مدفن رأس الحسين
اختلفت الاقوال في مدفن الراس الشريف علي اقوال: منها ما اشترك بين الاماميه و العامه، و منها ما اشترك بين الاسماعيليه و العامه، و منها ما اختص بالاماميه، و منها ما اختص بالعامه، و نقول:
المشترك بين الاماميه و العامه:
انه بعدما طيف في الشام رد الي كربلا و دفن مع الجسد.
هذا هو المشهور بين الاماميه،و عليه عملهم في الاعصار، بل يمكن دعوي
الاجماع عليه خصوصا في عصرنا.
قال السيد في اللهوف [1] : فاما راس الحسين عليه السلام فروي انه اعيد فدفن بكربلا مع جسده الشريف، و كان عمل الطائفه علي هذا المعني المشار اليه.
و قال الشيخ ابن نما [2] بعد ذكره الاقوال في مدفن الراس: و الذي عليه المعول من الاقوال انه اعيد الي الجسد بعد ان طيف به في البلاد و دفن معه.
و قال افتال النيسابوري في روضه الواعظين: و خرج علي بن الحسين عليهماالسلام بالنسوه من الشام ورد راس الحسين الي كربلا [3] .
و في البحار [4] : المشهور بين علمائنا الاماميه انه دفن راسه مع جسده، رده علي بن الحسين عليهماالسلام.
و قال السبط في التذكره: و اختلفوا في الراس علي قوال اشهرها انه رد الي المدينه مع السبايا ثم رد الي الجسد بكربلا فدفن معه، قاله هشام و غيره.
لعل في العباره تصحيفا، و الصحيح انه رده ابن زياد مع السبايا الي الشام ثم رد الي كربلا. و يمكن ان يراد بالمدينه مدينه الشام، و الا فظاهره ان يزيد رده مع السبايا الي المدينه، ثم رد من بين الطريق الي كربلا، فدفن مع الجسد.
فتدبر.
و عن المرتضي [5] في بعض مسائله:
انه رد الي بدنه بكربلا من الشام. و قال
الطوسي: و منه زياره الاربعين.
و في كتاب الحسين قال: و الاماميه و بعض اهل السنه علي انه مدفون الراس بالمسك و الكافور و سلمه لهم- اي الاساري- فاخذوه و ساروا به الي كربلا و دفنوه مع الجسد الشريف.
و في ترجمه تاريخ الاعثم الكوفي قال: ثم جهز يزيد علي بن الحسين و من معه الي المدينه، و سلم اليهم رووس الشهداء، فتوجهوا الي المدينه و وصلوا الي كربلا في يوم العشرين من صفر، فدفن الراس مع الجسد الشريف، و دفنوا رووس سائر الشهداء هناك. انتهي.
و في تاريخ حبيب السير: ان يزيد بن معاويه سلم رووس الشهداء الي علي بن الحسين عليهماالسلام فالحقها بالابدان الطاهره يوم العشرين من صفر، ثم توجه الي المدينه الطيبه. قال: و هذا اصح الروايات الوارده في مدفن الراس الكريم.
انتهي.
و بالجمله فعمل العصابه علي ذلك قديما و حديثا.
اما كيفيه دفنه هل وضع موضعه من الجسد او في الضريح؟ فنقول فيه ما قاله السيد ابن طاوس في الاقبلال: اعلم ان اعاده راس مولانا الحسين عليه السلام الي جسده الشريف يشهد به لسان القرآن العظيم، فلا ينبغي ان يشك في هذا العارفون، و اما كيفيه احيائه بعد شهادته و كيفيه جمع راسه الشريف الي جسده بعد مفارقته فهذا سوال يكون فيه شواذب من العبد علي الله عز وجل جلاله ان يعرفه كيفيه تدبير مقدوراته. الي ان قال: و ما كنت الاعاده بامور دنيويه، و الظاهر انها بقدره الهيه. الي ان قال: و لم اذكر الان انني وقفت و لا رويت من كان
من الشام الي الحائر- علي صاحبه اكمل التحيه و الاكرام- و لا كيفيه دخول حرمه المعظم، و لا من حضر ضريحه المقدس حتي عاد اليه، و هل وضعه موضعه من الجسد او في الضريح مضموما اليه، فليقتصر الانسان علي ما يجب عليه من تصديق القرآن من ان الجسد المقدس تكلم عقيب الشهاده و انه حي يرزق. انتهي.
و بالجمله ان قلنا بلحوق الراس الي الجسد- كما هو ظاهر بعض الاخبار و كلمات بعض الاخبار- فذلك بقدره الهيه. و ان قلنا بوضعه عند الجسد فبامور عاديه. و سيجي ء عن قريب زياده بيان و توضيح لذلك. فانتظر.
و اما القول المشترك بين الاسماعيليه و بعض العامه:
قال في كتاب الحسين: و الاسماعيليه و كثير من اهل السنه علي انه دفن بدمشق و نقل الي عسقلان و منها الي القاهره، و سيجي ء ضعفه ورده.
و اما القول المختص بالاماميه: هو ان الراس دفن عند ابيه الطاهر بالنجف الاشرف. عد السيد المعاصر في لواعجه [6] هذا قولا و نسبه الي بعض علماء الشيعه و لم يذكر القائل، و كلما فحصنا لم نجد من يقول به الا ظاهر صاحب الوسائل حيث قال: استحباب زياره راس الحسين اعيد فدفن مع بدنه بكربلا. و ذكر ان عمل العصابه علي ذلك، و لا منافاه بينهما. انتهي.
و لعل مراده انه دفن عند اميرالمومنين عليه السلام ثم اعيد الي كربلاء بقدره الهيه او امور عاديه. و بالجمله فهذا ليس قولا قبال عمل العصابه.
و اعجب من هذا ما قاله المحدث المعاصر القمي قدس سره [7] : و الذي اشتهر بين علمائنا الاماميه انه اما دفن مع جسده الشريف رده علي بن الحسين عليه السلام، او انه دفن عند اميرالمومنين كما في اخبار كثيره.
و كانه قدس سره احتاط في القول و نسب التوقف و الاحتياط الي المشهور. و هو كما تري، اذا المشهور بل المجمع عليه ما ذكرنا، و القول بدفنه في النجف عند ابيه الي الان لم نجد به قائلا.
و كان الاصحاب اعرضوا عن الاخبار الداله علي ذلك و اولوها بوجوه التاويل، مع الاخبار كلها نصب اعينهم، و لم يعلموا بمضمونها مع مخالفتها في نفسها و معارضه بعضها مع بعض، فلنذكر الاخبار الوارده في ذلك:
(منها) ما قاله المفيد و السيد ابن طاوس و الشهيد رضوان الله عليهم به باب زياره اميرالمومنين عليه السلام: فاذا بلغت العلم و هي الجبانه فصل هناك
ركعتين، فقد روي محمد بن ابي عمير عن مفضل بن عمر قال: جاز الصادق عليه السلام بالقائم الماثل في طريق الغري فصلي ركعتين، فقيل: ما هذه الصلاه؟
فقال عليه السلام: هذا موضع راس جدي الحسين عليه السلام، وضعوه ههنا لما توجهوا من كربلا ثم حملوه الي عبيدالله بن زياد- الي اخر الحديث.
و ليس في الوسائل قوله «وضعوه هنا» الي آخر الحديث.
و في المستدرك عن محمد بن المشهدي في مزاره عن الصادق عليه السلام انه زار راس الحسين عند راس اميرالمومنين عليه السلام.
و بهذا وردت اخبار اخر داله علي انه عليه السلام صلي موضع راس الحسين عليه السلام، و قد مر في روايه المفيد ما يوضح ذلك.
و بالجمله فليس نصابل و لا ظاهرا في انه دفن هناك راس الحسين عليه السلام.
نعم يستحب زياره الحسين عند اميرالمومنين عليه السلام من الزيارات البعيده، و كذا زياره راس الحسين عند اميرالمومنين، و يويد ذلك اختلاف الاخبار في موضع راس الحسين و انه عليه السلام صلي فيه، ففي بعضها عند الذكوات، و في بعضها في امكنه بعد الذكوات، و في بعضها حتي دخل الجرف فنزل و صلي، و في بعضها العلم و هي الجبانه.
نعم في بعض الاخبار تصريح بانه دفن الراس الشريف هناك، منها ما رواه محمد بن الحسن باسناده عن عمر بن عبدالله بن طلحه النهدي عن ابيه قال: دخلت علي ابي عبدالله عليه السلام، فذكر حديثا حدثناه قال: مضينا معه- يعني اباعبدالله- حتي انتهينا الي الغري، قال: فاتي موضعا فصلي ثم قال لاسماعيل: قم فصل عند راس ابيك الحسين عليه السلام. قالت: اليس قد ذهب راسه الي الشام. قال: بلي و لكن فلان مولانا سرقه فجاء به فدفنه ههنا.
و مثله في روايه الكافي بادني تغيير قال: سرقه مولي لنا فدفنه بجنب اميرالمومنين عليه السلام.
(و منها) ما رواه محمد بن قولويه [8]
باسناده الي علي بن اسباط رفعه قال: قال ابوعبدالله عليه السلام: انك اذا اتيت الغري رايت قبرين قبرا كبيرا و قبرا صغيرا، فاما الكبير فقبر اميرالمومنين عليه السلام، و اما الصغير فراس الحسين عليه السلام.
و منها: ما رواه محمد بن الحسن [9] و محمد بن احمد بن الحسين جميعا عن
الحسن بن علي بن مهزيار باسناده عن يونس بن ظبيان عن ابي عبدالله عليه السلام في حديث انه ركب و ركبت معه حتي نزل عند الزكوات الحمر و توضا و صلي، ثم دني الي امكنه فصلي عندها و بكي، ثم مال الي امكنه دونها ففعل مثل ذلك. ثم قال: الموضع الذي صليت عنده اولا موضع اميرالمومنين، و الاخر موضع راس الحسين، و ان ابن زياد لما بعث براس الحسين بن علي رده الي الكوفه فقال: اخرجوه عنها لا يفتن بها اهلها، فصيره الله عند اميرالمومنين، فدفن الراس مع الجسد و الجسد مع الراس.
و هذه الروايات مع اشتمالها علي امور غريبه و مخالفتها لجل احاديث الخاصه و العامه و اعراض الاصحاب عنها، لا تدل علي بقاء الراس هناك بعد الدفن، بل يظهر من الروايه الاخيره لحوقه بالجسد بكربلا بعدما دفن هناك.
قال في البحار: قوله «و الراس مع الجسد و الجسد مع الراس» اي بعدما دفن هناك ظاهرا الحق بالجسد بكربلا، او صعد به مع الجسد الي السماء كما في بعض الاخبار. و يويد ذلك بل يشعر به قوله «فصيره الله عند اميرالمومنين».
و اما احتمال ان المراد بالجسد جسد اميرالمومنين و ان بدن اميرالمومنين كالجسد لهذا الراس لانهما من نور واحد، فبعيد جدا.
و مما يويد ان الله تعالي صير الراس مع الجسد ما في البحار [10] و غيره عن سليمان الاعمش عن رجل عن موكلي الراس الشريف قال: و امر يزيد فادخل الراس في القبه التي بازاء القبه التي يشرب فيها و وكلنا بالراس. الي ان قال: ثم سمعت مناديا ينادي: يا محمد هبط، فهبط و معه خلق كثير من الملائكه، فاحدقت الملائكه بالقبه، ثم ان النبي دخل القبه و اخذ الراس منها.
قال: و في روايه: ان محمدا قعد تحت الراس، فانحني الرمح و وقع الراس في حجر رسول الله، فاخذه و جاء به الي ادم فقال: يا بني آدم ما تري ما فعلت امتي بولدي من بعدي قال الرجل: فاقشعر لذلك جلدي، ثم قام جبرئيل فقال: يا محمد انا صاحب الزلازل، فامرني الازلزل بهم الارض و اصيح بهم صيحه واحده يهلكون فيها. فقال: لا. قال: يا محمد دعني و هولاء الاربعين الموكلين بالراس. قال: فدونك، فجعل ينفخ بواحد واحد، فدنا مني فقال: تسمع و تري، فقال النبي صلي الله عليه و آله: دعوه دعوه لا يغفر الله له، فتركني و اخذوا الراس و ولوا، فافتقد الراس من تلك الليله فما عرف له خبر- الي آخر الروايه اخذنا منها موضع الحاجه.
و يويده ما في اللهوف [11] قال: قال يزيد لعلي بن الحسين: اذكر حاجاتك التي وعدتك بقضائهن. فقال له: الاولي تريني وجه سيدي و مولاي و ابي الحسين فاتزود منه... قال يزيد: اما وجه ابيك فلا تراه ابدا.
لانه لا يمكنه ان يريه. فظهر مما ذكر ان الراس مع الجسد و الجسد مع الراس.
و اما الاقوال المختصه بالعامه:
فتنتهي الي سبعه، و لا يهمنا البحث عن ذلك، اذ جمله منها مبنيه علي الرويا و الكشف و راي الصوفيه، و بعض منها ينتهي الي خبر واحد راي راسا في مكان دفن فيه و ظن انه راس الحسين، و بعض منها مبني علي القول الباطني منهم من نقل الميت من مكان الي مكان، و لا فائده في نقلها الا العلم بالتاريخ، فمن اراد فليرجع الي تذكره السبط، و ابسط مما فيه ما ذكره علي جلال الحسيني في كتاب الحسين، فانه قد اتعب نفسه و نقل القوال كلها مع ردها، الي ان قال:
اقول: تقصيت ما قيل قديما و حديثنا في مكان الراس الشريف، و لم ار اختيار احد هذه القوال، لان ادلتها جميعا ليست قاطعه، و تبع ذلك شقيقه ابن تيميه في منهاج السنه.
و يمكن ان يقال: ان بعض الامكنه التي قيل فيها راس الحسين هو المكان الذي وضع فيه الراس ثم اخذ منه، كما هو الظاهر في المسجد الاموي بالشام، فان فيه مقاما يسمي براس الحسين و قد تشرفت بزيارته مرارا، اذ قد مر انه اتي براس الحسين في المسجد الاموي فوضعوه في مكان.
و يمكن ان يقال: انه هو المكان الذي وضع يزيد الراس الشريف في بيته، فلما زادوا في المسجد و وسعوه دخل ذلك البيت في المسجد.
قال السبط في التذكره و نعم ما قال: و في الجمله ففي اي مكان كان راسه او جسده فهو ساكن في القلوب و الضمائر قاطن في الاسرار و الخواطر [12] ، انشدنا بعض اشياخنا:
لا تطلبوا المولي الحسين
بارض شرق او بغرب
و دعوا الجميع و عرجوا
نحوي فمشهده بقلبي
پاورقي
[1] اللهوف ص 86.
[2] مثير الاحزان ص 107.
[3] روضه الواعظين ص 192.
[4] بحارالانوار 145:45.
[5] تجد هذا في بحارالانوار 199:44.
[6] لواعج الاشجان ص 247.
[7] نفس المهموم ص 466.
[8] کامل الزيارات ص 35.
[9] نفس المصدر ص 36.
[10] بحارالانوار 187:45.
[11] اللهوف ص 85.
[12] انظر جمله من الاقوال في موضع دفن راس الامام عليهالسلام بحارالانوار 45 :144.