بازگشت

حركة الحسين من الوجهة النقدية


قبل أن أزايل موضوعي و أختتم المقدمة، أحب أن أتعرض لوهم وقع فيه جماعة من المؤرخين، و ان كان بحث هذا الخطأ و تفنيده، ليس بذي أهمية في نفسه. حيث لا يتماسك مع بداهة النظر الفاحص.

تذهب طائفة من المؤرخين و المتشرعين الي تحميل الحسين (ع) نتائج خطوته؛ فقد قال أبوبكر بن العربي (ان حسينا قتل بسيف جده) و لقد أكثر من التعلق بهذا متأخر و المؤرخين و بالأخص المستشرقين، و عندي أن حكما، كهذا الحكم، نتيجة لعدم التثبيت و درس كل المستندات التاريخية؛ فان من يأخذ (ذيل الامالي لأبي علي القالي) يجد فيه كيف لعب معاوية دور المبايعة ليزيد. و لا يعنيني شي ء من هذه الرواية الآن سوي ما جاء فيها من أن الحسين (ع) و عبدالله بن عمر و عبدالله بن الزبير تشاوروا فيما بينهم لمن يكون الكلام والرد علي معاوية، و قد كان النظر الي الحسين، بيد أنه ترك الكلام لابن الزبير.

حركة التنصل التي أتاها الحسين نتدعو الي التساؤل، و بالأخص اذا علمنا أن هذا المجلس كان في مسجد مكة، و كان علنيا و هو موقف له ما بعده. و معني التصدر للرد و المدافعة في موقف خطير كهذا عن المزاحمين في الترشيح علي العرش، تقديم الزعيم في صاحبه بلا ريب؛ فتنصل الحسين (ع) اذن معناه زهده في الحكم، و لكن رغم زهده ينكر أن يكون يزيد أميرالمؤمنين أو ولي أمورهم.

الي هنا نكون انتهينا الي أن الحسين ان لم يكن زاهدا في الحكم بالمعني المفهوم من هذا اللفظ، فلا أقل من أنه لم يكن مبالغا في الزحام.

و من وجه آخر، ثبت لمفكري المسلمين عامة في ذلك الحين أن يزيد بالنظر الي خلقه الخاص و تربيته ذات اللون المتميز، سيكون أداة هدامة في بناء الحكومة و الدين معا؛ و عدوا ولايته منكرا كبيرا، لا يصح للمسلم السكوت معه أبدا، و من واجبه الجهر بالانكار، اذن فحركة الحسين (ع) لم تكن في حقيقتها ترشيحا لنفسه بل للانكار علي ولاية يزيد أولا و بالذات، بدليل قول الحسين (ع) للوليد لما


طلبه للبيعة: ان يزيد فاسق مجاهر لله بالفسوق. و كما قلنا كان هذا الشعور و الاستياء عاما في المسلمين، حتي قال عبدالله بن همام السلولي:



فان تأتوا برملة أو بهند

نبايعها أميرة مؤمنينا



اذا ما مات كسري قام كسري

نعد ثلاثة متناسقينا



فيا لهفا لو أن لنا ألوفا

و لكن لا نعود كما عنينا



اذا لضربتمو حتي تعودوا

بمكة تلعقون بها السخينا



حشينا الغيظ حتي لو شربنا

دماء بني أمية ما روينا



لقد ضاعت رعيتكم و أنتم

تصيدون الأرانب غافلينا



و الخطأ الكبير الذي يقع فيه كتبة التاريخ التحليلي، انهم يقيسون النفسيات و شعور الجماعات التاريخية بقياس استنتاجي عام بدون اعتبار لقياس الفارق.

فان المسلمين، و قد توحدت عندهم عملا السلطة الدينة و الزمنية، كانوا لا يرضون بالامام الاعظم أن يكون في صفات يزيد أبدا. و هل يكفي في الخليفة أن تبايعه بطانته و حاشيته. فخروج الحسين (ع) كان رغبة المسلمين عامة، و من ثم ترك هذا الصدي و الرجع البالغين، حتي زلزلا عرش الامويين و ساقاه الي الانهيار. و لنلتمس شاهدا عصريا لهذا الذي نذكر؛ فقد روي ابن سعد في ترجمة عبدالله بن حنظلة انه بايع [1] أهل المدينة ليالي الحرة علي الموت و قال:

(يا قوم اتقوا الله وحده لا شريك له، فوالله ما خرجنا علي يزيد حتي خفنا أن أن نرمي بالحجارة من السماء، ان رجلا ينكح الامهات و البنات و الاخوات و يشرب الخمر و يدع الصلاة، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لا بليت لله فيه بلاء حسنا). و بهذه المناسبة أذكر أن توحيد السلطتين، هو السبب في اثارة هذه القلاقل المستمرة، و لو كان معاوية أكثر تعقلا، و هو يعلم من خلائق يزيد، لعمل علي الفصل بين السلطتين، بحيث تجمعان للكف فقط، و ان كان يترتب


علي نظام كهذا، ايجاد سلطتين أو أكثر في الدولة، غير أنها تعمل متعاونة، كما هو الحال في نظام السلطات الحديث القائم علي نظرية (مونتيسكيو).

علي أن الخلفاء قد اضطروا أحيانا الي فصل السلطتين في الولايات، فقد كان يبعث الخليفة كعمر (ض) بالوالي الزمني و بالقاضي معا، بحيث لا يكون للوالي سلطة علي القاضي بل يعملان متعاونين. و هذا ممارسة لفصل السلطتين في مناطق محدودة. و يسرني أن أختم المقدمة بكلمة الاستاذ نيكلسون:

(كان الامويون في نظر الدين طغاة مستبدين لانتهاكهم قوانين الاسلام و شرائعه و امتهانهم لمثله العليا و وطئها بأقدامهم و ان كانوا كذلك فلا يحل لهم أن يقتلوا المؤمنين الذين امتشقوا الحسام ضد الغاصبين لسلطانهم، و أما حكم التاريخ في هذا الموضوع اذا ما تصدينا لبحثه فلن يعدو أن يكون حكم الدين ضد الملوكية أو قضاء الحكومة الدينية ضد الامبراطورية و علي هذا الأساس يحكم التاريخ بحق بادانة الأمويين (أي في مصرع الحسين) علي أنه يجمل بنا نذكر أن انفصال الدين عن لحكومة لا وجود له في نظر المسلمين).

هذه مقدمة ليس من و كدي فيها أن أتناول صحابيا، و كلهم بررة كرام؛ و انما الغرض منها أن نعرض و نفهم أسباب الانقلاب و عناصر الثورة الخطيرة في ذلك المحيط.

ثم لا يسعنا الا أن نثني علي جميعهم كما وقف عليهم أميرالمؤمنين علي (ع)، و أبنهم و أرسل في كل منهم كلمة مشكورة، و دمعة حري...



پاورقي

[1] راجع الطبقات الکبري.