بازگشت

سلام عليه يوم ولد


جاء في اخبار الحسين انه كان صورة احتبكت ظلالها من أشكال [1] جده العظيم، فأفاض النبي عليه شعاعة غامرة من حبه و أشياء نفسه، ليتم له ايضا من وراء الصورة معناها. فتكون حقيقته، من بعد كما كانت من قبل، انسانية ارتقت الي نبوة «أنا من حسين»، و نبوة هبطت الي انسانية «حسين مني».

فسلام عليه يوم ولد...

الطفولة انسانية لم تمسها ضراوة الغرائز و شهوات العقل، كالمطرة قبل أن تمسها الارض بتربتها فتدخل عليها الوانا ليست من معناها و لا من طبيعتها.

ثم تتفاضل الطفول بالبيئة التي تمر منها الي الحياة، كتلك المطرة اذا حلت في قارورة او حلت في تربة.


و الحسين الطفل حل في بيئة النبوة التي هي الانسانية العليا في المظهر البشري، فكان بذلك اسمي [2] رجل لانه اسمي طفل في اسمي بيئة.

فسلام عليه يوم الولد...

حينما فصل الحسين (ع) من قوة في النواة، الي كائن مبسوط تمددت فيه القوة علي شكل آخر، خرجت خصائص الوراثة من [3] نقطة الدائرة الي محيطها.

فسلام عليه يوم ولد...

علق النبي (ص) حسينا، لأنه رأي ظله و رأي حقيقته في الطفل الوليد، فحب النبي له لم يكن بمحض العاطفة فقط، بل بشعور آخر أيضا هو الابقاء علي الذات.

فسلام عليه يوم ولد...

«اللهم أحبه فاني أحبه» كلمة كأنها الوسام من النبي (ص) لمولوده الصغير؛ و الوسام، في لغة المراتب الاجتماعية، منبهة لحامله علي انه قام بعمل عظيم. و هذا و سام ينبه علي عمل خالد سوف يقع من الطفل الجديد؛ و لم يمنحبه قبل الاستحقاق، لان عمله الخالد سيكون تضحية رهيبة تضع حدا للحياة.

فسلام عليه يوم ولد...

النبوة طاقة تغلب المادة و تتمدد في القلب و العقل و الضمير، و الحكمة طاقة تغلبها المادة الا انها تسيطر علي القلب و العقل و الضمير.


و الفرق ان هذه تبدأ سيرها من المادة الي ماوراء، و تلك تبدأ السير من الطاقة الي ماوراء، و بينهما ان الاولي الا تخرج عن المادة الا بمقدار فهي فيها ابدا، كما ان الثانية لا تتصل بالمادة الا بمقدار فهي فوقها ابدا، و النبوة الصغيرة حكمه كبيرة.

فسلام عليه يوم ولد...

يقول السيد الطباطبائي:



غرس سقاه رسول الله من يده

و طاب من بعد طيب الاصل فارعه



النبوة ليست شيئا من عمل الدنيا، الا فيما يتصل بصلاحها و تهذيبها، فميراثها لا يدخل في زخرف الحياة الذي هو سر التراب، و انما يدخل فيما ينتظم التقوي و الفضيلة مما هو سر القلب و معني الوجدان.

و كان سر قلب النبي (ص) هو ارث الحسين منه، فطاب من بعد طيب الاصل.

فسلام عليه يوم ولد...

لاول مرة يخشع الكمال الانساني علي منظرة الجد و السبط في ساعة قبلة او عناق يدغدغ احلام الروح، و يمسها بتيار جديد يجعلها و ضية في تسام أبدي. خشع الكمال الانساني لاول مرة و بارك ما يري.

فسلام عليه يوم ولد...

نظر النبي الي الحسين طويلا ليري اين هو من طبيعته، و نظر الحسين الي النبي كذلك ليملأ منه و يفجر ينابيعه، ثم انصرفنا بمعني واحد: هذا صوب الماضي، و هذا صوب المستقبل. و لكن الجد سار و هو يلتفت الي سبطه الذي اسلمه الي المستقبل في حنان و حذر.

هذا المستقبل الذي لم يثبت في طبعه من غصن [4] الزيتون الا انه يثمر حبا


يلهي المعدة، فلم يأمنه علي طفله الذي ارسله بقبس الهيكل.

فسلام عليه يوم ولد...

ارتحل الحسين (ع) ظهر جده العظيم و هو ساجد في الصلاة، و جاء في الحديث ان أقرب ما يكون المرء من ربه و هو ساجد.

و معني هذا ان النبوة الساجدة كانت معراجا روحيا لهذا الطفل الذي استودع فيه النبي اسراره العظمي و انسانيته العليا.

فسلام عليه يوم ولد...



پاورقي

[1] هذه الشکلية خاضعة لقانون «الاتافيسم» الذي ترجمناه بقانون (التجدي) من تجدد بمعني تشکل بشکل الجد؛ و قد جاء، في الاصول الاشتقاقية التي اقررناها في کتابنا؛ مقدمة لدرس لغة العرب، أن المضعف الثلاثي اذا صيغ علي وزن تفعل جاز قلب لامه في التکرار حرف لين مثل تظنن، قال العرب: تظني؛ و تمطط، قالوا فيها: تمطي. و نحن اجريناها قاعدة في الاشتقاق مع اختلاف المعني دفعا للبس. و عليه فتجدد بهذا المعني خروجا عن اللبس بتجدد بمعني التجديد: نقلب اللام فيه حرف لين و نخصه بمعني الذي اتخذ صورة الجد، و بذلک تکون ترجمة حقيقة للکلمة اتافيسم.

[2] يقول المثل الانکليزي (الطفل ابوالرجل) و معناه ان ما استقر في الطفل من کمال او نقص، هو الذي يبعث الرجل ذا الکمال او النقص؛ وليس من يرتاب في ان بيئة النبي (ص) ارفع بيئة، و ان الذي استقر في الحسين الطفل هو اشياؤها، فلم يبق ريب في ان الحسين لا يمکن الا ان يکون اسمي رجل، فان طفولته کانت ابا رجولته.

[3] نعني بهذا أن خصائص الوراثة، بعد ان کانت مجتمعة في النبي (ص) الذي هو نقطة الدائرة، انتقلت بالحسين و اخيه اللذين هما الحافظان للنسل النبوي من الانقطاع، الي محيط اوسع شکل دائرة کبري.

[4] في غصن الزيتون معني رمزي، فاذا اسفت الانسانية و غدت تقيس قيم الاشياء بمقاييس المعدة، لم يعد لغصن الزيتون معني سوي انه يثمر حبا يدخل في اشياء المعدة.