بازگشت

تاريخ مقارن


عرفنا شيئا كثيرا من عناصر تربية الحسين (ع) في الفصول المارة و خرجنا منها بنتائج هامة، و هي انه كان مثاليا في العقيدة و الاخلاق و السلوك و الآن نعرض لأثر التربية في يزيد.

أنبهنا العلامة بستالوزي، الي دور الانتقال او التحول الذي يعرض لكل ناشي ء،و ان واجب المربي في هذا الدور عظيم جدا، فاذا اهمل الناشي ء


اندك في نفسه صرح الفضائل الاولي و المبادي ء الادبية المكتسبة.

فاذا علمنا أن يزيد في هذا الدور كان مرسل العنان في بني كلب اخواله، مطيته الشباب و الفراق و الجدة، و صلنا الي السبب الذي جعل سلوكه متجاوزا علي ما جاء في الاخبار. و مما يدخل في تدقيق الموضوع ذكر نتف مما حدثنا التاريخ.

(ذكروا ان يزيد [1] عرف بشرب الخمر و اللعب بالكلاب و التهاون بالدين، و يلهو [2] بالنرد

و يتصيد بالفهود و من شعره:



اقول لصحب ضمت الكأس شملهم

و داعي صبابات الهوي يترنم



خذوا بنصيب من نعيم و لذة

فكل، و ان طال المدي، يتصرم



و كان [3] صاحب طرب و منادمة

علي الشراب. جلس ذات يوم علي شرابه و عن يمينه ابن زياد بعد قتل الحسين فاقبل علي ساقيه فقال:



اسقني شربة تروي مشاشي

ثم صل فاسق مثلها ابن زياد



صاحب السر و الامانة عندي

و لتسديد مغنمي و جهادي



ثم امر المغنين فغنوا. و غلب علي اصحاب يزيد و عماله ما كان يفعله من الفسوق. و في ايامه ظهر الغناء بمكة و المدينة و استعملت الملاهي و اظهر الناس شرب الشراب.

و بالجملة كان [4] موفر الرغبة في اللهو و القنص و الخمر و النساء و كلاب الصيد حتي كان يلبسها الاساور من الذهب و الجلال المنسوجة منه و يهب لكل كلب عبدا يخدمه، و ساس الدولة سياسة مشتقة من شهوات نفسه، و كانت


ولايته ثلاث سنين و ستة اشهر، ففي السنة الاولي قتل الحسين بن علي، و في

السنة الثانية نهب المديند و اباحها ثلاثة ايام [5] ثم فيها قتل سبعمائه من المهاجرين و الانصار و لم يبق بدري بعد ذلك، و قتل عشرة آلاف من الموالي و العرب و التابعين. و افتضاض الف عذراء).

اضعف الي هذا ما اجتمع له من الوراثة التاريخية، و هي علي شتي اشكالها تساعده علي ان يكون كذلك بعيدا عن المثالية بكل معانيها.

و قد ذكرت في الحلقة [6] الاولي ان يزيد نشأ نشأة مسيحية تبعد كثيرا عن عرف الاسلام، و ذلك لان يزيد يرجع بالامومة الي بني كلب، هذه القبيلة التي كانت تدين بالمسيحية قبل الاسلام، و من بديهيات علم الاجتماع أن انسلاخ شعب كبير من عقائده يستغرق زمنا طويلا، علي أن طائفة من المؤرخين ترجح ان من اياتذته بعض نساطرة الشام من مشارقة النصاري. و اذا صح هذا نعثر علي سبب خطير ايضا يساعده علي ان يظهر بهيئة الساخر من الاوضاع التي يأخذ المجتمع بها نفسه. كما ان القبيلة عملت فيه عملها فخرج جافيا ذا عصبية قاصية.

فاحدهما اذا سماء، والآخر ارض: و ستطل بينهما هوة فسيحة تبدو كأنها لا نهائية، فخروج الحسين (ع) كان واجبا دينيا و اجتماعيا و برلمانيا - اذا صح هذا التعبير - و لا حظنا في الحلقة الاولي: أنه كان علي معاوية - و هو يعلم انم السلطتين الدينية و الزمنية اندمجتا في الاسلام، و للاولي شروط [7] تتعلق بالسلوك - أن يفصل ما بين السلطتين حتي لا يعرض المجتمع لكوارث لا تحصي، بنسبة تعريض بيته لها. و هذا قصر نظر بلاريب، و غلطة سياسية حفرت القبر مع المولود.



پاورقي

[1] راجح الکتاب أخبار الدول لأحمد بن يوسف القرماني ص 130 و 131.

[2] راجح حياة الحيوان للمديري في الکلام علي الفهد ج 2 ص 270.

[3] راجح مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 74.

[4] راجح الفخري لابن‏طباطبا المعروف بابن‏الطقطقي ص 103.

[5] راجع کتاب أخبار الدولي للقرماني ص 130.

[6] راجع الحلقة الأولي (سمو المعني).

[7] و لعل أوفي ما قيل في ذلک قول الحسين (ع) في کتابه الي أهل الکوفة فلعمري ما الامام الا العامل بالکتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه علي ذات الله. راجع تاريخ الطبري ج 6 ص 197.