بازگشت

اذان


في أمسية يوم من أماسي شعبان [1] ، ولدت فاطمة حسينا، فأخذه النبي (ص) و أذن في أذنه كما يؤذن للصلاة.

أذان كان همسة ناعمة خافتة، و هو نداء الروح للروح، و ليس نداء الاشباح للاشباح لتجتمع علي عمل الطقوس. انه نداء يحمل الي القلب سر وجوده، و الي الضمير سر العبادة، و علي موجاته الاثيرية تتلاقح الروحان. ان نداء الاشباح نداء للروح الشاردة الحائرة، و هذا نداء حتي لا تشرد الروح أو تتحير. و هو بعد ذلك سكب لكل المعني في كل الظرف حتي يتبلور به، فلا يكون له وجود دونه او بعيدا عنه.

و هو اعلام للروح الطبيعية، قبل ان تتناولها أشياء الحياة، بأن هذا مبدأها و هذا


قاعدة وجودها، فلا تكون بعد ذلك الا مؤمنة تقية، لأن الايمان اول لون انصبغت به، و التقوي آخر لون تتشكل فيه.

و الأذان، في أصل معناه، اعلان الانسان بأن الله يدعوه ليعمل في طبيعته عملية التصعيد التي ترسب ما علق بالطبيعة من أقذاء و ادران حالت بها عن أصل الفطرة.

نبرات ينطلق بها لسان المؤذن، و لكنها ايذان بأن كل سمو و طهر، و كل فضيلة و معني انساني قد انطلق ايضا مع هذه النبرات الروحانية التي هي ليست من لغة صاحبها و لا من صوته، نبرات تعلو من فوق ضجيج الحياة و صخبها و من فوق الانسانية المختنقة بنسمات الضراوة و الحيوانية، لتردها الي الطهارة التي وضعها الله قاعدة لأعمالها. و قرار الاذان يتخافت في الضمائر بأن كلمة الله هي العليا، ثم ينقطع الرجع لتبقي تلك الحقيقة ناطقة وحدها رغم الاباطيل التي تميد.

هذا الاذان بمعناه يهمس به النبي (ص) في اذن فتاه، ليقول لتلك الروح المرفرفة شيئا، و ليبذر في نفسه بذورا، اذا آذنت بالنماء أعطت الخير المطلق و الطهر المحض و الانسانية المهذبة.

همسة ناعمة في أذن، الا أن رجعها في ضمير الفتي سيتصل و يتصل ما اختلجت الحياة به، و ستظل في أعماق نفسه نغما حيا يملك عليه اتجاهه نحو الفلاح و البر و العمل الصالح.

ارسل النبي في ضمير الفتي هذا النداء ليظل انشودة نفسه اللاشعورية، و بذلك أقام في قلبه معبدا ينبض بأحاسيس التقوي، و في ضميره شعورا يفيض بأحاسيس الفضيلة ثم لا تختلف عليه. كما اقام في نفسه اذ أرسل هذه الكلمة الهائة مشعالا يضي ء عليه، فلا تخالطه ظلامية أو دجنة في سبيل حياته المطمئن.

و الاذان نداء يمحو فتون الدنيا و أباطيلها من النفس ساعة، و هذا نداء في اذن المولود يحول دون ولادة الفتون و الاباطيل في دنياه، و بذلك يظل في دنيا الناس رمزا لشي ء آخر لا تكمل الا به.


أفرغ النبي (ص) بعضا من روحه في سريره الفتي، ليعطي بعضا من النبوة في بعض من أعمال الناس.

بقي أذان النبي صلي الله عليه و سلم في أذن الفتي نشيد الانشاد في قلبه، فكانت آخر خلجات هذا القلب المفعم كأولها «الله اكبر؛ الله اكبر؛ لا اله الا الله».



پاورقي

[1] روي ابن‏الاثير في «اسد الغابة» انه ولد في ليال خلون من شعبان سنة اربع، و کذلک ذکر الاصبهاني في «مقاتل الطالبيين»، و ابن‏حجر في «فتح الباري»، و المفيد في «الارشاد» و الصبان في «اسعاف الراغبين». و لابن‏الاثير في اسد الغابة رواية اخري بانه ولد في السنة السابعة من الهجرة، ولمحمد ابن‏يعقوب الکليني في «الکافي» رواية بانه ولد سنة ثلاث. و اخرج ابوداود و الترمذي في «السنن» عن ابي‏رافع مولي النبي (ص) قال: رأيت النبي أذن في اذن الحسين حين ولدته فاطمة کما يؤذن للصلاة، و ذکر الصبان في اسعاف الراغبين أنه حنکه بريقه، و اذن في اذنه، و دعا له و سماه حسينا يوم السابع وعق عنه، و ذکر المفيد في الارشاد ان النبي عق عنه کبشا.