بازگشت

المامة


فكر معاوية بتقرير نظام ولاية العهد في الاسلام علي سنة وراثية، و لا

شك في ان هذا اقتباس من البيئة الجديدة التي تأثر بها الي ابعد حد. غير انه عمد الي تطبيق هذا النظام بضرب من المداورة و الخديعة للرأي العام، و اليك ما جاء في النوادر [1] لابي علي القالي (عن جويرية بن اسماء قال: لما اراد معاوية البيعة ليزيد ولده، كتب الي مروان و هو عامله علي المدينة. فقرأ كتابه و قال: ان امير المؤمنين قد كبر سنه و دق عظمه، و قد خاف ان يأتيه امر الله تعالي فيدع الناس كالغنم لا راعي لها، و قد احب أن يعلم علما و يقيم اماما. فقالوا: وفق الله امير المؤمنين. سدده ليفعل.

فكتب بذلك الي معاوية، فكتب اليه: ان سم يزيد. قال: فقرأ الكتاب عليهم و سمي يزيد، فقام عبدالرحمان بن ابي بكر فقال: كذبت و الله يا مروان. كذب معاوية معك. لا يكون ذلك، لا تحدثوا علينا سنة الروم، كلما مات هرقل قام مكانه هرقل.

فقال المروان: ان هذا الذي قال لوالديه: أف لكما أتعدانني أن


أخرج. قال: فسمعت عائشة ذلك فقالت: ألابن الصديق يقول هذا. استروني، فستروها. فقالت: كذبت و الله يا مروان ان لذلك لرجل معروف نسبه.

قال فكتب بذلك مروان الي معاوية فأقبل. فلما دنا من المدينة استقبله اهلها فيهم: عبدالله بن عمر و عبدالله بن الزبير. الحسين بن علي و عبدالرحمن بن ابي بكر، فاقبل علي عبدالرحمن فسبه و قال لا مرحبا بك و لا اهلا، فلما دخل الحسين عليه قال لا مرحبا بك و لا اهلا، بدنة يترقرق دمها و الله مهريقه.

فلما دخل ابن الزبير قال لا مرحبا بك و لا اهلا، ضب تلعة مدخل رأسه تحت ذنبه.

فلما دخل عبدالله بن عمر قال: لا مرحبا بك و لا اهلا و سبه، فقال اني لست باهل لهذه المقالة، قال بلي و لما هو شر منها.

قال فدخل معاوية المدينة و اقام بها، و خرج هؤلاء الرهط معتمرين، فلما كان وقت الحج خرج معاوية حاجا، فاقبل بعضهم علي بعض، فقالوا: لعله قد ندم.

فاقبلوا يستقبلونه. فلما دخل ابن عمر قال: مرحبا بك و اهلا يا ابن الفاروق، هاتوا لابي عبدالرحمن دابة. و قال لابن ابي بكر مرحبا بابن الصديق هاتوا له دابة. و قال لابن الزبير مرحبا بابن حواري رسول الله هاتوا له دابة. و قال للحسين مرحبا بابن رسول الله. هاتوا له دابة. و جعلت الطافه تدخل عليهم ظاهرة يراها الناس و يحسن اذنهم و شفاعتهم.

قال ثم ارسل اليهم فقال بعضهم لبعض: من يكلمه؟ فاقبلوا علي الحسين فأبي، فقالوا لابن الزبير: هات فانت صاحبنا. قال: علي أن تعطوني عهد الله الا اقول شيئا الا. تابعتموني عليه قالوا نعم. فدخلوا عليه فدعاهم الي بيعة يزيد، فسكتوا. فقال ابن الزيبر: اخترمنا خصلة من ثلاث. قال: ان في ثلاث لمخرجا. قال اما أن تفعل كما فعل رسول الله (ص) قال ماذا فعل؟. قال لم يستخلف احدا قال: و ماذا؟ قال او تفعل كما فعل ابوبكر قال ماذا فعل؟ قال نظر الي رجل من عرض قريش فولاه. قال: و ماذا؟ قال: او تفعل كما فعل عمر بن الخطاب قال: فعل ماذا؟ قال: جعلها شوري في ستة من قريش.


قال معاوية: ألا تسمعون اني قد عودتكم علي نفسي عادة و اني اكره أن امنعكموها قبل ان ابين لكم، أن كنت لا ازال اتكلم بالكلام فتعترضون علي فيه و تردون، و اني قائم فقائل مقالة، فاياكم ان تعترضوا حتي أتمها، فان صدقت فعلي صدقي، و ان كذبت فعلي كذبي، و الله لا ينطق احد منكم في مقالتي الا ضربت عنقه. ثم و كل بكل رجل من القوم رجلين يحفظانه لئلا يتكلم، و قام خطيبا فقال: ان عبدالله ابن الزبير و الحسين بن علي و عبدالرحمن ابن ابي بكر قد بايعوا فبايعوا. فانجفل الناس عليه يبايعونه، حتي اذا فرغ من البيعة ركب نجائبه فرمي الي الشام و تركهم. فاقبل الناس علي الرهط يلومونهم، فقالوا: و الله ما بايعنا، و لكن فعل بنا و فعل.)

هذه وثيقة مهمة جدا يحتاج المؤرخ الي تدقيقها و درسها درسا تحليليا. و هو بعد هذا الدرس يصل الي ان يزيد تمت بيعته بطريقة الاغفال، فهي غير صحيحة، و يزيد ليس امام يعتبر الخارج عليه باغيا، اضعف الي هذا صفاته الشخصية التي تقدح في امامته باتفاق ء لا تصحح انتخابه، مراعي في ذلك الزمان و المكان و العرف.

فالحسين (ع) لم يخرج علي امام و انما خرج علي عاد فرض نفسه فرضا او فرضه ابوه بدون ارعواء، و انه ضيق النظر. فنظام ولاية العهد جر علي الدولة الويلات من وجه، واعد المجتمع للثورة مرة اخري اعدادا قويا حينما عهد الي يزيد.

و الوثيقة تعرفنا قوة الرأي العام في ذلك العهد رغم الضغط و تكميم الافواه، و تثبت لنا ايضا و جود اصول انتخابية مقررة.


پاورقي

[1] راجع النوادر ص 175 و 176.