بازگشت

عظمة المضاء


و هذا جانب أكثر عملية من الصراحة اذ هو التصميم و العزم النافذ و توطين النفس الي النهاية علي أية أشكالها. و هذا شي ء يشعر به أرباب المشاعر المرهفة حتي أنهم يحسون في دمائهم غليانا، كأن بركانا انفجر و ثار في شرايينهم، فهو يقذف بالحمم و يندفع كالسيل الناري حين ينصب من علو بين الشرر المتصاعد و القوة المتدافعة، و بين النفس اللافح و الانهمار القوي. فلا براح من أن يمضي بدون تراخ تحت شعوره الجياش و احساسه الملتهب. و اسمعوا اسمعوا الي كلمات الحسين (ع) كيف تخرج مع هذا الشعور الخطير. قال: «الحمد لله، و ما شاء الله و لا قوة الا بالله، و صلي الله علي رسوله، خط الموت علي ولد آدم مخط القلادة علي جيد الفتاة، و ما أولهني الي اسلافي اشتياق يعقوب الي يوسف، و خير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تقطعها عسلان القلوات بين النواويس و كربلا، فيملأن مني أكراشا جوفا و أجربة سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم رضي الله رضانا أهل البيت، نصبر علي بلائه و يوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول


الله لحمته، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه و ينجز بهم وعده، الا فمن كان باذلا فينا مهجته و موطنا علي لقاء الله نفسه فليرحل معنا، فانني راحل مصبحا ان شاء الله تعالي.)

هذه الكلمات الثائرة كانت منطق الحسين (ع) لأولئك الذين أرادوا أن يحملوا علي غير رأيه. و لهؤلاء عذرهم فانهم لا يحملون نفسه و لا يشعرون بشعوره، و لا يتوقد في نفوسهم ما يتوقد في نفسه.

و لندرك عظمة هذا الموقف الذي يقفه الامام، و يأبي الا أن يمضي الي غايته، نذكر الرجالات الذين نهوه عن الخروج، منهم أبوبكر عمر بن عبدالرحمن المخزومي،و عبدالله بن عباس، و عبدالله بن عمر، و محمد بن الحنفية؛ و كلهم من خلص الرجال، و لكنهم في مواجهة الرجولة الحقة، فقدوا جلد الرجولة و بدوا كدقاق الحصي في سفح الجبل الأشم حين تعصف العاصفة، تسمع أصواتا مع انحدارها و ربما كانت ضجة من الاصوات، و الجبل في موقفه ساخر في صموت، و ساكن في غير مبالاة. و ربما كان جوابا خالدا في التصميم و العزيمة، قول الحسين (ع) لابن عمر لما أشار عليه بصلح أهل الضلال، و حذره من القتل و القتال فقال: (يا أباعبدالرحمن أما علمت أن من هوان الدنيا علي الله، أن رأس يحيي بن زكريا، أهدي الي بغي من بغايا بني اسرائيل).

هذه فقرة نبيلة من جواب الامام، تجعلنا نلمس مقدار قوة التصميم عنده، و مقدار مضاء العزيمة لديه، لتحقيق هدفه الذي لا يحيد عنه قيد أنملة.

و كذلك مضي و هو لا يري الا مبدأه الذي يأتلف من كلماتث ثلاث، ثم لا يسمع سوي صوت هذه الكلمات عميق الصدي سحريا...

الله. رسوله. القرآن