بازگشت

حزب الامويين


و هذا الحزب ذهب، الي انه قد كان، عدد من كبار المؤرخين؛ و نحن لا نشك في وجوده أيضا، و لعله أخطر حزب استطاع أن يثير الجماهير و يتحكم فيهم و يحدث الاضطراب. و أهدافه التي كان يعمل لها من أخطر الاهداف، و هي تتناول الوضع السياسي و الاجتماعي من كل الوجوه؛ و أهم نظرياته حصر السلطات العليا في


اسرة، و تقرير مبدأ الملكية المطلقة في السلطة [1] الاولي، و نظام [2] الوراثة، و تسليط العنصر [3] العربي علي الشعوب، و فرض العرب طبقة ارستقراطية، و فرض نظام [4] اداري مقتبس من النظم الاجنبية أي غير مشتق من طبيعة الحياة العربية و التشريع الاسلامي الجديد، و تحوير نظام [5] المال الي ما يؤيد سلطتهم عليه و اطلاق ايديهم فيه، و فرض [6] الاقطاع، و القضاء [7] علي الطبقة الدينية المرقومة التي ساهمت في بناء الشريعة لانها كانت تحول بينهم و بين اغراضهم، و تسميم المعنوية الجديدة التي خلقتها الدياند الجديدة، و تشجيع [8] المجون و الحياة اللاهية بكل أشكالها.

هذه هي أهدافهم الرئيسية، و كانوا يعملون لها سرا في ظل الحكومات السابقة لحكومة عثمان، و يتوسلون اليها بأساليب تجمع بين الاغراء و الارهاب، و قد ساعدتهم الحظوة التي رزقوها من الخلفاء علي اعداد الجمهور، و كان نفوذهم يمتد حتي يطغي علي أكثر الاحزاب و يستخدمها في تنفيذ رغائبه. و تاريخ حركات هذا الحزب مفيد ايما فائدة و طريف ايما طرافة.

نعلم أن بين الاسرتين: الهاشمية و الاموية خلافا تاريخيا يتصل بعهد جاهلي بعيد، ثم أخذ شكلا أكثر عنفا بعد الدعاوة الاسلامية التي ظهر بها الرسول الهاشمي، فجهد الامويون بوضع الصعاب في سبيل نجاحها. بيد أن صاحب


الرسالة شق طريقه بين الجلامد و الصخور، متغلبا علي الحواجز المعترضة كافة، ناجحا في اطراد ممهود. و بذلك غدوا فئة مستضعفة عديمة القيمة ثم لا وزن لها سياسيا، فعمدوا الي العمل سرا، لكي يستعيدوا مجدهم المفقود و مكانتهم الضائعة في ظل الحكومة الاسلامية.

و كانت الحركة الانتخابية اول مناسبة استغلوها فتحرك ابوسفيان - زعيم الحزب الاموي السري في الاسلام، كما كان زعيم الحزب المعالن قبل فتح مكة - للعمل في حماسة و نشاط، مستغلا العناصر غير الراضية عن نتائج الانتخاب، و لكنه فشل فشلا ذريعا لما اكتشف علي (ع) دسيسته. علي أن الحزب استفاد من هذه المناسبة الانتخابية شيئين:

(1)ثبوت الخلافة في قريش.

(2)ابعاد الهاشميين عن الحكم.و هم لا يحسبون حسابا لغيرهم من سائر الاسر القرشية، فاعتقدوا أن مصير الحكم لهم ان قريبا أو بعيدا. و هذا ما يشهد به قول ابي سفيان، بعد فوز عثمان بالخلافة، (فوالذي يحلف به ابوسفيان مازلت ارجوها لكم).

و لنعلم مقدار نفوذهم النفسي العميق علي غيرهم من قريش، نذكر قصة [9] اوردها المسعودي، قال:

(بلغ ابابكر (ض) عن ابي سفيان صخر بن حرب أمر أحضره و أقبل يصيح عليه، و أبوسفيان يتملقه و يتذلل له، و أقبل ابوقحافة فسمع صياح ابي بكر، فقال لقائده: علي من يصيح ابني، فقال له: علي ابي سيان. فدنا من ابي بكر، و قال له: أعلي ابي سفيان ترفع صوتك يا عتيق؟.. لقد تعديت طورك و جزت مقدارك. فتبسم ابوبكر و من حضره من المهاجرين و الأنصار، و قال له: يا أبت، ان الله قد رفع بالاسلام قوما و أذل به آخرين).


و هذه القصة لا تحتاج الي تعليق فيما يختص بسلطتهم علي قريش و مبلغ نفوذهم، و في دهشة أبي قحافة و جواب ابي بكر دليل علي ذلك. فالذلة التي لحقتهم - كما يقول ابوبكر - و المفروض فيهم انهم الاعزاء حملتهم حملا عنيفا علي السعي الحثيث للاستحواذ علي السلطة بأي ثمن، و استرداد عزتهم المدحورة. و يظهر أن الفشل جعلهم ييرون أسلوب العمل، فعمدوا الي تملق الخلفاء و اظهار الرغبة في الخدمة الادارية باخلاص، فأكثر ابوبكر و عمر من تعيينهم في شتي المراكز. و بذلك انفسح أمامهم سبيل العمل ضرورة ان السلطة الاقليمية أصبحت في ايديهم، فهم يصرفونها علي الشكل الذي يلائم مصالحهم و يخدمها. فكانت وسائلهم كثيرة، و معين أفكارهم لا ينضب، فتارة يستخدمون نفوذ الحكومة، و تارة يميلون الي الاغراء و الاطماع. و قد دللت، في فصل القبيلة من هذا الكتاب، علي اسلوب من جملة الأساليب الكثيرة التي كانوا يعتمدون عليها في تقوية حركتهم، لما ذكرت ان اكثرية الولاة كانت منهم و كان من خطة الحزب الاموي أن يشجع العصبيات و يزيد في اوارها. فان كل حركة من هذا القبيل تضعف التحزب السياسي ضد قريش، و هم ينزلون من قريش منزلة الزعماء. و هذه وسيلة سلبية هامة، و لهم وسائل ايجابية كثيرة منها أو أهمها: الرغبة في الادارة الاقليمية و قيادة الجيوش، و لقد تم لهم من ذلك شي ء غير قليل.

و لم تزل الايام تؤاتيهم و تجري وفق أهوائهم حتي أواخر عهد عمر (ض)، فقد بدأ يميل الي بني هاشم ميلا شديدا، فهو يتوسل حين الجدب بالعباس، و يقرب ابنه عبدالله، و يشيد بسابقات علي (ع) في الاسلام، و يقترن بابنته ام كلثوم في اخريات أيامه، و يفضي الي عبدالله بن عباس بأشياء كثيرة عن الخلافة، و انهم اي آل [10] هاشم أحق بهذا الامر؛ و ميل عمر هذا يذكرنا بميل المأمون الذي حمله علي العهد لعلي الرضا.

و قد أيقن الامويون، و هم الساهرون علي قضيتهم، أن عمر لابد صائر الي


ترشيح زعيم لهاشميين علي للسلطان الاعلي، و بذلك ينهار حجر الاساس من بنائهم، ففكروا كثيرا ثم أجمعوا امرهم علي شأن رهيب و هو اغتيال عمر قبل ان يعلن شيئا مما يدور بخلده. و قلت منذ حين ان الشعوبيين كانوا يتخدمون لمآرب الاحزاب الكبيرة، و كان الحزب الاموي أقوي الاحزاب الاموي أقوي الاحزاب القائمة و أملكهم لوسائل الاغراء، فضم اليه، كأدوات منفذة، أبالؤلؤة و جفينة و كعب الاحبار و سواهم، و كان لكل واحد من هؤلاء دور خاص يقوم به.

ثم عمدوا الي الاستفادة من الظرف الجديد الذي خلقوه لعمر، دسوا له عبدالرحمن بن عوف بعد الاعتداء فكان لا يفارقه تقريبا، و لا ندري لماذا ان لم يكن لذلك. و عندي ان عبدالرحمن كان في نظر عمر مفكرا ألمعيا؛ فهو، بهذا الاعتقاد و لأنه صريع منزوف لا يملك كامل قوته، يستطي أن يؤثر فيه و أن يوجه أفكاره كيف شاء؛ و قد ظهر صدق هذا التقدير فيما ذكره [11] الطبري من أن عمر حينما سئل رأيه فيمن يكون ولي الأمر من بعده لم يتردد في ترشيح علي «و ما عتم الامر حتي اشتبهت عليه وجوه الرأي مدة» ثم جعلها في الستة المعروفين. لا شك ان تصريحه الجازم اولا و تردده ثانيا و العهد أخيرا لهؤلاء الستة، يدلنا علي مقدار ما عراه من و هن نتيجة للنزيف الدموي الهائل، فلم يعد رحمه الله صاحب تلك الارادة الحديدية الصارمة بل انقلب لينا سهل القياد و التأثير فيه، و سادرا يفكر بما يوحي اليه، و هذا التقدير صحيح فيزيولوجيا، و قد نزف دمه الزكي. ان عمر الحازم العظيم و المفكر العميق، ما كان ليعطي هذا الرأي الواهن لو بكامل قواه.

و اول ما عرض لي هذا الرأي في الحلقة الاولي، فقد قلت هناك (اذا عرفنا ان المغيرة بن شعبة كان أشد ما يكون اخلاصا لهذا البيت الاموي و تعلقا به و نفاقا علي غيره - و علائق الثفيين ببني امية وطيدة - و عرفنا ان ابالؤلؤة كان غلاما للمغيرة بن شعبة، و عرفنا أن هناك حزبا امويا يعمل له المغيرة، خرجت لنا قضية مترتبة الحلقات متوالية الوائع علي نسق طبيعي واضح. و من ثم يظهر ان اغتيال عمر


لم يكن بفكرة فارسية البتة، و انما كان وليد فكرة موضعية خالصة، و اموية بحت. و اذا لم يكن هذا التقدير صحيحا، فلماذا اجتهد المغيرة بادخال هذا الفارسي المدينة، مع علمه بمنع عمر من ذلك؟ و بماذا نفسر هذا المصادفة في أن يكون قاتل عمر هو غلام المغيرة الذي كان اموي الرأي و الهوي؟).

فهذا الاغتيال أحدث بلبلة كبيرة في الأفكار، و هيأ المجتمع لنقلة جديدة، و قد ظهرت في سماء المجتمع برامج لا عهد للعرب بها أدت الي زيادة التبلبل الفكري، من مثل حصر السلطات العليا في اسرة أو قبيلة، هذه الفكرة التي روج لها الحزب الاموي و عمل علي نشرها و تعصب لها، ثم لم يعرف حديث الامامة في قريش، الا عن طريقهم و هم رواته. و كان رد الفعل علي التمهيد لنظريتهم، ظهور نظرية الخوارج بأنها لعامة العرب أو لعامة المسلمين. فنظرية الخوارج رد فعل قوي للنظرية الاموية التي جنحوا الي تطبيقها بغير لباقة، ايقظت عنعنات العرب الاخرين، فان المعروف عن الخوارج أن أكثرهم من غير الحجازيين، و زاد في عنعنتهم حصر الصلاحية في اسرة، ثم الوراثة الملكية.

فالانتقال، من الديمقراطية التي هي طبيعة عربية تتصل بأسباب النفس و المزاج العقلي، الي الارستقراطية فالملكية الوراثية، أيقظ المجتمع لثورات متواصلة يسجر نسه في أتونها. فقد كان في عهد عثمان اذا نظريتان تتحاربان بدون هدنة أو استجمام: النظرية الاموية، و النظرية الجمهورية و اشياعها جمهور العرب، و احتكتا كثيرا، حتي تولد من الاحتكاك الشديد و التماس العنيف شرارة اتصلت بالجتمع من اقطاره.

و الذي يدل علي أن الحزب الاموي كان يعمل لأهداف ثابتة، تغير السياسة دفعة واحدة و من أساسها أيضا في عهد عثمان الذي ترك لهم سياسة الامور العامة، و أطلق أيديهم في كل المقدرات. و لكن الشعب بدأ يستيقظ و يستفيق علي اعمالهم من سباته العميق، فرأي افتياتا علي حقوقه، و رأي انتهابا و اغتصابا في كل المرافق، و لمس الفساد يدب في طرق الاجراء و الادارة، و شعر بالحاجة الملحة الي الاصلاح، فمضي معلنا الثورة، و دق الناقوس الشعبي الاقدس.


و لم يجد، بعد زوبعته، مصلحا ينسجم مع ميوله الا عليا، فترامي الشعب في أحضانه، و سقط بكلكله عليه.

فالحزب الاموي كان يعمل بوحي خاص و لمآرب خاصة علي منهج مقرر، و رغم الظروف المختلفة التي غمرته نجد لحركاته طابعا خاصا لا يتغير، فعهد معاوية كعهد عثمان في الجواهر السياسي عند التدقيق و العمق، و ميزة عهد عثمان انه كان أكثر اتصالا بالرأي الشعبي في السياسة العامة، و ذلك بسبب انه كان التجربة الاولي من تجربات الحزب، و انه نقلة بين عهدين. ثم تسني للحزب في الدور الثاني أي في عهد معاوية أن يحكم مباشرة، و أن يعطل الصلاحيات الشعبية و يكمم الحريات، و يتحلل من كل مسؤولية أمام الشعب، و لم يغد يعترف بالرقابة الشعبية البتة.

هذا هو الحزب الاموي السري بأشكاله و أهدافه علي القدر الذي وضح لي، و عسي أن يجد المؤرخون ما يجعلهم أقدر علي تشخيصه. و هذا الحزب تسمي بأسماء مختلفة بحسب الظروف، فكان أولا القرشي [12] لانه نصب نفسه مدافعا عن قضية قريش، ثم العثماني لأنه قام دفاعا عن الدم المطلول، ثم الاموي و قد تكشف من استاره في عهد معاوية.


پاورقي

[1] ظهر انه من اهدافهم بالانقلاب الملکي الذي احدثه معاوية في ايام حکومته.

[2] ظهر من قول ابي‏سفيان حينما تولي عثمان (لتصيرن الي اولادکم وراثة) و من صنيع معاوية حينما عهد الي ابنه.

[3] ظهر هذا ظهورا واضحا في کل ايام سيطرتهم و حکمهم.

[4] نص التاريخ علي ان عمر (ض) لما ورد الشام رأي طلائع هذا النظام في حکومته، فانتقده.

[5] يدل علي انه من اهدافهم انتقاد ابن‏سبأ و ابي‏ذر.

[6] يدل عليه اقطاع مروان في حکومة عثمان، و اقطاع عبدالله بن ابي‏سرح.

[7] يدل عليه حرکة يزيد في القضاء علي اهل المدينة قضاء قاسيا؛ و سمي (فان فلوتن) هذه الطبقة: حزب اهل المدينة، و قال المسعودي، بعد حرکة يزيد، لم يبق يدري.

[8] دل عليه تغاضيهم عن اعابيث عمر ابن ابي‏ربيعة و لفيفه.

[9] راجع المروج بهامش نفح الطيب ج 2، ص 219.

[10] راجع الطبري ج 5، ص 30 و 31.

[11] راجع الطبري ج 5، ص 34.

[12] ادرک علي (ع) الغرض المقصود وراء هذه التسمية التي کانت تعني الاموية، فحاربها کثيرا؛ و نهج‏البلاغة مملوء بذلک.