بازگشت

في عهد عثمان


نستقبل الحسين في خلافة عثمان شابا في ميعة الشباب و عنفوانه، فقد كان عمره عشرين سنة تقريبا، و هذه سن تسمح لصاحبهما بأن يخوض معترك الحياة و يعطي رأيه و يعالجها من ناحيته.

و قد رأينا، في الفصول التحليلية التي تناولنا بها تربيته، انها كانت مشبعة بروح الحق و ملأي بقضايا العدالة و العدالة و الواجب. اضف الي هذا الوراثة و مشاهد الطفولة و المسكن - فقد حدثنا ابن عساكر ان بيت فاطمة كان في جوف المسجد - و هذا له تأثيره الكبير في البناء الروحي و هيكل النفس المحجب.

فان الحسين كان في عنفوان الشباب، و كان سريا بالخلجات الدينية الي حد كبير، و هو يشعر بارستقراطية الدم الذي يجري في عروقه، و لم تكن أرستقراطيته علي الشكل المعروف من هذا اللفظ أي بمعناها الاجتماعي، بل كانت ارستقراطية تقية تتعصب لمبادئها و تثور لها بوقدة الشعور و التهاب العاطفة.

و نحن لا نزال نذكر طموحه الذي رأينا صورته منه في أزمان طفولته، و نذكر أيضا أنه تأثر الي حد ما بفشل أبيه في الانتخاب مرتين، و الآن يفشل أبوه للمرة الثالثة بمداورة كانت مكشوفة و ظاهرة حتي أثارت حفيظة الكثيرين.


و يظهر أن المعركة الانتخابية كانت عنيفة الي حد كبير، و لم يثبتها التاريخ كاملة، و ان احتفظ لنا ببعض وثائق و نتف من الاخبار، ترينا مدي العنف الذي سيطر علي الحركة، و لكنها بتراء مقتضبة علي أي حال. و الأهمية ليست في أن يفشل المنتخب و لكن في أن يداور مداورة تنتهي به الي ذلك، فان الفشل علي هذا الشكل يطوي الكثيرين علي موجدات مختلفة حتي عند البعيدين عنه.

و هذا ما وقع لعلي (ع)؛ فقد كان فشله نتيجة حركة من هذا القبيل جعلت ذوي الضمائر يعنفون الانتقاد و يجهرون بالانكار. فحمل علي التلاعب الانتخابي المقداد بن الاسود و عمار بن ياسر و كثيرون حملة شديدة، حتي كادت تحيق بالجموع كارثة انتخابية مؤلمة.

و أعتقد أن الذي سبب كل هذا، حصر عمر الانتخاب في هؤلاء الستة و ترشيحهم، فان تسمية هؤلاء الي جانب علي (ع) جعلهم يتمتعون ببعض الثقة الشعبية، و يثقون بأنفسهم الي حد كبير. و الا فلو ترك الانتخاب حرا لما وجد هؤلاء، عدا علي، في أنفسهم الشجاعة الكافية التي تحملهم علي خوض غمار الانتخاب ضد مرشح ممتاز، كما لا يجدون التشجيع الكافي من الشعب، خصوصا أن الزبير قد بايع، بالأمس القريب في عهد ابي بكر، المرشح الذي ينزل ضده اليوم.

و منطقي جدا أن مثل هذا لا يجد الجرأة التي تحمله علي أن يرشح نفسه ضد علي، اذا وجدها فلا يجد التأييد الشعبي؛ اذن كان ترشيح عمر لهم بمثابة التزكية.

و هذا قد أوجد - عدا الحزبية التي تكلمنا عنها في بحث الثورة - دوافع الاعتراك و الاصطراع. فالحسين كان منطويا علي موجدة و حنق شديدين من الفئة الاموية التي تسعي الي غش الجمهور، و هي تدير القوي الي ما يخدم أهواءها.

و قد القت هذه التظاهرة التي ولدها الانتخاب بذور الشنآن في قلب الحسين الشاب، و بذور الريبة في انهم مخلصون علي وجه عام، فهو بدافع ضميره و بدافع


احقاق الحق انطوي علي ظلامة و استفزاز كبير، ظهرت نتائجهما بعد أن دارت الحوادث دورة غير قصيرة.