بازگشت

شعور


تسامع [1] الناس و جرت بينهم همسات منطلقة تشيع فيهم


سرورا من سرور الجسد و الزينة، بأن حللا من و شي اليمن و ردت الي اميرالمؤمنين، جلس لها في مسجد النبي (ص) بين المنبر و القبر.

و كان هذا اعلانا بأن التاريخ الذي ينشر العرب منه و يطوو قد لبس حلة جديدة... حلة هي رمز المجد و غلبة الحق في الكفاح، و هي رمز الصراع المنصور بين العالم القديم المتداعي و العالم الجديد الذي يشيده العرب و العرب وحدهم...

رمز انتصار العقيدة في الجهاد، و رمز انتصار الفضيلة السامية التي كانت مكبلة مغلولة، لتقول كلمتها وحدها في هذا العالم الذي يضع معالمه العرب و العرب وحدهم...

هذا العالم الذي كانت الكلمة العليا للأخلاق و الفضائل و الحريات المهذبة، العالم الذي انتشل القلب و الضمير قبل ان يختنقا و تطل معاني السمو فيهما...

فدولة الاسلام بحق تدعي، دولة العقل و الضمير و الأخلاق و القوة...

و هذه الحلة كانت أثرا من انتصار الدولة، فهي رمز لانتصار هذه القوي جميعا...

و شاء الخليفة أن يكون توزيع الحلل في المسجد، ليضيف اليها وشيا جديدا فيه معني المسجد و فيه أسراره. و شاء أن يكون جلوسه بين القبر و المنبر - جاء في الحديث انها روضة من رياض الجنة - ليقول للمسلمين ان الجنة بدأت تحل في دنياهم.

عج المسجد بما ازدحم فيه من طبقات الناس، فرحا بالفكرة المنتصرة التي ترمز اليها الحلة الجديدة، و اظهارا للذاتية في الامة الناهضة، الأمة المعلمة التي تسوق العالم الي الفكر الجديد و الحرية التقية.


و كان هذا يوم احتفالها بالبطولة الساخرة من القوي المجتمعة، و لم يكن لهذه الأمة الا أن تحيا مجتمعة، لأن كل أفرادها ككل أفذاذها في المعني الذي يكون للبطل.

في غمار الجموع مر غلامان كأنهما قطرتا الندي في عين الفجر، و كانا يخطران في غير حلة سوي حلة المعني الضافي، فعرا عمر (ض) شعور مبهم عنيف و أطرق اطراقة من فعل شيئا. فقد ترك [2] النبي (ص) فيهما تذكاره بين المسلمين، كما ترك بالقرآن تعاليمه، و المسلمون لن ينسوا باني نهضتهم و مؤسس العالم الجديد، و لكنهما كانا كاعلان من النبي (ص) بأنه هنا يسمع و يري، فلم يدخل في أخدود التاريخ، بل انفصل من اهاب المادة و النواميس، ليدخل الماضي و الحاضر و المستقبل في تاريخه.

هما صغيران ليس في الحلل ما يستوي علي جسميهما، غير ان عمر المرهف الحس شعر بشي ء جعله يصر ما بين عينيه طويلا، ثم يقول: «و الله ما هناني ما كسوتكم من أجل هذين الغلامين يتخطيان الناس ليس عليهما مما كسوت الناس شي ء» فكتب لصاحب اليمن أن ابعث الي بحلتين لحسن و حسين و عجل، فكساهما و قال: الآن طابت نفسي. فعمر يعدل بهما سائر المسملين، لأن فيهما عين الينبوع الذي غمر العالم القديم، و أعطي اليبس سر الحياة فعاد أخضر فينانا.

و شعور عمر بأنهما تذكارا النبي (ص) الي المستقبل حمله علي أن يجعل لهما عطاء [3] أهل بدر و كان خمسة آلاف، و ان يقدمها [4] علي ولده.



پاورقي

[1] ذکر ابن‏عساکر في «التاريخ الکبير» ج 4 ص 321، انه قدم علي عمر حلل من اليمن، فکسا الناس، فراحوا في الحلل، و هو بين القبر و المنبر جالس و الناس يأتون فيسلمون عليه و يدعون. فخرج الحسن و الحسين من بيت امهما فاطمة في جوف المسجد ليس عليهما من تلک الحلل شي‏ء، و عمر قاطب صارم ما بين عينيه، ثم قال: و الله ما هناني ما کسوتکم. قالوا: لم يا اميرالمؤمنين؟

فقال: من اجل هذين الغلامين يتخطيان الناس ليس عليهما مما کسوت الناس شي‏ء؛ ثم کتب لصاحب اليمن ان ابعث الي مجلتين لحسن و حسين؛ و عجل فبعث بحلتين فکساهما، و قال: الآن طابت نفسي. و في رواية: ان الحلل لم يکن فيها ما يصلح لهما.

[2] جاء في الحديث ان النبي (ص) ترک في الامة الثقلين: القرآن و السيرة اهل البيت.

[3] ذکر ابن‏عساکر في «التاريخ الکبير» ج 4 ص 321 ان عمر جعل عطاء الحسن و الحسين مثل عطاء ابيهما فالحقهما بفريضة اهل بدر ففرض لکل واحد منهما خمسة آلاف. و روي البخاري في کتاب المغازي من صحيحه ان عطاء البدريين خمسة الاف و قال عمر: لافضلنهم علي من بعدهم.

[4] روي سبط ابن‏الجوزي في کتابه «تذکرة خواص الامة في معرفة الائمة» عن ابن‏عباس، قال کان عمر ابن الخطاب يحب الحسن و الحسين و يقدمهما علي ولده و لقد قسم يوما فاعطاهما عشرين الف درهم و اعطي ولده عبدالله الف درهم فعاتبه ولده و قال قد علمت سبقي في الاسلام و هجرتي و انت تفضل علي هذين الغلامين، فقال: و يحک يا عبدالله ائتني يجد مثل جدهما و انا اعطيک عطاءهما.