بازگشت

المربت او المزبي النبوي


كلمة من وضعنا بمعني (روضة الاطفال)، من مادة ربت اي ضرب علي كتف الطفل لينام؛ و يرجع الفضل في انشاء المربت الي فريدريك فروبل الالماني الذي درس طبائع الاطفال و ملكاتهم، و وضع المبادي ء الاولية لتربيتهم. راجع كتاب التربية الاخلاقية ص 15.

حفل النبي (ص) بمولوده، ثم انصرف اليه يمارس فيه عمل الانسان الكامل، حتي اذا تركه ترك فيه انسانية رفيعة علي الشكل الذي وضع الله تصميمه في القرآن.

فالنبي (ص) كان يحاول ان يفرغ ما انطوت عليه نفسه الكبيرة من مكنونات افراغا في روح الفتي، بأسلوب، كما تشاء الطفولة، يجمع بين طراوتها و بين جد المعني الكبير الذي يعده له، و كان يعمل علي ان ينفض في رقعة نفس الفتي ما اجتمع في رقعة نفسه، و انما استوي في نفسه (ص) الانسانية المثالية و المعني الاتم للحق و الايمان.

فالمربت النبوي أخرج اثنين فقط، كان احدهما مثالا لكلمة الحق الهادئة، و كان الآخر مثالا لتلك الكلمة أيضا حين تشتق طبيعة الناس من طبيعة الحديد المتراكب بالصدأ، و لا تجلو طبيعة الانسان الا صرخة الحق المدوية، كما لا يجلو طبيعة الحديد الا هدير النار الفائرة و تلظي الجمر الوقيد. فأحدهما


مثال للداعي الي الحق، و الآخر مثال للمحامي عنه الذي يغمس نفسه بالنار الملتهبة دونه، و هو واثق أن هذه النار التي أعدت له حتي تسجر عليه دعوته، سيترك فيها كلمة الحق التي تدع النار تؤج و تؤج، ثم لا تتناهي الا بالتهام الذين سجروها انفسهم.

و الذي نعلم من اساليب النبي (ص) التربوية للطفولة أنه يأخذ الجسم و العقل و النفس جميعا بعمل مشترك، من شأنه توزيع النماء علي هذه القوي، فلا تضعف قوة بسبيل الاخري، و هو من وراء ذلك يغمره بالحنان، ليشعره بوجوده الذاتي، و تتكون بذلك شخصيته الاستقلالية.

ذكر ابورافع مولي النبي (ص) انه كان يلاعب الحسن و الحسين بالمداحي [1] و عن ابي هريرة ان الحسن و الحسين [2] كانا يصطرعان بين يدي رسول الله (ص). و عن يعلي [3] العامري ان رسول الله (ص) خرج الي طعام، فاذا حسين في السكة مع غلمان يلعب، فتقدم رسول الله امام القوم و بسط يديه، فجعل الغلام يفر ها هنا و ها هنا، و جعل رسول الله يضاحكه حتي اخذه فوضع احدي يديه تحت قفاه، و الاخري تحت ذقنه، و قبله.

و عن شداد، قال: خرج علينا رسول الله في احدي صلاتي العشاء و هو حامل حسينا، فتقدم النبي (ص) فوضعه ثم كبر للصلاة فأطال سجدة الصلاة، فرفعت رأسي فاذا الصبي علي ظهره و هو ساجد، فرجعت الي سجودي فلما قضي الصلاة، قيل: يا رسول الله انك سجدت بين ظهري صلاتك سجدة أطلتها حتي ظننا انه قد حدث امر أو انه يوحي اليك، قال: كل ذلك لم يكن، و لكن ابني ارتحلني فكرهت ان اعجله حتي يقضي حاجته.


و ذكر البزاز الكردري ان عبدالرحمن السلمي كان يعلم الحسن و الحسين القرآن.

هذه بعض من اخبار الحسين (ع)، و هي ترينا الوان التربية التي كان النبي يأخذه بها، و فيها كل ما يحسب من سمو و كل ما يراد من تكميل. و في تناول النبي (ص) هذه الحقيقة الكونية بكل حنانه اشعارها بأن تتناول الانسانية بكل حنانها.


پاورقي

[1] ذکره ابن‏الاثير في «النهاية». و المداحي: احجار يحفرون لها حفرة، و يدحي الملاعب، فان استقر الحجر فيها غلب و الا غلب.

[2] ذکره ابن‏الاثير في «اسد الغابة» ج 2.

[3] ابن‏ماجة في «السنن» و ابن‏عساکر في «التاريخ» ج 4، ص 315. و قد عقدنا لشرح ما انطوي عليه من معان وجدانية في فصل خاص من الحلقة الثالثة التي خصصناها بالناحية الادبية و النفسية العالية.