بازگشت

المدخل الي التاريخ في رأيي


(لا يؤخذ علينا بانا نفيض بتوسعات تاريخية تتصل بمن يكتب في درس التاريخ، لا بمن يكتب في موضوع من التاريخ، لانها توسعات اجريت عليها موضوعي الخاص و اعتمدتها و لابد لمن يتعقب نتائجي ان يقف علي الطريقة التي تأديت بواسطتها وتهديت علي ضوئها كما صنع المؤرخ الانجليزي هنري بكل في مقدمة كتابه تاريخ الحضارة في انجلترا، فقد خصها بدرس التاريخ من الوجهة التي يراها) حينما تجتمع لنا النصوص الوثيقة تكون قد اجتمعت لدينا مواد البناء و ايضا الرسوم التخطيطية للتصميم، و من بعد هذا نطمئن الي ان نقدم بناء تاريخيا صحيحا عن الجيل الذي نجمع اسبابنا علي درسه. و انا اريد في التاريخ شيئا كالذي ورد علي لسان المرحوم شوقي وصفا شعريا:



«أفضي الي ختم الزمان ففضة

و حبا الي التاريخ في محرابه»



«و طوي القرون القهقري حتي أتي

فرعون بين طعامه و شرابه»



أو شيئا كالذي طالعنا به المأسوف عليه (جان دبس) النابغ اللبناني، حين صنع، علي ضوء بحوث المخططين و المنقبين في اطلال هياكل بعلبك، نموذجا مشيدا لتلك الهياكل ايام كانت تفيض بالحياة و الاحياء، و قد انتهت به محاولته الي ان يبعثها كما لو كان دونها ستار فأزاحه.

هذا عمل في جانب من التاريخ نريد مثله في جوانبه الاخري. و انا لا اشك مع ذلك ي ان الدرس الاستنتاجي قد يخضع احيانا للخاطر الوثاب، و يكون قويا يعلل الحادث او المجري الواقعي تعليلا صحيحا لا يتسق العرض الا به و لا يستقيم الا عليه. و هذا شي ء لا نمتنع عن الأخذ بمثله في التاريخ مادمنا نقدمه علي انه اجتهاد فقط و ليس تاريخا. و لا يشتبه في ان بينهما فرقا جوهريا


يبيح للناقد ان يفسر و يعلل و يقارن و يؤاخي و يطابق بين حوادث التاريخ علي الشكل الذي يتراءي له انه حق صحيح. و انما نلح بتقرير هذا الفرق قصد ان يتضح لأولئك الأنبوشيين [1] الذين لم يتصلوا بالثقافة الا من وجه عام، و لم يعنوا بتصنيفها و تنسيقها علي طريق علمي، فهم لذلك يجيزون الخلط بين العلوم و الادبيات خلطا شنيعا.

فالمؤرخ القدير يستطيع أن ينفذ الي غيابات الماضي البعيد بجناح من النصوص و حاسة الالهام او حاسة [2] الاتجاه كما يدعونها احيانا؛ و هذه الحاسة لابد من توافرها عند المؤرخ لكي بستقيم له ازاحة النقاب عن وجه التاريخ، كما لو نقل الينا الماضي السحيق او نقلنا اليه.

و نعني بحاسة الالهام القدرة الفنية التي يدخل في جملة عناصرا، سرعة الانتقال لذهني مع دقة الملاحظة. و هذه القدرة الفنية هي التي تجعل من الروائي قاصا خلاقا او ابداعيا، و من الاخباري مؤرخا فاطرا او ابتداعيا.


پاورقي

[1] نسبة الي الانبوشة و هي النبتة اول ما تتکشف عنها الارض.

[2] هي حاسة سادسة زعموها في الطير کالحمام و حيوانات اخري.