنا عنك وزرك، الذي أنقض ظهرك). و الوزر في الآية بمعني الثقل، و هو ثقل آلام الكفاح بسبيل الرسالة الجديدة.

و كان وضع الثقل عنه اعلانا بأن انسانية محمد أخذت طريق نجاحها، و قامت علي قاعدتها، و نفت مرارة الدواء ألم الداء المصمت الجهيد...

بعد حين، تراءي أحد النبي من بعيد، فأثار فيه ذكريات عذبة بأشيائها الكبيرة، و أطيافها اللامعة الرائعة...

و كانت هذه الذكريات قد استحالت الي حنين فحب، جعلاه رمزا من رموز الانبعاث و الانقلاب و التجديد في ضمير المؤمنين الشاعرين...

فقال النبي يكرمه «ان أحدا جبل يحبنا و نحبه»، يحبنا لانه رضي عن استبسالنا و ثباتنا، و نحبه لأنه رمز هذا الاستبسال و هذا الثبات...

و كأن النبي «دشن»، بهذا المقال في أحد، تمثال الايمان الشامخ...

كان يوم أحد يوم الشهداء...

و الشهيد في سبيل أمة ذكري حية في ضميرها، و مادة هامة في كبرياء مجدها...


فيوم أحد يوم الذكريات الحية الخالدة، و لذلك أحبه النبي و نحن نحبه و لا ننسي عظته الناطقة في الضمير!....

استحال يوم أحد الي ذكري من الروائع...

و استحالت الذكري الي حب و هيام بالامجاد، مادام علي الارض عرب أو مسلمون...

و أبرز الغيب بعد ذلك روحا جديدة، جمعت طائفة هذه المعاني و سماها النبي حسينا...

و دار الزمن دورة قصيرة، و ثار الحسين و صوت الحق يدوي في صوته المرسل...

و انطلق الناس يقول بعضهم لبعض:

تحرك اليوم أحد مرة أخري، و ثار بركان الاصلاح يزلزل بالحمم..!



پاورقي

[1] جبل في الحجاز قرب المدينة کانت فيه معرکة شهيرة بين النبي و أتباعه و بين المشرکين و شنهما المشرکون کمعرکة ثأرية بمعرکة بدر الکبري و وقعت الواقعة في صفوف أتباع النبي لأنهم ترکوا المواقع الستراتيجية التي عينها لهم النبي قبل نهاية المعرکة و ان ظهرت تباشير الظفر أو لا في جانبهم، کما هو معروف في کتب السير و التاريخ.

[2] العبوديات الذليلة هي عبودية الانسان للانسان علي اشکالها. و أما العبودية لله التي جاءت بها الأديان فانها تحرير لنفس الانسان من شتي العبوديات و اشعارها بکبرياء الذات.

[3] راجع سيرة ابن‏هشام ج 2، ص 90.

[4] راجع سيرة ابن‏هشام ج 2، ص 86.

[5] راجع سيرة ابن‏هشام ج 2، ص 82.

[6] کان من قصتها أنها خرجت في يوم احد و معها سقاء تسقي منه الجرحي و الريح للمسلمين، فلما هبت عليهم انحازت الي النبي و باشرت القتال عنه تذب بالسيف و ترمي عن القوس حتي حصلت الجراحة لها، و فيها قال النبي ما التفت يمينا و لا شمالا يوم احد الا و رأيتها تقاتل دوني. راجع السيرة الحلبية ج 2، ص 230.

[7] قتل سمرة بن جنوب لما رده النبي يوم احد لصغر سنه و أجاز رافع بن خديج، قال لزوج أمه أجاز النبي رافعا و انا اصرعه، فقال النبي: تصارعا فصرعه فأجازه و ضمه الي الجيش. راجع السيرة الحلبية ج 2، ص 220.

[8] لا يظن أن هذا القول يدخل في حد الخيال الشعري بل هو حقيقة نفسية تثبت علي البحث الجديد، فقد قرر العلمآء وراثة الجنين لکل ما يختلف و يتراوح علي الأم في دور الحمل من تأثرات و مشاعر و احساسات.

[9] ان السيف في کلامنا رمزي بحت يشير الي القوة، فسيف النبي رمز لقوة المبادي‏ء و سيف علي رمز لقوة العقيدة. و لا يتوهمن أن کلامنا يدور علي السيف الآلة المحددة بل نعني القوة الأدبية. و هذا التنبيه لکي لا يتوهم البسطاء ان الاسلام کانت قاعدته السيف و اننا نهيب بالناس الي نهضة السيف قاعدتها.