بازگشت

طفولة سامية


في منزل السمو النفسي و هيكل الروح الاقدس، حيث كانت عبقات السماء تهب مثلما يتضوع عبير الزنبقة في الليلة الحالمة الأضحيانة [1] ، و حيث كانت أرسال الملائك تتصل بالارض كما يتصل شؤبوب المطرة الريق، هذا ليمس التربة بالحياة و هذا ليمس النفوس بالمعني الحي، برزت من الغيب طفولة سامية...

غرس بطل عربي - كما يسميه كارلايل - في طبيعة العرب نواة اتصلت و اتصلت، من فوق و مال الصحراء، و الصحراء أبدية مكشوفة، و لكن النواة لم تخرج عشبا أو شيئا يشبه العشب، و انما أخرجت انسانية مشبوبة لتحل في هيكل العالم الخاوي، و بقي الينبوع الصافي يطرد علي النواة ليتصل فيها الري، و من عين ذلك الينبوع تبلورت طفولة سامية...

في الغار او في الكهف [2] اسرار مبهمة مجهولة، لا يزال الشعراء يقفون عنده و يستلهمون، و الحكماء يتطلعون اليه بعيون نهمة و يستلهمون، لأن الحقيقة العظمي


تتخذ أصدافها منه، و لكنها تجذب اليها البشري الكامل لتحل فيه، فدخل النبي (ص) الغار و خرج منه بمعناه، فلم يعد في الغار ذلك السر المبهم، لان الغار اطلع سره ليمشي في ضوء النهار، و من اسرار الغار الاقدس انفصلت طفولة سامية...

حينما ضفر اكليل الغار علي فتي الغار (ص) الذي انتظم الامجاد مجدا الي مجد، كما تنتظم الازاهير علي خفاف الوادي، اشتقت من منظومة الامجاد طفولة سامية...

قانون الوراثة ناموس طبيعي، و الوراثة كهربائية خفية تنتقل بتيارها في مراحل النسل الممتد، فتلك الوراثة السامية أعطت هذه الطفولة السامية...

ليست الارستقراطية الحقيقة بما يحتبك للمرء من ظلال الدنيا التي تغيب في عين الشمس، و انما هي شي ء في الدم و معني في الروح، و ما خرج عنهما أو وقع دونهما فسخريات و أشباه سخريات، فلله كم اجنت بما فيها من الوراثات تلك الطفولة السامية...

ان التهاويل التي يجمعها المرء من حوله، حتي يبيت منها في اطار، لا تجعله هائلا ما لم يكن هو كذلك، لأنها ظلال لما ثبت منها في الدم، فاذا لم يكن له دم العظامي فلا تزيده تهاويله التي سور بها نفسه، عن أن يكون دمية تسند الي حائط او تنقش فيه لتكون مجلي للفن، و أما حقيقة الدمية فهي [3] ساقطة بين الفن الذي تلبست به و بين الناظر الذي أخذ بما فيها من بدوات الرواء؛ فلله كم ثبت من التهاويل في تلك الطفولة السامية...

طفولة خرجت سامية و كبيرة بما اجتمع لها من الوراثات ساعة انفصلت من عالم و استقرت في عالم، و هي هي بين العالمين محدودة بمعني السمو و الكبر.


طفولة لم تكن تزهو بحركة العصب و الدم، بل بحركة المعني الثابت في الدم، فهي تحمل في معني طفولتها معني سموها ايضا...

طفولة لولا ما دخلها من عنصر الزمن، لكانت حقيقة الكبر في الكبير، فكم من كبير هو طفل في مداه، و طفل هو لكبير في مداه و معناه...



پاورقي

[1] الاضحيانة هي الليلة المقمرة الشديدة الضياء.

[2] اجري افلاطون في الغار او الکهف خياله في المثل و المثاليه.

[3] اکثر الذين يظهرون بهذه التهاويل يفتقرون اليها، کالمثل الذي يقوم بدور الملک يضم اليه اثوابه و مظاهره و لکنه لا يکون بها ملکا الا بمقدار ما بشبع عبث الجمهور المشاهد و يشيع فية البلاهة.