بازگشت

الثورة


بعد ذلك العرض المسهب للبواعث التاريخية التي اتصلت بالمجتمع الاسلامي الاول، و تشخيصها بالمقدار الذي يسمح لنا بفهم المحركات الرئيسية لذلك العهد، تبدو لنا الثورة حادثا طبيعيا للمحركات المجتمعة التي تؤدي كل منها الي توليد حركة ذات صفة بعينها، فاذا اختلطت حركاتها و تشابكت تشكلت الثورة علي وجه طبيعي جدا.

و في كلمة التصدير اعطينا تعريفا جديدا لثورة يحسن بنا ان نعيده مرة اخري، فقد قررت هناك أن الثورة هي الارتياب في المثل الاعلي حين يتخذ شكلا عنيفا، و هو يتحرك الي هدف معين و يدور علي فكرة خاصة، و هذا تعريف جد حقيقي يفهمنا ان الثورة علي الدوام تعبر عن فساد في الحكم و نضج في الشعب. و كذلك كانت الثورة الاولي في الاسلام او الثورة علي عثمان.

فهمنا، من الفصول المارة، ان مزاج الشعب العقلي لم يزل قبليا، و فهمنا ان القلق الديني لم يزل يتملك الافراد في كثير من التأثير، و فهمنا أن قضية المال لم تسو علي الوجه الذي يحقق الاماني، و أن كثيرا من المجتمعات، بنظمها و قوانينها، انحلت في المجتمع الاسلامي و لم يمثلها أو يهضمها هضما حسنا، و فهمنا ان


الحزبية البغيضة علقت بذلك المجتمع الوليد، و أخيرا شهدنا صراعا بين القديم و الجديد يشطر العالم الاسلامي في الفكرة الي معسكرين.

فقد ماد المجتمع العربي اذا تحت عوامل نفسية و اجتماعية ميدانا شديدا، و تطلع الشعب الي الاصلاح الشامل، و بالاخص بعد ان استقل بالحكومة الحزب الاموي و مال بها الي الارستقراطية و حكم الناس بسياسة الامبالاة في الادارة و الاموال و شتي نواحي النظام. ان سياسة الضغط و الانتهاز التي سار علي منوالها الامويون، جعلت الشعب يحتج و يبالغ في الاحتجاج مطالبا بضرورة الاصلاح السياسي، مرتقبا استرداد حرياته المغتصبة. و لكن الحزب لم يشأ تغيير شي ء من سياسته التقليدية، فثار الشعب المتذمر و أعلن العصيان.

اعلن الشعب الثورة لان الاوضاع التي كانت تصلح لسياسة المجتمع يوم كان محدودا ضيقا، لم تعد تصلح له بعد أن أدخل تحت جناحيه اكثر العالم القديم و هو مختلف العادات و التقاليد و التربيات. و لان الطماعية أو الجشع، التي دعاها موللرليير Pleonexia، تسلطت علي موارد الدولة كافة في حكومة الحزب الاموي، حتي حلوا كثيرا من الملكيات و جعلوها وقفا عليهم، و هذا ما صرح به كبير من ولاتهم و هو سعيد بن العاص، فقد قال: انما هذا السواد - سواد العراق - بستان لقريش، و استبدوا بالاموال استبدادا كبيرا. و لأن الفكرة الاجتماعية بلغت في الناس مبلغ النضج تقريبا بتأثير نظم الامم التي انتقلت الي نظامهم، و يشير الي هذا أن اكثر الثائرين من الجهات التي خضعت في يوم من الايام لحكومات نظامية قديمة كمصر و العراق. و لان الأخطاء السياسية للحكومات السابقة تجسمت في عهد عثمان فأخذ بها، من مثل سياسة الاموال التي وضعت في حكومة عمر، فان تمليك الاكرة و الفلاحين الارض التي كانوا يعملون [1] فيها علي نظام الرق، و هو يجعلهم تابعين للاراضي في عهد الحكومات المقهورة، أدي الي الفوضي من حيث ان الفتح العربي لم يملك المالك الاول وحده بل أوجد مالكا جديدا هو الفلاح.


و كان أولي أن يجعل هذا المالك الجديد هو المجاهد العربي. ان ما هرب منه عمر وقع فيه: هرب من تمليك العربي حتي لا يحرم المالك القديم، فيؤدي الي الاضطراب، و لكنه وقع علي أي حال فيما يماثله حيث اشرك مالكا جديدا مع المالك القديم. و كان الافضل، من وجهة النظر الاقتصادي حيث حلت الملكيات بالفتح عنوة، أن يخلف المجاهد العربي المالك القديم أو أن يشرك معه علي الاقل.

فثورة الشعب كانت نتيجة لرغبة اكيدة في الاصلاح، و هذه الثورة هي التي أوحت لعلي (ع) بنظام الاصلاح الذي ضمنه العهد الي الاشتر. و من هذا يظهر أن عهده المذكور لم يكن مرتجلا، بل كان نتيجة التروي العميق و التمرس بنظم قديمة و جديدة.

و لعل أقرب الثورات، في التاريخ الحديث، الي ثورة العرب الشعبية هي الحرب الاهلية [2] الانجليزية التي قادها (اوليفر كرومول) ضد الملك كارلوس الاول الذي أخذ بأخطاء ابيه و أخطائه؛ فكان كأبيه يكره الحكم الذاتي و حقوق الشعب السياسية و تقييد يديه و ايدي حاشيته في المالية، و لكن الشعب قدم (عريضة الحق) و قبلها الملك بعد أن أقرها مجلسا اللوردات و العامة نهائيا. الا أن الصلة بين الشعب و الملك عادت فتحرجت، فحل الملك «البرلمنت» الذي طلب محاكمة الدوق بوكنهام، و كان سي ء السمعة محرضا للملك؛ و احتج الشعب احتجاجه العنيف الذي أغضب الملك غضبا شديدا، فعزا الي الزعماء جريمة التمرد، و لما لم يكن من اساس للتهمة اعتبرت غير قانونية، و حاول القبض عليهم فأخفق.

لذلك اعتبر مجلس العامة أن الملك بفعله أعلن الحرب ضد حرية الشعب، و خاف أن يستخدم الجيش ضده، فاقترح وجوب أن يتم تعيين قواد الجندية في «مجلس العموم»، فرفض الملك و شبت الحرب الاهلية، و قاد الشعب (كرومول) الذي انصر علي الملك و أخذه أسيرا، ثم حاكمه و حكم عليه بالاعدام، باعتبار أنه صاحب فتن و دسائس ضد الشريعة و حرية البلاد. و تغطرس الجنود المنتصرون غطرسة فيها شي ء من الاستهانة (بالبارلمنت).


هذه الثورة، في كثير من ظروفها و أغراضها، تنفق مع ثورة الشعب العربي الاولي، فان الدين اكسب الامة الحق بحكم نفسها (و أمرهم شوري بينهم. و شاورهم في الامر)، و فرض الطاعة للسلطة التنفيذية في حدود طاعة السلطة نفسها للقانون (يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و أولي الامر منكم، فان تنازعتم في شي ء فردوه الي الله و الرسول ان كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر، ذلك خير و أحسن تأويلا) و التنازع في الاية علي وجهين: تنازع الافراد علي الحقوق، و تنازع الشعب مع السلطة الحاكمة التي عبر القرآن عنها (بأولي الامر) و حكمهما واحد في ضرورة الرجوع الي القانون المؤلف من القرآن و أقوال النبي و أفعاله؛ و بذلك خول الشعب، اذا كان الحق في جانبه، أن يأخذها بمقتضي قانون الجزاء السياسي علي ما هو مشروح في السنة من انحلال البيعة و ما يتبعها، كما يؤخذ الافراد بمقتضي قانون الجزاء [3] العدلي.

فالقانون الدستوري للاسلام اثبت اذا حقوق الشعب، و أعطاه الحرية الواسعة للمحافظة علي هذه الحقوق، و الشعب اعتنق هذا القانون، فهو لا تمر به سانحة تجاوز فيها السلطة غاية القانون الا احتج و رفع صوته مطالبا باحترام الدستور.

و لما جاء الدور لحكم الحزب الاموي، و تجاوز المبادي ء المقررة و خط لنفسه سياسة ليست مشتقة علي أي وجه من حقوق الشعب في الحكم الذاتي، عارض الشعب و احتج و طلب الاصلاح، فأظهرت الهيئة الحاكمة قبولها، و لكن سرعان ما عادت الي التجاوز و عاد الشعب الي الاحتجاج؛ و زاد في عنفه اطلاق الخليفة أيدي حاشيته في المالية و اقطاعهم. و لكن الهيئة الحاكمة عادت فوعدت بتغيير الخطة السياسية و منهاج الحكم، و لم تلبث حتي رجعت الي سابقة أمرها. و هنا هدي الشعب الي معلم ثوري نظم مطالب الاصلاح أو «عريضة الحق»، فقررت الهيئة الحاكمة القبض علي الزعماء، فقبض عليهم معاوية و فيهم الاشتر، و أسلمهم الي


القائم بأعمال حمص، فاضطهدهم و عاملهم بقسوة ثم عاد فأطلقهم. و لكن هؤلاء لم تخمد حركتهم الاصلاحية، فعادوا يطالبون بالاصلاح، و يتشبثون بمحاكمة مروان بن الحكم: مستشار الخليفة الذي ثبت لهم انه الوحيد الذي يتلاعب بمقدرات الحكم، فأبي الخليفة و تمسك به، و تحرجت الامور سريعا نتيجة أخطاء سياسية فظيعة، و أعلن الشعب الثورة بزعماة الاشتر و وقعت الكارثة بمصرع الخليفة.

و هؤلاء تلافيا للامور حتي لا تطغي الثورة و تشكل حركة زوبعية لا يعلم مداها. قرر الثوار وجوب تعيين الحاكم الاول (الخليفة)، فانتخبوا عليا (ع) للخلافة، او قل: حملوه عليها. و قد فهم علي ان الظرف يقتضي اخذ الامور بالحزم و الشدة، لأن طلائع الفوضي بدأت تذر قرنها و تلعب من بعيد؛ و في مثل هذا الظرف لا نتجح الا حكومة الحزم غير ان الناصحين ذوي النظر الضيق في طبائع النفوس و الحركات الاجتماعية الكبيرة أشاروا عليه بالملاينة، و هذا هراء لم يصغ اليه الخليفة العبقري فعمد الي سياسة البطش و الشدة، فضرب الخارجين يوم الجمل ضربة صاعقة اخضعت العراق و الحجاز و اليمن، و أرهبت الشام. و لقد بات الحزب الاموي في مثل رهبة الظربان، و معاوية لم يعد يثق من نفسه، و يدل علي هذا الرعدة التي اخذته حتي مال الي الاستسلام بدون قيد و لا شرط كما يظهر من كتابه الي المغيرة بن شعبة الذي قال فيه (قد ظهر من رأي ابن ابي طالب ما كان يقدم في وعده لك في طلحة و الزبير، فما الذي بقي من رأيه فينا).

و حركة علي (ع) السريعة في الانتقال من حرب البصرة الي حرب الشام، ترينا موضع الاحكام في خطته، فلم يترك لخصومه ظرفا يتأشبون عليه فيه، كما لم يدع الجذوة المتقدة في نفوس جيشه تخمد، و عمل علي استغلال أثر الرهبة التي اورثتها وقعة الجمل. و هذه الحركة السريعة واجبة اذا درسناها علي ضوء الفوضي حين تتملك النفوس، فانه لا يثبت في هذا الغمار الا الرجل القوي الذي يسوس المتمردين بالحزم كما فعل علي (ع)، و لكنه انما أتي من جانب تسلط المزاج العقلي القبلي بطلعاته علي نفوس جنده، و هذا يجعلهم نفعيين نفعية مطلقة، كما ان تضحياتهم لم تجر الي مغنم ينسيهم فداحتها، فلن يجروا اذن الي آخر الشوط


بدون غنم علي انه بمغارم كثيرة، و علي متشبع بقضايا الحق و العدل و وجوب الاصلاح من أقرب الطرق، فلم يخولهم شبئا من أموال خصومهم و محاربيهم.

ان المؤرخين الذين انتقدوا سياسة علي كانوا ساذجين في درس التاريخ علي مقتضي الطبائع النفسية، ان عليا (ع) يجب أن يفعل ما قد فعل من عزل و تعيين و أخذ بالشدة؛ فانه لن يجدد مدي اتساع الفوضي، و قد علقت بالنفوس، الا سياسة تقوم علي هذه الشاكلة، فان الرجال الذين رافقتهم ظروف فوضوية كانت سياستهم تقوم علي الحزم الشديد بل و الارهاب من مثل (كرومول) و (نابوليون).

و عليه فالثورة علي عثمان (ض) كانت نتيجة للنضج الاجتماعي، و كانت اصلاحية الي حد كبير تقوم علي فكرة بعينها، و لكن لا فصولها تتالت مسرعة انتقلت الي فوضي. و الذي يدل علي انه قد كانت تعمل فيها افكار انكشافها عن نظريات جديدة من مثل نظرية الخوارج. فقد بقيت لها اذا صفة الثورة الي أن ابتدأ الصرع بين علي و معاوية، و من ثم انحرفت و أخذت صفة الفوضي، و هذه الصفة لها كانت تروق في عين معاوية فدفع الجزية الي ملك الروم لا طالة الصراع، فان من اولي نتائج المطاولة تمزيق الاعصاب و انهاك الجموع التي تميل معه الي الاستسلام. و قد بقي هذا الشعور يتزايد في كل نفس الي ان بلغ الغاية بوفاة علي (ع) فلم يجد الحسن (ع) خطة أضمن و أفضل من المصالحة.

و التخليص العام لأهم ما جاء في فصول المقدمات مما هو متصل بالثورة، هو:

(1)ان عمر تردد بين ان يتبع طريقة ابي بكر أو طريقة النبي (ص)، و خاف الاختلاف فجمع بين الطريقتين؛ غير أن الستة الذين حصر الانتخاب بهم اختلفوا و هو حي، و لا شك ان هذا الاختلاف انتقل الي انصارهم في الخارج و عملت العصبية عملها و تشكلت الاحزاب الثانوية. و عبدالرحمن بن عوف لعب دورا مهما حين وسع دائرة الانتخاب و انتقل به نحو الشعب حتي لم يتم مدة الشوري. و ذلك لأن عليا (ع) كان الفائز لا محالة في الانتخاب التداولي الذي دار بين الستة، فان المؤهلات التي اجتمعت له لم تجتمع لواحد منهم، علي انه خاض


معركة الانتخاب للرئاسة ضد ابي بكر (ض) و لم يخضها سواه من سائر الستة المجتمعين. و لا ننس أن الزبير أنحاز الي علي ضد ابي بكر في المعركة الانتخابية الاولي، علي ما ذكره ابن الوردي في التاريخ.

و يقول بعض مؤرخي الفرنجة: ان عبدالرحمن لم يترك الانتخاب حرا بل استعمل فيه طريقة المدارة و الانتهازية، كما لم يستشر عبدالله بن عمر و هو المستشار في وصية عمر. و لما نقل عبدالرحمن الانتخاب الي الشعب و وسع دائرته و الحزب الاموي قد أعد القبائل لنصرته، و نحن نعلم أن كثرة من القبائل كانت صنائع لبني امية في القديم. فتعيين الترشيح في ستة [4] مهد السبيل لدي الامويين لاستغلال الموقف؛ و قد وصل، الي مثل هذه النتيجة من قبل، سيد [5] امير علي الهندي قال:

«ان حرص عمر علي مصلحة المسلمين دفعه الي اختيار هؤلاء الستة من خيرة اهل المدينة دون أن يتبع سياسة سلفه. و كان للامويين حزب قوي في المدينة، و من هنا مهد اختياره السبيل لمكائد الامويين و دسائسهم: هؤلاء الذين ناصبوا الاسلام العداء، ثم دخلوا فيه وسيلة لسد مطامعهم الاشعبية و تشييد صرح مجدهم علي اكتاف المسلمين.»

(2)ان نظام المال الموضوع في عهد عمر فت في عضد الجيش، و قد اصاب


(و لهاوزن) حين قال في كتابه (المملكة العربية و سقوطها): و كانت المقاتلة تحتمل مادامت تدر عليهم الغنيمة، و لكن أما و قد منع توزيع الاراضي عنهم، فقد لان عزمهم و وهنت شكيمتهم، و بعد أن كانت الحكومات تعتمد علي مساعدة الجيش أصبح الجيش يعتمد علي مساعدة الحكومة، و من ثم لا نعجب اذا ظن المقاتلة انهم خدعوا من جانب الحكومة. علي ان المحسوبية ذرت قرنها في التنسيقات و التعيينات و الاعطيات، و هذا ما يقوله الشاعر الثائر عبدالرحمن الكندي لعثمان:



و لكن خلقت لنا فتنة

لكي نبتلي بك او تبتلي



فأعطيت مروان خمس العباد

ظلما لهم و حميت الحمي



(3)الشعور بالحاجة الي الاصلاح.

(4)تجاوز السلطة.

(5)التكتل الحزبي: فقد ذكر ابن الوردي في التاريخ ان هوي المصريين كان مع علي، و هوي الكوفيين مع الزبير، و هوي البصريين مع طلحة.

هذه هي الثورة الاسلامية الأولي، و كانت ثورة اجتماعية سامية، ثم لا تقل شأنا عن أنبل الثورات الاصلاحية التي عرفها التاريخ. و لكن الحزب الاموي سممها و انحرف بها الي فوضي مهدمة خطيرة.

و مهما كانت ثورة او فوضي فقد بنت الدولة بناء أقوي في الادارة و النظام، لو لا ما حفلت به من دماء زكية عزيز علينا طلها، و مصارع لم يزل لها في أعماق الذكري جراح و ندوب.



پاورقي

[1] راجع محاضرة رفعة علي ماهر باشا في التربية و التاريخ المنشورة في مجموعة متخرجي المدرسة الخديوية سنة 1901 ص 35 و 36.

[2] راجع کتاب: تاريخ اساس الشرائع الانجليزية للاستاذ دافيد و طسن راني ص 137 الي 148.

[3] هذه الآية لم يفهمها کثير من المفسرين علي وجهها الصحيح حين قصروها علي الوجه الاول من التنازع، و لکن اقتصار الآية بعد ذلک علي ذکر الله و رسوله دون اولي الامر يدل علي انه يريد ان يتناول ايضا وجه النزاع الثاني الذي هو بين المؤمنين (الشعب) و اولي الامر (الهيئة الحاکمة) کما بسطناه في کتاب: (مدخل التفسير).

[4] المستشرقون يرون هؤلاء الستة اجتمعوا من تلقاء انفسهم، و يستندون الي ان رجلا مطعونا لا يستطيع ان يفکر تفکيرا ما في امر دقيق کهذا يستدعي توازنا في القوي و ضبطا لاعصاب التفکير، هذا صحيح، الا انه لا يدعونا الي الشک في انه رشح الستة المذکورين. علي ان ظاهرة هذا الضعف و ضحت ايما وضوح في وصيته التي کانت اقرب الي لاافکار المتقطعة المختلطة. فهو يتمني لو کان أبوعبيدة حيا، و يتمني لو کان سالم مولي ابي‏حذيفة حيا ثم يدل تارة علي علي (ع) و تارة يتردد، و يجعلها تارة في الستة و يأبي الا ان يتم انتخاب واحد منهم قبل موته ثم يمدده الي ثلاثة ايام من وفاته مما يجعلنا نعتقد أنه قد عرته مرضية جعلته يهجر. و هذه الظاهرة التي تطبع رواية وصيته تصححها بلا ريب لانها تحمل صفة من وهنه رحمه الله و أفسح له في رضوانه بما ابلي في سبيل الله و الاسلام.

[5] راجع کتاب المسمي «a short history of the saracens» ص 55.