بازگشت

حزب اهل المدينة


هذا الحزب أكد وجوده المستشرق (فان فلوتن) في كتابه: السيادة العربية، قال: (و المنتمون اليه يعتبرون ان وصول بني امية الي الحكم، معناه انتصار اعدائهم القدامي من مشركي مكة).

و نحن لا نستبعد وجود حزب له هذا الطابع و هذه المسحة، بل لدينا شواهد تاريخية تشجع علي المضي في اعتماد الرأي المذكور. و كان كما يظهر يعمل ضد الحزب الاموي بالذات، و يقاومه مقاومة عنيفة، و يسي ء به الظن. و الذي جعل اهل المدينة ينشطون لصراع الاموية تعلق هؤلاء بالدعوة لقضية قريش تعلقا مفرطا، مما احرجهم و جعلم يتململون، و بذلك نظن أنه كان للغلاب التاريخي القديم بين مكة برمز الاموية و المدينة، عودة مرة أخري، و بالأخص حينما نافسوهم علي المدينة موطنهم القديم.

علي ان الشباب في المدينة، و هم النش ء الجديد، كانوا اكثر [1] نزقا و اندفاعا، أن و لهم أيضا تفكيرهم الخاص في الخلافة و ما يتبعها من الشؤون السياسية، كما وجدوا أن الضمان الذي قطعه الخليفة الاول لهم بأنهم الوزراء لم تسع حكومة الي تحقيقه فتحمسوا و لجوا في الحماسة و خصوصا في أواخر عهد عثمان و اتصل الي عهد يزيد. و هذا، كشاب بالغ النزق و مضغن ذي احنة و ترات، جرب أن يضربهم ضربة حماسة قاسية.


و كانت للامويين سياسة خاصة نحو المدينة تقوم (أ) علي تسميم المعنوية المثالية فيهم، و بذلك يسقط مكانهم الادبي في النظر الاسلامي العام، فشجعوا المجون و استأجروا طوائف من الشعراء و المخنثين لينشروا حياة تقرب في الوانها من الاباحية. (ب) أخذهم بالعنف دائما فولوا امراء اضطهاديين (ج) تخصيص زمرة من أعلام الادب يهاجمونهم بكشف سوءاتهم، و كانت منزلة هؤلاء الاعلام في العصور القديمة كمنزلة الصحفيين اليوم يتوسل بم الي نشر الدعايات. و يشهد لهذا ان معاوية لما أراد العهد ليزيد [2] استخدم طائفة من الشعراء، منهم المسكين الدارمي الذي يقول:



اذا المنبر الغربي خلي مكانه

فان اميرالمؤمنين يزيد



و من شخصيات حزب اهل المدنية قيس بن سعد بن عبادة، و عبدالرحمن بن حسان.

هذه احزاب رئيسية كان لها آثار متفاوتة الا انها شرع فيما أحدثته من تيارات متعاكسة متدافعة جعلت المجتمع يمور و يصطخب في حركات جذرية عنيفة تتصل بالأغوار. و هناك احزاب ثانوية اخري، و نثبتها هنا كما وردت في الحلقة الاولي (سمو المعني)، و قد انصرفنا هناك في مقدمة الحلقة المذكورة الي تعليل نشوء هذه الاحزاب الثانوية بحصر عمر الانتخاب في عدد مخصوص، (فان هذا التعيين أوجد جزئية و بيلة، و هيأ لها أن تعمل اسوأ اعمالها، و لم تقف عند حدود النجاح أو الفشل في الانتخاب فحسب، و الاهان امرها. و الذي يجب أن نفهمه جيدا ان حصر التشريح في عدد جعل لكل مرشح حزبا يناصره بضرورة حصر دائرة الانتخاب، و زاد في حرج الانتخاب ان ينص علي الحكم الانتخابي (عبد الرحمن بن عوف، مما يسهل سبيل الظفر الحزب بعينه اذا استطاع أن يستميل الحكم، و لقد كان كذلك بالفعل). و هذه الاحزاب الثانوية هي:



پاورقي

[1] راجع قصة تحدي عبدالرحمن بن حسان للامويين و عبثه بهم في الاغاني.

[2] راجع کتاب: الشعر و الشعراء لابن‏قتيبة. و يروي البيت علي وجه آخر (اذا المنبر الغربي خلاء ربه).